الاعتراف بالدولة الفلسطينية… استفاقة متأخرة أم متاهة جديدة؟

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله ـ «القدس العربي»: بشكل متتالي وبعد التصريح البريطاني، طلب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من وزارة الخارجية إجراء مراجعة واقتراح خيارات سياسية بشأن الاعتراف الأمريكي والدولي المحتمل بدولة فلسطينية بعد الحرب على غزة.
وكان وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون قد صرح أن حول دراسة بريطانيا اعتراف بالدولة الفلسطينية وذلك بعد وقف إطلاق النار في غزة، من دون انتظار نتيجة ما ستسفر عنه محادثات مستمرة منذ سنوات بين إسرائيل والفلسطينيين حول حل الدولتين.
أمريكيا وحسب موقع «أكسيوس» الأمريكي، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين أن البعض داخل إدارة بايدن يعتقدون أن الاعتراف بدولة فلسطينية ربما يكون الخطوة الأولى في المفاوضات لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بدلاً من أن يكون الخطوة الأخيرة.
وقال مسؤولٌ أمريكي كبير إن الجهود المبذولة لإيجاد طريقة دبلوماسية للخروج من الحرب في غزة فتحت الباب لإعادة التفكير في الكثير من النماذج والسياسات الأمريكية القديمة.

قناعة راسخة

المحاضر في الجامعة العربية الأمريكية، أمجد أبو العز، والخبير في الشأن الأوروبي وصف التصريحات الأخيرة بإنها «مشجعة جدا».
وقال إنه «إذا استطاعت بريطانيا تنفيذ ما دعت إليه وخاصة أن بريطانيا لها ثقل كبير على الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي».
ويرى أن التصريح البريطاني لا يأتي بدون أخذ الاعتبار للموقف الأمريكي الذي تبعه بأيام، حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية هي «صاحبة اليد الطولى والأساسية في الشرق الأوسط». وبالتالي يعكس التصريح تقدما كبيرا ومختلفا تماما عن السياسة البريطانية السابقة.
ويضيف أن بريطانيا كانت توصف بإنها «مسمار جحا» بالاتحاد الأوروبي حيث كانت تعترض على مناقشات مماثلة بخصوص الدولة الفلسطينية.
وبرأيه فإنه لا يمكن ان ينطلق التصريح البريطاني من دون مشاورة أمريكية، وهو جزء من حلول «الأقلمة» التي تحدث عنها وزير الخارجية الأمريكية انتوني بلينكن وأحاديثه عن الصفقة الكبرى التي تطرح تطبيعا عربيا وبقيادة السعودية مع إسرائيل وبالمقابل قبول واعتراف إسرائيلي بالدولة الفلسطينية.
ويرى أن هذه المواقف تنضم لمواقف مثل إسبانيا وايرلندا التي ظهرت قبل فترة كانت تطرح تصريحات مماثلة، وهو أمر يؤشر على أن هناك «اتفاقا أوروبيا أمريكيا للدفع بهذا الاتجاه.. يمكن لبريطانيا ان تقنع الحلفاء».
ويرى أبو العز أن هناك تصريحين مرتبطين بالموقف البريطاني في تصريحات كاميرون، الأول انتقاد إسرائيل، حيث انتقد منع إسرائيل ادخال المساعدات البريطانية لغزة.. أما التصريح الأهم والأخطر فهو يرتبط بإن إسرائيل فشلت على مدار 30 عاما على توفير الأمن لمواطنيها.
ورغم أن الأكاديمي أبو العز لا يستبعد أن يكون خلف التصريحات محاولة تهدئة الشارع البريطاني من دون أن يحتل مساحة كبيرة في التصريحات، حيث أن المشهد قد يرتبط أيضا بانتقادات السياسة الخارجية البريطانية من حلفاء عرب وهو ما يمكن ان يقود لمحاولة خلق توازن، لكن الأهم الذي يقف خلف هذه التصريحات هو أن هناك قناعة لدى لمجتمع الدولي مفادها أن عام 2024 هو عام الدولة الفلسطينية، إنها قناعة تترسخ عالميا ترى أن الشرق الأوسط لن يستقر من دون الدولة الفلسطينية، وأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يفشل الكثير من المشاريع الدولية في ترتيب المنطقة وإعادة الهدوء إليها.

استفاقة متاخرة

أما المحلل السياسي نهاد أبو غوش فيدعم تصريحات أبو العز حيث يقول إنه خلال حكم بنيامين نتنياهو الذي استمر من 2009 وحتى الآن راهن على إهمال الجانب الفلسطيني تماما، وقال مقولة علنا وأصبحت شهيرة جدا بإنه «لا يمكن إقامة دولة فلسطينية أو سلام مع هذا الجيل من الفلسطينيين». وأكمل العبارة بفكرة أن أقصى ما يمكن تقديمه لهم هو السلام الاقتصادي.
وتابع أبو غوش أن صفقة القرن مع دونالد ترامب كانت ترجمة حرفية لكل الأفكار السابقة. والتي كانت تطمح إلى تطبيع عربي بعلاقات طبيعية مع كل العالم العربي وتأجيل الموضوع الفلسطيني إلى ما بعد كل ذلك.
ويرى أن جوهر هذه السياسة انعكس بسياسات إسرائيلية متفاوتة بين حكومة وأخرى، وأحيانا عبر تسهيلات اقتصادية وخطط مختلفة بين حكومة ومعارضة، حيث كان أقصى ما يعطي للفلسطينيين التسهيلات الاقتصادية واهمال الموضوع السياسي.
ويرى أبو غوش أن هذا الوضع بعد سنوات من الحصار والمعاناة والأزمات الداخلية انفجر من خلال 7 أكتوبر، والانفجار لم يصب غزة أو الضفة الغربية لوحدها، بل نرى أن آثاره تمتد إقليميا حيث البحر الأحمر واليمين والعراق ولبنان وسوريا، وكذلك في دول العالم بما في ذلك أمريكا حيث التداعيات وصلت داخل الولايات المتحدة، حيث أثرت الحرب على غزة على الانتخابات الأمريكية ومكانة الحزب الديمقراطي ومدى ثقة الجاليات العربية والإسلامية هناك بالحزب والرئيس بايدن.
ويشدد أن التأثير أيضا وصل الوضع السياسي في بريطانيا، حيث ان أكبر مظاهرة في تاريخ بريطانيا حدثت من أجل غزة، لذلك كله نرى أن الأوساط الأمنية والسياسية والأكاديمية في الغرب ترى أن عدم حل القضية الفلسطينية على قاعدة مقبولة يؤدي لكل هذه التداعيات وبالتالي أصبحت هناك استفاقة متأخرة.
ويرى أبو غوش أن هذه الاستفاقة تحمل احتمالين، الأول المزيد من المماطلة والتسويف والدخول في متاهة جديدة، وهو أمر وارد على كل حال، حيث سيكون الحديث الطويل ما هو شكل الدولة، وما طبيعتها، منزوعة السلاح، وكيف يمكن التعامل مع الأشلاء المتبقية من الأرض الفلسطينية، ما طبيعة السيادة على أرضها وحدودها، وهو ما يجعلنا ندخل في متاهة جديدة.
ويتابع: «لكن في المقابل قد تعني العكس، أي أنه أن الأوان للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فلماذا كل هذه المماطلة وهل يمكن أن يسكت على خرق إسرائيل لكل القوانين والاتفاقيات الدولية، بحيث ترتكب الإبادات وهو ما يؤدي إلى احراج لولايات المتحدة الأمريكية حيث اعتماد إسرائيل عليها بالمنطقة».
ويشدد أبو غوش على أن للولايات المتحدة مشروع استراتيجي للعودة للمنطقة أو الإقليم بقوة، وبالتالي يكون السؤال سياسيا: كيف يمكن ان تعتمد على إسرائيل المنبوذة والمدانة بالإبادة الجماعية، وهو موضوع مقلق للأمريكان وبالتالي ربما يوفر هذا أساس جدي لمقاربة أمريكية للحل.
وحسب المحلل أبو غوش فإنه لهذه الرؤية هناك نقاط ضعف، ومنها أن «الوضع الفلسطيني ما زال مقسوما، فليس لدى الفلسطينيين سيناريو واضح، فالأمريكان لديهم سيناريوهات، وكذلك إسرائيل، والإقليم العربي، لكن الفلسطينيين ما زالوا بلا سيناريوهات ومنقسمين مع بعضهم البعض حيث تغيب الرؤية المشتركة للحل، وهو أمر يترافق مع الوضع العربي المفكك، الذي يعجز عن التأثير بهذه المعادلة».
ويرى أبو غوش أن الموقف البريطاني يكاد يتطابق مع الموقف الأمريكي الأخير، والمعروف مدى قرب الموقفين الأمريكي والبريطاني، حيث يعتبر امتدادا للأمريكي، وهو أمر نراه في التعامل مع الحرب على غزة لكن مع ظهور تباينات بسيطة نراها في التصويت في الجمعية العامة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن حيث رأينا خروجا عن الموقف المتماثل، كما لاحظنا تغيرا في مواقف بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا».
بدوره عقب الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية بقوله إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، معتبرا الحديث الغربي عن دولة فلسطينية لا قيمة له ما لم يكن مترافقا مع الدعوة لإنهاء كامل للاحتلال ووقف فوري وإزالة كاملة للاستيطان وايضاح حدود الدولة لتشمل جميع الأراضي المحتلة وتكون لها سيادة كاملة وسيطرة على حدودها وأرضها وأجوائها.
وتابع: «بغير ذلك يكون الحديث مجرد ملهاة جديدة لإضعاف الفلسطينيين ومنح إسرائيل مزيدا من الوقت لاستكمال مخطط الضم والتهويد كما جرى على مدار ثلاثين عاما بعد توقيع اتفاق أوسلو، ولتمرير التطبيع مع المحيط العربي بهدف تصفية القضية الفلسطينية برمتها».
وكانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية قد رحبت بالموقف، حيث وصفت الموقف البريطاني تطورا ملفتا وخطوة في الاتجاه الصحيح لتحقيق الوقف الفوري لإطلاق النار وحماية المدنيين الفلسطينيين وتأمين احتياجاتهم الإنسانية الأساسية، كمقدمة لا بد وأن تفضي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين وتجسيدها على الأرض، وحل الصراع بما يحقق أمن واستقرار المنطقة والعالم.
وطالبت باعتماد هذه التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية في مواقف رسمية تتبناها الحكومة البريطانية وتترجمها لخطوات عملية على الأرض، كتعبير عن تغيير المسار السياسي البريطاني تجاه تأييد حقوق الشعب الفلسطيني العادلة والمشروعة، ونحو تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بريطانيا بحق شعبنا وأرض وطنه.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية