تعد أبرز سمة في الديانة الشنتوية أنها يابانية، إذ يعتنق ما يربو عن 95 ٪ من الشعب الياباني ديانة متحيزة داخل جغرافيا جزرهم، لا يعرف لها ظهور خارجها إلا في صورة معابد لممارسة طقوسها، في مدن احتلتها اليابان، وقد تحولت مع الزمن إلى متاحف تحكي قصة انتهت مع خروج الغازي.
الشنتوية ديانة تعبر عن الإحساس بروح كامنة في ما هو ياباني، وعن التقديس لأنماط معيشية وظواهر وشواهد طبيعية، في ما يسمونه هم الجزر الإلهية. كما ينظر اليابانيون إلى الشنتو على أنه أفضل ما تركه لهم الآباء، وأنه هو الذي يشد الأمة إلى عمقها التاريخي، وحضورها القوي في رحلة الزمن، وأنه جمعيتها الوطنية الضامنة لوحدتها السياسية حول الإمبراطور الميكادو ابن الشمس.
لم يكن اليابانيون يعرفون ديانتهم باسم الشنتو، بل كان يكفيهم أن يعرّفوها بأنها ممارسات يابانية، أو يسموها بالإشارة إلى المعنى المتردد في المعتقد «كامي نو ميشي» ولم يسموها الشنتوية إلا عندما احتاجوا إلى تمييزها، بعد دخول ديانات الصين إليها، وكلمة شنتو أصلا كلمة صينية مركبة من شين تاو، أي طريق الأرواح الخيرة، وقد أطلقت في القرن السادس الميلادي لتميز الطقوس القديمة عن الطقوس الحديثة الطارئة التي دخلت مع البوذية الصينية.
ويفيدنا إذن لفهم الشنتوية وتصوراتها وطرق تفاعل عقائدها وطقوسها مع الواقع الياباني، أن نتوقف عند بعض حقائق وتجليات الجغرافيا في بلاد الشمس المشرقة.
1 ـ تقع اليابان في أقصى الشرق، حيث لا يحدها شرق إلا ما عرف في العصور الوسطى بأنه الغرب، وقد أوحى هذا إلى اليابانيين بعلاقة خاصة بالشمس، يرى الياباني الشمس تأتيه من خارج الأفق، من وراء الحجب، من حيث لا يُرى ولا يُعلم، من فضاء أجوف مترع ماء وضبابا، وفراغ جغرافي يصرخ موجه الهادر في جوانب الظُّلـَم الكثيفة والغموض الشاسع.
الياباني شديد التعلق بالمكان والإحساس بروح غامضة في الطبيعة، يرى الشمس تدلف متخفية حانية، تشاركه كل يوم رشفات الشاي المقدس، فتلقي ثوبها الوضيء مرة واحدة وتنشر ضياءها، وتبث دفئها في كائنات اعتقد اليابانيون أنها سماوية، تنتسب بصلة قرابة إلى كائنات أخرى تعيش في السماء حياة أكثر إشراقا.
فاعتقد أن الاتحاد مع الآلهة الكبيرة المهيبة بتقديس الشمس، ومعرفة أن الروح الأساسية هي جزء صغير من روح الآلهة الكبيرة أماتيراس (الشمس) يلجون الحياة، بل يظهرون على الأعداء، إذا كان الفضل عليهم بتنفس الشمس حتى تملأ روحها الجسد، ويقرأ الياباني في كتابه المقدس كوجيكي «إذا تنفستم روح الشمس في كل حركة من حركات شهيقكم، وإذا ملأت بالتالي روح الشمس جسدكم، فلن يكون داخل روحكم أي انقطاع، وعندما تهاجمون خصمكم أثناء انقطاع في روحه بدون أن يكون في روحكم أي انقطاع، فإنني لا أشك بأنكم سوف تنتصرون مئة انتصار في مئة معركة». بعد ذلك اكتشف الياباني أن الشمس ستودعه غير وامقة، لتلقي بواقي أشعتها، فتسقي من سر الحياة أمما أخرى سيكونون دائما أقل قدرة وإبداعا ممن يأخذون وجه الحياة الصافي.
2 ـ وقوع اليابان بين كتل سكانية ضخمة تمتد في وحدة سياسية على بسيط من الأرض الشاسعة، هي الصين وروسيا هنا، والولايات المتحدة وكندا هناك، استفز ذلك الياباني، واستنفره بغريزة البقاء للمقاومة، وبالإحساس بالغربة والعزلة للتحيز في وطنه الذي يواجه قوى يمكنها في أي وقت أن تفتك به، بل إن أقلها إقليم سيبريا وحده قادر على أن يبتلع هذه الجزر، لولا أنها ـ فيما يعتقد اليابانيون- إلهية منتشية على إيقاع حركة دائبة لكائنات سماوية.
3 ـ العزلة، فالجزر اليابانية انزوت بعيدا على متطرف منعزل من الكون، وعلى لوحة العالم، تبدو اليابان وحدها تستوفي جغرافيتها قبل أن تأخذ اليابسة انطلاقتها الجادة، متماسكة مستقلة عن الكتلة المائية الضخمة المظلمة، وعند جوارها يتناهى جهد المرتحل في أقصى الشرق من العالم، قبل الماء في عصور الملاحة البدائية، وهو لا يعرف أن هناك جزرا أخرى تعيش وحدها وبشرا آخرين يبدعون ويصلون بعيدا عن الصين العظيمة أقرب أرض إليهم.
الاتحاد مع الآلهة الكبيرة المهيبة بتقديس الشمس، ومعرفة أن الروح الأساسية هي جزء صغير من روح الآلهة الكبيرة أماتيراس (الشمس) يلجون الحياة، بل يظهرون على الأعداء، إذا كان الفضل عليهم بتنفس الشمس حتى تملأ روحها الجسد.
هذه العزلة جعلت اليابانيين يرون الكون هو جزرهم، والبشر هم من يرونه عليها، قضى اليابانيون تاريخهم وهم أكثر شعوب العالم عزلة، وإن كانوا مع الزمن، وبعد أن تراكم الوعي الديني حول مقدساتهم الوطنية، وإحساسهم تجاه كونهم هم وطبيعتهم هم، عرفوا العالم وفلسفاته ودياناته، ولكنهم لم يتواصلوا معه إلا مع القرن السادس عشر الميلادي. حتى بعدما عرفوا العالم وبلغهم خبره، بقوا يرون في تراكم الشعور بالعزلة سمة لهم، فما نشأ من إحساس بالتميز والرغبة القوية في الاستقلالية استحال دينا، واستقرت في محكيهم اليومي مفردات «نحن وهم» واشتقاقاتها حتى مع أقرب الشعوب والنماذج إليهم الصين وكوريا.
شعب عاش آلاف السنين منعزلا، وحده يفكر ويخطط، وحده يحاور الأمواج الهادرة في المحيط الكبير المظلم حوله، والجبال والسحب في أفقه المهتز، والعواصف العاتية والزلازل المروعة، معتمدا على نفسه، مستلهما في مقاومة كل ذلك إبداعه الخاص، جعله كل هذا يشعر بعبقرية في قدرة الأسلاف على البقاء والاستمرار، فتوجه إليهم بالإجلال والتقديس، وللطبيعة حوله بإحساس مختلط يجمع بين الهيبة والرهبة والامتنان والترقب والحب والرعب. وفي تحدي الكائن السماوي سليل الآلهة يرتل الياباني «أيتها الأمواج العاتية المقبلة من عرض البحر، لا تضيعي غضبك سدى، فسوف تتكسرين على شواطئ جزر الياماتو المقدسة لأن الحماية السماوية ستستمر ولن تنقطع».
ولكن هذه العزلة سوف تشكل فكرا بدائيا في الدين، ومناهج ساذجة في تناول الأسئلة الأنطولوجية، بحثا عما وراء هذه الطبيعة المحدودة الضيقة في نظر الياباني، ليتناقل اليابانيون ويحكوا لزوار جزرهم قصصا تشبه حكايات قبائل الأمازون، وأدغال افريقيا في تصور نشأة الإنسان واستئناف الخلق ومصير البشر بعد الفراق.
4 ـ بنية الشعب الياباني مركبة من عدة أجناس، فقد دخل اليابانيون الغزاة إلى الجزر اليابانية من كوريا وسيبيريا في الشمال، ومن جزر المحيط الهندي في الجنوب، وكتبت السيادة لقبيلة ياماتو، ونشأت قبل قبيلة الأسرة الإمبراطورية التي تنتمي إلى جماعة الغزاة الجنوبيين، ولم تظهر عائلة ياماتو، بحيث تكون لها أهمية إلا في القرن الأول قبل الميلاد. تمثلت التركيبة السكانية الأولى القديمة في أعراق ثلاثة، هي الطبقة الوطنية المحلية الأصلية الإينو، والشماليون ومنهم قبيلة ياماتو، والجنوبيون ومنهم العائلة الإمبراطورية، وقد تركت هذه التركيبة أثرها العميق على الثقافة اليابانية وأساطيرها وبالتالي على الديانة الشنتوية وأصابتها بالازدوجية، فهناك شنتوية أصلية وشنتوية بوذية. ولكن اليابان الآن لا تحتضن من الجاليات الأجنبية أكثر من 1٪ من سكانها، بل إن اليابانيين لا يتقبلون حتى الكوريين الذين يشبهونهم صورة ويقاربونهم لغة، ولا يزيدون عن 600 ألف، جلبهم اليابانيون أنفسهم بديلا عن محاربين يابانيين يغزون الأراضي الكورية، بعقلية المصنع الذي لا يفكر في شيء مثلما يفكر في قطع الغيار. كما يتعصب المجتمع الياباني ضد البوراكيميين وهم لا يزيدون عن 2٪ من عدد السكان أتوا أسرى حروب، وعملوا في الجزارة بين شعب تشرب تعاليم البوذية، واستوعبها داخل شنتويته نافرا من ذبح الحيوانات، بمعتقد بوذي يميل إلى مسالمة كل شيء.
٭ كاتب مصري
بسم الله الرحمن الرحيم ۞ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (74) وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام
تذكرت قصة أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام مع النجوم بحثاً عن الإله!
هل ما يفعله اليابانيين مع الشمس مشابه؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
تعليقا على مقال في جريدة القدس العربي يوم 8.9.2020 للكاتب المصري عبد الرافع محسن
انا مهندس تعاملت مع الشركات الهندسية اليابانية الكبرى في اليابان وخارجها واقمت بها اقامة دائمة وقد حرصت على زيارة الكثير من معالمها وتدوين ما شاهدت بها وما سمعت وقرات هناك بغرض الاجابة على السؤال وهو ما سبب المعجزة اليابانية وسجلت ذلك في كتابي الذي صدر في عمان الاردن عام 2015
اسم الكتاب عربي في اليابان شاهدت سمعت قرات
التعليق على المقال كما يلي كانت اليابان مغلقة ويحظر على الاجانب دخولها حتى جاء الادميرال الامريكي بيري عام1854 واجبر اليابانيين على تزويد اسطوله بالمياه
الشنتو هي ديانة النخبة وهي تكرس عبادة الارض اليابانية والامبراطور المعصوم من الخطأ وهي الديانة الرسمية منذ عهد الامراطور ميجي
البوذية تقوم على المثل الما-ورائية بينهما، ففي البوذية يتم حرق جثث الموتى وتوجد تماثيل في المعابد اما الشنتو فلا يحدث كما يتم الوضوء من ماء جاري امام المعابد
سمعت ان الياباني في سجلات دوائر المحافظات يسجل ديانته بما يناسبه كما ان مراسيم الزواج تتم طبقا لطقوس الشنتو حيث مرحلة الشباب وان مراسم الجنازات تتم طبقا لطقوس البوذية