لا أحد يطالب أو يحق له حتى أن يطالب الحكومة الأردنية بإعلان الحرب على إسرائيل. ولا أحد يفترض بأن المبادرة لمواجهة عسكرية هي وحدها المطلوبة الآن تفاعلا مع مسار الأحداث في فلسطين المحتل، لأن الفروقات ما بين الرد على المعتدي أو الاستعداد للرد عليه لا يستهان بها، عندما يتعلق الأمر بالتوازنات الاستراتيجية والعسكرية، ولأن وصفات الاستقرار والأمن التي يعيشها الأردنيون من عقود هي محصلة لـ«خبرة عتيقة» في موازين القوى مع أن أحداث غزة كشفت لنا جميعا كم هو قبيح وجه الأنظمة الغربية.
صحيح أن الأردن عموما في المشهد الإسرائيلي والأمريكي يعاني من «غياب القرار المستقل» ويعتمد اقتصاديا على الدعم الأمريكي وحركته تبقى مقيدة بسلاسل التطبيع.
لكن صحيح بالمقابل أن تلك الخبرة المتراكمة ضمنت للأردنيين وسط نظام عربي غير ديمقراطي وقوى شر دولية تدعم الإجرام الإسرائيلي مساحة من البقاء والاستقرار العام وفي بعض الأحيان قيم اعتدال وتسامح بدون ميليشيات ولا اضطرابات.
شخصيا لا أعتقد بوجود أوهام لا لدى مخيلة الشارع الأردني ولا لدى حتى الشرائح والفئات التي تزاود على الدولة والحكومة في الموقف السياسي. ولا أعتقد بوجود أوهام حتى عند أحزاب المعارضة وتياراتها أو عند الملاحظين على أداء الحكومة حيث غياب المعلومات والشفافية، فيما يخص طبيعة العلاقات الأردنية الإسرائيلية الطبيعية أحيانا. وحيث روايات أخرى سلبية تملأ الفضاء بسبب غياب الشروحات والمعطيات.
وقد يكون الأهم أن الدور الأردني المتقدم والموقف السياسي الذي لا يمكن المزاودة عليه يسقط في اختبارات ترويج الرواية الإعلامية للدولة ولحراك القيادة بسبب خمول وكسل أذرع الإعلام الرسمي وسبب تراكم أزمة الأدوات في الإدارة.
الأردن له مصالح ولديه حسابات وثمة توازنات والعدالة والإنصاف يقتضيان القول بأن الموقف الرسمي الأردني في الممارسة والنظرية متقدم جدا في الملف الفلسطيني، وأيضا في الملف الإسرائيلي والحكومة الأردنية في ظرف صعب إزاء تطورات الأحداث وتراكم الثلوج الإسرائيلية في الطرق الصغيرة هذه المرة وليس في المرتفعات فقط.
ثلوج ومطبات اليمين الإسرائيلي في كل الأزقة والحواري.
الأردن له مصالح ولديه حسابات وثمة توازنات والعدالة والإنصاف يقتضيان القول بأن الموقف الرسمي الأردني في الممارسة والنظرية متقدم جدا في الملف الفلسطيني
الأردن الرسمي له موقف نبيل وعنده ثوابت واستراتيجيات، وكلما ظهر رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على شاشات الإعلام ليتحدث عن إيمانه بفرض السيطرة على غرب نهر الأردن ترتفع مستويات المخاطر، وأصبح من الصعب إنكارها في مخيلة الشعب الأردني.
ما يحتاجه الأردنيون اليوم هو الإيمان مجددا بالمؤسسات ورغم أن المؤسسات في الأردن دستوريا وسياديا تعبير عن مشروع وهوية وخطاب وملامح الهوية السياسية للأردنيين إلا أن حجم التعاطي مع القواعد الشعبية ضعيف وحجم الشروحات أضعف.
والحاجة ملحة لإطار عام يقنع المواطن الأردني بأن عملية تشخيص لمصلحة النظام والدولة تجري في آن واحد، لأننا تعودنا في الخلاصة بأنه لا فارق يذكر بين مصلحة الناس والنظام في الحالة الأردنية.
أزعم بحكم المهنة والوظيفة والاشتباك مع المجتمع أن قناعة الأردنيين في حراكهم الذي يطالب الحكومة أحيانا بمواقف محددة، مرده بالمقام الأول غياب المعلومات وعدم وجود الشفافية كممارسة.
ومرده أيضا في المقام الثاني خوفهم على دولتهم ومؤسساتهم وأن لا تنتهى العربدة الإسرائيلية الحالية بهيمنة مطلقة تؤسس لما قاله يوما رئيس الوزراء الأسبق المخضرم عبد الرؤوف الروابدة الخيارات البديلة، وليس الوطن البديل فقط.
لا أحد يفترض أن يزاود على الموقف الرسمي للدولة الأردنية وبالمقابل لا أحد في الدولة ينبغي أن ينكر المخاطر أو يزاود على حراكات الناس في الشارع وكل المطلوب حوارات وطنية تقاربية تشرح فيها رموز الدولة حساباتها وتوازناتها وحقائق الأمور وبكل الصراحة المطلوبة على أن يعرض الناس أو ممثلوهم المخاوف والهواجس التي تكاد تلتهم مخيلة الأردنيين.
طبيعة المواجهة بعد 7 أكتوبر ارتفعت والأوراق اختلطت، وكل من يقول إن الأردن بلد بلا أسلحة ومخالب واهم لا بل خطير في وهمه، لأن الكثير من الأسلحة في يد الدولة الأردنية لم تستخدم بعد والشارع يريد الاطمئنان على الأقل لوجود هذه الأسلحة، وهي سياسية ودبلوماسية ومرتبطة بالجغرافيا بلحظة ما أو أن القرار جاهز لاستخدامها عند اللحظة المناسبة، لأن المخاطر على عمان اليوم ومكة والقاهرة وبغداد أكثر بكثير من المخاطر على مخيم جباليا في قطاع غزة أو على قرية برقة شرقي نابلس.
على كل حال قد يتطلب الأمر وجود مطبخ يتحدث مع الناس أو على الأقل يمارس عملية الطهي والتشاور ويقيس الأدوات ويحدد الأولويات.
وهذا نقص محرج في واجهة المشهد الأردني وضروري الآن اللعب بالفريق الأول المحترف بدلا من الإصرار على اللعب بفريق الدرجة الثانية في مرحلة حساسة تتغير فيها الديموغرافيا كما حصل في قطاع غزة بجرة قلم.
لابد من وجود مطبخ سياسي أردني مقنع يعمل مع نظير فلسطيني وطني لدرء المخاطر معا على ضفتي نهر الأردن.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
نعم وجوه الانظمة الغربية قبيحة وقبيحة جدا ولكن هذا معروف ولكن وجوه الانظمة العربية أشد قبحا. لو أراد العرب لضغطوا على الامريكان وأوقفوا الحرب.
الأخ الكريم يرفض حتى مسائلة فاعلية الموقف الأردني و يجادل أنه متقدم جدا (دون التوضيح كيف) و أن لدى الأردن العديد من أوراق الضغط لكنها ستستخدم في اللحظة المناسبة, متى هي اللحظة المناسبة؟ عندما تمحى غزة عن الخارطة و يقتل كل من فيها؟ أم عندما نصل لسيناريو التهجير؟
ثم انه يجادل أن الخطر على عمان اليوم ومكة والقاهرة وبغداد أكثر بكثير من المخاطر على مخيم جباليا في قطاع غزة أو على قرية برقة شرقي نابلس, طرح اخر غريب و غير مدعوم بأي حجة؟