أكد مختصون اقتصاديون على أن الخسائر حتى قبل انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تجاوزت الثلاثين مليار دولار، نتيجة حجم الدمار الهائل والكارثي الذي أصاب القطاعات الصناعية والتجارية في مختلف مناطق قطاع غزة، نتيجة القصف الإسرائيلي المتعمد لاستهداف هذه المنشآت، بغرض إلحاق أكبر قدر من الدمار في أهم القطاعات الأساسية في القطاع، حيث يقدر خبراء أن إمكانية تعافي هذه القطاعات بشكل سريع يعتبر أمراً مستحيلاً، نتيجة الحصار المفروض وإغلاق كافة المعابر مع غزة، واحتمالية تشديد الاحتلال الإسرائيلي الحصار على القطاع حتى بعد الحرب.
ومع بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أغلقت جميع المصانع والمنشآت التجارية أبوابها، بعد أن أطلق الجيش الإسرائيلي عملية السيوف الحديدية على غزة، وبدأ بشن غارات عنيفة ومكثفة ركزت منذ الأيام الأولى من العملية على تدمير المنشآت الصناعية والتجارية، حيث أظهرت مقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل استهداف عدة مصانع رئيسية وبطاقة تشغيلية عالية من الأيدي العاملة، التي توقفت عن العمل نتيجة الخراب الذي حل بالمنشآت.
وتعاني القطاعات الصناعية والتجارية بشكل عام حتى قبل الحرب الدائرة من أزمات متراكمة، من جراء تحكم الاحتلال في آلية تشغيل هذه المنشآت وفي عملية استيراد السلع والبضائع، ومنع عدد كبير منها من الدخول لقطاع غزة بحجج أمنية واهية، عدا عن صعوبة عدد من المنشآت في العودة مجدداً للعمل، نتيجة ما حل بها من دمار خلال الحروب والتصعيدات العسكرية السابقة على قطاع غزة، وعدم تقديم التعويضات لأصحاب هذه القطاعات من أجل استئناف العمل.
ووفق تقرير صادر عن المرصد الاقتصادي التابع للسلطة الفلسطينية، فإن ما يقارب من 85 في المئة من المنشآت الاقتصادية تضررت بشكل كامل من جراء الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، حيث توقفت منذ بدء الحرب أكثر من 65 ألف منشأة في غزة، ويعتبر قطاع المــفروشات والأثاث والصناعات الدوائية والبلاستيكية وغيرها، من أكثر القطاعات المتضررة من جراء الحرب، بعد أن دمرت الطائرات عدداً من هذه المنشآت بشكل كامل.
فعلى صعيد قطاع الزراعة والثروة السمكية، فقد بلغت قيمة الخسائر في هذا القطاع أكثر من ثلاثة ملايين دولار، بعد أن استهدفت الطائرات الإسرائيلية عدداً كبيراً من المساحات الزراعية، وتوقفت عملية الإنتاج الزراعي من جراء الدمار الكبير والقصف المتواصل للأراضي الزراعية حيث تضررت قرابة 34 في المئة من مساحة الأراضي الزراعية من إجمالي 52 في المئة من المساحات الزراعية في شمال وجنوب قطاع غزة إضافة إلى تعمد البحرية الإسرائيلية تدمير قطاع الثروة السمكية، بعد هدم أجزاء واسعة من ميناء الصيادين وتدمير أعداد كبيرة من مراكبهم، وإغراق عدد كبير منها داخل حوض الميناء، عدا عن قصف وتدمير غرف تخزين معدات الصيد داخل الميناء الوحيد في قطاع غزة.
أما على صعيد قطاع الخدمات التشغيلية، فقد أثر توقف هذا القطاع بشكل كامل عن العمل في كارثة إنسانية صعبة على شريحة واسعة من العمال، بعد توقف أكثر من 147 ألف عامل نتيجة تعمد جرافات الاحتلال التي توغلت إلى وسط مدينة غزة، تجريف المناطق التجارية المركزية وسط مدينة غزة وإلحاق الأذى والدمار بعدد من المنشآت التجارية التي كانت توفر فرص عمل لآلاف العمال الأمر الذي يهدد بزيادة نسب البطالة في قطاع غزة والتي وصلت إلى مستويات مرتفعة جداً.
منطقة منكوبة
قال وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي، إن الاحتلال الإسرائيلي تعمد تدمير كامل الحياة الاقتصادية منذ بدء الحرب على قطاع غزة، حيث دمر أكثر من 50 ألف منشأة، بالإضافة إلى تكبد هذه القطاعات خسائر فادحة وغير مسبوقة، وأشار خلال تصريحات صحافية، إلى أن الوزارة والمؤسسات ذات العلاقة تعجز عن حصر كامل الأضرار المترتبة على الحرب من مصانع ومحال تجارية وأسواق، وأوضح أنه ومن خلال ما يتم رصده من مقاطع مصورة، فإن قطاع غزة بات بلا شوارع ولا بنية تحتية ولا شبكات كهرباء، فالحياة باتت شبه معدومة نتيجة الدمار الكبير.
وفي تعقيب على ذلك يقول المختص في الشأن الاقتصادي وائل الرفاتي إن الاحتلال الإسرائيلي تعمد خلال الحرب التركيز على الوصول خلال العملية البرية على مركز مدينة غزة، وهي المنطقة الاقتصادية والتجارية بالنسبة للقطاع وبالتحديد منطقة الرمال الجنوبي والشمالي، حيث تعج هذه المناطق بالمحال التجارية الضخمة ومصانع الأثاث والألبسة والعديد من المنشآت، وأراد من وراء ذلك ضرب عصب الاقتصاد الذي يعد الركيزة الأساسية للقطاع.
وقال لـ«القدس العربي»: إن هناك صعوبة كبيرة جداً في إمكانية نهوض المصانع والمحال التجارية بشكل سريع بعد انتهاء الحرب، نتيجة الدمار الكبير الذي أصابها، عدا عن تكبد أصحاب تلك المحال والمنشآت خسائر فادحة تضاف إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها التجار في الأصل، بسبب تراجع اقبال المواطنين مؤخراً عن الشراء، نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها السكان وتكدس البضائع داخل المخازن.
وحذر المختص الاقتصادي من ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب إلى مستويات أخطر من التي كانت عليه قبل الحرب، في ظل توقف عشرات الآلاف من العمال عن عملهم داخل المنشآت التي توقفت بفعل القصف والدمار، وصعوبة توفير مصدر دخل بسبب عدم توفر بدائل داخل قطاع غزة، بالتزامن مع تصاعد معدلات الفقر المدقع بين السكان الغزيين.
أما المختص في الشأن الاقتصادي ماهر الطباع فقد أكد على أن هناك دمارا هائلا وخسائر مالية فادحة تكبدها كبار التجار ورجال الأعمال خاصة في مدينة غزة وشمالها، التي تتركز فيها العملية العسكرية وتشديد للحصار، واستهداف متواصل من قبل كافة الطائرات والمدفعية للأسواق والمخازن التجارية، والعديد من المصانع خاصة القريبة من المناطق الحدودية مع إسرائيل.
ولفت الطباع في حديثه لـ«القدس العربي»: إلى أن هناك أعدادا كبيرة من المنشآت التجارية ما زالت مغلقة منذ سنوات في أعقاب الحروب السابقة على قطاع غزة ورفض الاحتلال تقديم التعويضات لأصحابها وهذه سياسة عقاب جماعي تستهدف إسرائيل من خلالها تدمير الاقتصاد ووقف عملية الإنتاج في غزة ودفع كبار التجار وأصحاب المصانع للاعتماد على الجانب الإسرائيلي في استيراد كافة السلع والبضائع.
ويتخوف المختص الاقتصادي من توسع العملية العسكرية بعد انتهاء الهدنة الإنسانية الحالية نحو مناطق جنوب قطاع غزة، في ظل حدة التهديدات الإسرائيلية بالعودة إلى الحرب على كافة مناطق قطاع غزة، وهذا يهدد بتدمير شامل لكافة القطاعات وتحويل قطاع غزة إلى منطقة منكوبة.