الاحتلال الإسرائيلي يدخل علاقة جديدة مع السلطة الفلسطينية.. أبرز المكونات وطبيعة الموقف الفلسطيني

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله- “القدس العربي”:

تتوالى الضربات الإسرائيلية الجديدة على الفلسطينيين، قيادة وشعبا، حيث تتسارع وتفرض نفسها بقوة على حلبة المواجهة مع الاحتلال بعد أن دخلت طور التنفيذ بعد أيام من التهديد واتخاذ القرارات. فمع ساعات صباح اليوم (الأحد) انطلق ما يتم التعارف عليه بأنه “حرب مستعرة” بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يظهر منها إلا قمة جبل الجليد مع تأكيد مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن التفكير في مزيد من العقوبات ما زال قائما.

وبدأت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة في تنفيذ عقوباتها المعلن عنها مع إعلانها الجديد عن عقوبات طالت مجموعة من قادة حركة فتح لكونهم قاموا بزيارة المحرر كريم يونس.

وأصدر ما يسمى “وزير الأمن” في حكومة الاحتلال الإسرائيلي يؤاف غالانت قرارا بإلغاء تصاريح دخول ثلاثة من قيادات حركة “فتح” إلى أراضي الـ48، عقب زيارتهم للأسير المحرر كريم يونس في بلدة عارة بمنطقة المثلث الشمالي لتهنئته بالحرية بعد قضاء 40 عاما في معتقلات الاحتلال.

وبحسب بيان صدر عما تسمى “وزارة الأمن الإسرائيلية” في حكومة الاحتلال، فقد أوعز غالانت لمنسق عمليات حكومة الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة غسان عليان، بسحب تصاريح كل من نائب رئيس حركة “فتح” محمود العالول، وعضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة “فتح” عزام الأحمد، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح.

وجاء في البيان: “القرار جرى اتخاذه من قبل وزير الأمن بعد مشاورات مع كافة الجهات الأمنية ذات العلاقة”.

وزعم البيان أن “الثلاثة استغلوا موقعهم ودخلوا صباحا إلى إسرائيل من أجل زيارة كريم يونس، الذي تحرر هذا الأسبوع من السجن بعد 40 عاما قضاها على خلفية قتل الجندي أبراهام برومبرغ في العام 1980”.

كما سحبت سلطات الاحتلال بطاقة الشخصيات المهمة “VIP” من وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، أثناء عودته من جولة خارجية، على إثر تحويل ملف الاحتلال الإسرائيلي المستمر إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي.

ويأتي هذا الإجراء الاحتلالي، بعد يوم واحد من إقرار المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر “الكابينت”، فرض ما أسماها “عقوبات جديدة” على الشعب الفلسطيني، تضمنت الاستيلاء على 139 مليون شيقل من أموال المقاصة الفلسطينية، وكذلك الاستيلاء على المبالغ التي تدفع لعائلات الأسرى والشهداء. كما أقر تجميد كافة أعمال البناء في المناطق المصنفة (ج)، إضافة إلى فرض عقوبات على منظمات ومؤسسات وشخصيات.

وكان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قد وقع على قرار مصادرة 139 مليون شيقل من عائدات الضرائب الفلسطينية، تنفيذًا لقرار المجلس الوزاري للشؤون الأمنية “الكابينت”، الصادر نهاية الأسبوع الماضي.

وقرر الكابينت الإسرائيلي خصم هذا المبلغ من أموال الضرائب التي تجبيها “إسرائيل” للسلطة الفلسطينية على المعابر والموانئ شهريًا، وفقًا لصحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية، وتحويلها إلى أسر جنود جيش الاحتلال ومستوطنيه الذين قتلوا في عمليات فلسطينية.

وسيجري تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية وتحويلها لـ “أسرى القتلى الإسرائيليين” تنفيذًا لحكم صدر قبل 8 أشهر عن نائب رئيس المحكمة المركزية في القدس، موشيه سوبل، الذي قضى بتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية العمليات التي نفذها فلسطينيون خلال انتفاضة الأقصى خصوصًا مقتل جندي إسرائيلي وسط رام الله عام 2000.

البحث عن إطار شمولي

وتعقيبا على القرارات الإسرائيلية قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بسام الصالحي، إن مواجهة الاجراءات التي أعلنت عنها حكومة الاحتلال ردا على التحرك الفلسطيني في مؤسسات الأمم المتحدة، يجب ان تكون في إطار شمولي عبر تعزيز الوحدة الوطنية، وحشد الدعم للقضية الفلسطينية دوليا.

بسام الصالحي: مواجهة الاجراءات التي أعلنت عنها حكومة الاحتلال ردا على التحرك الفلسطيني في مؤسسات الأمم المتحدة، يجب أن تكون في إطار شمولي

وطالب الصالحي في تصريحات صحفية المجتمع الدولي بإنهاء الانحياز لدولة الاحتلال، والكيل بمكيالين، وضرورة اتخاذ اجراءات فعلية على الأرض، لتجاوز الاحتلال الشرعية الدولية.

