إلى حد ما تظهر المواقف المصرية والأردنية في رفضها القطعي لتهجير الفلسطينيين، وكأنها موجهة للفلسطينيين دون غيرهم، وهذه إشكالية تغذيها الرواية الإعلامية الإسرائيلية والأمريكية بصورة خبيثة، وأيضا بعض الحسابات التي تتصدر لتتحدث نيابة عن الشعبين الأردني والمصري، مع أن القضية الأساسية تتمثل في التهجير نفسه، وليس الجهة التي يمكن أن يتوجه لها الفلسطينيون، فالاقتراحات أخذت تتمدد إلى المغرب والصومال، وكانت قبل ذلك تتحدث عن إندونيسيا، كما ويتمدد التهجير الناعم منذ سنوات، ويصل إلى ذروته في الأشهر الأخيرة.
يوجد في الأردن 40% من اللاجئين الفلسطينيين في العالم، بالإضافة إلى نحو 40% موجودين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويتوزع البقية في سوريا ولبنان، أما الفلسطينيون الذين يقيمون في الخارج، فهم يعودون إلى هذه الفئات من اللاجئين في الأساس، أو من الفلسطينيين الذين لم يغادروا أرضهم في عامي 1948 ولكن تحصلوا على فرص السفر في وقت لاحق لأسباب اقتصادية، وبعضهم لم يعد بإمكانهم العودة إلى فلسطين لأسباب تتعلق بالقوانين والتعليمات التي أصدرت من الجانب الإسرائيلي على مدى سنوات، ونسبة كبيرة تحصلت على جنسيات الدول التي هاجروا لها، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية.
ما يتناقله اللاجئون، أن تحركهم من قراهم في مختلف أنحاء فلسطين أتى تحت انطباع أنه لجوء لأماكن أكثر أمنا يمكن أن يستمر أياما أو أسابيع، وتحولت عملية الطرد إلى لجوء ممتد تباينت خلالها ردود أفعال الدول المستضيفة، فبينما تحصل الفلسطينيون في الأردن على وضعية متقدمة تتيح لهم المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية، فإنهم ظلوا في لبنان يعيشون في ظروف إقصائية جعلتهم دائما الضيوف غير المرغوب فيهم، والهامش الذي يتم كنس أزمات كثيرة تجاهه.
تعمقت أزمة اللاجئ الفلسطيني مع الوقت لأن إسرائيل أخذت مع الوقت تتحول إلى واقع، ولم تكن سوى سنوات فاصلة قليلة بين مقولات التحرير من النهر إلى البحر والعودة أفواجا إلى الوطن، والحديث عن حل الدولتين الذي سينتج دولة فلسطينية لن تستطيع بأية حال أن تستوعب اللاجئين العائدين، ولا أن توفر لهم الحدود الدنيا من الحياة الكريمة، وأصبحت إسرائيل ثابتا في المعادلة، والفلسطينيون المتغير الذي يمكن تحريكه وتعديله وحتى حذفه في بعض الأوقات.
رفض التهجير لأي سبب كان من الحقوق الوطنية التي لكل البلدان أن تمارسها، وفقا لتقدير ظروفها وإمكانياتها ومصالحها، وهو حق أصيل لا يمكن مناقشته من الأساس
حالة اللجوء أسست لمواقف نفسية متعددة لدى الفلسطينيين، بعضهم حاول الانخراط في المجتمعات الجديدة، وفي المقابل، اتخذ كثيرون مواقف متطرفة في رؤية العالم من داخل الواقع الفلسطيني، وترجمة العالم من خلال الأزمة الجمعية التي تحولت في بعض فصولها إلى أزمات شخصية، ولأن أحدا لم يكن يمتلك فرصة إعادة الفلسطينيين إلى الحياة الطبيعية بالمعنى البسيط للغاية، الذي يعيشه أي مواطن في دولة في مجاهل افريقيا، أو أقاصي آسيا، بقيت أزمة اللاجئ الفلسطيني، أو الفلسطيني خارج أرضه، بشكل عام تلقي أعباءها على الفلسطينيين وعلى الشعوب الأخرى التي يعيشون بينها، لأن الجميع يتعامل مع أعراض المرض، الذي يتمدد في المنطقة وهو إسرائيل ومع بقائها وأمنها في المرحلة السابقة، وحاليا توريط الجميع في تقديم حلول لمشكلات نشأت وتطورت وتفاعلت نتيجة الأزمات الداخلية الخاصة بها.
لا ينظر الأردنيون والمصريون لموضوع التهجير بالطريقة نفسها التي تعاملوا بها مع اللجوء السوري، لأن اللاجئ السوري كان أول ما يعتقد، أن عودته مسألة وقت، ولكن توجد إشكالية في الحراك تجاه التهجير وهو تحويله إلى مشكلة تتجاوز مبدأ رفض التهجير، ويتبدى ذلك، في دخول المغرب إلى الجدل، بعد أن شملتها مقترحات ترامب الذي يبحث في الخريطة عن مكان مناسب للفلسطينيين بينما يستولي على قطاع غزة من أجل إعادة تأهيله، ورفض التهجير لأي سبب كان من الحقوق الوطنية التي لكل البلدان أن تمارسها، وفقا لتقدير ظروفها وإمكانياتها ومصالحها، وهو حق أصيل لا يمكن مناقشته من الأساس. المشكلة الأساسية هي أن سنوات من الضغط على الفلسطينيين، سواء من إسرائيل، أو بعض الدول العربية، كيلا يتحولوا إلى عائق أمام السلام، وأن يرتضوا بالتسوية الواقعية التي تتناقض جذريا مع التنشئة الثقافية (من النهر إلى البحر)، جعلت الفلسطينيين يتحولون من مشكلة لإسرائيل إلى مشكلة عربية، فإسرائيل تتوقع من العرب الذي تقدموا للسلام والتطبيع، أن يقوموا بكل شيء وأن يتحملوا كل شيء.
تتجاهل إسرائيل أن الدور الذي كانت تطرحه سابقا من أجل قيادة المنطقة في مواجهة إيران ومخاطر أخرى، لم يعد قائما لأسباب موضوعية وهي تراجع النفوذ الإيراني، ولأسباب ذاتية تتمثل في أنه لم يعد قابلا للتصديق، بعد انكشاف الهشاشة التي تعانيها على المستوى الاجتماعي والسياسي، وانعكاس ذلك على أدائها العسكري والميداني، ولكن المشكلة في الرهان الأمريكي الكبير على تمرير مشروع تاريخي يدور حول شخصية الرئيس ترامب، ومصالح فئات عديدة تشكل رافعته السياسية، وقدرته غير المتوقعة على التصعيد واتخاذ القرارات بمجرد أمر تنفيذي ليترك العالم يتخبط بعدها في تسوية آثاره.
للتهجير وجوه كثيرة، منها الفلسطينيون والدول التي تمارس عليها الضغوط لاستقبالهم، ولكن الوجه الذي يجب أن لا يغيب هو إسرائيل، التي هي أصل المشكلة، ويجب عدم الاستمرار في محاولة استرضائها من أجل تصورات سلام أثبتت عدم قابليتها للتحقق، أو في أقل تقدير، تحقيقها بأن يتحمل الجميع حصتهم من التكلفة، باستثناء إسرائيل نفسها التي يفترض أنها الطرف الذي يحتاج الأمن والسلام أكثر من غيره.
كاتب أردني
ابان “مونديال قطر” شيعت غزة 8 من شبابها الذين غرقوا قبالة سواحل تونس؛ وفي بث مباشر ل”7 اكتوبر” يذكر مصور الفيديو بالاسم زملاء عالقين في اليونان؛ ومن خلال متابعتي لحسابات عشرات النشطاء الاعلاميين في غزة فإن (غالبية الشباب ستغادر بلا رجعة اذا سنحت الفرصة) ؛ في وقت سابق اعلنت اسرائيل عن تسهيلات لمسيحيي غزة الراغبين في الهجرة؛ ومؤخرا اعلن وزير الخارجية “جدعون ساعر” ان العرض بات يشمل كل اهالي غزة
بالاضافة لمصر والاردن؛ وضعت السعودية ثقلها خلف دولة فلسطينية/ حل الدولتين
في وقت سابق استقبل مطار غزة الرئيس الامريكي والسيدة الاولى وكافة زعماء العالم؛ فغزة كانت في طريقها لأن تصبح “ريفيرا” وسلة خبز دولة فلسطين؛ ولكن
بيضةُ الاُمّة عِزَّةُ غزّة في المِثولوجيا الإغريقيّة كعب أخيل حركة “حماس” الفِلسطينيّة، قَرنٌ على البيان الأوَّل السُّرياليّ 1924م Manifeste du surréalisme، للشّاعر الفرنسيّ André Breton، مُؤسّس المدرسة التكعيبية الفنيّة «بيكاسو Pablo Picasso»؛ رسم أيقونة راية السَّلام، حمامة “طوفان نوح” البيضاء على جَبَل جودي ناحت وباحت وباضت؛ فاستراحت؛ رأسها شِعار الصَّقر العربيّ الجّارح في غزّة، ومِنقارها شَرقيّ نهر الأردن. الهجرةُ طوعاً أو التهجير كُرهاً، الموتُ صبراً وحيف حتف أنف راعف، إمّا تقييم “طُوفان الأقصى” أو تقويم تأريخنا الهجريّ كسرب حزين بدأ سنة 1948م لبنات ربّة البيت، عشّ قصيد الحُبّ السّبع Aphrodite، في اُسطورة حواري مذهب أولمب الإغريق الإثني عشريّة.