تونس – “القدس العربي”:
تصدر اسم المحامي والقاضي السابق أحمد صواب المشهد التونسي ليتحول إلى شخصية جامعة دفعت آلاف التونسيين إلى المطالبة بالإفراج عنه بعد اعتقاله قبل أكثر من أسبوع.
وتم إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد صواب بعد توجيه جملة من التهم له (جرائم حق عام وذات طابع إرهابي)، وذلك عقب إدلائه بتصريح إعلامي استخدم فيه “تعبيرا مجازيا” اعُتبر تهديدا لقاضي التحقيق في قضية التآمر على أمن الدولة.
وتحوّل اعتقال صواب إلى قضية رأي عام في تونس، حيث ضمت التظاهرات الأخيرة المطالِبة بالإفراج عنه جميع أطياف المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، فضلا عن اتحاد الشغل الذي يبدو أن خياراته التقت للمرة الأولى مع المعارضة، الأمر الذي دفع البعض لتشبيه صواب بعلي البلهوان أحد أبرز قادة النضال ضد الاستعمار الفرنسي.
وتساءل النائب السابق ياسين العياري: “هل يكون أحمد صواب، علي بلهوان المرحلة؟”، مشيرا إلى وجود تشابه كبير بين الرجلين، وخاصة فيما يتعلق بالقدرة على جمع آلاف المحتجين من مختلف الأعمار والمشارب.
وقال هشام العجبوني، القيادي في حزب التيار الديموقراطي لـ”القدس العربي”: “أحمد صواب، كقاض سابق ومحام حالي، شخصية تحظى باحترام مختلف الأطياف السياسية والمدنية وعموم المواطنين، وكان هذا واضحا من خلال ردود فعل وبيانات أغلب الأحزاب والمنظمات الوطنية والحقوقية وأساتذة القانون وممثلي الطلبة في الجامعات التونسية، ومن خلال التضامن الواسع الذي حظي به في وسائل التواصل الاجتماعي. وانعكس ذلك من خلال المسيرة الحاشدة التي تم تنظيمها يوم الجمعة 25 أفريل/ نيسان 2025، انطلاقا من مقر نقابة الصحافيين، والمشاركة اللافتة لكل الأطياف وخاصة فئة الشباب، وهو ما جعل بعض التونسيين يشبهون أحمد صواب بالمناضل الكبير علي البلهوان الذي كان يُلقّب بزعيم الشباب ولعب دورا هاما في حركة التحرير الوطني”.
منجي صواب: أحمد صواب أراد أن يكون مناضلا حرا في مجتمع مدني ولم يبحث عن الزعامة السياسية
وأضاف: “أعتقد أن الإيقاف التعسّفي لشخصية وطنية جامعة مثل أحمد الصواب سيفرض على مختلف القوى السياسية والمدنية المعارضة للمنحى الاستبدادي الذي انتهجه النظام، التقارب والتنسيق وإذابة الجليد بينهم، بما فيها الاتحاد العام التونسي للشغل، هذه المنظمة العريقة، التي تنتقد المعارضة صمتها وضعف مواقفها تجاه ما يحصل في البلاد من انتهاكات للحقوق والحريات وضرب للقضاء وتوظيف أجهزة الدولة لتصفية المعارضة ومس ممنهج من دولة القانون والمؤسسات”.
وقال المحامي سمير بن عمر، رئيس الهيئة السياسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية: “اعتقال المحامي أحمد صواب حاز على تنديد فئات واسعة من مكونات المجتمع المدني والأطراف السياسية، وهذا طبيعي جدا باعتبار أن لجوء السلطة المتكرر إلى قانون الإرهاب من أجل قمع كل الأصوات الحرة، جعل كل هذه الأطراف تقتنع أن هذه السلطة لا تقبل بالرأي الآخر، وتعمد إلى قمع كل من يخالفها الرأي باستعمال قانون مكافحة الإرهاب”.
وأضاف لـ”القدس العربي”: “لا شك أن اتهام أحمد صواب بالإرهاب هو نكتة سخيفة من صنع سلطة الانقلاب وهذا ما لا يمكن أن يقبل به التونسيون. وخاصة أن محاولة السلطة قمع الأصوات الحرة أصبحت مكشوفة أمام الرأي العام. كما أن المساندة الكبيرة التي لقيها أحمد صواب من طرف مختلف مكونات الساحة السياسية هي مؤشر على عزلة السلطة على المستوى الشعبي وتوحد المعارضة السياسية ضدها”.
واعتبر أن اعتقال أحمد صواب هو “القشة التي قصمت ظهر البعير وأشعلت كل الأضواء الحمراء أمام التونسيين وبرهنت على توجه السلطة نحو الاستبداد وقمع الرأي الآخر، ولذلك من الطبيعي أن تزيد حدة المعارضة السياسية حتى من قبل الأطراف التي وقفت على الحياة طيلة الأزمة التي تعيشها تونس منذ انقلاب 25 تموز/ يوليو 2021 أو التي ساندت السلطة سابقا، واليوم السلطة تجد نفسها معزولة أمام جميع مكونات المجتمع المدني والسياسي. كما أن اتحاد الشغل لن يواصل تجاهل الأزمة التي تعيشها تونس والوقوف على الربوة وتصريحات بعض مسؤوليه تؤكد ذلك، ولكن لا أعتقد أنه سينحاز إلى مطالب الشعب إلا في الدقيقة تسعين وقبل انهيار النظام مثلما فعل في ثورة 2011”.
هشام العجبوني: اعتقال شخصية وطنية جامعة كأحمد صواب يفرض على القوى السياسية والمدنية التوحد ضد الاستبداد.
وقال فادي الفرايحي ممثل منظمة تقاطع للحقوق والحريات لـ”القدس العربي”: “أتفق تماما مع فكرة أن أحمد صواب يمثل علي بلهوان القرن الحادي والعشرين لأن اعتقاله ساهم بتوحيد جميع الأطراف السياسية والمدنية، وهذا لم يأت من فراغ، فهو رجل قانون وشخصية حقوقية معروفة وتاريخه ومواقفه يشهدان له خلال حكم بن علي وبعد الثورة. ولا ننسى أن القرار الوحيد ضد حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم خلال فترة حكم بن علي، أصدره القاضي أحمد صواب”.
واعتبر أن أحمد صواب “يجمع في شخصه الأطراف الرئيسية المناهضة لنظام الرئيس قيس سعيد، فهو رجل قانون ونقابي وناشط في المجتمع المدني، لذلك التقت جميع الأطراف على المطالبة بالإفراج عنه، والمطلوب اليوم أيضا الإفراج عن جميع المعتقلين بغض النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم”.
وعلق منجي صواب (شقيق المحامي أحمد) على الآراء السابقة بقوله: “نحن -كعائلة- نطالب فقط بالإفراج عن أحمد صواب ولا نسعى لتحويله إلى رمز وطني، رغم أن التونسيين فعلوا ذلك، حيث لاحظنا درجة التعاطف لدى الأحزاب السياسية من كل الاتجاهات الفكرية والمنظمات الكبرى وفي مقدمتها اتحاد الشغل والمنظمات الحقوقية والنسوية والشباب”.
سمير بن عمر: اتهام أحمد صواب بالإرهاب نكتة سخيفة من سلطة تسعى لقمع الأصوات الحرة في البلاد
وأشار إلى أحمد صواب رفض مناصب سياسية عدة عُرضت عليه، و”أراد أن يكون مناضلا حرا في المجتمع المدني من أجل الحقوق والحريات، ولم يسع ليكون زعيما سياسيا، ولكن الشارع حر ويختار من يحب، ولا نستطيع أن نتحكم في خياراته”.
وفسر انضمام اتحاد الشغل للمرة الأولى لاحتجاجات المعارضة بالقول: “أعتقد أن ذلك يعود إلى أن أحمد صواب نال احترام كل الأطراف بما فيها الأحزاب والمنظمات حتى التي كان في خصام فكري وإيديولوجي معها، فرغم أنه عارض الأحزاب التي كانت في السلطة وانتقد الأحزاب الأخرى واتحاد الشغل، ولكنه بمصداقيته وطريقته المعهودة في قول الحقيقة والدفاع عنها كسب ود جميع الأطراف في تونس”.
قضية أحمد صواب لقِيَت بالتأكيد تجاوُبًا ملحوظا، و السلطة تعرف ذللك، وهي بصدد التململ و راس السلطة يعبّر عن رفضه للإنتقادات اللّاذعة حول تدهور الوضع الحقوقي في تونس، من طرف جهات غربية، و يرفع صوته أمام وزير الخارجية النفطي ويشتكي له من “التدخلات الأجنبية” ، عِلْمًا وأنه ليس تدخُّلا بالمعنى القانوني، و لأنّ النفطي لا يستطيع أن يُلْزِم هذه الدول على تجاهل ما يجري في تونس من تجاوزات لا يقبلها العقل السليم، و هل النفطي يملك الطاقة على إسكات كل الأصوات التي أعربت عن مواساتها للمجتمع التونسي وهو صابر، صبْرَ يعقوب و يعاني من عنجهية هذا النظام . فحتى في ثقافتنا العربية، لدينا المثل الذي يقول : من رأى الظلم و سكت عنه، فهو شيطان أخرس.
اتهام أحمد صواب بالإرهاب هو تهوّر سخيف لا يمكن أن يقبله التونسيون