عمان – «القدس العربي» : ما هي الهوامش المتاحة أمام الأردن مادام قراره مستمراً بالاشتباك وفي المفصل مع مخطط حكومة اليمين الإسرائيلي في القدس المحتلة؟ سؤال صعب ومعقد، لكن الإجابة عليه قد تكون ممكنة ومتاحة بعد إنجاز الملك عبد الله الثاني لجولته الوشيكة في الجزء الرسمي من زيارته للولايات المتحدة.
مبكراً، حذر المخضرم طاهر المصري من الثلاثية المعهودة الآن بعنوان المضي قدماً بتصفية القضية الفلسطينية ثم تهويد القدس، وصولاً إلى الحلقة الثالثة باستهداف الأردن وتوريطه بتفاصيل ما سينتج عن ذلك. ومتأخراً، توقفت عمان إلى حد ملموس عن سياسة الإنكار. في مسافة قريبة من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، عودة إلى المكلف سياسياً والتحدث المتكرر فيه، وقيمته المضافة الأساسية هي القضية الفلسطينية و»الحق أبلج وواضح» والظلم أيضاً واضح في مقاربات الخصاونة وطاقم وزارته، مع الإصرار على أن عمان لا تقرأ الواقع مخلوطاً بالأوهام.
ذلك لا يعني إلا التصعيد بجانب التوازن مع تقديم حلول وميكانيزمات تجنباً للاستعصاء ومنزلقات ما بعد المواجهة. لكن مجدداً، ما هي تلك الحلول والبدائل؟ هنا يجلس مرة أخرى السؤال القنبلة، وأخطر ما في أي محاولة لتحصيل إجابة عليه هو عدم وجود يقين أردني من أي نوع يرافق الثوابت المعلنة في القضية الفلسطينية.
وبالتالي، حقاً لا قولاً، فإن قراءة الوقائع بعيداً عن الأوهام تتطلب رحلة استكشافية في العمق أكثر بعد عموميات التواصل الهاتفي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن. في زوايا المشهد تشاور أردني ارتفعت وتيرته ولمرة نادرة بالمناسبة مع أركان السلطة الفلسطينية وليس فقط رئيسها محمود عباس، والعنوان إعادة إنتاج العلاقة مع المنظومة الأمنية الفلسطينية والتوسع قليلاً في محاولة لوقف حالة حجب المعلومات المتبادلة، ما يبرر مشاهدة قياديين فلسطينيين في عمان مثل ماجد فرج وحسين الشيخ، وغيرهما.
وفي زاوية أبعد أيضاً تقارير ميدانية من الطاقم الذي يدير الأمور في الحرم المقدسي لصالح الوصي الأردني، بمعنى الإطلالة على التفاصيل ومناقشة الاتهامات والإشادات بنفس المعيار. والتعامل مع الواقع الموضوعي بصيغة ميدانية مع رفع منسوب التنسيق مع شريك فلسطيني قائم ويبايع الوصاية الهاشمية خطياً، لكنه غير مؤثر في الميدان ولا في الواقع السياسي، لا بل شريك من الطراز الذي تخشى المؤسسة الأردنية اليوم على مصيره، بل على وجوده مع وجود ذراعين يمينيين يتهمان في القرار الأول، هما: إسرائيلي متصهين أحياناً، على حد تعبير الدكتور بشر الخصاونة.
والثاني، فلسطيني يحمل عنوان المقاومة والحق ويحفر بحثاً عن أوراق الثقل السياسي ويجلس في حضن الإيرانيين الآن على الأقل بأجنحته العسكرية حسب السيناريو الأكثر قلقاً للأردنيين.
الوضع كما يقول المراقب السياسي مروان الفاعوري لـ«القدس العربي» انتهى بأن عمان ورام الله معاً في الهم وفي موقع من لا يحسد، بسبب الاستعصاء الناتج عن جلوس السلطة أمنياً ولوجستياً في حضن الاحتلال، وعن –بالمقابل- جلوس الأردن طوعاً قبل سنوات في مصالحه البنيوية الاقتصادية أيضاً في حضن الاحتلال نفسه. طبعاً، يؤشر الفاعوري هنا إلى ذلك المعطى الذي دفع الحكومة الأردنية لخطأ استراتيجي قاتل، برأيه، تضمن تسليم مفاتيح النفط والمياه إلى عدو مجرم لا يمكن لا التنبؤ بتصرفاته وأفعاله وبرامجه ولا التعامل بثقة معه؛ لأنه باختصار ليس دولة حقيقية، بل عصابة تمارس الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني.
وسؤال الطاقة والغاز والمياه مرهق جداً بالنسبة للأردنيين. وعلى الأرجح هو نفسه السؤال الذي دفع المشهد في اتجاه تكرار ثوابت ومبادئ وأخلاقيات في الخطاب الرسمي لا يحفل بها شريك الماضي الإسرائيلي. وهو أيضاً السؤال الذي قلل من وزن الأردن السياسي الإقليمي والنوعي وأربك مصيره بمجهول وبكيان انقلب على عملية السلام أصلاً وعلى الشراكة وعلى الشعبين، وفقاً لما يؤمن به بوضوح وبشكل مكرر الآن وزير البلاط الأردني الأسبق الدكتور مروان المعشر.
دلالات المأزق في مساره الاستراتيجي لم يعد من الممكن نكرانها، فالمثل والأخلاقيات التي بنيت عليها استراتيجية الأردن في البقاء دوماً في عملية سلام لم تعد موجودة في الواقع كما يلاحظ المعشر، ولا يوازيها ولا يوازنها يقين من أي نوع أو صنف، لا بخصوص السلام ولا بخصوص إقامة الدولة الفلسطينية ولا حل الدولتين، وأخيراً -هنا تكمن المفاجأة الأكبر- ولا بخصوص «الوصاية « الهاشمية على القدس.
إسرائيل بعد حزمة الإبراهيميات تتلاعب بالجميع وبكل المعطيات. وأغلب التقدير أن الحاجة أكثر من ملحة للاستكشاف والإبحار في عمق الإدارة الأمريكية قبل الاستسلام لحالة أو لمأزق غياب اليقين السياسي، مع أن كلاً من عمان ورام الله متفقتان خلف الستارة على توصيف الخطة اليتيمة التي تحملها اليوم إدارة الرئيس بايدن بخصوص قضية الشرق الأوسط الأهم، على أساس أنها تتضمن حصر الاهتمام والدور الأمريكي بصيغة وزارة أو إدارة صغيرة تكرر كلاشيهات التهدئة وتعزف سيمفونيات التنشيط الاقتصادي فقط، وكأن الولايات المتحدة برمتها ليست أكثر من إدارة صغيرة معنية بتنسيق الشؤون المحلية والمدنية في فلسطين المحتلة، فيما العدو ومستوطناته يقضمان الأرض الآن ويهودان القدس ويعبثان بكل الثوابت اليقينية منذ انطلاق مسيرة مدريد. الاستكشاف مهم وأساسي أكثر مما يتخيل الجميع، وعلى رام الله وعمان قريباً جداً على الأرجح أن تقررا، دبلوماسياً وسياسياً، ما إذا كانتا بصدد المواجهة والصمود والمحاولة، أم الانتحار الجديد لعملية سلام ماتت فيزيائياً.
كلام عميق يجسد الواقع المرير
ولاية الامر بظروف كتلك معضلة وابتلاء
اعان الله العاهل الاردني على اختياراته وخطاه