سوقت الإمارات العربية المتحدة نفسها باعتبارها واحة الأمان في المنطقة، ووجهة تستقطب رؤوس الأموال وأثرياء العالم، لكنها تحولت فجأة لترند في وسائل التواصل الاجتماعي بعد سلسلة أحداث.
الدوحة ـ «القدس العربي»: حاولت الإمارات العربية المتحدة على امتداد عقود تسويق نفسها باعتبارها واحة الأمان في المنطقة، ووجهة تستقطب رؤوس الأموال وأثرياء العالم، لكنها تحولت فجأة لترند في وسائل التواصل الاجتماعي بعد سلسلة أحداث، نسفت جهودها التسويقية. وجاء اعتلاء الإمارات عناوين أخبار الصحف ووكالات الأنباء العالمية بعد العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان أحد أبرز الوجوه الإسرائيلية في الدولة الخليجية، مقتولا في الإمارات العربية المتحدة. وأثار الحادث غضب سلطات أبو ظبي، التي وجدت نفسها في موقف سعت لعقود على تلافيه، بعد كل المبادرات والاستثمارات الضخمة لتلميع صورتها في الساحة الدولية. وتسفي كوغان المقتول في مدينة العين، أحد ممثلي حركة «حباد» اليهودية في الإمارات ويحمل الجنسية المولدوفية إلى جانب الجنسية الإسرائيلية. وأقام كوغان في الإمارات بشكل رسمي بصفته مساعدا للحاخام اليهودي الأكبر في أبو ظبي. وتعد «حباد» إحدى المنظمات المتطرفة، التي لا تؤمن بحق وجود الفلسطينيين وتدعو لطردهم من فلسطين المحتلة، وتعارض أي اتفاق يمكن أن يمنحهم جزءا من الأراضي. وخيم خبر نقل جثة كوغان إلى إسرائيل للدفن على الإمارات، تحديداً بعد إعلان سلطات تل أبيب، إصدار توصية بعدم السفر إلى الإمارات لغير الضرورة. وأكدت السلطات الإسرائيلية أن على الزائرين الموجودين هناك الحد من تنقلاتهم والبقاء في مناطق آمنة، وتجنب زيارة الأماكن المرتبطة بإسرائيل واليهود. ومنذ عام 2020 أصبح وجود الجالية الإسرائيلية واليهودية في الإمارات علنيا، حيث صنفت أبو ظبي أول دولة عربية تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل منذ 30 عاما بموجب اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة في 2020 في إطار ما تُسمى اتفاقيات أبراهام.
ضربة للاقتصاد الإماراتي
تركز الإمارات في توجهاتها على تعزيز استقرار اقتصادها المبني على تسويق صورة الأمان، والفرص المتاحة، لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، وإنعاش قطاعي السياحة والعقار. وركيزة هذه الصورة التي تروج لها الإمارات، تترسخ بتعزيز صورة الاستقرار الأمني، حتى تحافظ على تهافت المستثمرين الأجانب.
وتعرضت الدولة الخليجية لهزات في عدد من المناسبات، حاولت أن تتجاوزها، ويتذكر العالم، ما حدث في عام 2010 حينما اغتيل القيادي محمود المبحوح في فندق البستان في دبي، والمبحوح كان أحد أعضاء كتائب عز الدين القسام، ويومها لمع نجم الفريق ضاحي خلفان المسؤول الأمني في دبي في تلك الفترة، وحاول إبراز قوة الأجهزة التي يشرف عليها، ووصولها للجناة وهم من الموساد الإسرائيلي. وبعد حادثة مقتل الحاخام الإسرائيلي، توالت سريعاً ردود الفعل الداعمة للإمارات، وأعرب صهر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، جاريد كوشنر، عن حزنه وزوجته إيفانكا، على مقتل الحاخام الإسرائيلي تسفي كوغان، وتعهد بالتبرع بمليون دولار أمريكي لحركة «حباد» في الإمارات وبالعمل لـ«دعم المجتمع اليهودي في أبو ظبي ودبي». وجاءت اللفتة بمثابة تأكيد دعم اللوبيات القريبة من تل أبيب لأبو ظبي.
التدخل في شؤون الدول
توالت الانتقادات لأبو ظبي من قبل عدد من الدول اتهمتها بالتدخل في شؤونها. وقدم السناتور الأمريكي كريس فان هولين مشروع قرار يسعى إلى وقف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات إلى حين التأكد بأنها لا تسلح قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان. وقدم فان هولين مشروع قرار مشترك في هذا الشأن إلى مجلس الشيوخ، بينما قدمت زميلته الديمقراطية سارة جاكوبس مشروع قرار مماثل إلى مجلس النواب. وجاء التطور بعد انتقادات وجهتها العديد من الدول لأبو ظبي في تأليب قوى محلية ضد السلطات المركزية. كما شهدت العلاقات الإماراتية الجزائرية تصعيداً بعد اتهامات أوساط في الجزائر أبو ظبي، حيال ما اعتبرته تدخلا في شؤون البلد. وأرسل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إشارات واضحة لدولة الإمارات العربية المتحدة بدون أن يذكرها بالاسم، متهماً إياها بإشعال ما وصفها بـ«نار الفتنة» في جوار الجزائر. وقال تبون في لهجة اعتبرت للمرة الأولى التي يشير فيها لأبو ظبي ردا على سؤال صحافي خلال لقائه مع وسائل إعلام بلاده: «في كل الأماكن التي فيها تناحر دائما مال هذه الدولة موجود. في الجوار، ومالي وليبيا والسودان».
ومن أبرز المنتقدين للإمارات السودان، الذي صرح في مناسبات عن وجود يد إماراتية في الصراع بين قيادة الجيش وقوات الدعم السريع، المحسوبة من قبل المراقبين على أبو ظبي.
وأعلن وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، إلغاء مذكرة التفاهم مع دولة الإمارات العربية المتحدة، بشأن إنشاء أبو ظبي ميناء أبوعمامة على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر، بعد عامين من توقيعه. وتتهم الحكومة السودانية دولة الإمارات بإشعال الحرب المندلعة في البلاد وتعقيد المشهد السياسي والعسكري منذ نيسان/ابريل 2023 عبر تقديم الدعم المالي والعسكري لقوات الدعم السريع التي يتزعمها محمد حمدان دقلو «حميدتي» والتي تقاتل الجيش السوداني. وقال إبراهيم، خلال مؤتمر صحافي في العاصمة الإدارية في بورتسودان، إن «السودان بعد الذي فعلته دولة الإمارات لن يمنحها سنتمترا واحدا من أراضيه» مؤكدا «إلغاء مذكرة التفاهم بشأن إنشاء الميناء الإماراتي على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر».
وفي آب/اغسطس 2022 وقعت السلطات السودانية مذكرة تفاهم مع دولة الإمارات العربية بخصوص إنشاء مشروع زراعي يربطه طريق بري مع ميناء جديد على سواحل البحر الأحمر، شرقي السودان.
وأثارت قضية الميناء الإماراتي حينها ردود أفعال غاضبة حيث اتهمت مكونات في المجلس الأعلى لنظارات البجا، وهي تحالف عشائري في شرق السودان، السلطات السودانية، بـ«التآمر» على الموانئ الوطنية بغرض إنشاء موانئ إماراتية بديلة لها، وسط دعوات للتصعيد والمطالبة بحق تقرير مصير شرق السودان.
وجاء اتفاق ميناء أبو عمامة بعد عامين من تسريبات تحدثت عن صفقة سرية لبيع ميناء بورتسودان بين «حميدتي» الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة، وحكومة أبو ظبي.