بغداد ـ «القدس العربي»: برّرت قوات الأمن العراقية، أمس الأربعاء، تداعيات فضّ احتجاجات ذوي المهن الطبية والصحية التي شهدت سقوط عدد من الإصابات بين صفوف المحتجين ووحدات حفظ القانون، فضلاً عن اعتقال عدد من المتظاهرين المطالبين بتشغيلهم في المؤسسات الصحية الحكومية، وفيما كشفت وزارة الداخلية الاتحادية عن إصابة 15 عنصراً أمنياً خلال الاحتجاجات، أكدت أن بعض المتظاهرين اعتدوا على القوات المكلّفة بحمايتهم، الأمر الذي ولد احتكاكاً بين الطرفين.
وتداول مدوّنون وناشطون حقوقيون مشاهد تُظهر اعتقال قوات الأمن لعدد من المحتجين الذين خرجوا بتظاهرات حاشدة أمام إحدى بوابات «المنطقة الخضراء» شديدة التحصين في بغداد للمطالبة بالتعيين.
وبيّنت لقطات مصورة لحظة اعتداء قوات الأمن على إحدى المحتجات وضربها قبل أن تسقط على الأرض وتدخل رفاقها لنقلها لأحد المنازل القريبة بُغية إسعافها.
في مقابل ذلك، تداولت مواقع إخبارية محلية ومدوّنون فيديوهات أخرى تبين إلقاء المحتجين الحجارة على قوات الأمن.
وأعلنت وزارة الداخلية، أمس، إصابة أكثر من 15 منتسباً خلال تظاهرة ذوي المهن الصحية.
وذكرت في بيان صحافي، أنه «انتشر فيديو يظهر فيه ما تعرضت له وحدة حفظ القانون المكلفة بحماية تظاهرة خريجي ذوي المهن الصحية».
وأضافت أن «الفيديو يكشف عن جرح أكثر من 15 منتسباً بجروح بعضها بليغة نتيجة اعتداءات البعض من المتظاهرين على أفراد هذه الوحدة المكلفة بحماية التظاهرة، مما تسببت هذه الاعتداءات بالاحتكاك ما بين المتظاهرين وأفراد وحدة حفظ القانون».
وسبق أن وجّه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، قائد عمليات بغداد بالتواجد ميدانياً في أي تظاهرات مستقبلية، بهدف منع وقوع أي احتكاكات بين المحتجين وقوات الأمن مثلما حدث في التظاهرات الأخيرة.
الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، قال في بيان صحافي أصدره مساء الثلاثاء: «إيماناً من الحكومة بحق جميع المواطنين بالتظاهر السلمي من أجل ضمان حقوقهم المشروعة قانونياً ودستورياً، والتزاماً منها بضرورة احترام الحريات وحقوق الإنسان في التعامل مع المتظاهرين من جميع قطاعات الشعب، فقد وجه رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، قيادة العمليات المشتركة بالتحقيق في ما حصل من ملابسات خلال تظاهرات خريجي المهن الصحية، كما وجه قائد عمليات بغداد بالتواجد الميداني في كل تظاهرة مستقبلية؛ من أجل منع تكرار ما حصل من احتكاك بين القوات الأمنية والمتظاهرين».
كما وجّه السوداني أيضاً «اللجنة التي شُكلت الأسبوع الماضي، برئاسة وزير الصحة، بتقديم تقريرها الخاص بحسم موضوع خريجي ذوي المهن الطبية والصحية وبيان تكييف ذلك قانونياً، وذلك خلال أسبوع واحد».
ردود فعل غاضبة
وولد القمّع المفرط للمحتجين موجة ردود فعل غاضبة، إذ عبّرت نقابات واتحادات عراقية حقوقية عن إدانتها واستنكارها لما وصفته «الأفعال الوحشية» التي طالت المحتجين.
وذكرت في مؤتمر صحافي عقدته ليلة الثلاثاء، «نقف منددين ومستنكرين الأفعال الوحشية التي طالت أبناءنا من المهن الطبية» مستدركة بالقول: «لا ذنب لهم بالسياسات الخاطئة من الحكومات» مطالبين بـ«تنفيذ قرار رئيس الوزراء بسد النقص وإحالة المعتدين إلى المحاكم المختصة».
كما طالب البيان وزارة التعليم العالي بـ«ضرورة التنسيق مع النقابات بوضع آلية للتعيين».
وزارة الداخلية أكدت إصابة أكثر من 15 منتسباً لها ومطالبات بمحاسبة المعتدين
كذلك، قالت نقيبة المحامين العراقيين أحلام اللامي في المؤتمر، «نتضامن مع إخوتنا بالنقابات والاتحادات كافة ونقف وقفة جادة مع الجميع» مشيرة إلى تشكيل فريق لـ«محاسبة المعتدين من المقصرين حتى من الرتب العسكرية».
فتح تحقيق
كذلك، أعربت لجنة حقوق الإنسان النيابية، عن رفضها للاعتداءات المتكررة التي تطال المتظاهرين من ذوي المهن الطبية، مؤكدة حق المتظاهرين المشروع في المطالبة بحقوقهم.
ودعا رئيس اللجنة، أرشد الصالحي في بيان، وزارة الداخلية إلى «فتح تحقيق عاجل وشامل في تلك الاعتداءات لضمان محاسبة المسؤولين عنها» مبيناً إن «التوسع الكبير في عدد الجامعات الأهلية، وخاصة في أقسام المجموعات الطبية، قد أدى إلى تقييد قدرة وزارتي الصحة والمالية على استيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين».
وأوضح أن «هذا الوضع غير العادل يتطلب من الدولة توفير الدرجات الوظيفية اللازمة لهؤلاء الخريجين وعدم تأجيل تعيينهم» مؤكداً ضرورة «إعادة النظر في سياسات قبول الطلاب في أقسام المجموعات الطبية في الجامعات الأهلية، لضمان عدم تراكم أعداد الخريجين في السنوات المقبلة».
وأضاف، أن «خريجي السنوات الحالية يستحقون التعيين أسوةً بزملائهم من خريجي المجموعات الطبية الأخرى» مطالباً الحكومة بـ«اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك».
وشدد رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية، على ضرورة «معالجة هذه القضية بشكل عاجل ومنصف» لافتاً إلى أن «اللجنة ستواصل متابعة هذا الملف لضمان حقوق الخريجين وسلامة المتظاهرين».
كما أدان الحزب الشيوعي العراقي، بأشد العبارات «الاعتداءات البشعة» التي تعرض لها خريجو المجموعة الطبية من قبل قوات مكافحة الشغب، بالقرب من «المنطقة الخضراء».
وقال في بيان صحافي إن «استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين الذين كانوا يطالبون بحقوقهم المشروعة في التعيين هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ويعكس تراجعًا خطيرًا في مستوى الحريات العامة وحق التعبير عن الرأي في البلاد».
ورأى إن ما حدث من استخدام المياه الحارة والعصي الكهربائية لتفريق المتظاهرين، والذي أدى إلى إصابة أكثر من 25 شخصاً، هو «تصرف غير مبرر ويتناقض مع كل القيم الديمقراطية التي نطمح لتحقيقها في وطننا العزيز» منوهاً أن «هذه التصرفات القمعية، لا تزيد الوضع إلا تأزماً وتغذي مشاعر الغضب والاحتقان بين أبناء الشعب».
وأضاف: «نحن في الحزب الشيوعي العراقي، نؤكد تضامننا الكامل مع مطالب الخريجين المشروعة، ونطالب الحكومة باتخاذ خطوات فورية للتحقيق في هذه الاعتداءات ومحاسبة المسؤولين عنها» فيما طالب بـ«الاهتمام بمطالب خريجي ذوي المهن الطبية والصحية، وغيرهم من الخريجين والعاطلين الباحثين عن حياة حرة كريمة».
ورأى الحزب الذي يعد أبرز المؤيدين للتظاهرات الاحتجاجية في العراق، إن «استقرار البلد وازدهاره لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال احترام حقوق المواطنين وضمان حقهم في التعبير السلمي عن مطالبهم».
في حين، اعتبر «مركز النخيل» للحقوق والحريات الصحافية، أن قمّع المحتجين يعكس «فشل الحكومة» في تعهداتها بحماية حق التظاهر.
وذكر في بيان صحافي، أن «المشاهد القاسية التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي لضرب الخريجين والخريجات المطالبين بأبسط حقوقهم تعكس فشلا حكوميا في الالتزام بتعهداتها في حماية حق التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي».
وحثّ المركز الحقوقي في بيانه على وجوب «التحقيق في هذه الاعتداءات المتكررة ومحاسبة المقصرين في الأجهزة الامنية من قيادات ومنتسبين ومن أعطى التوجيه بممارسة هذا القمع، لضمان عدم تحولها إلى سلوكيات ممنهجة، معربين في نفس الوقت عن تضامننا الكامل مع الخريجين وحقوقهم».
تكرر المأساة
فيما انتقدت كتلة «الجيل الجديد» النيابية، تكرار الاعتداء على الخريجين المتظاهرين ذوي المهن الطبية والصحية من قبل القوات الأمنية.
وقالت رئيس الكتلة النائبة، سروة عبد الواحد، إنه «للمرة الألف يتكرر المشهد وتتكرر المأساة نفسها المتمثلة باستقواء القوات الأمنية، خاصة قوات مكافحة الشغب، على المتظاهرين السلميين من زهرة المجتمع شبابنا الخريجين المطالبين بأبسط حقوقهم الدستورية والقانونية والإنسانية المتمثلة بتوفير مصدر رزق وفرصة عمل للعيش بكرامة» متسائلة: «هل أصبحت الكرامة من المحرمات في هذا البلد؟ أم أن السلطات لم يعد يهمها إن كان اسمها قوات حفظ القانون أم خرق القانون والانحدار به وبالأخلاق والقيم والمبادئ الى اسفل السافلين؟ «.
وأضافت أن «السلطات القمعية المستقوية بالسلاح لا تحتاج لتذكيرها أن ما حصل (في 3 أيلول/ سبتمبر) من اعتداءات على المتظاهرين السلميين من ذوي المهن الطبية والصحية، هو خرق لأبسط مبادئ حقوق الإنسان ومعايير السلم المجتمعي».
وأوضحت أن «التذكير الذي نطرحه أمام القائمين بهذا الفعل الشنيع، هو أن المشاهد المريعة لحوادث هذا اليوم على المتظاهرين عامة، وعلى وجه الخصوص ضرب (المتظاهرات) من بناتنا وسحلهن بالشوارع هو فقدان للرجولة، فضلا عن كونه انعداما للغيرة العراقية» على حدّ قولها.