رام الله ـ «القدس العربي»: لا تتوقف الأسئلة التي يثيرها اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس اسماعيل هنية في طهران، ولعل أبرزها وأكثرها حضورا جماهيريا ما ارتبط منها: أثر عملية الاغتيال على الحركة في ظل تصاعد سياسة التصفيات مع الحرب الدائرة على قطاع غزة منذ ما يقرب من عشرة شهور؟ هذا أولا، وثانيا، ما دلالة مشهد التشييع المليوني في العاصمة طهران وما أثار من تفاعلات فلسطينية وعربية وإسلامية؟ والسؤال الثالث ما تعلق بكيف يكون الثأر أو الرد الحمساوي على عملية الاغتيال والتي تأتي في ظل ظرف معقد ومتشابك ومواجهة مفتوحة مع دولة الاحتلال؟
وحسب ساري عرابي، الكاتب والباحث في القضايا العربية والإسلامية، فإن اغتيال اسماعيل هنية هو أمر متوقع في قيادة الحركة، فالتهديد بالاغتيال كان معلنا. وهناك مجموعة من القيادات والأسماء السياسية برسم الاغتيال الإسرائيلي سواء كانت موجودة خارج الأرض المحتلة أو داخل قطاع غزة، فالاحتلال أعلن ان جميع قيادات الحركة برسم الاغتيال.
وأضاف: «الاغتيالات السياسية ليست بالأمر الجديد لدى الحركة. الاحتلال حاول اغتيال خالد مشعل في الأردن 1994 كما اغتال الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي واسماعيل أبو شنب وجمال منصور وجمال سليم وغيرهم من القيادات العسكرية تاريخيا مثل: يحيى عياش صلاح شحادة وأحمد الجعبري وقيادات كثيرة».
ألم مزدوج وبوصلة
ويعتقد عرابي أن هذا الاغتيال يترك «ألما مزدوجا» حيث يمثل بالدرجة الأولى خسارة للقيادة المهمة في الحركة، وثانيا يعكس ألما مرتبطا بعنجهية الاحتلال وغطرسته وإحساسه بالتفوق وقدرته على الوصول إلى أي شخص.
لكنه يستدرك قائلا: «إلا أن هذه الاغتيالات كانت بالنسبة للشعب الفلسطيني بمثابة بوصلة للطريق الصحيح، تحدد المسار الصحيح. فاستشهاد قادة الحركة وكوادرها وثباتها على خطها السياسي المقاوم هو الذي مثل الرافعة للحركة، فلم يكن للحركة أن تحظى بمثل هذه المكانة على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي، وأن تكون بهذا القدر من التأثير سواء المباشر في صناعة التحولات في العالم كما حصل في طوفان الأقصى، أو من ناحية الصعود على مستوى الجماهير، من فعل ذلك هو هذه الدماء والأثمان التي دفعتها الحركة من قياداتها، فمن ينتسب للحركة ويسلك دربها ويمضي به هو برسم دفع الثمن: اعتقال شهادة وحصار..الخ».
ويشدد على أن أثمان استشهاد القادة هو الذي مثل الرافعة للحركة وجعلها مضمنة في الوعي الجماهيري بهذا الشكل. فاغتيال القادة له مؤشرات على المسار والطريق، ومؤشرات على الجدية والصدقية في الخط والمشروع والفكرة، وله قيمة الرافعة لدى الجماهير وعموم الناس ومؤشر على البوصلة.
أما بالنسبة لبنية الحركة والحديث لعرابي، فالاحتلال يسعى من وراء هذه الاغتيالات خلق حالة من الفوضى وأن يفقد الحركة مستويات من القادة يعتقد الاحتلال أن تعويضها ليس أمرا سهلا، لكن الحركة استمرت تاريخيا، وكبرت رغم الاغتيالات.
ويشدد الباحث عرابي على أنه لا شك أن عملية الاغتيال في هذه اللحظة لها حساسية خاصة، فنحن نتحدث عن اغتيال سابق للشيخ صالح العاروري في بيروت، كما هناك ظروف خاصة لها علاقة بالحرب على غزة، حيث يعيش هناك قائد الحركة يحيى السنوار في مواجهة مفتوحة، وهذا يخلق تحديا خاصا.
ويكمل أن الحركة ستجيب على ذلك التحدي بما يؤكد وحدتها ويكرس قدرتها على تجاوز صعوبات من هذا النوع، وبما يفوت فرصة خلق الفوضى التي يسعى إليها الاحتلال.
المشهد في إيران
ويقرأ عرابي في حديث خاص بـ«القدس العربي» مشهد التشييع الجماهيري في طهران قائلا: «استشهاد هنية بطهران يعكس انضمام جبهات الإسناد الموجودة بالمنطقة، إنه يعكس انضمام أوسع لعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر العام الماضي، فالأحداث الكبرى منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم وفرت الإجابة الصحيحة على الإشكاليات والانقسامات الذاتية التي تعيش بها الأمة، ووفرت القاعدة لمعالجة كل هذه الإشكاليات والانقسامات على مدى أكثر من عشر سنوات من الانقسام الطائفي منذ احتلال العراق عام 2003 ثم الانقسامات التي حصلت في العراق وسوريا ولبنان واليمن».
ويوسع دائرة الرؤية ويقول: «طوفان الأقصى والتحام قطاعات وشرائح متعددة من الأمة تختلف مذهبيا وطائفيا ولكنها تتفق على قاعدة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي يعطي الإجابة الصحيحة حول كيفية معالجة المشاكل الذاتية في المنطقة والأمة، وعلى كيفية تجاوز الانقسام الطائفي، «وهذا لا يكون إلا على قاعدة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتصفية العامل الاستعماري الأجنبي، وذلك يتم من خلال أدوات الأمة وعبر أبنائها أنفسهم دون تدخل استعماري خارجي».
ويكمل: «تشييع هنية من خلال الملايين داخل طهران جزء من الإجابة على الإشكاليات الداخلية والذاتية الموجودة في الأمة، فقاعدة مواجهة الاحتلال أساس الوحدة، حيث تم تجاوز المذاهب والطوائف، في المقابل هناك حلفاء لإسرائيل في المنطقة، وللأسف الشديد من دول عربية سيزعجهم هذا المنظر وسيعملون على اذكاء الروح الطائفية، وهذا حصل بالفعل عبر قنوات إعلامية أو ذباب إلكتروني، وواضح من خلال بيانات التعزية والمشاركة في تشييع جثمان هنية في الدوحة، كل ذلك يظهر لنا تماما من هم الأطراف المعادية لخط المقاومة والقضية الفلسطينية ويضر مشروعهم معالم تجاوز الحالة الطائفية على قاعدة مواجهة الاستعمار الأجنبي».
ويرى أن هذا التناقض يعتبر «تحديا حقيقيا» فالمطلوب من العقلاء الاتحاد على القاعدة السابقة، وأن يستثمروا المشهد القادم من طهران على اعتبار أنها فرصة لتجاوز الطائفية وإيجاد الحلول العملية للتعدد والغنى والثراء الموجود في المنطقة العربية ولا سيما في المشرق العربي، فخلق الانقسام الطائفي والمذهبي والسياسي والاجتماعي هو بداية أداة من أدوات الاستعمار الأجنبي والصهيوني، فمقولة «فرق تسد» مقولة استعمارية معروفة في المنطقة العربية على وجه التحديد ولنا تجربة طويلة معها منذ الاستعمار والانتداب البريطاني والفرنسي. وكلاء الاستعمار الذين يعتبر وجودهم منوطا بالحماية الاستعمارية ويجدون أنفسهم في موقع متناقض مع القضية الفلسطينية والمقاومة وقوى التحرر، وأعني هنا مجموعة من الدول العربية التي أخذت موقفا واضحا إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي على المستوى الخطابي أو الإعلامي والدعائي العملي، هؤلاء سيسعون للاستثمار في أدوات الشقاق والفرقة حيث الخطاب الطائفي والجدل والسجال من جديد، حيث لن يتوانوا عن ذلك، وهو جزأ من حالة عدم التلاقي على قاعدة القضية الفلسطينية، فعداؤهم للقضية واضح وتحالفاتهم لا تسير في خدمتها».
ويشدد: «هم أصلا لا يمكنهم الاستمرار في تضليل شعوبهم إلا عبر أدوات تشويه وتضليل وتزييف الوعي بالتركيز على الجوانب الطائفية، فنحن نعيش في منطقة غنية بالتنوع، تاريخيا هناك مذاهب وطوائف وأديان، وهو أمر يمكن ان يكون سببا من أسباب التلاقي والتحاور والثراء العلمي والمعرفي وليس لإذكاء الصراع الاجتماعي».
وبحسب الباحث عرابي فإن هذا يلقي قدرا من المسؤولية على أبناء القضية سواء أكانوا فلسطينيين أو غير فلسطينيين من حلفاء في المواقع الأخرى، «فالمقاومون سنة وشيعة لديهم فرصة تاريخية لبناء قاعدة ولوضع إجابات حول كيفية التعايش والتلاقي في المنطقة التي نعيش فيها، فنحن أمام فرصة عظيمة لتجاوز الاستقطاب الطائفي».
ثأر حالي أم مؤجل
في السياق الفلسطيني الجميع ينتظر ويطرح سؤال الانتقام أو الثأر لاغتيال القادة في حركة حماس وتحديدا الشهيد هنية، هنا يقول الدكتور أحمد أبو الهيجاء، وهو باحث في علم الاجتماع السياسي والحركات الاجتماعية، إن الواقع الميداني والقدرة هي التي تحكم موقف الحركة وذلك في حال تم حصر الرد بالداخل الفلسطيني المحتل، أما في حال فتح خيار الرد من الخارج فالخيارات ستكون أوسع بكل تأكيد.
ويشدد في حديث خاص بـ«القدس العربي» على أن حماس ردت على اغتيال الشيخ أحمد الياسين لكن العمليات لم تكن تليق به. حيث كانت هناك سلسلة عمليات لكنها لا يمكن أن تقاس بحجم الاغتيال.
ويضيف: «هناك قضية مهمة بالنسبة للإسرائيليين، فهم يختارون توقيت الاغتيال جيدا. مثلا اغتيال أحمد ياسين، وهو قائد سياسي روحي، لم يكن متخفيا، لقد تم اغتياله 2004 أي بعد أن أنهكت سياسات الاحتلال في الضفة الغربية الجناح العسكري لحماس. فلم يغتالوه في فترة قبل عملية السور الواقي على الضفة، حيث كانت الخلايا العسكرية لكتائب القسام قادرة على الانتقام».
يكمل: «كان يمكنهم اغتيال الياسين طوال الوقت، لكنهم تقصدوا فعل ذلك في لحظة ما بعد علمية السور الواقي أي بعد تدمير البنية التحتية للقسام في الضفة، فالظروف العملياتية تحكم سلوك الإسرائيليين، هم يختارون اللحظة التي ينفذون فيها عملية الاغتيال وهي لحظة مدروسة جيدا».
وأما حول خيارات حماس اليوم يقول: «حماس اليوم أمام حسابات سياسية معقدة، مثلا لا نستعبد أن يرافق حجم الاغتيالات الكبيرة مرونة أكبر من بنيامين نتنياهو في المفاوضات، هو شخص ذكي ويمكن أن يسعى لتفويت أي عملية رد من حزب الله أو حماس، بحيث يسلم بشروط الصفقة الأمريكية، قد يقول موافق على الصفقة، على اعتبار انه يقدم المسألة من باب أنه عمل على تحقيق الإنجازات».
الأمر بالنسبة للباحث عرابي يتفق مع الباحث أبو الهيجا، فقضية الثأر عند فصائل المقاومة هي «قضية مفتوحة» فليست بالضرورة أن تكون آنية وعاجلة أو سريعة، وهي منوطة أولا بالقدرات والامكانيات، وأيضا بالظروف والحسابات والأوضاع السياسية.
يضرب عرابي مثالا في انتفاضة الأقصى حيث نفذت حركة حماس عمليات أقوى بكثير من تلك العمليات التي تلت استشهاد الشيخ أحمد ياسين أو الدكتور عبد العزيز الرنتيسي او صلاح شحادة مع أن هؤلاء قادة بثقل أهم وأكبر، لكن الأمر كان منوط بقدرات الحركة في حينه.
ويتابع: «الحركة في صراع مفتوح مع الاحتلال وليس بالضرورة أن يكون لديها ثأر أني وفوري».
ويشدد على ضرورة عدم النسيان أن ظروف الحركة في هذه المرحلة هي «ظروف خاصة» فقاعدة الحركة الرئيسية في قطاع غزة، والقطاع الذي كان يثأر أحيانا كما حصل عام 2021 عندما ساندت القدس وهبة الأقصى وهبة الشيخ جراح وباب العمود. حيث كانت تملك من القدرات ما يعينها على الدخول في مواجهة في ذلك الوقت، أما اليوم فالحركة في القطاع تخوض مواجهة منذ عشرة شهور، وبالتالي قد لا يكون هناك رد آني فوري إنما هو جزء من الصراع والثأر المفتوح بين الحركة والاحتلال الإسرائيلي.
هه عصابة من اللصوص المجرمين الدمويين النازيين الفاشيين الصهاينة الملاعين تحميهم أمريكا بالسلاح والمال القذر منذ 1948 ✌️🇵🇸☹️💪🚀🐒👿👹🚀