الأخبار الكاذبة… كيف التصدي لها؟!

حجم الخط
10

«نريد أن نسمع ردك على اتهام رغد صدام حسين لك؟؟»… عالجني بهذا السؤال فور رفعي السماعة. «رغد صدام حسين تتهمني أنا؟!! وماذا قالت؟؟!
اتهمتك في حوار مع صحيفة «البايس» الإسبانية بأنك ضابط استخبارات أجنبية كنت مكلفا بمهمة خلال وجودك في العراق لفترة بعد سقوط النظام.
لم أجد وسط ذهولي سوى أن أقول لهذا الصحافي التونسي الشاب إن عليه أن يتثبت أولا بأن رغد قالت هذا الكلام لهذه الصحيفة، وأن يترك لي فعل الشيء نفسه ثم نتواصل من جديد.
حدث ذلك عام 2013 وكان وقتها زميلي تيسير علوني رهن الاقامة الجبرية في غرناطة خلال سير محاكمته الطويلة في إسبانيا فلم أجد من هو أفضل منه للتحري، عارف باللغة وبصحف البلد وصحافييها. لم يتأخر تيسير ليعود لي بالتأكيد أن لا أثرأصلا لهذه المقابلة على موقع «البايس» الإلكتروني وأنه لمزيد التثبت اتصل بصحافي صديق في مقر الجريدة نفسها فنفى له تماما أن تكون الصحيفة أجرت مثل هذه المقابلة.
في ذلك الوقت كان هناك أكثر من موقع عربي ينقل بكل ثقة أن رغد صدام حسين قالت لهذه الصحيفة واسعة الانتشار في إسبانيا إن والدها كان يرفض الحديث لقناة الجزيرة بعد معلومات سرّبها جهاز الاستخبارات الرّوسي، تفيد أن هذه القناة ما هي إلا مشروع استخباراتي مهمّته إشعال الفتنة داخل الدّول العربية، وإن رغد لم تقدم مزيدا من التفاصيل حول الجهاز الذي ينتمي له كاتب هذا المقال، لكنها أكدت امتلاكها لوثائق تدينه فعلا مع صحافيين آخرين في القناة وإنها ستعرضها في الوقت المناسب.
طبعا لم أنف أو أعلق على كلام لم يقل أصلا ولكن ما نشر على لسان رغد ما زال متاحا إلى يوم الناس هذا دون توضيح أو سواه!! استحضرت هذه الحادثة بمناسبة الضجة التي أثارتها مبادرة تقدم بها مؤخرا أحد نواب مجلس الشعب في تونس مدعوما بعدد من زملائه في المجلس وتهدف إلى سن قانون يعاقب الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل قبل أن يسحبها بعد موجة انتقادات واسعة رأت فيها محاولة لتكميم الأفواه وضرب لحرية الرأي والتعبير. وبغض النظر عن الحيثيات والردود، فإن ما أثاره النائب التونسي له وجاهته الفعلية لولا السياق السياسي الذي تسبب في الصخب الذي رافقها.

عالم السياسة لا يخلو من خصومات تبلغ أحيانا حد الفجور لكن المشكل الآن أن الأخبار الكاذبة تحولت الآن إلى سلاح تدميري خطير تلهو به أكثر من جهة لا ترى حرجا في اتهام هذه وذاك بتهم خطيرة دون تقديم أي دليل بل ودون حتى الشعور بضرورة تقديم مثل هذا الدليل

