الخرطوم ـ «القدس العربي»: ارتفعت حدة التوتر بين شركاء الحكم في السودان في ذكرى مرور عام على تشكيل الحكومة والمجلس السيادي، بعدما شن رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، هجوماً على جهات تريد تحميل الجيش السوداني مسؤولية فشل سياساتها الاقتصادية، وذلك بعد تصريحات لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك عزا فيها التراجع الاقتصادي لعدم ولاية وزارة المالية على المال العام، بما في ذلك المؤسسات الاقتصادية التابع للجيش، وبينما دافع عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا، عن مؤسسات القوات المسلحة الاقتصادية معتبرا إياها من «استقطاعات منسوبي الجيش» دعمت القوى المدنية رئيس الوزراء في مسعاه.
وجدد البرهان، أمس الإثنين، اتهام جهات لم يسمها «بتعليق إخفاقاتها على سيطرة شركات واستثمارات القوات المسلحة على مفاصل الاقتصاد، ووصف القائمين على المنظومة الاقتصادية في الحكومة بالافتقار إلى «وضوح الرؤية».
وكرر ما قاله أمس الأول لدى مخاطبته قادة في القوات المسلحة: «تعمل جهات على إحداث قطيعة وجفوة بين القوات المسلحة ومكونات الشعب السوداني، وتعليق إخفاقاتها الاقتصادية على شماعة شركات واستثمارات القوات المسلحة من خلال ترويجها لبعض الأكاذيب حول هذه الشركات واستحواذها على مفاصل الاقتصاد».
وأضاف أن «القوات المسلحة بسطت يدها لوزارة المالية لوضع يدها على مجموعة مقدرة من تلك الشركات للاستفادة منها في تخفيف حدة الضائقة المعيشية، لكنها لم تستجب».
وأكد أن «تلك الشركات لم تقف حجر عثرة أو عائقا للاستفادة من مواردها».
وزاد «عدم وضوح الرؤية عند القائمين على أمر الاقتصاد ووجود أجندات أخرى لدى بعض الجهات السياسية هو من يقف وراء ترويج فرية تحكم القوات المسلحة في مفاصل الاقتصاد القومي».
«ليست للمزايدة»
وشدد على أن «تلك الجهات تعمل للاستحواذ على خيرات وممتلكات شركات واستثمارات القوات المسلحة والتي هي ليست للمزايدة أو التكسب السياسي».
ولفت إلى أن «القوات المسلحة ستظل يدا واحدة مع الشعب السوداني وفي خندق واحد معه لتحقيق شعارات ثورته الظافرة، والتزامها بالقدرة على حماية الأرض والعرض، وحرصها على وحدة البلاد وعدم انزلاقها إلى ما يحمد عقباه».
وأشار إلى أن «أبواب القوات المسلحة مفتوحة للجميع وستظل سندا وعضدا للاقتصاد القومي، ورفعة وسمو الشعب السوداني».
وأضاف: «شركات الجيش لم تحتكر تصدير السمسم أو المواشي أو الذهب، الفاشلون (لم يسمهم) يريدون أن يعلقوا شماعة إخفاقاتهم الاقتصادية على القوات المسلحة».
واستطرد: «نتابع المحاولات الحثيثة من قبل البعض لتشويه سمعة القوات المسلحة وشيطنة الدعم السريع ومحاولة الفتنة بينهما».
واستدرك: «لكننا نقول لهم نحن متحدون ومتماسكون ويد واحدة وعهدنا مع الشعب أن نقف معه ومع ثورته».
وحول الأوضاع الاقتصادية قال:» الضائقة الاقتصادية زادت على المواطن السوداني، وهي ناتجة عن سوء تخطيط وإدارة موارد الدولة».
وأضاف: «نحن بعد مرور عام من التغيير لم نقدم شيئا، لا بد أن نعترف».
وأشار إلى «صراع الأحزاب السياسية على المقاعد الوزارية وحكام الولايات دون الاهتمام بحل الأزمة الاقتصادية في السودان».
البرهان أكد في سياق آخر أن جيش بلاده «لن يتراجع» حتى يتم رفع علم السودان في مثلث حلايب المتنازع عليه مع مصر.
بعد أن دعا حمدوك لبسط ولاية وزارة المالية عليها
وزاد «حقنا ما بنخليه (لا نتركه) ولن نتراجع عنه ولن ننساه، حتى يتم رفع علم السودان في حلايب وشلاتين وفي كل مكان من بلادنا» حسب وكالة الأنباء الرسمية.
وحيا قوات الجيش السوداني المرابطة حول حلايب وشلاتين وكل الذين يدافعون عن البلاد قائلا: «نحن معكم».
وأشار إلى «الاستهداف الكبير الذي يتعرض له السودان في وحدته وحدوده» دون توجيه اتهام مباشر لأحد.
وتابع: «ظللنا نتابع المحاولات الحثيثة من قبل البعض لتشويه سمعة القوات المسلحة وشيطنة قوات الدعم السريع (تابعة للجيش) ومحاولة الفتنة بينهما، لكننا نقول لهم نحن متحدون ومتماسكون ويد واحدة وعهدنا مع الشعب أن نقف معه ومع ثورته».
وتتوتر العلاقات بين السودان ومصر بين الحين والآخر بسبب قضايا مختلفة، بينها النزاع على منطقة حلايب، والموقف من سد النهضة الإثيوبي.
ورغم كلامه عن حلايب وشلاتين، لكن من الواضح أن هدف خطاب البرهان أمس توجيه رسالة بعدم المس بشركات الجيش، خصوصاً وأن حمدوك كان قد فتح ملف الشركات، عندما طالب خلال خطاب بمناسبة عام على أداء القسم، بالولاية الكاملة لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي على المال العام، وبين أن80 ٪من شركات القوات المسلحة والقوات النظامية «خارج ولاية وزارة المالية».
ويمتلك الجيش السوداني مؤسسات اقتصادية تعمل في مجال الإنتاج الحربي وتصدير اللحوم والزراعة والتعدين.
وأوضح حمدوك أن «استعادة الشركات الاقتصادية التابعة للقطاعين الأمني والعسكري تحظى بأولوية قصوى من الحكومة من أجل تبعية وولاية وزارة المالية على المال العام» مشيرا إلى أن «وزارة المالية لديها ولاية على 18٪ من الإيرادات فقط في حين 82٪ من الإيرادات لا تورد إلى الميزانية».
تشوهات اقتصادية
وزاد: «تشوهات النظام الاقتصادي الموروث من النظام البائد لا تزال تلقي بثقلها على كاهل المواطنين» مبينا أن «النظام البائد سمح بالمضاربات الطفيلية في السلع الاستراتيجية» مؤكدا «مضي حكومة الثورة في معالجة ذلك عبر برنامج إصلاحي اقتصادي».
وتابع»على الرغم من أن الإصلاحات المنشودة شاقة وصعبة إلا أنها مهمة وضرورية على المدى الطويل».
القيادي في الحزب الشيوعي، صديق فاروق التوم، بين أن « الأمر ليس كله متعلقا بشركات القوات النظامية إذ أن هناك قطاع الاتصالات الذي يسيطرون عليه، وحال عودته لسيطرة الحكومة يمكن أن يغطي مصاريف جهاز الدولة بالكامل والتجربة الغثيوبية خير دليل».
وتابع «هناك شركة جياد والتي لوحدها تنتج 30عربة في اليوم الواحد، وأرباحها يمكن أن تحل مشكلة تكاليف هيكلة قطاع النقل، وهناك رسوم عبور الطائرات في الأجواء السودانية لمدة عام ممكن تغطي تكلفة تغيير العملة السودانية، حيث يمكننا اقتراضها من الألمان ونسددها بضمان هذا البند».
وزاد «هذه حلول سريعة يمكن أن تعوض الـ 82٪ خارج الموازنة حتى لا يدور بنا العسكر أو حمدوك في حلقة مفرغة، أما الشركات العسكرية المديونة والخسرانة، فيريدون التخلص منها وإلصاقها للحكومة لاحقا ليقوموا بإدارتها وإعادتها للحياة لتسهم في الاقتصاد».
وتصدى رئيس لجنة التفكيك وإزالة التمكين الفريق ياسر العطا، بقوة للأصوات المطالبة بتفكيك استثمارات وشركات الجيش، خلال مؤتمر صحافي عُقد ليل الأحد قال فيه أن «تُعافي الاقتصاد ليس بهدم وتدمير مؤسسات الشعب الناجحة، وإنما بالاستفادة منها في رفع المؤسسات التي دُمرت في عهد الرئيس المعزول عمر البشير وتعزيز الصادر والسيطرة على حصائله».
وأضاف: «يمكن تمزيق فاتورة القمح بالاستفادة من إمكانيات شركة زادنا (مملوكة للجيش) وليس تدميرها، ودعم منظومة الصناعات الدفاعية لجلب الفوائد للدولة وتأهيل المشاريع الزراعية».
وبين أن «جميع شركات المنظومة هي في الأصل صندوق الضمان الاجتماعي للفرد العسكري، حيث تستقطع أموالها من هذا الفرد مُنذ تأسيسها في 1972» مشيرا على أنها «تخضع للمراجعة الحكومية ومنتظمة في دفع الضرائب والجمارك».
وزاد»الجيش على استعداد للجلوس مع الحكومة الانتقالية لوضع خطط متكاملة وبشراكات ذكية مع البنوك والقطاع الخاص من أجل تعافي الاقتصاد».
وأشار إلى أن رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان قدم مبادرات لمؤسسات القطاع الاقتصادي لـ «تكامل القطاع الاقتصادي العسكري والمدني لقيادة تعافي الاقتصاد السوداني، لكنها لم تُنفذ بسبب البطء الذي يلازم عمل الجهاز التنفيذي».
في الأثناء، كشف الرئيس المناوب للجنة التفكيك، محمد الفكي سليمان، عن اتفاق بإرجاع المؤسسات الخاصة بالقوات المسلحة التي استولى عليها قادة في نظام عمر البشير إلى الجيش.
وقال إن «عمل شركات منظومة الصناعات الدفاعية لا يتبع للجنة التفكيك، وإنما خاضع لمشاورات بين الجيش ووزارة المالية، حيث أن ما للمالية يجب أن تأخذه وما للجيش يجب أن يكون معه».
وأشار إلى أن «الشركات الزراعية المملوكة للجيش مستعدة للتعاون مع الشباب للاستفادة من الأراضي التي تملكها لزراعتها».
وأضاف: «نحن لا نحتاج لوصاية من أحد، ليقول لنا أفعلوا هذا بتلك الطريقة، هنالك معلومات يجب أن يطلع عليها الشعب وأخرى تبقى في دوائر الحكم، الحاكم يعلم أشياء غير متاحة للجميع».
مصدر مطلع في وزارة المالية قال لـ«القدس العربي»: «هناك سوء تفاهم كبير حيال قضية الشركات التي تتبع للمنظومة العسكرية في السودان، ولا أدري لماذا صعدت هذه القضية فجأة للسطح بهذه الطريقة التي تجعلها مزايدة سياسية قبل أن تكون مطلبا اقتصاديا».
وزاد «هناك اتفاق منذ عهد وزير المالية السابق إبراهيم البدوي بتقسيم الشركات الأمنية إلى 3 مجموعات، الأولى ذات صبغه دفاعية وصناعات عسكرية تترك للجيش، والثانية يتم تحويلها لشركة مساهمة يشترك فيها كل المواطنين المقتدرين لشراء الأسهم بمن فيهم رجال الجيش، والثالثة شركات تؤول لوزارة المالية مثل شركة السبيكة للتعدين والاتجار في الذهب التي آلت فعلا للمالية وفق هذا التوافق».
وأوضح أنه «حال تطبيق هذا الاتفاق ستختفي هذه القضية من الساحة وتعود للاقتصاد عافيته بالرغم من أن أرباح شركات الجيش ليست بهذا القدر الكبير، ولكن إذا ضمت لها شركات قوات الدعم السريع وجهاز الأمن، يمكن أن تساعد مساعدة كبرى حال التوافق على هيكلتها وإدارتها واتباع الشفافية في أصولها وأرباحها».