الأردن كندا البرازيل أي مكان… محاضر جلسات جيل إسرائيل الأول: كيف نفرغ قطاع غزة من الفلسطينيين؟

حجم الخط
0

“تقليص عدد السكان”، “إخلاء البيوت”، “النقل”، “الطرد”، “التهجير”، “الإفراغ” وحتى “ترانسفير”… طيف واسع من الكلمات التي استخدمها رؤساء حكومة في نقاشاتهم التاريخية في الستينيات والسبعينيات حول مستقبل الفلسطينيين في قطاع غزة. الاطلاع على محاضر الجلسات في أرشيف الدولة يظهر أن توق اليمين المتطرف الحالي، “تشجيع الفلسطينيين على الهجرة من قطاع غزة”، يردد صدى أفكار واقتراحات طرحها للنقاش سابقاً رؤساء حكومة ووزراء وزعماء في حكومات اليسار، الذين كانوا ينتمون لجيل مؤسسي الدولة.

طرح الوزراء أفكاراً كثيرة لحل المشكلة التي واجهتهم عند احتلال قطاع غزة والضفة الغربية في حرب الأيام الستة. كان يعيش في هذه المناطق في حينه نحو مليون فلسطيني، منهم 400 ألف شخص في القطاع. طرحت في الفضاء اقتراحات لنقلهم من قطاع غزة إلى الضفة الغربية والأردن وشبه جزيرة سيناء ودول عربية أو أي مكان آخر في العالم يستقبلهم، قسراً أو طواعية، بالتحايل وبكل أنواع المحفزات.

“لو نستطيع إخلاء 300 ألف لاجئ من القطاع وإرسالهم إلى أماكن أخرى… فسنستطيع ضم غزة بدون أي مشكلة”، قال وزير الدفاع في حينه موشيه ديان، في 25 حزيران 1967. وقد ذكرت في أقواله فكرة كانت مقبولة على الحكومة في حينه، ولكن لم تطبق بالكامل في نهاية المطاف، وهي ضم قطاع غزة لإسرائيل وإفراغه من اللاجئين الفلسطينيين، وبعد ذلك توطين اليهود فيه. “أقترح صيغة لضم القدس وقطاع غزة، وإن كنت لا أقول الأمرين بمرة واحدة”، قال رئيس الحكومة في حينه، ليفي أشكول. ” نحن مستعدون لأن نُقتل على القدس. أما بخصوص قطاع غزة، وعندما نذكر الـ 400 ألف عربي، فسنشعر بقليل من الألم”.

هب الوزراء للمساعدة واقترحوا حلولاً، كيف نقوم بتسوية مسألة اللاجئين في قطاع غزة؟ وزير الداخلية في حينه، حاييم موشيه شبيرا، اقترح “يمكن نقل 200 ألف لاجئ إلى مدينة العريش أو توطين جزء منهم في الضفة الغربية”، وأشار إلى المدينة المصرية في شبه جزيرة سيناء، التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة. وزير الشرطة في حينه الياهو ساسون، اقترح “نقلهم إلى الضفة الشرقية”، أي إلى الأردن. “يجب إمساكهم من أعناقهم ورميهم إلى الضفة الشرقية. ولا أعرف من الذي سيتسلمهم، لا سيما اللاجئين من غزة”، قال الوزير يوسف سفير.

الوزير يغئال ألون قال “التشجيع على الهجرة إلى ما وراء البحار. يجب معالجة هذا الأمر بصورة أكثر جدية”. واستنتج أن الهدف الأفضل هو شبه جزيرة سيناء، لكنه اقترح توسيع المجال، “شبه جزيرة سيناء الواسعة، ليس فقط مدينة العريش، يمكن توطين كل اللاجئين من غزة فيها. وبرأيي، عدم الانتظار. يجب البدء في التوطين، حتى لو أزعجونا”. بعد ذلك، اقترح أن يذهب جزء من الفلسطينيين إلى “كندا أو أستراليا”. ولخص ليفي اشكول اللقاء “قلت هذا أيضاً عندما لم تكن المشكلة صعبة بعد. على اللاجئين تدبر أمورهم خارج إسرائيل خاصتنا”.

بهدوء وصمت وسرية

في 1 تشرين الأول 1967 تساءل وزير العدل في حينه، يعقوب شمشون شبيرا، “متى سنحصل على معلومات عن الخطة حول توطين لاجئي قطاع غزة في الضفة الغربية؟”، قال. “سمعت شائعات”. في ذلك الوقت، عملت لجنة مهنية باسم “لجنة تطوير المناطق التي تم وضع اليد عليها”، وكان في عضويتها رجال أمن وأكاديميون. كانت مهمتها، حسب اشكول، فحص “الوضع المالي والاجتماعي لكل هذه الإمبراطورية أو أجزاء الإمبراطورية”، وضمن ذلك “أيضاً طرح أفكار حول الهجرة”. أدرك أعضاء اللجنة الحساسية السياسية لعملهم، لذلك أوصوا الحكومة بتجنيد اللاجئين في مشاريع هدفها السياسي غير بارز، وعرضها على أنها “عمليات إنسانية” وليس “جزءاً من حل دولي لمشكلة اللاجئين”.

استمرت نقاشات الوزراء حتى نهاية السنة. “موضوع الهجرة كله بحاجة إلى معالجة أكثر جدية وبصورة حثيثة. عندها يمكن تشجيع ذلك والسماح للكثيرين بالمغادرة”، قال ديان في تشرين الثاني 1967. وأضاف أشكول: “في هذه الأثناء، يخرج 2000 شخص في كل أسبوع إلى الأردن، الجزء الأكبر منهم من أبناء القطاع”. ثمة أفكار مختلفة: هجرتهم إلى دول أبعد. في نهاية كانون الأول، تحدث ديان عن اتفاق سلام يشمل “توطين اللاجئين، وإخراجهم من غزة وتوطينهم في الضفة الشرقية- الأردن”. ووعد بأنه في مثل هذه الحالة ” لن يكون في غزة 400 ألف عربي، بل 70 – 100 ألف”. في اليوم التالي، قال أشكول: “نحن معنيون بإفراغ غزة في البداية. لذلك، سنسمح للعرب من غزة بالخروج في البداية”. الوزير يغئال ألون ذهب إلى أبعد من ذلك، وقال: “لم يكن من السيئ تخفيف الجليل أيضاً من العرب”.

أما الوزير ساسون، فشرح كيف سيساعد خروج الفلسطينيين لغرض العمل في تحقيق هذا الهدف. “يجب مساعدتهم في البحث عن عمل… بعد ذلك، سيسحبون عائلاتهم إليهم. من كل ذلك، سنكسب تقليص عدد العرب في هذه المناطق”. ديان وافق، وأضاف: “بتقديم الفرصة لهؤلاء العرب؛ أي البحث وإيجاد عمل في الدول الخارجية، تزداد احتمالية رغبتهم في الهجرة لاحقاً إلى تلك الدول”. حاول الوزير ألون مرة أخرى ضم عرب إسرائيل أيضاً للخطة. “لماذا لا يمكن توسيع ذلك، ليشمل عرب إسرائيل القديمة؟”، تساءل.

في اليوم الأخير من العام 1967 كان ليفي أشكول رجل البشرى عندما قال: “أنا أعالج إقامة وحدة أو خلية ستعمل على تشجيع هجرة العرب من هنا”، كشف للوزراء. “يجب معالجة هذا الموضوع بهدوء وسكينة وسرية، ويجب إيجاد طرق لهجرتهم إلى دول أخرى، وليس إلى الأردن فقط”. في حينه كانت عدة مبادرات ناجعة لـ “تشجيع” هجرة الفلسطينيين من غزة. أحدها بقيادة عيدا سيرني، وهي من رؤساء مؤسسة الهجرة 2، وأرملة المظلي انتسو سيرني. ثمة وثيقة من أيار 1968 توثق طلباً لتحويل ميزانية شهرية لـ “تشجيع الهجرة من قطاع غزة لتنفذ حسب تعليمات السيدة عيدا سيرني”. والفكرة، خلق “هجرة هادئة” بصورة لا تعتبر إسرائيل مشاركة فيها. وفي هذا الإطار تم إرسال إسرائيليين لهم خلفية أمنية كانوا يعرفون المجتمع العربي، مباشرة إلى داخل التجمعات السكانية في غزة من أجل إقناعهم على تشجيع المغادرة طوعاً.

“بسبب هذه الأنشوطة الخانقة والسجن الذي يعيشون فيه، ربما يغادر العرب القطاع، لكن حتى بعد ذلك سيبقى هنا (في إسرائيل) نحو 400 ألف عربي، و150 ألفاً سيبقون في قطاع غزة”، قال أشكول في نهاية السنة. الحل الجديد الذي اقترحه كان قاسياً. “لو لم نعطهم المياه بكمية كافية لفقدوا الخيار، لأن البيارات سوف تجف وتذبل، لكن لا يمكننا معرفة كل ذلك مسبقاً. من يدري، ربما تنتظرنا حرب أخرى، وعندها ستحل هذه المشكلة. ولكن هذا نوع من الترف، حل غير متوقع”، قال.

شريطة أن يذهبوا إلى البرازيل

في شباط 1968 شعر أشكول بالقلق خشية أن يعتقد أحد بأننا “نضغط على العرب لمغادرة البلاد”. ولكنه قال بروح الدعابة التي يتميز بها: “لن نقيم الحداد عليهم سبعة أيام إذا رحلوا”. ثم انتقل للتحدث بالأرقام. “85 في المئة من الأموال المطلوبة مرصودة لهجرتهم. أعتقد أن كل يهودي له عقل سيقول: أولاً، خذ الـ 80 في المئة لتكون على ثقة بأنهم سيخرجون”. وزير الأديان، زيرح فيرهيبتغ، انضم للنقاش واقترح اقتراحات خاصة به. “موضوعنا الرئيسي يجب أن يكون منحهم إمكانية الخروج طوعاً من غزة مع مبلغ ما”، قال. “يجب السماح لهم ببيع ممتلكاتهم التي لا تساوي الكثير، لكن علينا استثمار أموالنا فيها. إذا دفعنا ألف دولار ثمناً لكشك، شريطة أن يخرجوا مع عائلاتهم إلى البرازيل أو الأرجنتين، فسأعتبر أنا ذلك قيمة كبيرة، إذا استطعنا بهذه الطريقة دفع عشرات آلاف العائلات للخروج من غزة”.

لكنه اقترح أيضاً أن نكون حذرين في استخدام المفاهيم: “بدلاً من أن نقول لهم بأننا ندفع لهم الأموال مقابل الهجرة، وهو أمر غير لطيف ولا عادل… سنشتري الأغراض وندفع مقابلها أموالاً جيدة، وهذا يدفعهم للخروج طوعاً، حيث سيكون في أيديهم مبلغ من المال لبدء حياتهم في دولة أخرى. العائلة التي تذهب إلى أمريكا الجنوبية بدون حتى فلس واحد، لن تغرس جذورها في الدولة الجديدة. والعائلة التي ستخرج مع وسائل معيشة تملكها، سيسهل عليها التكيف في تلك الدولة الجديدة والبقاء”.

في 1969 لاحظ ليفي أشكول وجود مشكلة. من جهة، تريد إسرائيل تشجيع الهجرة، ومن جهة أخرى تستثمر في تطوير القطاع، وهكذا تشجع السكان على البقاء. “إذا رتبنا الأمور هناك فسيكون الأمر على ما يرام؛ بحيث يكون عمل وصناعة، ونقيم هناك مصانع ونشغل العرب – سيبقون في القطاع”، حذر أشكول. وتطرق وزير الزراعة في حينه، حاييم جفعاتي، إلى ذلك في جلسة أخرى: “بالطبع، كنا نريد فعل ذلك لتخفيف سكان غزة… هناك خوف من أننا إذا رممنا المخيمات في قطاع غزة، فسيرى اللاجئون أن الوضع مشابه في المكانين. عندها، لا معنى لترك قطاع غزة”.

الوزير ألون أيد: “استمرار وجود الفجوة في مستوى الحياة بين الضفة وقطاع غزة”. وحسب قوله، “يحظر في غزة إعطاء مستوى يساوي المستوى الموجود في الضفة، فعندها ستنخفض قوة جاذبية الضفة”.

إعطاء فرصة وجلب جرافة

توفي أشكول في 1969، وواصلت النقاش رئيسة الحكومة غولدا مئير. في 1970 حذر وزير الدفاع موشيه ديان من وجوب عدم المبالغة بالأرقام. “إذا توجهنا إلى خطة العشرين ألفاً، فنحن نعلن بذلك عن ترانسفير”، قال. “هكذا سنخرب الموضوع من البداية… إذا طلبوا مساعدتنا فأهلاً وسهلاً… ستكون هذه عملية بطيئة وطبيعية، وسيفعل العرب ذلك بطريقة التسلل. أي أمر صارخ نقوم به سيفشل نفسه”. وزير التطوير حاييم لنداو، اقترح فكرة جديدة: “يجب تقديم تعليم مهني من الدرجة الأولى، ويكون مكثفاً، لأن هذا هو المدخل لإمكانية هجرتهم من هناك”، قال. “لأنهم أصحاب المهن، فثمة احتمالية أكبر لتحقيق اندماج ويتم استيعابهم في الدول الأخرى”.

تطرقت غولدا مئير إلى ذلك في 1971. “هناك موضوع تخفيف المخيمات. لا خلاف حول المبدأ”، قالت. ديان وصف الطريقة التي سيتم فيها طرد السكان من بيوتهم – بعضهم مشتبه فيهم بالإرهاب ضد اليهود، أو العرب المحليين، وبعضهم أصحاب بيوت هناك مصلحة في هدمها. “نعطيهم 48 ساعة للانتقال. يقولون لهم مثلاً: ستنتقلون إلى العريش أو إلى مكان آخر وسنقوم بنقلكم… في البداية، نمنحهم إمكانية الانتقال طوعاً. نخرج الأثاث من البيت. الرجل الذي لا يرتب شؤونه، سنجلب جرافة لهدم بيته. إذا وجد أشخاص في البيت سنخليهم منه عنوة. لأننا نعطيه 48 ساعة… هذا لا يعني أن هناك لحظة حاسمة نأتي ونقول فيها بأننا سنحملكم وأغراضكم على شاحنات، بل نعطيه الفرصة لفعل ذلك طوعاً.