قبل أن تصبح لمواقع التواصل هذه الحظوة، كانت الأخبار الكاذبة في بلادنا العربية محصورة في وسائل الإعلام التقليدية وأن جلّها، إن لم يكن كلها، تقف وراءه السلطات الحاكمة وتتركز بالخصوص على محاربة المعارضين وتشويههم بلا رقيب أو حسيب فمن كان يتجرأ على محاسبة الجهات الأمنية على ما تفعله؟!!. حتى القضايا التي رفعتها بعض الشخصيات، في تونس مثلا، ضد «صحف المجاري» كما كانت توصف وقتها لم يكتب لها أن تتوّج بسبب تواطؤ القضاء المدجّن والحصانة التي كانت تتمتع بها تلك الأقلام المعروفة.
الآن، أصبح هذا «المدفع» الذي كانت السلطة وحدها من تمتلكه وتمتلك قذائفه متاحا للجميع. أصبح بإمكان أي كان يقذف من يشاء بما يشاء، ثم ويرمي به ليسرح ويمرح من موقع إلى موقع ومن حساب إلى حساب، فينتشر انتشار فيروس كورونا هذه الأيام. وحتى عندما ينفضح الكذب، نادرا ما يعتذر المرء أو يصحّح، بل حتى وإن فعل فإن الضرر يكون قد حصل وانتهى الأمر لأنه من شبه المستحيل أن يكون للتراجع أو الاعتذار نفس قوة وتأثير الاتهام الذي عادة ما يتم تداوله ونشره بأكثر حماسة وأوسع نطاق.
وإذا كان ما تفعله السلطات سابقا معروف النوايا والأهداف فإن ما ما يقوم به الأفراد الآن من بيوتهم وأمام كمبيوتراتهم الشخصية ليس واضحا تماما.هناك من يفعله زهوا منه بحرية التعبير التي حرم منها لعقود فلم يدرك أن الحرية تقترن دائما بالمسؤولية، وهناك من يفعله مدفوعا بتصفية حسابات بين جهات متصارعة داخل البلد أو خارجه، في حين قامت بعض الدول العربية بــ»تأميم» هذا النهج فأنشأت «جيوشا إلكترونية» للسب والتشويه واختلاق الأكاذيب وخصصت له فضاءات وحسابات واعتمادات للانقضاض على أي رأي حر أو مخالف حتى اشتهر الناشطون في هذا الفضاء بالتسمية اللائقة بهم، «الذباب الإلكتروني».
صحيح أن عالم السياسة لا يخلو من خصومات تبلغ أحيانا حد الفجور لكن المشكل الآن أن الأخبار الكاذبة تحولت الآن إلى سلاح تدميري خطير تلهو به أكثر من جهة لا ترى حرجا في اتهام هذه وذاك بتهم خطيرة دون تقديم أي دليل بل ودون حتى الشعور بضرورة تقديم مثل هذا الدليل. البعض قد يرى أن أنسب ما نواجه به هذه الظاهرة هو تركها تعبث حتى تُفضح وتسقط من تلقاء نفسها بعد انكشاف الغث من السمين، والبعض الآخر يرى ضرورة مواجهتها وعدم السكوت عنها ولكن بسلاح القانون لا غيره، حتى وإن أدى ذلك إلى الصراخ المنافق بأن حرية التعبير في خطر. وإلى أن يتضح أي الرأيين أصوب فليس لنا إلا الصبر عساه يكون مفتاح الفرج…

كاتب وإعلامي تونسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” قامت بعض الدول العربية بــ»تأميم» هذا النهج فأنشأت «جيوشا إلكترونية» للسب والتشويه واختلاق الأكاذيب وخصصت له فضاءات وحسابات واعتمادات للانقضاض على أي رأي حر أو مخالف حتى اشتهر الناشطون في هذا الفضاء بالتسمية اللائقة بهم، «الذباب الإلكتروني».” إهـ

  2. يقول Ibrahim Mansi:

    كلام جميل اخي محمد، اصبح انتشار الشائعة و المعلومات المغلوطة مصدر خطر على الناس و صحتهم، خذ مثلا تغريدات الرئيس ترامب عن انتشار فيروس كورونا و الكم الهائل من المعلومات المغلوطة التى نقلها الى جمهوره و خطورتها على وضعهم الصحي، ولا ننسى ما يتناقله الناس من رسائل قصيرة و النصائح الطبية. هذه الازمة كشفت كم هي مجتمعاتنا هشة و ضعيفة، نتمنى السلامة للجميع.

  3. يقول hassan:

    البايس…El pais

  4. يقول awadh:

    استاذ محمد خير ما فعلت خاصة ان الخبر ايضا ذكر السيدة رغد صدام بشيء لم تقله اصلا ، ولكن في جانب اخر من الاشاعات ربما من الافضل الرد ولو تفنيدا دون زيادة خاصة فيما يتعلق بخدمات المؤسسات الخدمية العامة . وللاسف نجد اهل الفن ( وهم اصلا بعيدا عن مفهوم الفن ) يدخلون في سجالات غير مبررة مصدرها غير معلوم منطلقة من ان الفنان الفلاني قال وما ردك عليه ؟!!!

  5. يقول Hmoud Olimat:

    مقال جميل ويعبر عن حقائق واقعية. واريد القول عن الطرف الآخر المتلقي. يبنغي ان يكون الانسان حصيفا ومنهجيا ولا يتقبل اي خبر الا بعد التوثق والتدقيق. وأن يكون الرد الاول هو التثبت خاصة عند اتهام الآخرين. وأولا “ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا”. أن يحكم الانسان من خلال رؤية الذات، والشكل العلمي والتريث. ثم لا بد من مجريات القانون ليقدم الحماية للناس من مثل هذه الاكاذيب والاتهامات الباطلة. عل العقوبة تردع مصدري ومنتجي الاكاذيب.

  6. يقول Musa faraj:

    صدقت استاذ محمد… التطور التقني في مجال فضاءات التواصل فتح الباب واسعا لكل من يريد ان يدلي بدلوه فيه… سواء امتلأت دلوه بالماء .. أو بالدم…
    في مشاهد كثيرة تحولت افتراءات الذباب الالكتروني الى رصاص أسال دماء بريئة على تراب حرية التعبير… نحن في ليبيا نعاني كغيرنا من هذا الانفلات الذي وسع من مساحات الكراهية وعدم الثقة وتمزيق النسيج الاجتماعي.

