الانتصار الإلهي على خبز السوريين

یتحتم الیوم على الوطنیین السوریین إعادة النظر في مستقبل الملف المعیشي بعد صدور قرار مجلس الأمن بتجدید العمل بآلیات المساعدات عبر الحدود وتسمیة بعض صانعي القرار لما حدث بالإنجاز الدیبلوماسي.
لم یسبق في تاریخ الأمم المتحدة أن تم إقحام احتیاجات الناس كورقة تفاوض سیاسیة كما حدث في سوریا وبهذه الطریقة المشینة . لكن الأصعب هو تهمیش الفرق الوطنیة السوریة القادرة على إدارة الملف، مما أدى إلى غیاب رؤیة وطنیة لحمایة خبز السوریین ومنع استخدام احتیاجات المدنیین كملف ضغط سیاسي.

التجمعات المدنية

المغتربون السوریون أول من بدأ الإغاثة عبر الحدود مع نهایة عام 2011 بدأت التجمعات المدنیة للمغتربین السوریین بالتوافد على دول الجوار لتقدیم الدعم للمواطنین المتأثرین بالتصعید العسكري وحصار المدن.
عملت هذه الفرق بالطرق “الأهلیة” بما یتناسب مع قوانین الدول المضیفة و قوانین دول المهجر.
ركزت هذه الجمعیات عملها الأساسي على الداخل السوري. عام 2013، انعدمت تقریباً قدرة مكاتب الأمم المتحدة في دمشق على الوصول بفاعلیة للمناطق الخارجة عن سیطرة النظام، ولم تتمكن لجان الجامعة العربیة والأمم المتحدة من التعامل مع العراقیل التي وضعت تحت بند السیادة الوطنیة الموصوف ضمن القوانین الناظمة للأمم المتحدة. كانت آلیات الدعم المعیشي الأهلي المباشر للمناطق الحدودیة أو عبر وسطاء لمناطق وسط سوریا مثل حمص و ریف دمشق قد تبلورت وتمایزت بوضوح عن الآلیات الأُخرى، السیاسیة والعسكریة.
إتخذت الأمم المتحدة والداعمون الدولیون حینها القرار بمحاولة تنسیق و تنظیم العمل الإنساني. رفضت دمشق التعامل مع أي منظمة سوریة أو دولیة تعمل عبر الحدود وألغت التسجیل السابق لهذه المنظمات لدیها. بالمقابل رفضت معظم التجمعات في المناطق الخارجة عن النظام التنسیق مع دمشق بسبب الإنتهاكات والقصف والاعتقالات وغیاب الثقة وغیاب أي ضمانات دولیة. السعي لتحیید ورفع كفاءة العمل الإغاثي.

فشل القرارات الأممية

مع فشل القرارات الأممیة المتتالیة بتحیید الملف الإنساني وخاصة بعد حصار حمص و انتشار آلیة الجوع أو الركوع، أصدر مجلس الأمن قرار إنشاء العمل الإغاثي الأممي عبر الحدود، قرار 2165 عام 2014.
یتوجب التوقف هنا عند ثلاث نقاط مهمة متعلقة بهذا القرار.
أولا: أتى متأخرا بسنتین عن العمل المدني الأهلي السوري عبر الحدود.
ثانیاً: أكد على أهمیة الاستمرار بالعمل عبر خطوط النزاع مع الحفاظ على آلیات ومبادئ الأمم المتحدة بما فیه مبدأ حفظ السیادة والاستقلال.
ثالثاً: الموافقة الروسیة على القرار. ُیرجع الكثیر من الدبلوماسیین الدولیین الموافقة الروسیة حینها لضغط المجموعة الدولیة وتهدیدها بمقاطعة أولمبیاد سوتشي للألعاب الشتویة، مما دفع روسیا للتنازل لصالح القرار 2139 ولاحقاً القرار 2165 عام2014.
مع أواخر عام 2016 قاطعت72 منظمة سوریة عاملة عبر الحدود لعدة أشهر آلیات التنسیق مع الأمم المتحدة مطالبة بزیادة الشفافیة وتطویر إدارة الموارد للوصول لكل السوریین المتضررین على كامل الأرض السوریة.
طالبنا الأمم المتحدة حینها الإعلان بشفافیة عن شركائها في العمل الإنساني داخل سوریا حتى یظهر للسوریین بوضوح من یعمل على دعمهم بفعالیة ممن یتعیش على التعاقدات المالیة الأممیة الضخمة. تتوافر تقاریر أممیة مفصلة عن ما یجري عبر الحدود وعبر خطوط النزاع وحتى في مناطق التسویات التي مازالت محرومة كنوع من العقاب الجماعي، وتتم مشاركة هذه التقاریر بشكل دوري مع أعضاء مجلس الأمن منذ عام 2014. لكن القرار الحالي، كما القرارات السابقة، یتجاهل ما یجري في مكاتب دمشق.

الوضع المعيشي

تأزیم الوضع المعیشي للسوریین زاد قرار الأمم المتحدة والفیتو الروسي العام الماضي بإغلاق معبر باب السلامة من صعوبة مساعدة السوریین في الشمال الغربي ، حیث یعیش حوالي ربع السوریین. فالفیتو أجبر كل القوافل الأممیة على المرور بالمعابر التي تسیطر علیها هیئة تحریر الشام مما زاد الخطر على هذه القوافل وعلى عمال الإغاثة . ستزداد هذه الخطورة مع القرار الحالي الذي ألغى الفقرة المتعلقة بحمایة عمال الإغاثة وشركاء الأمم المتحدة الوارد في القرارات السابقة في سابقة غریبة ومثیرة للانتباه.
جسدت المعركة الدبلوماسیة الأخیرة في نیویورك حقیقة الوضع المأساوي للملف المعیشي للسوریین. فأزمة الملف هي أزمة إدارة وشفافیة في الدرجة الأولى، فمجموع المساعدات الأممیة السنویة تزید حالیا على ثلث المیزانیة العامة لسوریا، ولیس من مصلحة روسیا أو النظام ما یظهر باستمرار من ضعف كفاءة دمشق على تجاوز الأزمات مقارنة مع المنظمات السوریة في الشمال ابتداء من موضوع لقاحات الأطفال، مروراً بمحطات المیاه ، ومؤخراً افتتاح المراكز الصحیة ولقاحات الكورونا.
یترافق كل هذا مع الفشل في حل أزمات السكان في مناطق التسویات أو حتى في المناطق التي لم تخرج من سیطرة النظام.
روسیا منفردة قادرة على إنهاء كامل أزمة الخبز في سوریا لو تبرعت بأقل من 1 في المئة من إنتاجها من القمح، مما یطرح تساؤلات عن الرغبة بحل أي أزمة بدون ثمن سیاسي.
ومما یثیر الدهشة أن یكون الملف الإنساني السوري هو الوحید الذي تعرض للفیتو المتكرر في مجلس الأمن عبر تاریخ الأمم المتحدة، وبعدد مرات زاد عن ما تعرض لها كامل الملف الأوكراني، السیاسي وغیر السیاسي، على سبیل المثال. الیوم، وأكثر من أي وقت مضى ، یحتاج السوریون لمن یقف معهم ولیس من یفاوض علیهم.
تعود للأذهان الیوم الأزمة المعیشیة التي واجهت أجدادنا مع نهایة الحرب العالمية الأولى. وكما سمعنا منهم، فإن ظهور تیار وطني مرتبط بالناس كان العامل الأساسي لإعادة بناء الوطن … ولو بعد حین.

كاتب سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية