البكالوريا التي تعزل الجزائر كل سنة

حجم الخط
26

هذا ما يحصل كل سنة لمدة أسبوع تقريبا، حين يقطع الإنترنت عن الجزائريين بمناسبة تنظيم امتحان شهادة البكالوريا – الثانوية العامة لمحاربة استفحال ظاهرة الغش أثناء الامتحان الذي ما زالت تتعامل معه العائلات الجزائرية كامتحان مصيري من الدرجة الأولى. يقطع فيه الإنترنت كل سنة، مدة أيام الامتحان، رغم تطمينات الرئيس تبون بعد وصوله للسلطة بأن قطع الإنترنت لا يشرف الجزائر والجزائريين، وأنه بالتالي لن يتكرر في المستقبل، في وقت تتجه فيه الجزائر نحو اقتصاد المعرفة والرقمنة على أكثر من صعيد، كما جاء في تصريحه منذ سنتين. وعد لم يتحقق، مقابل ما بذل من مجهود في توسيع وتحديث شبكة الإنترنت التي أصبحت في متناول يد عدد أكبر من الجزائريين من أبناء المدن والريف.

ظاهرة الغش في الامتحانات في المجتمع الجزائري، يمكن تعميمها على الكثير من المجتمعات العربية، التي تعاني بدرجات متفاوتة من الأسباب والنتائج نفسها

ليبقى تحدي قطع الإنترنت بمناسبة امتحان البكالوريا كل سنة، يؤرق المواطنين والسلطات العمومية التي عجزت عن إيجاد حلول مقبولة -لا أقول جذرية – لهذه المعضلة التي تعيق عمل ملايين الجزائريين لمدة أسبوع كامل تقريبا، كما يحصل في البنوك والقطاعات الاقتصادية المفتوحة على العالم الخارجي، والكثير من النشاطات التي تتطلب استعمال الإنترنت، سواء تعلق الأمر بعمل الأفراد أو المؤسسات الاقتصادية الاجتماعية والثقافية، التي لا تستغني عن استعمال يومي ودائم للإنترنت، بعد توسع ظاهرة الشغل عن بعد التي تطورت بشكل لافت بعد تجربة كورونا في العالم والجزائر.
الطابع المصيري الذي ما زال يتعامل به الكثير من الجزائريين، مع امتحان شهادة البكالوريا، قد يكون مفتاحا لفهم ظاهر الغش، التي استشرت بين الجزائريين، تأكيدا للأزمة الأخلاقية التي يعاني منها المجتمع الجزائري، الذي ما زال في حاجة إلى ثورة أخلاقية فعلية، حتى يكتشف أن السرقة على سبيل المثال، سلوك غير أخلاقي وليست قفازة، كما يتصور وهو يخرج «ينافيقي» كل يوم. في مجتمع ما زال لم تترسخ لديه قيم التنافس، بما فيها العلمي، كما هو حال امتحان شهادة البكالوريا. قيم تنافس لا يقبل بها الجزائري، إلا إذا كانت لصالحه، للانطلاق في عملية تشكيك واسعة، إذا تيقن بأنه لن يكون مستفيدا منها، كما حصل عدة سنوات بعد الإعلان عن نتائج البكالوريا التي جاءت لصالح أبناء بعض الولايات دون أخرى، وبدل البحث عن أسباب موضوعية لها، تذهب التفسيرات في اتجاهات، تجنح نحو اتهام أبناء ولايات كاملة بالتواطؤ في عملية غش عامة، تشمل الطلبة الممتحنين والمشرفين والعائلات، كما حصل أكثر من مرة مع أبناء ولايات منطقة القبائل، التي تعودت منذ سنوات على الحصول على نتائج متميزة وطنيا في هذا الامتحان، الذي يبقى في حاجة إلى إصلاح جذري يخفف من الضغط الذي يولده على الطالب والعائلة، وإدارة وزارة التربية، التي لم تعد قادرة على تسيير هذا الامتحان البيروقراطي الثقيل، الذي تجاوزه الكثير من التجارب الدولية الناجحة، بأشكال ذكية وفعالة. علما بأن المعطيات المتوفرة حول حالات الغش الكثيرة، التي يتعامل معها القضاء الجزائري بصرامة، تفيد بأنه مشروع جماعي، تساهم فيه العائلة والأصدقاء، وليس مشروعا فرديا فقط – تماما كما أصبح سائدا عندما يتعلق الأمر مع الحرقة – لما يتطلبه من تمويل لإنجازه كشراء الأجهزة الإلكترونية وإخفائها لاستعمالها، من قبل الممتحنين الشباب. منسوب غش ازداد حسب المعطيات المتوفرة أكثر مع الطلبة الأحرار، كما عكسه الإعلام الوطني هذه السنة، وهو يتحدث عن عودة لأساليب الغش التقليدية – «الحروز». ظاهرة الغش التي تتوزع في المقابل بشكل عادل بين كل مناطق البلاد، إذا استثنيا بعض الجهات التي قد يكثر فيها عدد الممتحنين الأحرار. على غرار بعض الولايات التي تكون عرفت تأخرا تاريخيا في الاستفادة من التعليم، تقل فيها بالتالي نسب النجاح في البكالوريا، ما يضطر أبناءها الى التقدم الى أكثر من دورة سنوية، قبل الظفر بها في نهاية المطاف، يعايش فيها المترشح بعد طول تجربته، الكثير من أشكال الغش والتواطؤ مع حراس الامتحان من هيئة التدريس والإدارة المشرفة على الامتحان، والممتحنين أنفسهم. في وقت ساءت فيه ظروف عمل الأساتذة وتدهورت فيه مكانتهم الاجتماعية والرمزية، في ظل تحولات اجتماعية يعيشها المجتمع الجزائري كان من نتائجها، بروز فئات اجتماعية جديدة تتفاخر علنا بأميتها وهي تبرز الكثير من علامات النجاح المادي والاجتماعي التي يحسدها الجميع عليه.
علما بأن المعطيات الديموغرافية كالزيادة في عدد الطلبة الممتحنين، يتجاوز 800.000، الذين يمتحنون في التوقيت نفسه على مستوى كل التراب الوطني، بحجم هياكل استقبال هائل لا تفسر كل شيء عندما يتعلق الأمر بمعدلات الغش، التي زادت مع الوقت، لتخبرنا أننا أمام أزمة أخلاقية في المقام الأول، تنخر الجسم الاجتماعي الوطني، الذي ينزع نحو تساهل مريب، مع السلوكيات الفردية والجماعية غير السوية، لا تقتصر فقط على الغش في الامتحانات. كما يظهر في الحياة اليومية للجزائريين الذين زاد «تسامحهم» مع نهب المال العام ومظاهر الثراء السريع البادية على أفراد العائلة والمحيط الاجتماعي، بمن فيهم إناث العائلة، بكل ما قد تحيل إليه من سلوكيات منحرفة وغير سوية، لم تكن تقبل بها العائلة الجزائرية لوقت قريب، من دون نسيان ذلك التسامح الكبير مع ظاهرة تزوير نتائج الانتخابات السياسية – أم الخبائث – التي يتبارى فيها أبناء القبيلة والعرش والعائلة، من دون حياء وهم يحثون عليها كأحد أشكال النجاح الفردي المبني على أشكال التضامن الاجتماعي الآلي، الحاضرة في الريف والمدينة التي تحول للسكن فيها أغلبية الجزائريين. المرتبطة بالعديد من الظواهر السلبية الأخرى كالتسلط والشعور بالدونية أمام القوي واحتقار الضعيف، ونهب المال العام والمحاباة، وغيرها من سلوكيات «الإنسان المقهور»، كما توسع الدكتور مصطفى حجازي في دراستها، في مؤلفه المشهور. في مجتمع زادت فيه قشور التدين الاجتماعي الشكلي، على حساب العمق القيمي المُغيب، الذي عكسته تصريحات أحد الطلبة الممتحنين وهو يشكو لأحد القنوات التلفزيونية الوطنية، عند خروجه من الامتحان هذه السنة من «صرامة» المراقبين، التي لم ينفع معهم قارورة ماء زمزم، التي طلبت منه أمه أخذها معه للتبرك بها يوم الامتحان. ظاهرة الغش في الامتحانات التي تكلمنا عنها ونحن نربطها بالمجتمع الجزائري، التي يمكن تعميمها على الكثير من المجتمعات العربية، التي تعاني بدرجات متفاوتة من الأسباب والنتائج نفسها.
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الوهاب مطاعي:

    هناك اخطاء وتضخيم للخقائق ، فالاتترنيت لا تقطع كليا لمدة خمس ايام ، بل تقييد لمواقع التواصل الاجتماعي لفترة محددة بوقت الإجراء ..أما البنوك والمؤسسات فتعمل عادي لأن عملها لا يقوم على مواقع التواصل الا قليلا . لقد قضيت الاسبوع اعمل عادي بالانترنت
    أما النظر للاجراء وكأنه خطيئة كبرى . فهو الخطيأ بعينه ،

    1. يقول رتيبة .ش:

      أؤكد ما تفضلت به,,,,

  2. يقول الوزاني:

    اللا نطرنيط اصبحت مهمة جدا ولكن اهمية ومصداقية الامتحانات اهم من اللانطرنيط

  3. يقول ازمة اخلاقية عامة:

    هناك تعطيل لمواقع التواصل الاجتماعي وهذا ليس قطع للانترنت ، المواقع الاليكترونية للمؤسسات بما فيها البنوك تشتغل عادي … الغش صار مثل غلاء الاسعار في المناسبات …

  4. يقول سعيد السعيدي:

    اذا أردت معرفة عيوب الجزاءر انظر إلى عيوب المغرب. و اذا أردت معرفة عيوب المغرب انظر إلى عيوب الجزاءر. فباستثناء قطع الانترنت، نفس آفة الغش و التدهور الأخلاقي للمجتمع و وو..الخ مما ذكره الكاتب. و نفس المكابرون الذين ينكرون و يستنكرون و يستميتون في محاولة حجب الشمس بالغربال ، في عالم حتى قطع الانترنت لمدة أسبوع لن ينجح في إخفاء الحقيقة.

  5. يقول محمد الأمين - الجزائر:

    شكرا للكاتب على المقال. أوافقك الرأي في كثير من النقاط المذكورة. أدعو القارئ أن يتعلم القراءة بين السطور! فالكاتب، و إن كان مخطئا في بعض ما ذهب إليه، أراد إيصال رسائل جوهرية عن أسباب التدهور الإجتماعي في الجزائر خاصة، و في عديد البلاد العربية عامة. باختصار، لا توجد نوايا سياسية لإصلاح الأمور، و إن وجدت على استحياء فإنها غير قابلة للتطبيق بسبب كثرة الرافضين للحياة السوية التي تحرمهم من فوائد و مكافآت لا أخلاقية قد ألفوها و أنشأوا أولادهم عليها.

  6. يقول العلمي:

    سمعت المرحوم الطيب تزيني يقول إن النظام العربي هدفه إفساد من لم يُفسد بعد.
    كما سمعت تلميذا يقول مازحا و مقتنعا في نفس الوقت: من نقل انتقل و من اعتمد على نفسه بقي في قسمه.
    قولان يفسران بعضهما البعض

  7. يقول من غشنا فليس منا:

    غير صحيح ان نسبة الغش في ارتفاع او زادت بل انخفضت كثيرا واصبحت الحالات تعد على الاصابع وهي ليست ظاهرة مقتصرة على ولايةدون اخرى ولم يصدر اي احد باتهام ولاية معينة المعضلة هي التطور التكنولوجي الذي الذي أصبح يستغل في السلبيات من طرف الجيل الجديد المتكمن اكثر من سابقه في هذه التكنولوجيا وحتى لا تستفحل الامور ليست هناك وسيلة اخرى سوى اللجوء الى القاعدة الضرورات تبيح المحظورات

  8. يقول م/ب اولادبراهيم:

    لعل الاستاذ جابي يتذكر سنة 1992 حيث قام الفرانكوفونيين والظلاميين باحداث ضجة واستولوا على مراكز الامتحانات وراحواينشرون المواضيع في الطرقات من اجل الاطاحة بالوزير الشهم الجزائري القح الذي احدث في المنظومة التربوية ثورة وجزءرها لم تعجب اذناب فرنسا فتحالفوا مع الظلاميين ووقع ماوقع واستقال الوزير على بن محمد وخلف من بعده خلف .. بدءا بابن بوزيد وصولا الى بن غبريط .. نعم كنا نودع لما نذهب الى مراكز الحراسة او كرؤساء مركز الى التصحيح . كل هذا في نوع من التحد مسلحين في ذلك بوطنيتنا وحبنا للمهنة التبوية التعليمة

  9. يقول م/ب اولادبراهيم:

    غير صحيح ان نسبة الغش في ازدياد. بل العكس صار متحكم فيها عن طريق الاجراءات الجديدة وصار الغشاش يحسب ألف حساب قبل القيام بعمله .وصار الحارس يحرس وهومحمي فيقوم بالمهة وهو في أمان وارتياح – ايضا اساليب التصحيح تغيرت وانواع التحفيزات صارتتماشى والتطور .
    في سنة 2003 عينت في ولاية ادرار وعينت رئيس مركز لامتحان الباكلوريا ( احرار ) ذى سمعة سيئة . حتى ان لما نادى مدير التربية باسمي على راس هذا المركز . انظار كل من كان في القاعة توجت الي ومنهم من ضحك. ؟ فاستغربت الامر وتساءلت الانني قادم من التل .؟ وسألت من كان بجانبي . لماذا هذاكل.؟ فاجاب المركزسيئ وفيه الاحرار يعتمدون على النقل .؟ فاخذ الامر بمحمل الجد . وعند الاستراحة نقلت انشغالي الى مدير التربية المشرف على العملية .فوحه لي سؤال . هل انت خايف ام متخوف .؟ فاجبته على الفور . انا متخوف .؟ فقال لي روح اعمل وانا من ورائك.؟ وبعد ان اعطاني الحرية في اخيار طاقمي المساعد. اي الامانة .يتبع

  10. يقول م/ب اولادبراهيم:

    3/واجتمعنا 3 يتبع ..ثلاث مرات استعدادا وطرت امامهم كل الخيارات وحددت المهام ووزعت السؤوليات واخترت احد الاستاذة الاكفاء وهورياضي ليكون ظلي ومن اليوم الاول وابداء من الساعة العاشرة من اليوم الاول لانطاق الامتحانتات وهوالوقت الذي تبتدئ فيه آلة الغش شدتت عملية المراقبة عن طريق المباغتة وفي اليوم الثاني ضربت بيد من حديد اسفرت العملية عن اسقاط اربعة عناصر اساتذة يمتحونون في لصالح … وبعد تحصلت منهم على الاعتراف .. طبقت في حقهم القانون وانطلق الخبر كالنار في الهشيم وراح الغشاشين ينسحبون قبل ان نصل اليهم ا ليد الحديدية واتغيب في اليوم الثاني 140 مترشحا من اصل 700 مترشحا وفي اليوم الثالث جاء مدير اليربية للمركز وراح يناديني .. بريمر .. بريمر .. فقلت له في استغرات من .؟ . فقال . انت .. فأبته على الفور انا صدام العزة .. يتبع..

1 2 3

اشترك في قائمتنا البريدية