غزة – «القدس العربي»: استمر التصعيد العدواني الإسرائيلي ضد قطاع غزة، واستشهد أكثر من 100 مواطن، وسقط الكثيرون جرحى، في سلسلة غارات دامية شنتها قوات الاحتلال ضد قطاع غزة يوم الجمعة، وتركزت هذه المرة على مناطق شمال القطاع، في الوقت الذي تعاني المنظومة الصحية، شحا كبيرا في الأدوية، يهدد حياة المصابين.
وأعلنت وزارة الصحة عن وصول المشافي 109 شهداء، و216 إصابة خلال 24 ساعة، ليرتفع عدد الضحايا منذ تجدد العدوان على غزة يوم 18 آذار /مارس الماضي، إلى 2,985 شهيدا، و8,17 جريحا.
وأشارت إلى ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 53,119 شهيدا و120,214 إصابة منذ السابع من تشرين أول /أكتوبر 2023، فيما لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإنقاذ الوصول إليهم.
إبادة العائلات
وعلى غرار الهجوم الذي تعرضت له مدينة خان يونس الخميس، شن الطيران الحربي سلسلة غارات متتالية على 10 منازل في شمال قطاع غزة في ساعات الفجر الأولى ليوم الجمعة، خلّفت عددا كبيرا من الضحايا.
وذكرت مصادر محلية أن القصف طال منازل عائلات الغندور والتتري والزيناتي والسيد وطه وصالحة والحسيني وخليل وأبو ركبة وأبو علبة والكيلاني في مناطق جباليا وبيت لاهيا، ما أدى إلى وقوع الأعداد الكبيرة من الضحايا، من أفراد هذه العوائل، فيما لا يزال الكثيرون مفقودين تحت ركام المنازل المدمرة.
وكان من بين ضحايا الاستهداف مدير مركز شرطة بيت حانون المقدم زاهر عليان، الذي قضى في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في منطقة قليبو.
كما استشهد 10 مواطنين وأصيب آخرون بجراح، جراء قصف مدفعي إسرائيلي استهدف شارع الحطبية والدوار الغربي في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، وسقط أيضا ثمانية شهداء في قصف استهدف منطقة عزبة عبد ربه شرقي جباليا، واستشهدوا آخرون أيضا في قصف منطقة قليبو، فيما سقط ستة شهداء في مجزرة أخرى، ارتكبتها قوات الاحتلال حين قصفت سيارة عند دوار بيت لاهيا، حيث تناثرت أشلاء الضحايا في الشارع الذي كانت تمر منه السيارة من شدة القصف الصاروخي.
وفي المشفى الإندونيسي كان الوضع خطيرا للغاية، حيث فاق عدد الضحايا قدرة الطواقم الطبية وأسّرة المشفى المتوفرة لعلاج المصابين، بسبب وصول الأعداد الكبيرة في وقت متزامن.
ووُضع المصابون على الأرض لتلقي العلاج، كما اضطرت الطواقم الطبية للتعامل معهم بشكل سريع في محاولة لتقديم الخدمات الطبية لأكبر عدد من المصابين.
واضطرت الطواقم الطبية لوضع جثامين الضحايا في أحد غرف المشفى، بعد أن امتلأت ثلاجة الموتى، فيما واجهت طواقم الإسعاف والإنقاذ صعوبات كبيرة في تقديم الخدمات الطبية والإنقاذ للمواطنين الذين استُهدفت منازلهم، أو أصيبوا بسبب وجودهم قريبا من مناطق الاستهداف.
«القدس العربي» تنقل روايات النازحين من الموت: عشنا ساعات مخيفة والموت في كل مكان
وأعلن جهاز الدفاع المدني، أن الاحتلال يستهدف كل من يتحرك في مناطق شمالي القطاع، وأكد الناطق باسم الجهاز محمود بص أن تتابع الغارات والقصف الجوي والمدفعي للمنازل، يمنع الطواقم كافة من الاستجابة للاتصالات التي تصلها، لافتا إلى وجود مفقودين داخل المنازل المستهدفة.
وأشار إلى أن أكثر من 85 في المئة من مقدرات جهاز الدفاع المدني تعرّضت للتدمير منذ بدء الحرب، وهو ما أدى إلى وفاة مواطنين تحت الأنقاض بسبب عدم قدرة الطواقم على إنقاذهم.
وبسبب الاستهدافات الكبيرة، وعدم توفر عربات إسعاف كافية، قال جهاز الدفاع المدني، إن طواقمه انتشلت جثماني شهيدين من منزل لعائلة الغنذور بسيارة الإطفاء ونقلتهما إلى المستشفى. ونقلت لقطات وثقتها كاميرات هواتف المواطنين، عددا من الجيران وأهالي الضحايا وهم يقومون بالبحث بأيديهم بدون أدوات على مفقودين تحت الأنقاض.
كما جرى توثيق عمليات انتشال الجثامين وبينهم أطفال، وضعوا داخل أكفان مشتركة مع أمهاتهم، فيما اضطرت طواقم الإسعاف لوضع أكثر من خمسة مصابين في عربة واحدة نقلتهم إلى المستشفى، كما وضعت الجثامين متكدسة بجوار بعضها البعض بعد انتشالها، حيث نقلت إلى المشافي لإتمام الإجراءات الإدارية الخاصة.
وقال مواطنون من شمال القطاع، إن الهجمات الأخيرة تشبه تلك التي شنتها قوات الاحتلال في الاجتياح الأخير لشمال قطاع غزة وتحديدا لمخيم جباليا ومنطقة بيت لاهيا المجاورة، قبل شهرين من التهدئة الأولى التي جرى التوصل إليها في كانون أول /يناير الماضي.
وأكد سامي عبد الواحد الذي تواجد في المشفى الإندونيسي لتفقد مصابين من أصدقائه، لـ «القدس العربي» أن أصوات الانفجارات كانت قوية جدا، وأنه اعتقد أن هذا القصف الذي يشبه الغارات على شكل «الأحزمة النارية»، مقدمةً لاجتياح بري واسع، وقال إنه جهّز نفسه وعائلته للنزوح رغم الظلام والتحليق المكثف للطيران، خشية من الأسوأ، ووصف الوضع بالمحزن، وقال «كل شوي بتطلع جنازات للشهداء، الناس تعبت ومش قادرة تتحمل أكثر من هيك»، وقد تساءل كغيره عن موعد انتهاء الحرب، وقد أشار لتخطيطه وعائلته للنزوح من مكان سكنه بسبب القصف العنيف.
وصبيحة الجمعة ازدحمت المشفى الإندونيسي بأهالي وأٌقارب الضحايا، وهناك جرت عملية التشييع على عَجَل، فيما بقي عدد كبير من المصابين يأنون من ألم الإصابة، ويعانون من عدم توفر الكثير من الأدوية اللازمة لعلاجهم، بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ الثاني من آذار /مارس الماضي.
وقد لوحظت حركة نزوح من بلدة بيت لاهيا صبيحة الجمعة أيضا، خشية من تكرار الغارات الجوية والقصف المدفعي على البلدة الواقعة أقصى الحدود الشمالية لقطاع غزة.
نزوح جديد
وذكرت مصادر محلية أن مُسيّرة إسرائيلية، ألقت قنابل حارقة على خيام مخصصة لإيواء النازحين في منطقة السكة في مخيم جباليا.
وقال محمد أبو جراد أحد من تركوا منطقة سكنه شمال غزة مضطرا هو وعائلته: «الوضع صعب جدا، عشنا ساعات مخيفة، نسمع القصف في كل مكان»، لافتا إلى أن أحد الغارات الجوية لم تكن بعيدة عن منطقة سكنه، وكان يتجه بأسرته وهي تحمل القليل من الأمتعة إلى أحد المناطق غرب مدينة غزة، والتي تعج بأعداد كبيرة من النازحين الذين وصلوا إليها منذ استئناف العدوان على غزة يوم 18 آذار/مارس الماضي، وأضاف «الموت في كل مكان، ماذا أفعل؟»، لافتا إلى أنه نزح أكثر من 10 مرات منذ بداية الحرب.
وسجلت حالات نزوح كبيرة أيضا قبل شروق شمس الجمعة، حيث حملت الأسر أمتعتها وأطفالها، تحت القصف، خشية من الأسوأ.
وفي مدينة غزة التي نزح إليها هذا العدد الجديد من المواطنين، جرى انتشال جثامين ثلاثة شهداء من شارع نظير في التفاح شرق المدينة، فيما استمرت هجمات جيش الاحتلال، على الحدود الشرقية للمدينة، وتحديدا أطراف أحياء الشجاعية والتفاح، كما طال القصف وعمليات إطلاق النار الكثيف عدة مناطق تقع في حي الزيتون المجاور.
في الموازاة استمرت هجمات جيش الاحتلال على مناطق وسط القطاع، وجرى انتشال شهيد، ارتقى جراء قصف من مسيّرة إسرائيلية على شرق مدينة دير البلح، فيما تعرضت منطقة الجعفراوي وأبو العجين ووادي السلقا شرق وجنوب شرق المدينة لقصف مدفعي عنيف، وطال القصف وعمليات إطلاق النار الأطراف الشمالية لمخيم النصيرات والأطراف الشمالية والشرقية لمخيم البريج.
مجازر خان يونس
في الموازاة، ارتكبت قوات الاحتلال مجازر بقصفها عدة مناطق في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، حيث استشهد مواطنان وأصيب آخرون، جراء قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلا لعائلة اليازوري في بلدة القرارة شمالي المدينة، واستشهد أيضا مواطن من عائلة العبادلة، في قصف البلدة، كما قضى شهيدان، جراء قصف طائرات الاحتلال منزلا لعائلة العمور في بلدة الفخاري شرقي المدينة.
كما وصل إلى مستشفى ناصر في المدينة شهيدان من عائلة الهمص، قضيا في غارة استهدفت منطقة المواصي المخصصة للنازحين، وأخر من عائلة النجار استشهد في قصف طال منطقة قيزان النجار، وشهيد من عائلة منصور سقط جراء استهداف حي الأمل غربي المدينة، وشهيدان من بلدة بني سهيلا شرقا، كذلك ارتقى أربعة شهداء بينهم طفل وأصيب آخرون، إثر قصف إسرائيلي استهدف سيارة في حي الفخاري شرقا، وشهيد وعدد من المصابين في قصف مصلى في بلدة عبسان الكبيرة، كما استشهد ثلاثة مواطنين بينهم طفلان وسقط عشرة جرحى في قصف على منزل عائلة القهوجي في بلدة بني سهيلا.
وفي مجزرة أخرى سقط أربعة شهداء من عائلة أبو عزوم جراء قصف على منطقة المواصي غرب المدينة.
وجاء ذلك في وقت واصلت فيه قوات الاحتلال استهداف المناطق الشرقية لمدينة خان يونس، وكذلك المناطق الشمالية القريبة من محور التوغل «موراج»، وقد دفعت الهجمات الأخيرة عددا من سكان المناطق الشرقية للنزوح صوب وسط وغرب المدينة، رغم تعرض المناطق التي وصلوا إليها لغارات جوية دامية.
وفي مدينة رفح، انتشلت الطواقم الطبية جثمان شهيد سقط في منطقة الشاكوش غرب المدينة، وجاء ذلك في وقت تواصلت فيه هجمات الاحتلال على المدينة التي تتعرض لاجتياح كامل، وطال قصف مدفعي المناطق الشمالية للمدينة، فيما لا تزال قوات الاحتلال تواصل عمليات هدم وتجريف المنازل في عدة أحياء في المدينة.
وفي سياق متصل، عرضت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مشاهد من سيطرة ناشطيها على طائرة إسرائيلية مسيّرة مزوّدة بقنبلة قبيل تنفيذها مهمة هجومية.
تنديد فلسطيني
وقالت حركة حماس إن مجازر الاحتلال المتصاعدة بحق المدنيين «تُجسِّد إصرار حكومة الإرهابي نتنياهو على المضي في تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية في غزة، دون أدنى اكتراث بالقوانين أو بأدوات المساءلة والعدالة الدولية»، وأكدت أن الشعب الفلسطيني يواجه «إبادةً جماعيةً موثقةً بالصوت والصورة وعلى مرأى ومسمع العالم، في ظل غياب تام لأي تحرك فعّال من قبل الأمم المتحدة ومؤسساتها».
ودعت حركة حماس الجمعة الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بعدما أطلقت الحركة سراح جندي إسرائيلي-أمريكي رهينة، هذا الأسبوع.
وقال المسؤول في الحركة طاهر النونو لوكالة فرانس برس إن الحركة «تنتظر وتتوقع من الإدارة الأمريكية مزيدا من الضغوطات على حكومة نتانياهو لفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية، الغذائية والدوائية والوقود للمشافي في قطاع غزة بشكل فوري» مؤكدا أن هذا كان جزءا من «التفاهمات مع الموفدين الأمريكيين خلال اللقاءات التي عقدت الأسبوع الماضي والتي بموجبها أطلقت الحركة سراح الرهينة الإسرائيلي الأمريكي، عيدان الكسندر».
كما قال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، إن ما يجري في قطاع غزة «يمثل جريمة إبادة جماعية موصوفة تنفذ بدم بارد بحق المدنيين الفلسطينيين العزل، حيث تم إبادة عشرات العائلات وشطبها من السجل المدني، في مشاهد تصدم العقل الإنساني وتضع العالم بأسره أمام اختبار أخلاقي وتاريخي خطير»، لافتا إلى أن المجازر ترتكب منذ أكثر من 585 يوما برا وجوا وبحرا.
وأكد أن مماطلة حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف ورفضها المطلق لأي مبادرة جدية لـ «وقف الإبادة الجارية في غزة»، يعد «دليلا ثابتا ومباشرا على خلل جوهري في آليات تنفيذ منظومة العدالة الدولية»، وأضاف أن «ازدواجية المعايير وغياب الإرادة السياسية الحقيقية لتطبيق القانون الدولي يعرّيان الخطاب الإنساني العالمي من مضمونه ويحوّلان المؤسسات الدولية من أدوات للعدالة، إلى أدوات للتواطؤ أو التجميل الإعلامي للجرائم».