وقال مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الانسان عمار دويك، إن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الجديدة مفلسة، وإن إجراءاتها الانتقامية ضد شعبنا، لن تثنيه عن مواصلة نضاله.

وأكد دويك في تصريحات صحفية أن الإجراءات تأتي ردا على توجه القيادة لمحكمة العدل الدولية، وباقي المنظمات الإنسانية الدولية لمعاقبة قادة الاحتلال على جرائمهم، داعيا لبذل المزيد من الجهود في هذا الإطار، واستخدام آليات القانون الدولي للرد على هذه العقوبات.

وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني “إن إجراءات حكومة الاحتلال التي اتخذتها ضد شعبنا وقيادته تصل لحد العقوبات الجماعية”، مؤكدا أن الهدف منها تصدير الخوف والقلق تجاه أي اجراء ضدها.

وحذر مجدلاني في حديث صحفي من انفجار الاوضاع، مؤكدا على مواصلة مواجهة الاحتلال والنضال للدفاع عن الأرض والشعب، وشدد على استمرار العمل الدبلوماسي والقانوني على الصعيد الدولي، وتعزيز المقاومة الشعبية لوضع القضية الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي، مشددا على عدم وجود أفق سياسي مع حكومة الاحتلال التي تسعى لفرض سياسة الأمر الواقع، وتقسيم المسجد الاقصى زمانيا ومكانيا.

وأشار إلى التزام السلطة الوطنية بشروط الرباعية الدولية، التي يجب أن تشمل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، مضيفا أن اسرائيل ترفض الاعتراف بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، وتتجاوز الشرعية الدولية بشكل واضح للجميع.

معاقبة السلطة على دورها السياسي

الأكاديمي والسياسي الفلسطيني غسان الخطيب يرى أن ما نراه اليوم من عقوبات إسرائيلية هو حالة من تنفيذ مخططات الحكومة الإسرائيلية الجديدة والتي تهدف أساسا إلى تضييق الخناق على السلطة الفلسطينية.

وتابع: “ما يجري هو محاولة متواصلة من الاحتلال الإسرائيلي لتحويل السلطة من مشروع دولة إلى حكم ذاتي مسؤولة عن الإطار الخدماتي فقط”.

الخطيب: ما أثار حفيظة إسرائيل هو توجه السلطة للأمم المتحدة، وهذا يعني ممارستها لدور سياسي إلى جانب دورها الخدماتي الذي تقوم به والذي يريد الاحتلال حشرها لتقوم به فقط

وشدد الخطيب أن ما أثار حفيظة إسرائيل هو توجه السلطة للأمم المتحدة، وهذا يعني ممارستها لدور سياسي إلى جانب دورها الخدماتي الذي تقوم به والذي يريد الاحتلال حشرها لتقوم به فقط.

ويؤكد الخطيب أن إسرائيل تريد أن تلغي الوظيفة السياسية للسلطة، وتعمل على حصرها بالوظيفة الخدماتية فقط، وهو مسعى ليس بالجديد، إنما أصبح يأخذ طابعا متسارعا ومكثفا بعد الحكومة اليمينية الجديدة.

وبحسب الخطيب فإن الامتيازات المتعلقة بحركة القادة السياسيين ليست عقوبات مهمة ولا تؤثر كثيرا على دور السلطة ومهماتها إنما ما يؤثر أكثر على الفلسطينيين هو العقوبات الاقتصادية التي تتمثل في تعزيز سرقة أموال الضرائب الفلسطينية، وهو أمر سيحد من قدرة السلطة الفلسطينية على الايفاء بالتزاماتها المالية وسيترتب عليه إضعاف السلطة والحد من قيامها بخدماتها المختلفة.

ويحذر الخطيب من استمرار هذه السياسة ضمن سياق أعم يتضمن خفض المساعدات الأجنبية الغربية والعربية بنسبة الثلثين.

ويرى أن مجمل الإجراءات الجديدة تضع السلطة أمام مفترق طرق، إما أن تخوض صراعا مع الاحتلال وتقود ومواجهة معه وقد تؤدي أيضا إلى أن تصل لمرحلة تتضمن عدم قدرتها على الاستمرار بالإيفاء بالالتزامات المختلفة وهو ما يعني انهيارها، أو أن تقدم تنازلات في دورها السياسي.

ويشدد الخطيب أن السلطة الفلسطينية تعرف ما كان ينتظرها، وحتما أنها قدرت ردود الفعل الإسرائيلية، فهي تدرك مسبقا أنها ستواجه مثل هذه الإجراءات. والأهم من ذلك أن السلطة لا يمكنها ولا تستطيع أن تقبل الدور المرسوم لها إسرائيليا (أي الدور الخدمي) لأن ذلك نوع من الانتحار في ظل تصاعد أجواء الصراع العنيف في الميدان بين الاحتلال ومكونات الشعب الفلسطيني.

ويختم: “من الصعب جدا أن تكون السلطة خارج دائرة الصراع، وبالتالي لن تكون طرفا في حالة الصراع العنيف في الميدان لكن هذا لا يعني ألا تكون طرفا في الصراع الدولي والقانوني، والمؤكد أن مجمل العلاقات الفلسطينية والإسرائيلية مرشحة لمزيد من التدهور والتوتر ميدانيا وسياسيا دبلوماسيا”.

عصمت منصور: نتنياهو هو مهندس الانقسام الفلسطيني، وهو الذي كرس كل دهائه من أجل تعميقه والإبقاء عليه

وبحسب المحلل السياسي والخبير في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور فإن نتنياهو هو مهندس الانقسام الفلسطيني، وهو الذي كرس كل دهائه من أجل صيانته وتعميقه والإبقاء عليه، لخدمة مشروعه في تهميش القضية الفلسطينية والقفز عنها لصالح التطبيع مع الدول العربية، وعقد اتفاقيات معها بمعزل عن قضية فلسطين والتقدم في مسار الحل، أو حتى لجم سياساته العدوانية وجرائم جيشه..الخ.

وأضاف منصور: “مع ابتداع سياسة العقوبات الشخصية، تدخل حكومته اليوم مرحلة جديدة في العلاقة مع السلطة، قائمة على الابتزاز الشخصي، والضغط وتقزيم القضايا الوطنية وتفتيتها”.

وشدد انه على السلطة أن تدرك أنها تواجه خطرا وجوديا يتهدد القضية برمتها، ومرحلة الانتظار والشعارات والاستعراض الكلامي لن تنقذها.

الرد الفلسطيني

بدوره قال مستشار وزير الخارجية السفير أحمد الديك، الأحد، إن ما تتعرض له السلطة ليس عقوبات، بل هو انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف.

وشدد في تصريح صحفي لموقع “الترا فلسطين” (محلي) أن ذلك لن “يثنيهم عن مواصلة حراكهم السياسي والدبلوماسي والقانوني على المستوى الدولي حماية لحقوق الشعب الفلسطيني”.

وأكد الديك أن الجهة الوحيدة التي يجب أن تعاقب هي الحكومة الإسرائيلية ودولة الاحتلال، بسبب احتلالها لأرض فلسطين وانتهاكاتها المتواصلة للقانون الدولي.

وتابع الديك، أنه “يجب على المجتمع الدولي أن يفرض عقوبات على دولة الاحتلال لخرقها الجسيم للقانون الدولي واتفاقيات جنيف، وتمرُّدها على قرارات الشرعية الدولية”.

وأضاف المسؤول في الخارجية الفلسطينية: “نحن كفلسطينيين لم نقترف أي ذنب كي نعاقب عليه من قبل المحتل، ونحن توجهنا للشرعية الدولية وتعاملنا مع الأدوات والآليات التي يسمح بها القانون الدولي، وهذا حق للشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية من أجل تعميق الحراك السياسي والدبلوماسي والقانوني على المستوى الدولي، الرافض للاحتلال والمطالب بإنهاء الاحتلال”.

وشدد الديك على أن من حق الشعب الفلسطيني أن يتوجه إلى المحاكم الدولية من أجل محاسبة ومساءلة دولة “إسرائيل” للحيلولة دون إفلاتها من العقاب.

وشدد أن العقوبات لن تثني الوزارة عن “الاستمرار والإصرار على تحقيق مزيد من الإنجازات، وستزيدنا إصرارًا على قيادة العمل الدبلوماسي والدولي حماية لقضايا الشعب الفلسطيني في المحافل كافة”.

بدوره قال وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي، إن السلطة تدرس خطوات قانونية وسياسية للرد على إجراءات حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ضد الشعب الفلسطيني، بسبب لجوء دولة فلسطين إلى محكمة العدل الدولية.

وأكد المالكي في تصريحات صحفية أن إجراءات الاحتلال مخالفة للقانون الدولي، وتأتي ردا على حق طبيعي يتيحه القانون لدولة فلسطين، للخلاص من الاحتلال المتواصل منذ عقود.

وقال: “سنطالب في رسالة إلى وزارات الخارجية حول العالم باتخاذ موقف واضح من تلك الإجراءات؛ كي تدرك دولة الاحتلال بأنها ليست مطلقة الحرية في التصرف كيفما تشاء”.

وأوضح أن العمل متواصل لبناء رأي عام دولي ضد دولة الاحتلال ونظامها العنصري بعد فضح جرائمها أمام دول العالم.

يذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت الأسبوع الماضي لصالح طلب فتوى من محكمة العدل الدولية حول الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية