الأسلوب النسائي في الكتابة: هل يمكن أن تكون الأعمال الأدبية كائنات تمثل الجندر؟

يعتقد المفكر والناقد الأدبي الفرنسي جاك دريدا، أن هناك أسلوباً خاصاً بالكتابة الفمنستية، أي أن هناك طريقة خاصة لتلك الكتابة المرتبطة بالواقع، وهي تركيز القوالب النمطية الثقافية، التي تتم في المقام الأول من خلال الممارسات النصية الأنثوية، التي تهدف إلى طمس وتقويض هيمنة طريقة التفكير الذكورية في الثقافة. ولكن هل يوجد بالفعل أسلوب أدبي خاص بالنساء كما يرى دريدا، وهل يمكن أن يكون العمل الأدبي أداة لتحويل الأدوار الاجتماعية بين الجنسين؟ في الحقيقة، هذه الأسئلة ليست جديدة في علم اللغة، ولطالما كانت موضوعا للبحث والتحليل من قبل العديد من المفكرين. ومع ذلك وفي هذا السياق، سوف نركز على التفسير الاجتماعي، دون التفسير اللغوي.

المركزية الذكورية

بالنسبة إلى دريدا، إن المركزية، هي الفكرة الذكورية في كل شيء للعثور على البناء والمعنى، لإيجاد الأسباب وبالتالي لفرض المعاني والأبنية التي يتم توجيه الفكر إليها. علاوة على ذلك، لا يجد دريدا في النص الأدبي أصوتا نسوية، فحسب، بل يجد حروفاً أيضا، هذه الحروف لا تعني رسومات النص، لكنها في الشكل العام، تشكل رؤية مختلفة لا تحمل جوهرا ميتافيزيقياً في حد ذاته. فيظهر لنا أن الحرف هو مكون أنثوي بحت داخل النص الأدبي، على النقيض من صوت الذكر، فإنه لا يصبح صوتاً، بل إنه صمت أو ضجيج، كذلك هو ليس ضوءاً للمعنى، بل هو لا يتعدى كونه ظلا ليس أكثر، وبالتالي لا يشكل هوية الجوهر، بل هو اختلاف.
إن الرسالة الأنثوية، تشق طريقها في شكل استعارات ومقارنات في نظام مفاهيم الجذر، وتضع فخاخا خبيثة للمؤلف البهلواني، الذي يُقلد الكلام الشفهي بعناية. ومع هذا، بالنسبة إلى دريدا، وللعديد من علماء ما بعد الحداثة الآخرين، فإن مفهوم الأنوثة ليست له علاقة بفكرة أي مادة، فهو ليس أكثر من تعبير مجازي عن طريقة التفكير الهامشية، التي هي طريقة للهروب من طرق التفكير الوسطية السائدة. فيؤكد دريدا، على أنه مفهوم عملي بحت، يُعبر عن طريقة معينة للكتابة، التي تقوض كليشيهيات ممارسات الفكر التقليدية. لهذا، فإن أنوثة دريدا ليس لديها الكثير لتقوم به، ليس فقط مع الجنس البيولوجي، ولكن أيضا مع الجنس الاجتماعي.

التفسير الفرويدي

ومن جهة أخرى، نلاحظ اختلافاً كبيراً في تفسير التحليل النفسي لظاهرة الكتابة النسائية، والتعبير عن المرأة في الأدب، عندما يتعلق الأمر بالتحليل النفسي الفرويدي، فقد سعى فرويد لإثبات كل من دونية المرأة في نفسها، وعقم محاولاتها للتعبيرعن استراتيجياتها الاجتماعية بين الجنسين في العمل الأدبي. ويحاول ايضا جذر عيب المرأة في علم الأحياء البشري، فكما ذكر: إن العلاقة بين النقص البيولوجي والاجتماعي للمرأة ليست مباشرة تماماً.

جوليا كريستيفا وتحديد الهوية

إن النهج البنيوي لمشكلة الكتابة النسائية، الذي تم تطويره في كتابات الناقدة والناشطة النسوية البلغارية جوليا كريستيفا وأتباعها، مثير للاهتمام بدرجة تستحق مناقشة منفصلة.
بداية تقسم كريستيفا الهياكل الرمزية للفكر، التي يتم تحديدها بالأسلوب الأدبي للذكور، وبالسيميائية غير المتجانسة الأنثوية في بنية الذاتية، التي تنعكس على الحرف الأنثوي. فتشرح كريستيفا ذلك بقولها، إن المستوى السيميائي من وجهة نظرها، يمثل مرحلة «ما قبل الأيل» لتشكيل الذاتية، حيث تعكس هذه المرحلة فقط «الخطاب الأنثوي المكتوب» أي الكلام، الذي هو بالأحرى الصوتي وليس الدلالي. كذلك فالأسلوب الأدبي الأنثوي، يعكس الدوافع العاطفية المنظمة، في التدفق العام للحركات والأصوات والإيقاعات، فمثلا تتم تحديد السلسلة السيميائية المرتبطة بجسم (الأم) ويتم تخزينها في اللاوعي البشري. ومع ذلك، وفي مرحلة معينة من تطور الذاتية، يتم تمييز دلالة كلمة ‘أنا» عن التواصل السيميائي، ويحدث تكوينها الإضافي في العملية العامة للدلالة، أي في عملية إنتاج اللغة. ومن هنا يبدأ المستوى الرمزي المرتبط باسم الأب.
إن الكتابة كإبداع، حسب كريستيفا كمفهوم لـ«اللغة الشعرية» هي اختراق لنفسها، في هذا البعد غير المتجانس للغة، الذي ينشأ نتيجة لتفاعل التصرفات «الرمزية الذكورية» و«السيميائية الأنثوية» وبالتالي، فإن المذكر والمؤنث بالنسبة لها، وكذلك عند دريدا، هما مجرد معلمات عالمية للغة لا علاقة لها بالانتماء الجوهري إلى جنس أو آخر.
ثم تجادل بأن علم الاجتماع يجب أن يستخدم مفهومي «المؤنث» و«المرأة» فقط بالمعنى التشغيلي كـ«أداة سياسية» ويعود ذلك لقناعتها، بأنه ليس من المستحيل تحديد جنس المؤلف من النص وحسب، ولكن وبشكل دقيق، من المستحيل القول إن المرأة موجودة بالفعل في عالم الذكور.

تعتبر النسويات أن السيرة الذاتية الأنثوية، هي نوع آخر مناسب لتنفيذ استراتيجيات النوع الاجتماعي، التي تحكي عن مختلف ظروف (الأنثى البحتة) وتجارب الأحداث المختلفة، سواء الزواج والحمل والولادة، أو التنشئة والحب والأنشطة المهنية.

لذا، لا يوجد فقط أسلوب أدبي أنثوي، بل لا توجد المرأة نفسها بمعزل عن الرجل. فتقول في كتابها «الرغبة في اللغة».. «إن الاعتقاد بأن شخصا ما هو امرأة، أمر سخيف ورجعي، مثل الاعتقاد بأن شخصا ما رجل، حيث أن المرأة ليست شيئاً يمكن أن يكون، بل إنها تنتمي إلى ترتيب الوجود. وأعني بكلمة (المرأة) هو ما لا يمكن تمثيله على الإطلاق، وما لا يتم الحديث عنه، وما لا يزال يتجاوز كل التسميات والأيديولوجيات».
ومن هنا يتضح تماما الاستنتاج النهائي لكريستيفا، فهي ترى أنه لا يوجد أسلوب أدبي مُحمّل حسب الجندر، ومن المستحيل تحديد جنس المؤلف من العمل نفسه، ومع ذلك، فإنها تعتقد وتؤكد جزئيا في عملها، أن أعمال المرأة رغم ذلك، ليست مجدية بالكامل للمجتمع. إن جوليا كريستيفا هي بلا شك كاتبة بارعة، لكن في بعض الأحيان سيكون من الصعب جداً وضع استنتاجاتها موضع التنفيذ، وعلى ما يبدو فهي لا تؤمن حقاً باستنتاجها النهائي، حول استحالة تحديد جنس المؤلف.

