الاختلاف والائتلاف بين نازك الملائكة وأحمد المجاطي

القارئ للأعمال النقدية والإبداعية لنازك الملائكة وأحمد المجاطي، يلاحظ العديد من مظاهر الاختلاف والائتلاف بين التجربتين، وسنحاول رصد بعض تلك المظاهر، حتى يتسنى للقارئ الانتباه إليها أثناء قراءته لأعمالهما. فأما المختلف فإنه يظهر بدءا في منهجية العمل النقدي، فالملائكة انطلقت من التراث العربي، واعتمدت على سمعها الموسيقي، لتؤسس للشعر الجديد بنيَتهُ الخاصة، حتى يطَّلع عليه عموم الشعراء والنقاد والقراء والمهتمين.
أما المجاطي فقد انطلق من مفهوم الحداثة، ثم من اســــتقراء الأعمال الشعرية المعاصرة له، حتى تكتمل نظرته للشعر الحديث، ويؤسس له بالنظر في بنيته ومضمونه، مدافعا عمَّا يراه جديرا بالشعر الجديد، ومُلغيا ما لا يقبله. كما تختلف التجربتان في عروض الشعر، فالمجاطي لا يعتبره ظاهرة عروضية، بقدر ما هو تجربة عاشها الشاعر العربي الحديث. والعكس عند الملائكة التي تؤكد على أن الشعر الجديد ظاهرة عروضية قبل كل شيء، ولذلك كان تجديدها بنيويا أكثر منه موضوعيا.
وعليه، أعادت النظر إلى الوتــــد المجموع الذي أغفله العروضـــــيون القدماء، ولم يتحدثواْ عنه إلا من باب التعريف، ثم هيكل القصيدة الذي قسَّمته إلى هيكل مسطح وهيكل هرمي وهيكل ذهني، كما وقفت عند ظاهرة التكرار في الشعر الحر، وقسَّمته إلى التكرار البياني وتكرار التقسيم والتكرار اللاشعوري.
والمدقق في مجهود المجاطي، يجده لم يتطرق إلى هذه العناصر العروضية، لأنه يعتبر الشعر الحديث تجربة كما أسلفنا. وبالحديث عن التشكيلات الخماسية والتساعية في الشعر الجديد، فإن الملائكة ترفضها رفضا تامّا، بدعوى أن القدماء لم يستعملوها في شعرهم، لكن المجاطي يقبلها، مُعتبرا أن الدفقة الشعورية هي المتحكمة في طول السطر الشعري أو قصره.
وفيما يتعلق بتنويع الأضرب، فقد رفضت الملائكة هذه المسألة وقبلها المجاطي. كما ترفض تقنية التدوير في الشعر الحر، بينما قبِلها المجاطي كذلك.

وقف المجاطي على جانب الصورة الشعرية، لأن الشعر الحديث يصوِّر بواسطة الرموز والأساطير، بدون الحاجة إلى التصوير البياني النمطي، ونازك لم تهتم – أيضا – بجانب الصورة.

ومن جانب آخر من جوانب الاختلاف، فقد نظر المجاطي في الجانب اللغوي للشعر الحديث، حيث تطورت اللغة، ونمت بعامل الجغرافيا أو الوراثة عبر الأجيال، واحتفظت بأصالتها وعتاقتها، كما ارتقت عن لغة الكلام اليومي الواضح، إلى جانب درامِيَّتها الكامنة في الخروج من أعماق ذات الشاعر، والمتوجهة نحوها، وهذا العنصر (اللغـــة)، لم تهتم به الملائكة في نقدها.
ومن زاوية أخرى، فقد وقف المجاطي على جانب الصورة الشعرية، لأن الشعر الحديث يصوِّر بواسطة الرموز والأساطير، بدون الحاجة إلى التصوير البياني النمطي، ونازك لم تهتم – أيضا – بجانب الصورة. أما مضمون القصيدة، فإن نازك الملائكة وقفت عند المجتمع، مُعتبرة أن الشاعر ليس مناضلا سياسيا، وكذا ثيمة الموت. أما المجاطي فيختلف عنها، لأنه اهتم بثيمة مركزية في الشعر الحديث، والمتمثلة في «الغربة» بمختلف أنواعها وتجلياتها.
أما المؤتلف بين التجربتين، فإن الحديث عن عناصره يعني الحديث عن الأساس الموسيقي للشعر الجديد، والمتمثل في تفعيلات البحور الخليلية، فكلاهما حافَظ على التراث الموسيقي، وبذلك وقفا موقفا وسطا بين من يعتمدون النظام العمودي، ومن ينادون بقصيدة النثر المتخلية عن التفعيلات، إضافة إلى ذلك، فقد تطرق الناقدان إلى بعض التقنيات العروضية الفرعية، والمتمثلة في الزحاف الذي يخفف من حدة التفعيلة في الشعر الحر، ثم إيراد تفعيلة (فاعلُ) في حشو الخبب، فالمجاطي يدافع عنها للوهلة الأولى، لكن الملائكة لم تقبلها إلا بعد استعمالها لها في شعرها، والمهم هو أن الناقدين يتَّفقان حول هذه التقنية. وفيما يتعلق بمضامين الشعر، فإن لثيمة الموت اهتمام مشترك بين المجاطي والملائكة، حيث اعتبرت نازك أن إيمان الشعراء بالموت وانتظارهم إيَّاها بلهفة وشوق متعلق بمدى إدراكهم الباطني لها، واعتبر المجاطي أن الموت في صراع مع الحياة، ما بين أملٍ ويأسٍ وتحوُّلٍ وتجدُّدٍ. إن نقاط التلاقي بين التجربتين تزيد الشعر العربي الحديث قوَّة وقيمة أدبية، كما تعبّر عن مدى الترابط الفكري بين رواد المرحلة الثقافية الحديثة في تاريخ الأدب العربي.

٭ باحث مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية