تونس – “القدس العربي”: تشير احصائيات وتقارير رسمية صادرة في تونس إلى حدوث تراجع كبير في الاستثمار خاصة في القطاع الصناعي الذي طالما مثل أحد أهم دعائم الاقتصاد التونسي. وقد أثر هذا التراجع بشكل كبير على ديناميكية الاقتصاد ونموه خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي شهدتها البلاد خلال الأعوام الماضية بسبب الأزمات العديدة والتقلبات الأمنية والسياسية والاجتماعية. فقد تراجع الاستثمار مقابل تزايد معدلات الاستهلاك والمتمثلة في زيادة كتلة الأجور. كل ذلك أرخى بظلاله على الوضع العام في تونس وتسبب في اختلال كبير بين العرض والطلب وارتفاع الأسعار، ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات خطيرة لم تشهدها البلاد سابقا.
وقد جاءت تونس في المرتبة 15 في إطار افريقيا ضمن التقرير السنوي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ضمن استقبال الاستثمارات الأجنبية المباشرة. يشار إلى ان قطاع الطاقة كان من أهم القطاعات التي تجلب الاستثمار في تونس. وقد ساعد الموقع الجغرافي الهام للبلاد في تشجيع المستثمرين الأجانب ولكن بعد الثورة شهد هذا الوضع تراجعا كبيرا وتم إلغاء عدد كبير من المشاريع الاستثمارية الكبرى خاصة الالمانية والفرنسية بسبب سوء الأوضاع. فهناك عديد المشاريع الموضوعة على الرف منذ سنوات ولم تنجز بسبب نقص التمويل منها ميناء النفيضة والمنطقة التجاربة في بن قردان وخط سكة حديد قابس مدنين ومحطة تطهير بقابس إضافة إلى مشروع تحويل وتثمين النفايات في تونس ومحطة تحلية مياه البحر وغيرها من المشاريع الاقتصادية والتنموية الهامة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق حكيم بن حمودة في حديثه لـ “القدس العربي” أن الاستثمار عرف تراجعا كبيرا من 24 في المئة من الناتج القومي الخام في سنة 2010 إلى 18 في المئة في سنة 2017. وحسب محدثنا فإن هناك عديد الأسباب لهذا التراجع أولها تردي الوضع السياسي في ظل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد ورؤية رؤساء المؤسسات ورجال الأعمال للوضع وتراجع الدينار والأزمة الاقتصادية بشكل عام. فهذا الوضع الاقتصادي والسياسي غير المستقر هو وراء تردي ثقة المستثمرين وتراجع الاستثمارات وروح المخاطرة عند رجال الأعمال. ويتابع بالقول:” إلى الآن ليس هناك مشروع كبير للاستثمار في البنية التحتية واستثماراتنا محدودة لذلك فإن كل المؤتمرات التي تتناول الوضع الاستثماري لن تكون ناجحة بدون تقديم مشاريع استثمارية كبرى”.
ويشير محدثنا إلى ان مكتب دراسات “ارنست يونغ” أجرى مؤخرا دراسة حول وضع الاستثمار في تونس بعد استبيان 264 مؤسسة تشغل 151 الف موظف أو عامل. ويؤشر التقرير إلى تنامي الخوف لدى رؤساء المؤسسات ورجال الأعمال أمام تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية وتزايد استياء رجال الأعمال والمستثمرين خلال السنة المنقضية نتيجة الأزمة السياسية وانخرام المنظومة الحزبية.
وحسب الدراسة فإن أغلبية رؤساء المؤسسات يرون ان الوضع الاقتصادي والاجتماعي كان مترديا سنة 2018 و51 في المئة من المستجوبين لا يرون تحسنا في الوضع الاقتصادي. وحسب التقرير فإن مخاوف رجال الأعمال عرفت تزايدا في سنة 2018 أمام تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية.
ويؤكد محدثنا على ضرورة ان تعيد الأحزاب السياسية النظر في رؤيتها وتصوراتها للوضع التونسي في مختلف المجالات وان تقدم تصورات لإصلاح المنظومة الاستثمارية في تونس عبر إصلاحات كفيلة بإعادة الألق إلى اقتصاد كان يعد من الاقتصادات الواعدة في المنطقة.
ويتابع المحلل الاقتصادي بأن الحلول تكمن في تنقية الأجواء السياسية والخروج باتفاق واضح حول الوضع السياسي وكيفية الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد. وقال إن المسالة الأهم هي في كيفية التعاطي مع وضع الاستثمارات والوضع الاقتصادي ومحاولة إيجاد إجابات جدية وإيجاد رؤية واضحة للسياسات الاقتصادية.
يشار إلى ان تونس احتضنت خلال الأيام الماضية الدورة الثانية لمنتدى تونس للاستثمار، بمبادرة من وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي. وهدف المنتدى للبحث عن كيفية تعزيز مناخ الاستثمار وأبرز التحديات التي يواجهها الاقتصاد التونسي. وتؤكد وكالة النهوض بالاستمثار الأجنبي ان هذا المنتدى يهدف إلى
“إرساء حوار مفتوح وتفاعلي بهدف تحديد الفرص والتحديات الاستثمارية التي ستواجهها البلاد خلال المرحلة المقبلة، قصد مواصلة أن تصبح تونس كأفضل وجهة يختارها المستثمرون الأجانب”، وفق الوكالة.
=