حاييم بار ليفي، ألقى في النقاش حبة بطاطا ساخنة عندما قال إنه محظور نقل الفلسطينيين إلى الأماكن المخصصة لتوطين اليهود فيها لاحقاً. “أنا على ثقة بأنه سيكون بالإمكان العثور على أماكن. وحتى إذا وجدنا أماكن كهذه فلن تغلق في وجهنا إمكانية الاستيطان اليهودي”، قال. “أنا على قناعة بأن ذلك لن يمنعنا من توطين عدد آخر من المستوطنات العبرية في القطاع”. وأشار ديان إلى أنه “لم يخطر ولن يخطر ببالنا توطينهم في مكان سيزعج الاستيطان اليهودي ولو قليلاً”. أما وزير السياحة، موشيه كول، فقال “إذا أردنا رؤية القطاع جزءاً من إسرائيل فعلينا التخلص من جزء من سكانه بأكبر قدر. وسندفع تعويضات أكبر للأشخاص الذين يريدون الانتقال”.

الوزير غليلي، خلافاً للآخرين، تحدث عن إشكالية هذه العملية. “لا أتوهم بأن هذا عمل إنساني، وأننا نعمل لهم معروف”، قال في 1971. “لا أريد تزيين هذه العملية الوحشية، لكنه الضرر الأقل في الظروف الحالية”. الوزير شلومو هيلل ساهم أيضاً بأفكار من عالم الأخلاق: “مستوى الأخلاق لا يقاس بطرد الناس من بيوتهم رغم إرادتهم، سواء أحبوا ذلك أم لا”، قال. “بل يُقاس بأننا نحن السلطة في غزة، وأننا ننجح في تنفيذ ما تفرضه علينا السلطة. أي في المقام الأول، حماية الأبرياء والدفاع عن حياة المستعدين للعمل عندنا”.

وقالت غولدا مئير إن الحديث لا يدور عن وحشية. “واضح أننا لن نصل إلى تخفيف مخيم جباليا طوعاً”، قالت وشرحت. “سيكون الأمر أكثر لطفاً إذا تم طوعاً… لا خيار… حقاً هذه وحشية فظيعة. نقلهم إلى شقة… تعويضهم… إذا كان هذا وحشية فلا أعرف كيف يتم فعل شيء بطريقة لطيفة. مع ذلك، لا شك بأنهم لا يريدون الانتقال”.

وقد دخلت إلى النقاش أيضاً كلمة “قسراً”. وزير الأديان فيرهيفتيغ قال لغولدا مئير: “من الأفضل استخدام القسر إذا اقتضت حاجة قوة. ولكن من خلال ضجة الفوضى والصخب فقط”. وأوضح أن علينا الانتظار إلى حين حدوث تدهور أو حرب لطرد الناس من بيوتهم قسراً. “الآن، إخراج الناس قسراً والبدء في تحميل اللاجئين بشاحنات، هذا الموضوع سيلفت الانتباه ويسلط الضوء على أرض إسرائيل. أعتقد أننا لسنا بحاجة إلى ذلك الآن”، قال. في نهاية المطاف، غادر القطاع بضع عشرات الآلاف من الفلسطينيين في تلك السنوات. المستوطنة الأولى في القطاع أقيمت في 1970، لكن معظم السكان الفلسطينيين في القطاع بقوا في أماكنهم. في 2005 تم إخلاء المستوطنين من القطاع. وبعد مرور عشرين سنة، يطالب وزراء شعبويون من معسكر بن غفير بإعادتهم. في بداية السبعينيات، بدا ألون واحداً منهم عندما قال: “أوافق على الطرد. فعلنا ذلك في السابق، ويجب مواصلته في المستقبل أيضاً”. تحدث ألون عن توسيع وتخفيف المخيمات القائمة، “سواء لاحتياجات أمنية أو البدء في إرسال اللاجئين إلى أماكن يمكن أن نرى فيها في الأيام القادمة حلولاً دائمة”. هو لم يفحص أقواله. “حتى بالإكراه”، قال. لم يكن مناص في هذا الشأن. الحديث يدور عن الألم لمرة واحدة، ويمكنك تفسير ذلك بالاحتياجات الأمنية، والاحتياجات الصحية أيضاً.
عوفر أديرت
هآرتس 3/12/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية