اصطفافات جديدة في الصراع على سوريا

حجم الخط
2

ترافق مرور عشر سنوات على بداية الثورة السورية مع حراك سياسي ودبلوماسي متعدد بشأن الصراع في سوريا وعليها، لعل أبرزها اجتماع الدوحة الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية كل من قطر وتركيا وروسيا، وأعلن عن تشكيل «آلية ثلاثية» ستكون لها اجتماعات لاحقة، في مواعيد قريبة، في كل من أنقرة وموسكو، موضوعها «البحث عن حل سياسي في سوريا». وهو ما يوحي، ضمناً، بأن الآلية الجديدة مصممة لتكون بديلاً عن آلية آستانا ـ سوتشي، وإن كان الروس قد أنكروا ذلك.
ما الذي يعنيه هذا التشكيل الدبلوماسي الجديد؟
يعني قبل كل شيء اعترافاً، ضمنياً، بوصول «الآلية» السابقة إلى طريق مسدود، وهي الحقيقة التي باتت معروفة قبل زمن. ويعني تشكيل الثالوث الجديد، ثانياً، إخراج إيران وإدخال قطر بدلاً منها في المساعي السياسية بشأن سوريا، الأمر الذي يمكن فهمه على أنه ملاقاة للاستراتيجية الأمريكية بشأن عزل إيران، مقابل استدراج الإدارة الأمريكية الجديدة للمساهمة بصورة إيجابية في البحث عن حل للمشكلة السورية، في وقت لم يتضح بعد ما الذي قد تريده واشنطن في سوريا باستثناء مواصلة العقوبات المفروضة على النظام الكيماوي، ومواصلة دعم «قوات سوريا الديمقراطية» في الشمال الشرقي.
كذلك تعني عودة قطر للانخراط في الملف السوري نوعاً من التفاهم على ذلك مع السعودية، بعد إنجاز المصالحة الخليجية، وقد تجلت هذه العودة بأوضح صورها في عودة رئيس الوزراء السابق المنشق رياض حجاب إلى صدارة المشهد المعارض، بعد سنوات من تهميشه من قبل المحور السعودي ـ الإماراتي. في المقابلة التي أجرتها قناة الجزيرة الإخبارية مع حجاب، لاحظنا حرصاً على إظهار التفارق مع الإسلام السياسي «الذي حرف الثورة السورية عن أهدافها» كما قال المحاور محمد كريشان، في حين دعا حجاب إلى «إعادة هيكلة المعارضة بصورة شاملة».

هل تتحول دعوة رياض حجاب إلى إعادة هيكلة المعارضة إلى موضوع جديد للتجاذبات المؤذية داخل مؤسسات المعارضة تشغل الرأي العام بدلاً من إنجاز أي شيء ذي قيمة؟

بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى، يمكن القول إن انهاء الخلاف الخليجي قد انعكس إيجاباً على القضية السورية، على الأقل من حيث انهاء الوضع المشلول لمؤسسات المعارضة الرسمية بسبب التجاذبات الإقليمية في داخلها. كذلك يمكن اعتبار استبدال «آلية الدوحة» بآلية آستانة، تطوراً إيجابياً بسبب استبعاد إيران منها. يبقى أن انعكاس هذه الإيجابيات النسبية على القضية السورية ستظل مرهونة بعوامل أخرى لعل أهمها الموقف الغربي. كذلك ينبغي توخي الحذر من التفاؤل لأن روسيا بوتين تبقى هي الشريك الأقوى في الآلية الجديدة، كما كانت في القديمة، ودورها حاسم في رسم ملامح الفترة القادمة، لكونها مسيطرة عسكرياً على الوضع في سوريا، إضافة إلى امتلاكها سلاح حق النقض في مجلس الأمن.
ولم تبدر من روسيا أي إشارة إلى التخلي عن حماية النظام الأسدي، بل على العكس من ذلك، رأينا وزير خارجيتها سيرغي لافروف يستبق اجتماع الدوحة الثلاثي بزيارتين لكل من السعودية والإمارات، تقول التقارير الإعلامية إن موضوع مباحثاته مع قادة البلدين ركزت على إخراج النظام الكيماوي من عزلته ومده بالمساعدات ليتمكن من الخروج من أزمته الخانقة. هذا ما يجعلنا، كسوريين، أقل تفاؤلاً بشأن الفترة المقبلة وما يمكن للآلية الثلاثية أن تنجزه في ظل التعنت الروسي في التمسك بالنظام وفي الدفاع عن حقه في إجراء الانتخابات الرئاسية بعد أشهر قليلة.
من جهة أخرى جاءت التصريحات الأوروبية والأمريكية بشأن رفض منح الشرعية للانتخابات المذكورة، استمراراً لمواقف تلك الدول الداعمة لـ«العملية السياسية» في إطار «اللجنة الدستورية» المعطلة، وقد كانت في الأصل هروباً من استحقاقات الانتقال السياسي وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ويتضح من المقالة التي نشرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شبكة بلومبرغ، ووجه فيها نداءً إلى الدول الغربية لدعم الموقف التركي في سوريا بصورة فعالة بدلاً من «مراقبة الصراع من المدرجات» على حد تعبيره… يتضح أن تركيا نفسها لا تعول كثيراً على الآلية الثلاثية الجديدة ما لم تدعم بجهود الدول الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة التي خاطب أردوغان رئيسها جو بايدن مطالباً إياه بالوفاء لوعوده في الحملة الانتخابية بشأن سوريا. فالآلية الثلاثية ملغومة سلفاً بسيرغي لافروف الذي لا يفوت فرصة إلا ويكرر فيها أن بشار الأسد هو رئيس شرعي منتخب لسوريا المنكوبة به.
ثمة دعوات في الكونغرس الأمريكي لتشديد العقوبات على النظام الكيماوي وحلفائه، ومحاسبته على استخدامه المتكرر للسلاح الكيماوي، قبل صفقة أوباما بشأنه وبعدها، وثمة تشدد أوروبي تجاه النظام ما زال في إطار البيانات والتصريحات. من المحتمل أن روسيا تستأنف مساعيها المتجددة لفتح قناة دبلوماسية مع الإدارة الأمريكية، على أمل منها لإيجاد توافقات بشأن سوريا وموضوعات الخلاف الأخرى، ويمكن اعتبار استبعاد إيران من الآلية الثلاثية بشأن سوريا نوعاً من «رشوة» للولايات المتحدة بهذا الخصوص.
هل تتحول دعوة رياض حجاب إلى إعادة هيكلة المعارضة إلى موضوع جديد للتجاذبات المؤذية داخل مؤسسات المعارضة تشغل الرأي العام بدلاً من إنجاز أي شيء ذي قيمة؟

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامي صوفي:

    دعوة السيد حجاب ل «إعادة هيكلة المعارضة» لن ترى أذان صاغية، لأنه سبق أن طرحها حجاب و غيره. إعادة هيكلة المعارضة هي كمن «يغير كيس الزبالة في سطل الزبالة» لأن المحصلة تبقى زبالة. و مع أن المعارضة لم تستطع فعل شيئ كونها لم تحظى بالدعم الدولي، علينا أن لا ننكر أنه لا يوجد مسؤول غربي مستعد للانتحار سياسياً بدعم معارضة تسكن بيوت ثمنها بالملايين، و تملك مطاعم، و تركب رولز رويس!
    كان خطأً استبعاد ايران من اللجنة الثلاثية ليس لأن ايران مفيدة للحل، بل لأنها طرف في الصراع يجب التفاوض معه على الحل في سوريا. استبعاد ايران قد يكون لانشاء «لجنة ملامحها سنّية» للحل، ناهيكم أن روسيا و تركيا هما ضد ايران في سوريا. أو أنا روسيا ترى النظام منهاراً، و لذلك تريد دعم تركيا المجاورة و التمويل القطري في حال انهيار مفاجئ للنظام.
    رسالة اردوغان لبايدن ليست مخطئة بأن تركيا تستطيع أن تساعد في الحل السوري. المشكلة ان اردوغان مرفوض اميركياً، و بايدن ليس على وفاق معه منذ اتهام اردوغان لإدارة اوباما بدعم انقلاب غولن ٢٠١٦، و بعد ارسال اردوغان «محافظ اسطنبول» لاستقبال بايدن في المطار لإهانته (آب ٢٠١٦) عندما زار بايدن تركيا لتنقية الاجواء.

  2. يقول فهد الطراونة:

    لن باتي سوريا خيرا من العرب….للاسف هذه حقيقة….لان فاقد الشيء لا يعطيه

اشترك في قائمتنا البريدية