  7. يقول ناصر محمود:

    لكم كلّ التحية والتقدير…..مقال يأتي في وقته فللاسف ان مواقع التواصل الاجتماعي تضجّ بالاكاذيب والدعايات، اما العراق، وقيادة العراق السابقة للغزو، فكانت وماى تزال هدفاً للكثير من الاكاذيب البشعة والجزيرة لا شك تساهم في الترويج لتلك الاكاذيب والاشاعات اذ تنشر مقالات لاشخاص ما يزال يدفعهم الحقد الاعمى على الرئيس صدام حسين وطاقم حكمه الذي لم يكن مثالياً لكنّه كان مخلصاً وصادقاً ونزيها. وبما ان تجربة احتلال العراق تُفرز يومياً ما يثبت انّها كانت جريمة على كلّ المستويات، وخاصة من ناحية ما جاءت به من اشخاص لحكم البلاد ثبت انّهم مجموعة عصابات من السرّاق والمجرمين، فيأتي من يريد الدفاع عنهم بترويج اشاعات واكاذيب عن النظام السابق وللاسف ما تزال المواقع والصحف والقنوات تنشر ذلك اذ فيها من المرضى من يتلذذ بتلك الاكاذيب والاشاعات !

  8. يقول .Dinars. #TUN.:

    تحية لك سي محمد كريشان وللجميع.
    الحاصل واحد منهم ادعى في الكورونا معرفة ثم قال: ” غلطوني “.
    قال أنه صاحب المهمات الصعبة ههههه أو بالأحرى ” الكيتش ” ههههه.
    ترشح ولم ينجح وإلا لكان الحال لا يختلف عن صاحب الممانعة.
    الحاصيلو حال وأحوال ممن لم يفقهوا يوما السياسة إلا التعسف لغاية في أنفسهم.
    لكن الناس الكل فايقين بيهم وظهورهم وتنقلهم بين بلاتوات قنوات فغانسا لن يزيدهم إلا دونية واحتقارا من قبل السواد الأعظم من الشعب.

  9. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    بالمناسبة ، لحد اليوم، بل زادوا اكثر من يتهمون قناة الجزيرة بهذه الفرية، و هي انها صنيعة استخبارية لبث الفتنة.
    و رغم مرور سنوات و رغم صرف ربما الملايين من أجل تكريس هذه الفرية و خاصة ما قامت به و لا تزال قنوات دول القمار (كما يسميها نزيه الأحدب في برنامجه الرهيب، فوق السلطة) من محاولة ترسيخ ان هذه حقيقة و ان الجزيرة تبث الإرهاب و الفتنة….
    و لا زلت اتذكر ، مقولة احمد الشيخ، حين قال اننا اي قناة الجزيرة، متهمة بأنها قناة إسرائيل (لأنها تستضيف شخصيات اسرائيلية)
    و أنها قناة أسامة بن لادن ( لأنها كانت تذيع رسائله الصوتية)
    و أنها قناة صدام حسين ( لأنها كانت تعرض مآسي الحصار على العراق)
    و أنها قناة كذا. وقناة كذا
    و كل هولاء الكذا، بينهم ما صنع الحداد…
    قال أحمد الشيخ، نحن قناة كل هؤلاء، لأننا قناة لا احد سوى الحقيقة و السبق الصحفي.
    و قال اسعد طه في احد مقدماته الهائلة…. نحن لسنا محايدين حين يتعلق الأمر بثوابت الأمة ، أو بهذا المعنى…

    1. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

      قبل مدة قصيرة، نشرت على صفحتي في الفيسبوك، خبر نقلاً عن قناة الجزيرة، فنفى احد التافهين الخبر، لمجرد كونه منقول عن قناة الجزيرة، فأجبته، بداية هذه مغالطة منطقية تحاول تشتيت الانتباه عن الخبر نفسه
      لأنه ليست قناة الجزيرة لوحدها من نقلته.
      ثانياً، شخصياً ، لم اجرب كذباً على الجزيرة في نقل الاخبار وتحديته ان يأتيني بخبر كاذب نقلته الجزيرة سابقاً
      و قلت له، إن كنت تختلف مع الجزيرة في توجهها مثلما قد نختلف مع البي بي سي أو السي ان أن، لكن ذلك لا يعني التشكيك في مهنية و موضوعية هذه القنوات العالمية.

      اخيراً ، لنفترض ان أبليس هو مصدر الخبر، اذهب فتحقق من دقة الخبر اولاً بغض النظر عن ناقله ، ف أبليس نفسه، يصدق أحياناً.
      كان الهدف طرح نقاش حول محتوى الخبر، فحول ذلك التافه الدفة باتجاه التشكيك بمصداقية مصدر الخبر و حاول جر النقاش إلى سمعة و مصداقية قناة الجزيرة نفسها.
      كان وضع مصدر اخر للخبر ربما كفيل بالتخلص من أمثال هذا ،ولكن مثل أولئك سيجدون دوماً من المغالظات لتشتيت الانتباه عما لا يريد أن يعرفه الناس أو يتعارض مع اراءهم!

اشترك في قائمتنا البريدية