الأردن: هل اتجه القصر لتنفيس ضغط الشارع؟

في ظل ظروف استثنائية، من علاماتها احتقان الشارع الأردني بسبب الحرب في غزة، ووضع اقتصادي صعب جدا، جرت الانتخابات البرلمانية الأردنية، وفق قانون جديد اختلف عن غيره من القوانين السابقة.
في عام 1952 انطلق العمل السياسي في الأردن، من خلال قانون انتخابات سمح للأحزاب بالعمل في عام 1954، وفي ضوئه جرت أولى الانتخابات في عام 1956. حينها فاز الحزب الاشتراكي، الذي كان مُصنّفا في خانة المعارضة بأغلبية نسبية، سمحت له بتشكيل أول حكومة مُنتخبة في المملكة، كما كانت هي الأخيرة أيضا، حيث مرّت المملكة بفترة أحكام عُرفية، أُلغي فيها العمل الحزبي بعد محاولة انقلابية فاشلة. كما أن كل الانتخابات التي جرت بعد ذلك قيل عنها بأنها كانت صوريّة حتى ستينيات القرن المنصرم، ثم أُلغيت الانتخابات التشريعية حتى عام 1989.
وفي نهاية ذلك العام أقيمت انتخابات نجح فيها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الفوز بأكثر من 25% من مقاعد البرلمان، ثم تلا ذلك استحداث نظام انتخابي جديد، حيث يتم الاقتراع عبر نظام الصوت الواحد، بحيث يسمح للناخب بالإدلاء بصوت واحد في دائرته. والمفارقة أن هذا النظام جعل دور الأحزاب هامشيا، حيث إن التفضيل فيه كان في المناطق القبلية على حساب المُدن، ذات الكثافة السكانية العالية مثل مُدن عمّان والزرقاء وأربد. كما أن من نتائجه في الانتخابات التشريعية، أنه جعل المجالس البرلمانية التي انتُخبت خالية من التمثيل الحزبي وقلّص من نسبة المشاركة إلى حدود 30%، لكن الانتخابات الأخيرة جرت في ظل نظام انتخابات جديد آخر، أعطى تمثيلا للقوائم الحزبية في البرلمان، لكن هل نجحت هذه الانتخابات في تمثيل الإرادة الشعبية في الأردن؟

لا غرابة في تحقيق حزب جبهة العمل الإسلامي نتائج جيدة، فهي جزء من رصيده التاريخي، كما يمكن اعتبارها استفتاء على برنامجه السياسي، خاصة في موقفه الداعم للقضية الفلسطينية

إن من أولى الملاحظات التي يمكن في ضوئها قياس نجاح أو فشل أية انتخابات هي نسبة المشاركة الشعبية فيها. فكلما زاد مؤشر المشاركة، زادت نسبة الثقة فيها وبمخرجاتها، وكلما قلت النسبة باتت الشرعية في نتائجها أمرا مشكوكا فيه. ولعل الملاحظة الأولى على الانتخابات الأردنية الأخيرة هي أن نسبة المشاركة فيها ضعيفة وهذا يعود إلى عدة أسباب: السبب الأول أن المواطن الأردني بات مشغولا بملف الحرب على غزة، وأن المشاهد الكارثية التي يراها كل يوم أضعفت معنوياته وسببت له حالة من اليأس والإحباط، ما جعله يشعر بأن كل الممارسات السياسية لم تعُد تُجدي نفعا، في ظل حالة عجز الجميع عن إيقاف المجزرة وحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على أهله. كما أن الوضع الاقتصادي الذي يمر به الأردن كان عاملا آخر من عوامل عزوف الناس عن المشاركة الواسعة. ويدخل في خانة العوامل المثبطة للمشاركة هو عدم اختبار المواطن الأردني للأحزاب، بسبب عدم تشكيلها حكومات من قبل، وبالتالي لا يستطيع أن يُراهن على هذه الجهة السياسية أو تلك. كما يتساءل المواطن مع نفسه، من يضمن أن القوائم الحزبية لن يتم الانقلاب عليها وربما إلغاؤها، وبالتالي لن تتشكل حكومة من البرلمان، بل من يضمن أن البرلمان سيكون قادرا على مواجهة الحكومات التي يعتقد المواطن بأنها تضطهده، وتساهم في تهميشه. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الدستور الأردني لا يفرض على القصر أن يختار رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات، فإن المواطن لا بد أن يسأل نفسه إذن ما جدوى الانتخابات أصلا؟ صحيح أن التحديثات الدستورية التي حصلت قبل عامين كان من المفترض أن تعالج هذه الفقرة، وأن تنص على أن الحزب الفائز في الانتخابات يستطيع أن يُقدّم للقصر رئيس حكومة، لكن ذلك يحدث إلى الآن. إن انعدام الثقة المتبادلة بين مجاميع الرأي العام مع الحكومات المتعاقبة والمجالس البرلمانية، هي أيضا أحد الأسباب الفاعلة في عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات. كما أن الأحزاب وقادة الكتل يتحملون مسؤولية فشلهم في إقناع الناس بهذه الممارسة الديمقراطية. ومن زاوية أخرى يمكن القول إن النظام الانتخابي المُطبّق لا يسمح لأي حزب أن يحوز الأغلبية في البرلمان، والمواطن الأردني يُدرك ذلك، وبذلك فإن لسان حاله يقول، حتى لو وصل الحزب الذي نؤمن به ونتبنى برنامجه، فإنه سيكون أقلية داخل المجلس ومن دون تأثير في التصويت وسيكون عاجزا عن التغيير. فقانون النسبية لا يصلح في مراحل التحوّل الديمقراطي.
وإذا كان الأردن يريد حقا الولوج إلى هذه المرحلة وتحقيق حكومة الأكثرية البرلمانية، الأكثرية الحزبية، فيجب عليه أن ينتقل إلى نظام الأكثرية، وليس نظام النسبية، حيث سيتيح الفرصة لأكبر حزب في الساحة السياسية الحصول على أكبر عدد من المقاعد تسمح له بتشكيل الحكومة. ومع ذلك ففي الانتخابات الأخيرة تصدّر حزب جبهة العمل الإسلامي المشهد السياسي في الأردن، بحصوله على 31 مقعدا من أصل 138، وهي نسبة تُشكل خُمس مقاعد البرلمان الأردني. وهنا لا بد من التذكير بأن هذا الحزب يتصدّر المشهد السياسي الأردني منذ عام 1989 كأكبر الأحزاب السياسية، وأكثرها تأثيرا في الحياة العامة. ولم يُغيّبه عن هذه الصدارة سوى التدخلات التي حصلت في الانتخابات في دورات ماضية، حيث تم تحجيمه في محاولة لتقليص حجمه الطبيعي منذ عام 1993 إلى عام 2020، لكن النزاهة النسبية بعض الشيء، التي جرت فيها الانتخابات الأخيرة، مكنته من الظهور بحجمه الطبيعي في الشارع الأردني. فالمراقب لنتائج الانتخابات يجده رقم 1 في دوائر الجنوب ودوائر الشمال ودوائر البادية الشمالية ودوائر البادية الجنوبية، وكان رقم 2 في دوائر البادية الوسطى. كما سجل فارقا كبيرا جدا في الأصوات بينه وبين أقرب الأحزاب. ولا غرابة في تحقيقه هذه النتائج، فهي جزء من رصيده التاريخي في الأردن، كما يمكن اعتبارها استفتاء على برنامجه السياسي، خاصة في موقفه الواضح والداعم للقضية الفلسطينية.
قد يقول البعض إن الانتخابات كانت محاولة من القصر لتحييد جزء مهم من الشارع الأردني وتنفيس الضغط، عبر السماح للتيار الإسلامي بتحقيق هذا الاختراق. وهنا لا بد من التذكير بأنه تاريخيا كان التيار الإسلامي قريبا من القصر، رغم أن هذه العلاقة قد مرت بمراحل هبوط وصعود، وكانت هناك محاولة لمحاصرة هذا التيار خلال العقدين الماضيين، وصلت إلى اعتبارها غير قانونية، لكن اليوم هناك مرحلة مهمة جدا وهي أن الدولة الأردنية مُستهدفه من اليمين الصهيوني، الذي سيكون تحالفه مع ترامب، في حالة فوزه، خطرا كبيرا على الأردن. وربما كان تصويت الأردنيين لجبهة العمل الإسلامية هو تعبير عن رد فعل على تهديدات نتنياهو وأقطاب حكومته.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    رحم الله ملك العراق فيصل الثاني , والذي أغتيل من العسكر ستة 1958 !
    كان العراق أفضل بكل شيئ في أيام الملكية الدستورية !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول S.S.Abdullah:

    وإلّا هناك أزمة، في إدارة وحوكمة العملة/الإقتصاد، ومن هنا أهمية خلق AI وطني/محلي، من Saleh Halal AI عند تسويق مشروع صالح (التايواني)، من تأسيس شركة دولة أعمال ومقاولات سوق صالح (الحلال)، في أي دولة تبحث عن تقنية (الكهرباء الأرخص) من أتمتة الإدارة والحوكمة، في دولنا،

    لأن لغة القرآن وإسلام الشهادتين شيء مختلف،

    عمّن يفرض إضافة شهادة ثالثة، وإلّا أنت لست (مسلم) أو من (الخوارج)، فمن إذن هو أساس فكر (التكفير) أو (التكفير المُضاد)🤣🤭🫣

    أو إضافة شهادة رابعة من أجل ضمان تمويل/راتب كرسي (وظيفة) الإدارة والحوكمة أي السلطة في أي أمر أو كيان أو مجتمع أو دولة؟!🤣🤭🫣

    بدون تمييز الفرق هذا، لن يمكن إيجاد حل، إلى موضوع الشفاعة/المحسوبية أو الواسطة أي رشوة (المال السياسي) في أي نظام داخل نظام الأمم المتحدة (مجلس الأمن أو حق النقض/الفيتو) ما بعد 1945، لتقليل تكاليف (إعادة الإعمار) ما بعد أي حرب،

    وليس فقط الحرب العالمية الأولى والثانية،

  3. يقول S.S.Abdullah:

    بعد الأزمة الإقتصادية في عام 2008،

    (الصين) طرحت (المقايضة)، ومبادرة طرق وحزام الحرير لأتمتة إدارة وحوكمة أي دولة بداية من عمود الكهرباء (مشروع خالد الصيني)،

    (العراق) في المقابل وقع عقد (المقايضة) مع (الصين)، وطرح (طريق التنمية) من زاوية التكامل، مع ما طرحته (الصين)،

    من وجهة نظري، المنافسة الآن، هناك سباق أو منافسة بين من ينتج أولاً، (طريق التنمية) أم (ممر بايدن) بعد طرحه في إجتماع G20 (الهند)؟!

    ومن وجهة نظري، طريقة عمل الجرد/التعداد، في (العراق) عام 2024 سيُحدد من سيفوز في المنافسة🤣🤭🫣

    أي الكرة، في ملعب (د رحيم العتابي) وصحبه، هل ستتهاون وتتدلع، أم لا؟!🥸🧐🫵

    بحضور رئيس الوزراء، في حفلة (دائرة الوقف) 2024، أحسنت يا شيخ حسن الطه/السامرائي، إختيار تذكيره عن (الظلم) القانوني، ما بعد 9/4/2003

    وأضيف في دولة (الفرهود/الگوترة)،

    كم (مُعقِّب معاملات)، فهم روتين البيروقراطية، استطاع بعدها، ليس فقط أن يصبح (لواء)، بل ويحصل على حماية ووسائل نقل من الوزارة (قانونياً)، أي بلا وجه حق (ظلماً/غشّاً/فساداً)؟!

  4. يقول S.S.Abdullah:

    شكراً على صراحتك، لأن الموضوع هو ظلم ثقافة (شعب الرّب المُختار) من جهة وظلم ثقافة (آل البيت) من جهة أخرى، سبب معاناة (أهل فلسطين) في نظام الأمم المتحدة بعد عام 1945، يا (تيسير خرما)، فالحل هو (السبي البابلي/الكفيل) بدل الهولوكوست أو محاكم التفتيش، ولدينا نجاح كل نموذج من نماذج دول مجلس التعاون الاقتصادي بعد عام 1980،

    عندما فشل أهل فكر تسريع عودة (المهدي/المسيح) المُنتظر في السيطرة على مكة أو شبه جزيرة العرب والحمدلله، كدليل عملي على النجاح في تكوين الإقتصاد، والمنافسة في أجواء أسهم بورصة سوق (العولمة/الإنترنت/الشّابِكة) أو التعامل (عن بُعد OnLine) من خلال الآلة الروبوت التي في يد أي إنسان (ة)أو أسرة أو شركة مُنتِجة.

    أحسنت، كوبا وأمريكا، الإشتراكية والرأسمالية، الصراع أم المنافسة، هؤلاء يمثلون عقلية الأقلية في أي دولة، يا (د زياد)،

    التي يتم استغلالها، أو تحريكها بواسطة لغة (الإعلام)، والذين من وجهة نظري يمثلون عقلية/ثقافة (شعب الرّب المُختار) من جهة، أو عقلية/ثقافة (آل البيت) من جهة أخرى🤣🤭🫣

    من لا يستفيد من خبرة نابلس وغزة ما بعد 2005، من وجهة نظري إما حمار أو ببغاء (السّامريّ) من بني الكيان الصهيوني (الظالم)،

  5. يقول S.S.Abdullah:

    حقيقة أبدعت يا (د مثنى عبدالله) في إختيار زاوية الرؤية،

    في صياغة نتائج إنتخابات عام 2024، في عنوان (الأردن: هل اتجه القصر لتنفيس ضغط الشارع؟) https://www.alquds.co.uk/?p=3399528

    والأهم هو لماذا، أو هل هناك مكان إلى تكرار أسلوب (التحايل/التنفيس) في أجواء (العولمة/الإنترنت/الشّابِكة) أو الإدارة والحوكمة والتعامل (عن بُعد OnLine) من خلال الآلة الروبوت التي في يد أي إنسان (ة) أو أسرة أو شركة، كما تعامل به (الأردن) أو (الكيان الصهيوني)، على حساب (أهل فلسطين) منذ تأسيس نظام الأمم المتحدة في عام 1945،

    بمعنى آخر، إلى متى استمرار هذا (الظلم) الذي تسببت به الجزائر،

    لأن الكثير لا يعلم أن جهل (بوتفليقة) باللغة الإنجليزية في عام 1967، كان سبب كل الخزعبلات غير المنطقية والموضوعية في قضية (فلسطين)، من جهة وسبب طرد (تايوان/الصين الوطنية) من عضو صاحب فيتو إلى عضو (غير معترف به)، أي مثل وضع (فلسطين) الآن، في نظام الأمم المتحدة، من جهة أخرى،

    تعليقاً على ما ورد تحت عنوان (الجزائر: مهاجمة عمال الإغاثة بغزة “خنجر في صميم القانون الإنساني”- (فيديو)) https://www.alquds.co.uk/?p=3399641

  6. يقول عماد غانم:

    فاز الإخوان ب22 مقعد من 80 في انتخابات 1989 وكانت نسبة الاقتراع 53.1% وشاركوا في حكومة “مضر بدران” ، بالإضافة ان ذك دليل على أنهم “موالاة وليس معارضة” أو “معارضة شكلية” خلّعت نشميات الأردن وزير التعليم العالي “يوسف العظم/ عميد نواب الإخوان في البرلمان”/دليل فشلهم في السلطة والحكم
    عاد اخوان ألاردن بخفي حنين من ركوب موجة “الربيع العربي” ومقاطعة الانتخابات و”المشاركة فيها كمستقلّين”؛ ثم على منسف في عجلون- حسب صحيفتهم/السبيل – عقدوا صفقة مع حكومة “هاني الملقي” اساسها أنهم من حمى النظام في مواجهة القوميين والبعثيين والمقاومة الفلسطينية في السبعينات
    كما عودة الحياة النيابية 1989 هذه اول انتخابات حزبية/بداية جديدة ، الفايز- كما الانتخابات السابقة- الصحافة والسوشال ميديا/السلطة الرابعة بنقد التجربة ووضعها على ألمحك لتثمر نجاحا و(ديمقراطية) على المدى البعيد

اشترك في قائمتنا البريدية