الشعرية العربية ليست شعرية ضيقة، ولا هي شعرية منفصلة عن كيانها الشعري الكوني، لأن الشعر، في عمومه، لم يوجد ليكون تعبيرا فكريا جماليا مغلقا على ثقافته، أو لغته التي كتب بها. كل النصوص والتجارب الكونية الكبرى، استطاعت عبر الترجمة أن تثير انتباه غيرها من الثقافات واللغات، وأصبحت كأنها جزء من هذه الثقافات واللغات، لما لها من تأثير فيها، وما تركته فيها من آثار.
صحيح أن كل ثقافة تسعى أن تكون متميزة بخصوصياتها الفكرية الجمالية، وبما تحاورت معه من ثقافات وعلوم ومعارف وفنون، لكن هذه الثقافة في نهاية الأمر، هي ثقافة كونية، لأنها ثقافة تتوجه إلى العقل والخيال البشرييـن، لا إلى تراث ووجدان أمة ما، وحتى حين تتوجه إلى هذا التراث، وهذا الوجدان، فهي تتوجه إليه في بعده الكوني الذي هو العالم، وهو الإنسان أينما كان، وكيفما كان.
٭ ٭ ٭
لعل مأزق الشعرية العربية، في بعض تاريخها، أو في بعض لحظات هذا التاريخ الطويل، اكتفت أن تكون عربية، حرصا على مبدأ الهوية والخصوصية، ليس بمعناها المفتوح، بل بمعناها المغلق، المكتفي بذاته، ببيئته ومحيطه، دون النظر إلى ما يجري في محيطه الجغرافي الثقافي من تجارب، ومن كتابات ومقترحات وأشكال شعرية، رغم أن هذه الشعرية، كانت متصلة، من حيث جغرافيتها وطبيعة البيئة التي وجدت فيها، بغيرها من جوارها غير العربي، أو ما تشابهت فيه، من حيث الخصوصية الإبداعية، في الشعر، خصوصا في أيام بداوتها، مع بعض هذه الحضارات أو الثقافات.
تختلف الشعريات الكونية من لغة إلى أخرى، وهذا غنى في تجارب اللغات وما تقترحه من إبداعات شعرية. لا يمكن أن يكون الشعر، في اللغة والثقافة الواحدة، المواصفات نفسها، وبالتصورات والمفاهيم والمعايير نفسها، وإلا فقد قدرته على الإضافة والتنوع والاختلاف، أحرى أن يكون الشعر، في كل الثقافات، هو الشعر نفسه، وباللغة نفسها، وبالقوالب والاختيارات الفكرية الجمالية نفسها، فهذا غير ممكن ومستحيل.
٭ ٭ ٭
الشعر، إذن، تختلف درجاته، وتختلف تجاربه ومقترحاته، من شاعر إلى آخر، ومن «جماعة» إلى أخرى، حين تكون الجماعات تتفق على تصور معين للشعر، كما نجد عند الدادئيين والسريانيين، وعند بعض الشعراء العرب الذين اتفقوا على فهم معين للشعر، يميزهم عن سابقيهم، أو غيرهم من شعراء جيلهم، أو من سبقوهم.
الشعر بطبيعته، إبداع، وكل إبداع، اختلاف وتنوع وتعدد وليس اتفاقا، إلا في حدود معينة، هي ما يجعل الشعر، نوعا غير كل الأنواع.
الأعمال الشعرية الأولى، ظهرت بهذا المعنى، وحرصت على أن تكون متميزة في لغتها، وفي بنائها، وما تذهب إليه من معان وأفكار، أو ما تسعى للإيحاء به من صور وأخيلة. في الثقافة العربية، الشعر كان غنائيا وسيبقى غنائيا، لم يخرج عن الصوت المفرد. بعكس ما تصور العرب، كان الشعر في غيره من الثقافات واللغات، ملحميا، ظهر بغير بناء «القصيدة» في الشعر العربي، ما يؤكد التنوع والاختلاف، ويؤكد، في الوقت ذاته، اختلاف الرؤى والمواقف والحالات، واختلاف الأخيلة والإيقاعات، ويؤكد، أيضا، تحرر الشعر من المعيار، ومن أن يكون هو نفسه، في كل زمان ومكان، أو يصير نوعا من الدين الذي يحكمه الاعتقاد نفسه، والإيمان نفسه، والطقوس والعادات نفسها.
٭ ٭ ٭
في الرواية، نجيب محفوظ بقي ملتصقا بالقاهرة، رواياته هي تعبير عن الواقع والمجتمع المصري، مثلما يمكن أن نجد في أعمال دستويفسكي، وأيضا أعمال زولا وبالزاك. كونية هذه الأعمال، لا توجد في الأحداث في ذاتها، بل في طبيعة الرؤية، وفي طريقة المعالجة، وتصور الأحداث والشخصيات، وأسلوب الكتابة، كيف يقارب الكاتب عوالمه، ما يوسع أفق المحلي ليصير كونيا، يمس كل الناس، كل القراء، ولا يكتفي بمن يعرف القاهرة أو الإسكندرية، فالكتابة، هنا، هي اكتشاف، والقراءة بدورها تكون اكتشافا.
٭ ٭ ٭
الشيء نفسه يحدث في الشعر وهو يكتب، يخلق عوالم داخل العالم الصغير، عوالم أخرى أكبر وأوسع، يوسع المحلي لغة وتعبيرا، ليكون أفق الشعر وزرقته، ذلك اللانهائي الذي هو مدار الشعر في معناه الأوسع والأشمل. لا الشعر، كما نقرؤه في المدارس والجامعات، أو كما تقدمه لنا وسائل الإعلام، والمسابقات التي تتوخى تكريس نمط من الشعر، تحصره في المديح، وفي النمط الماضوي للشعر، بحصره في «القصيدة» باعتبارها نظما، ووزنا وقافية.
٭ ٭ ٭
التصادي بين اللغات والثقافات عبر الترجمة، وعبر الحوار والإنصات، وتبادل المعارف، هو ما يتيح معرفة الذات من خلال الآخرين، من خلال لغاتهم وثقافاتهم، ومن خلال ما تأسست عليه التجارب الفردية والجماعية معا. في الترجمة ثمة مشاكل، أو هي «خيانة» للأصل وزوغان على بعض جمالياته، أو ما يتأسس عليه كشعر، في لغته وأسلوبه وإيقاعاته، وطريقة بنائه. الجاحظ، قبل أمبرتو أيكو كان واعيا بهذا المأزق، أو ما يفقده الشعر من دم في انتقاله من لغة إلى أخرى، ما يعني أن الترجمة بمعناها الصرف، غير ممكنة، لذلك عاد أيكو، وأكد أن الترجمة «تفاوض» بين لغتين، وفي كل تفاوض، هناك تنازلات من الطرفين، ما يعني أن الترجمة، في كل الأحوال، ضرورة، وحاجة ماسة، لأنها تسمح بالتصادي، وباكتشاف الذات من خلال الآخر، ما يجمعنا به، ما يميزنا عنه، ما نلتقي معه فيه، ما يفرقنا عنه، لذلك، رأي الجاحظ، غير صائب، إذا ما اكتفينا به وحده، فهو يمنع عنا النظر في ما يقوله ويكتبه غيرنا من شعر، وسنكون منطوين على ما نقوله ونكتبه، وهذا ما يجعل مفهوم «التفاوض» يتيح قبول الترجمة، واعتبارها جسرا واصلا، نعبر من خلاله إلى الآخرين، كما يعبر الآخرون من خلاله إلينا، ننصت إليهم، وننصت إلى تجاربهم، وما اقترحوه من تعبيرات فكرية، أو فنية جمالية، في ما عندهم من شعر.
٭ ٭ ٭
في الذهاب إلى الحداثة، ذهاب إلى المعنى والبعد الكونيين، إلى ما نلتقي فيه مع الآخرين، ما نتنادى ونتجاوب ونتحاور فيه معهم، وما نختلف فيه وننفصل عنهم، لنكون نحن بوعينا الحداثي الذي يخصنا ويعنينا. الكوني اتصال، بقدر ما هو انفصال. هذا هو جوهر الحداثة التي تستعصي على النمط، لأنها صيرورة وأفق، ولأنها منهج وطريقة في النظر وفي التفكير. الحداثة، في هذا السياق، هي انقلاب دائم، ليس على الآخرين، بل على نفسها، وعلى مفهوماتها وتصوراتها، وعلى ما يحدث في طريقها من استقرار ورسوخ. الكون ليس كتلة واحدة بالخواص نفسها، والمعايير والمكونات نفسها، الكون تنوع وتعدد وكثرة، وهو صور، وليس صورة واحدة تتفق في الشكل والمظهر، كل اختلاف يكون في الجوهر، بما يترتب عنه من اختلافات في الأشكال والمظاهر.
٭ ٭ ٭
الشعر، هو هذا بالذات، هو الآخر فينا بما فيه من اختلاف، ونحن في الآخر بما نضيفه إليه، وما نضيء به طريقه، ليكون العبور متاحا، مثلما هو متاح الحوار والإنصات، وتبادل التجارب والخبرات والمعارف. قوة التجربة وعمقها، وما تتميز به من فرادة وانفصال، تكمن في هذا الاتصال واللقاء، الذي تبقى فيه المسافة قائمة، بل تزداد اتساعا، بما في الشعر ذاته من قدرة على التميز، وعلى الخلق الاختراع.
٭ ٭ ٭
الشعرية العربية، بحكم انتمائها إلى السياق المتوسطي، قابلة للحوار، ولهذا التصادي والإنصات، وهذا ما شرعنا نعيه ونمارسه من خلال علاقتنا بالشعر المتوسطي، ليس بما ينتجه اليوم، بل بما كان منذ الإغريق، ومن قبلهم، في كل الحضارات والثقافات المتوسطية، وكذلك اليوم. الخلل الذي ننتقده في ترجمة الآخر المتوسطي لشعرنا، هو الانتقائية الموجودة في الترجمة إلى لغات الآخرين، ولاعتبارات تتجاوز الشعر أو القيمة الشعرية بالأحرى، وهي انتقائية لا تقدم الشعرية العربية في تنوعها، وربما في تجاربها الأكثر جرأة واختراقا، خارج الجماعات والجمعيات والمؤسسات والمهرجانات التي تدعي أنها تهتم بالشعر، أو تتسمى ببعده الكوني العالمي.
٭ ٭ ٭
الحوار، إذن، هو خلق حوار وإبداع، أو هكذا ينبغي أن يكون، خارج كل اعتبارات لا صلة لها بالشعر، أو بالثقافة والمعرفة الشعريـين. الانتصار للقيمة الشعرية، إلى التجربة والجرأة والتميز، وحده يتيح اللقاء، كما يتيح المعرفة والاكتشاف، ويؤكد مبدأ الكونية، والشعر، كان، دائما، في نماذجه الاستثنائية، أفقا لهذا البعد، ولما يحتمله الشعر من جرأة واختراق وجمال.
كاتب مغربي
حقيقة يا صلاح بوسريف ويا توفيق قريرة، ومن أجل إنزال من البرج، إلى أرض الواقع،
ما فائدة، أي منتج لغوي/ترجمي/تأويلي، من (الأنا) بلا فهم أو مشاركة أو شراء/استغلال من (الآخر) في سوق الحياة،
مفهوم الأسرة والحياة، بشكل عام منطقية وطبيعية، في لغة القرآن وإسلام الشهادتين التي لا تمثل فكر (فلان) أو ثقافة (علان)، والتي فيها مفهوم (الطلاق)، من جهة، ومفهوم (تعدّد) الزوجات من جهة أخرى،
وهذا ما لا يوجد في دولة ثقافة (الأنا) الأوروبية، وليس ثقافة (النحن) كأسرة إنسانية،
الإشكالية في أجواء سوق العولمة، بدأت عام 2015، أثناء حكم الثنائي (أوباما-بايدن)، الإدارة والحوكمة التي غيّرت، مفهوم الأسرة الإنسانية في تدوين لغة الدولة (القانون)،
لتحويله من ثقافة النحن، التي تجمع ثقافة الأنا (الرجل) مع ثقافة الآخر (المرأة)،
إلى ثقافة الأنا، ولا يهم الأنا هنا رجل أو مرأة أو آلة (روبوت) أو حيوان أو نبات، في عام 2015،
في تعارض مع أي حكمة أو أخلاق أو دين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولذلك أنا ضد فضائية الحكومة الأمريكية بكل برامجها، وأولهم برنامج (مُختلف عليه)،
ولكن سبحان الله، حتى في موضوع إثارة الفتن، من أجل الشهرة، رب ضارة نافعة،
فالجدال أو عملية الصراع في من يصعد على أكتاف مدرسة من،
التي حصلت بين (فراس السواح)
https://youtu.be/a0EzsKqOINM
وبين (إبراهيم عيسى)
https://youtu.be/fjGjQAKqHxc
في الروابط أعلاه، كشفت لي على الأقل مستوى الحقد والغل عند فرعونية (إبراهيم عيسى)، لإرضاء ما يحلم به الفرعون،
وبين محاربة أن يكون هناك أي سلطان غير سلطان (الدولة) عند الإقتصادي (فراس الحواس)،
وهذا من وجهة نظري ليس إعلام أو توعية، هذا حملة تحقير وتسفيه وتشويه، عن عمد وقصد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لأن الإشكالية في أجواء سوق (العولمة) بعد 1945، هي فوضى التسريب، والتسريب المُضاد، هكذا أصبح البلد، بلد الإشاعات،
أي لا يوجد شيء منطقي أو موضوعي بل كلّه سوق تزوير وغش وإشاعات، لتمرير حاجة في نفس (يعقوب)،
ولذلك لم نفهم هل المشكلة الآن، في الإعلانات، أم المشكلة في مستقبل كل منتجات فكر (العولمة)، شركة (ديزني) على سبيل المثال، لا الحصر؟!
فمن يجب مقاطعته:
– الآلة (الروبوت)؟!
– محتوى الإنتاج (الإعلام)؟!
– الإعلانات؟!
لأن أليس هذه دعوة للفوضى، أو أين النظام، في دولة الديمقراطية، بلا أحزاب، أو حصصها من المناصب، بعد 2003، ومن يأخذ مكان من، بعد ذلك؟!
كيف يمكن أن نخلق ضمير الإنسان (ة)، عند أداء أي (وظيفة) أو (مهنة)، أصلا لمنع (الظلم)، أو إساءة استخدام أي صلاحية أو مسؤولية لأغراض (ثقافة الأنا) وليس لخدمة (ثقافة النحن) كأسرة إنسانية؟!
ما الفرق بين رب أي مهنة، وآله أي مجتمع، وبين لفظ الجلالة (الله)، الذي تتميز به لغة القرآن وإسلام الشهادتين، التي لا تمثل فكر (فلان) أو ثقافة (علان)؟!
هل يجوز تخصيص أي (وظيفة)، في أي (نظام)، إلى (فلان)، ومن بعد ذلك توريثها إلى (الإبن)، كما يحصل في أي أسرة أو شركة، أم لا؟!
ثم هل الوقف مثل المهنة مثل الوظيفة، مثل العمل المدني أو الحزبي أو النقابي أو الإشتراك في أي جمعية، أم لا؟!??
??????