يقدم الفنان محمد هتلر، مجموعة من أعماله الواقعية، في أكثر من مكان. ولا يتوقف عن إنجاز لوحة تمتلك مواصفات الواقعية المفرطة، ما يجعل المتلقي أمام دهشة من أدائه البنائي الفني، وقناعته بأن معطيات المدرسة الواقعية، تترك أثرا كافيا في نفس المتلقي. وتبدو براعته منسجمة تماما مع حرارة مشاعره، فالأشكال على درجة من الاتزان والدقة والتعبير، فما الذي يدفع بالفنان محمد هتلر ليقدم كل طاقة الفن الواقعي بهذه الجرأة من الفعل الجمالي؟ كان لنشأة الفنان الاجتماعية الأثر الواضح في لوحاته، فهو من مدينة بابل التي تشترك بإرث ومكانة متنوعة، فمن جهة يبدو تاريخ المكان حافزا مهما لخياله والتركيز على انتقائيته في ما يذهب اليه من تأكيد لهوية مكانية، ومن جهة الحياة الريفية والاجتماعية لها سلطة التأثير، واعتقد أن مؤثرات وواقعية الفن العراقي كانت سببا رئيسيا في تحفيز عقل وخيال هذا الفنان، واشتركت عوامل متنوعة لتقدمه فنانا له تطلعات وميول أقرب للجسد الواقعي منه للتجريد والغموض الفني، كل تلك الميول تتعلق بإنجاز لوحات لها نتائج أساسية من التأثير المباشر، ولكن الأمر لن يكون مختبرا بعيدا عن أعين الآخرين، بل نراه يقدم محاولات تخص مجتمعه وبيئته ويعيد رسم تراثه المحلي، والجدوى من كل هذا هو بيان هويته العراقية من خلال نزعة التجريب في حقل الفن الواقعي، ولكن الأمر المتحول أمامنا يكمن في لوحاته التي بدت مثالية لأنها مرتبطة بمنظومة قيم محلية.
بالإضافة إلى الحكم الجمالي المفرط في أداء الرسم، من خلال التركيز على أدق تفاصيل الجسد الإنساني وهذا ما نلتمسه من رسم النساء في عدة حالات والأطفال في أكثر من موقع، والأهم أنه لن يخيّب آمالنا في النجاح بما يمثله تدشينا لأفق الرسم الواقعي فهو يدرك أن خيار الواقعية ستجلب له الحرية التي يحافظ فيها على رؤيته، واللعب في أقصى حدود الممكن من العمل الفني، وحتى تلك الواقعية التي يبينها لنا بدت وكأن شخوصها حالمة متأملة لها دوافع إنسانية مثيرة، فلا تبدو مهمشة أو مقصية، بل معتدة بالنفس وتمتلك هواجس مشتركة معنا كأنها أقرب لوجداننا من غيرها وفق هذا الأساس من الكشف العميق لشخوصه، سنفهم الأسباب التي تدعوه للتمسك بخيار واقعية ذات طبيعة فكر جمالي، تتصف بالإرادة والعاطفة وترجح مقولة الاهتمام بالجسد الآدمي كخيار بنائي له مهمة قراءة الآخر، وفقا لملامح الوجه والتفاصيل التي تثير الارتباط الحسي.. لا يخفي محمد هتلر محاولات الكشف عن أسلوب يميزه في حقل الفن الواقعي فهو ملتزم بشروط العمل الأكاديمي، ويوضح عدة تفسيرات ومحاولات جادة لبيان تلك الدوافع، وراء تمسكه بهذا النمط من المدرسة ويعتقد أن ذهاب نفر من الفنانين من جيله إلى التجريد والتعبيرية، التي تبتعد عن الواقع، أو تحاول جاهدة أن ترتدي قناعا مختلفا، إنما هي سمة سلبية لها مبررات أو إخفاء أهدافها الحقيقية، لكنه حسنا فعل حينما تمسك بإضاءة أسلوبه ولم يموه على إبداء حقيقة مشاعره، فما يميزه هنا صدق المشاعر في العمل الفني، وتحديد أولويات فن يشتمل على عدة جوانب منها، الالتزام الأكاديمي والمهارة في تنفيذ اللوحة وتقصي الوضوح والابتعاد عن التعقيدات الشكلية والسعي لنجاح فكرته، بأن تبعث اللوحة على الاستقرار أمام رؤية المتلقي، وإذا كان (التكوين الشامل هو إحداث الوحدة والتأمل بين العناصر المختلفة للعمل من خلال عمليات التنظيم) مثلما يؤكده شاكر عبد الحميد في كتابه (العملية الإبداعية في فن التصوير) فإن الوحدة المتكاملة لعمل محمد هتلر جاءت عبر تحقيق أهداف حددها مسبقا كإبداء جمالية خالصة لها سمات البساطة في رؤية الشكل، واستقلالية ألوان تفصح عن تأثير نفسي والتركيز على دقة الموضوعات الخاصة، بالتعبير الأقرب لعلم النفس.. كل ذلك يحدث وفق رغبة تتناسب مع طبيعة الفن العراقي الذي يطلق العنان له هذا الفنان المثابر لنسجل له الإعجاب والتقدير بمنجزه الفني.
كاتب عراقي
عندي تساؤل حول الصورة الاولى في المقال عن الفتيات واقفات وجااسات على طاولة داخل عرفة تشبه رسمة العشاء الاخير لدافنشي!!!!!!!!!