الجسد والكتابة النسوية

ترتبط طريقة الكتابة النسوية من خلال الجسد، بمقاربة أخرى لمشكلة النوع الاجتماعي، في الأسلوب الأدبي مع عمل النسويات اللاتي يدافعن عن «النظرية الجسدية» للكتابة الأنثوية. في الحقيقة إن توصية كريستيفا بأن ترفض المرأة تحديد الهوية المفروضة عليها، وأي هوية ثابتة أخرى، لم يتم قبولها من قبل النسويات اللواتي يرغبن في إنشاء هوية جديدة للمرأة، حيث تنعكس تلك الهوية، من وجهة نظر المؤلفات النسويات، في الأسلوب الأدبي الأنثوي، وترتبط في المقام الأول بمفهوم» فيزيائية الإناث». على سبيل المثال، تعتقد الشاعرة الأمريكية سوزان غريفين، بأن الجسد الأنثوي الذي تراه ثقافتنا «لحماً غامضاً ومبهماً» هو في الواقع مصدر للإدراك الفكري والخيال والرؤية، فمن وجهة نظرها في ثقافتنا ‘الذكورية، يتم تركيز الانتباه على أشكال التفكير التي تحاول الانفصال عن الجسد. ولهذا ترى غريفين، أن أسلوب الكتابة الأنثوية الحقيقي هو «الشعر» فالشعرُ هو المسار السري الذي يمكن للنساء من خلاله استعادة أصالتهن، وهذا هو السبب في أن الشعر مهم جدًا للنسوية.
من ناحية أخرى، تعتبر النسويات أن السيرة الذاتية الأنثوية، هي نوع آخر مناسب لتنفيذ استراتيجيات النوع الاجتماعي، التي تحكي عن مختلف ظروف (الأنثى البحتة) وتجارب الأحداث المختلفة، سواء الزواج والحمل والولادة، أو التنشئة والحب والأنشطة المهنية، إلخ. فنجد مثلا بعض النسويات الفرنسيات المتطرفات، أمثال هيلين سيكويس ولوسي إيريجاري، يؤيدن بشكل جذري فكرة الكتابة النسائية «من خلال الجسد» كتعبير عن الأنثى. فبالنسبة لسيكوس ـ عند التحدث بلغة الذكور ـ فإن الكتابة تعمل وفقاً لشرائع الذكور. ومن أكثر التفاصيل المدهشة في إنشاءات سيكويس، هي رؤيتها حول إمكانية تمثيل المرأة في الثقافة، من خلال الكتابة الأدبية عن طريق الجسد الأنثوي.
فتسعى لحث النساء على إدراك أنفسهن ككائنات اجتماعية من خلال الأدب، إذ أن مهمة الكتابة الأنثوية هي الكشف عن الرغبات الفسيولوجية الأنثوية غير المحققة. كذلك تقدم الكاتبة النسوية لوسي إيريجاري مفهوم «الرمزية المهبلية» فعلى عكس«الرمزية القضيبية» فإن العامل الحاسم هو التعددية، والتركيز، ونشر المعاني والبنية النحوية، لأن هذه الرمزية المهبلية سيئة السمعة، مبنية على علاقات عدم الهوية، وآلية عملها لا تخضع لقانون الاتساق المنطقي في النصوص النسائية. فتشير إيرجاري، إلى أن العامل المحدد هنا هو «الحسية» التي تظهر في المقام الأول من خلال المزاج والإيقاع، حيث يتم التعبير عن نظرية الكتابة الأنثوية مباشرة في ممارسة الكتابة الأدائية، ويمكن أن تكون بمثابة أي عمل تقريبا من أعمال إيرجاري نفسها. على سبيل المثال، مقالتها المثيرة للجدل بعنوان «عندما تتكلم شفاهنا مغلقة» والتي أعتقد أنه من المنطقي اقتباس بعض أجزاء هذا العمل من أجل فهم ما هي كتابة المرأة على المستوى الوصفي، لكن هذا النص ليس من السهل تخيله في الترجمة، لأنه وكما تلاحظ هي نفسها، فإنه يجب فَهم النصوص الأنثوية، من خلال إيقاع ونفسية خاصة.
لهذا، هل يمكننا حقا أن نعتبر الكتابة النسوية ظاهرة لا يمكن اكتشافها؟ في الحقيقة سيكون هناك مخرج إذا اعتبرنا النمط الأدبي، تمثيلاً لعقلانية الذكور والإناث على حد سواء.

كاتبة مصرية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية