الولايات المتحدة وإسرائيل اللتان تريدان العربدة بحرية في المنطقة، ولا تريدان أي ردع ضدهما، تستمران في خوض معركة خاسرة، ستنتهي إلى الفشل مثلما انتهت جميع مغامرات أمريكا في الشرق الأوسط، منذ غزوها العراق، ومحاولاتها إعادة هيكلة المنطقة، وفق نظرية رقعة الشطرنج والفوضى الخلاقة وغيرها. في الواقع، لا تعترف الولايات المتحدة رسميا حتى بامتلاك إسرائيل أسلحة نووية.. لماذا؟ لأنه إذا اعترفت أمريكا بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، فسيتم تفعيل القانون الأمريكي، وقد كشف ذلك ضمنيا وزير ما يسمى التراث في إسرائيل، عندما دعا مباشرة بعد بدء معركة طوفان الأقصى إلى ضرورة قصف غزة بقنبلة نووية. ويحظر القانون الأمريكي تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية للدول التي طورت أسلحة نووية خارج إطار نظام الرقابة الدولي، كما فعلت إسرائيل. لا الديمقراطيون ولا الجمهوريون يريدون فتح هذا الباب، فهناك اتفاق بين واشنطن وتل أبيب على أن يحاط برنامج إسرائيل النووي بكامل السرية، بضمانة أمريكية في كل المحافل الدولية.
القوة الطائشة التي تمتلكها إسرائيل، وآلة حربها تنتصر بقتل المدنيين، وارتكاب جرائم حرب في غزة، وهذا ما كان على العالم أن يدركه منذ عقود، فهي الحقيقة التي أرادوا تغطيتها
كان من الواضح منذ سبعينيات القرن الماضي أن كل ما تقوم به إسرائيل سيحوّلها إلى كيان معزول، عاجلا أم آجلا سينقلب الرأي العام العالمي ضد سياسات التوسع والعنف والعدوان والإرهاب في الأراضي المحتلة، وعلى مر السنين، هذا ما حدث، فما بالك بالمجازر المتواصلة ضد المدنيين في أنحاء غزة المحاصرة. ما حدث في السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية في الولايات المتحدة مهم للغاية. إذا عدنا 20 عاما إلى الوراء كما قدر تشومسكي، فإن إسرائيل كانت «محبوبة» القطاعات المتعلمة والليبرالية، لقد أحبوا إسرائيل جدا، لكن هذا تغير الآن، وتحول الدعم لإسرائيل إلى اليمين المتطرف والإنجيليين والقوميين المتطرفين ودعاة الحرب، هذا هو الحزب الجمهوري، أقصى يمين الحزب الجمهوري، الذي يشكل قاعدة الدعم الأساسية لإسرائيل اليوم، إذا نظرنا إلى مواقف كثير من الديمقراطيين الليبراليين اليوم تجاه إسرائيل، فهي تتصف بالبرودة، وفي الواقع يدعم الكثير منهم حقوق الفلسطينيين، أكثر مما يدعمون إسرائيل. إذا نظرت إلى الشباب، فإن الوضع أكثر تطرفا، وفي هذه الحالة يشمل أيضا الشباب اليهود، الذين يتوقفون عن دعم إسرائيل أو يتحولون إلى دعم الفلسطينيين.
حتى الآن، كل هذا لم يكن له أي تأثير في السياسة، لكن إذا استطاعت مجموعات الناشطين إنشاء حركة تضامن أمريكية حقيقية مع الفلسطينيين، كما حدث بالفعل مع مجموعات قومية أخرى من العالم الثالث، فقد يؤثر ذلك في السياسة الأمريكية. لم يحدث ذلك حتى الآن، لكن يمكن أن يحدث، وهناك العديد من الأهداف التي يمكن تحقيقها فعلا، سجلّ أمريكا الخارجي حافل بدعم أنظمة استبدادية، وتدمير بلدان، وإلقاء قنابل على مدنيين أبرياء، أكثر من أي دولة أخرى، وفق «نظرية الرجل المجنون الحربية»، حتى لا يستخف أحد بتهديداتها مثلما أكد ادوارد سعيد. فعلا المواقف الأمريكية في ما يتعلق بحقوق الفلسطينيين الإنسانية والتاريخية، تقتصر على كونهم مصدر إزعاج، وهي نظرة لاسامية عميقة الجذور. حوّلت العرب إلى مزوّدين للنفط، أو إرهابيين متعطّشين للدماء. القوة الطائشة التي تمتلكها إسرائيل، وآلة حربها تنتصر بقتل المدنيين، وارتكاب جرائم حرب بحق الأطفال والرضع في غزة، هكذا ستبدو إسرائيل كوحش تلطخت يده بالدماء. وهذا ما كان على العالم أن يدركه منذ عقود، فهي الحقيقة التي أرادوا تغطيتها. نفهم لماذا يرى تشومسكي أن إسرائيل بسياساتها العنصرية الراهنة ماضية إلى زوال، وكيف يصل إلى قناعة مفادها، أن كل ما حدث في كيان الاحتلال حتى الآن، قد ختم بموافقة أمريكية، أو على الأقل احتملته الحكومات الأمريكية، وأنه إذا كان المارد قد خرج من القمقم، فإن واشنطن هي التي ساعدت على الإطلاق. تشومسكي القائل، «إنني لا أرى عواقب لاسامية لإنكار وجود غرف الغاز، أو حتى إنكار المحرقة. كما ليست هناك عواقب لاسامية للزعم بأنه يساء استخدام المحرقة، بشكل وحشي، على أيدي المدافعين بشكل تلقائي عن الأعمال القمعية والعنيفة لإسرائيل». وهو من الذين لا تستطيع إسرائيل اتهامه باللاسامية باعتباره يهوديا، فاخترعت اصطلاحا آخر لتسميهم «كارهي الذات». على الدوام كان الصراع داخل المنظمات اليهودية في أمريكا عنوانا لمدى سيطرة إسرائيل، أو على الأقل الأحزاب الحاكمة فيها على السجال العام هناك. ومن الطبيعي أن تخشى إسرائيل قوة الحقيقة التي تكشف عنصريتها المقيتة.. «بشاعة العدوان الإسرائيلي على غزة، جعلت لساني عاجزا عن إعطاء وصف دقيق لما يحدث هناك. بحثت في القاموس عن لفظة تجسد هول ما يحدث، فلم أجد.. حتى مفردة الإرهاب أو العدوان غير معبرة عن حقيقة المأساة». هكذا عبّر تشومسكي عن حقيقة إسرائيل منذ حروبها السابقة على فلسطين وغزة، التي تعدت الخمس حروب، همجية وبربرية لا حدود ولا احترام فيها لأدنى شروط حقوق الإنسان، أو حماية المدنيين، مثلما ظل فريد هاليداي مقتنعا بأن السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين كانت «عنيدة ومغرورة ومهووسة وعنصرية وانتحارية في مآلاتها». ودعا إلى سياسة دولية أكثر نضجا، بالنظر إلى الاستخفاف المستمر بحقوق الآخرين الإنسانية، وكيف أنّ الواقعية غابَت غيابا واضحا في عالم يدعي القانون والديمقراطية والعدالة.
تواجه الولايات المتحدة، لأوّل مرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تحديا حقيقيا للرأسمالية الليبرالية الديمقراطية، التي تبدو عاجزة على نحو متصاعد، عن معالجة كثير من الأزمات التي تحدق بها، ما وصل إليه العالم من أزمات وما تعانيه الشعوب من تزايد معدلات الفقر والمشاكل الاجتماعية خير مثال على ذلك. لعقود ظلّ المبدأ الأكثر شمولا هو، إذا لم تخدم منظّمة دولية مصالح السياسة الأمريكية، فهناك سبب ضئيل للسّماح لها بالحياة، والشأن ذاته مع الأنظمة في الدول ذات السيادة. بعد كل الدمار الذي سببته الصراعات التي أمر بإشعالها أو ساندها رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون، من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى ليبيا، وفي الشرق الأوسط وعنوانه الأبرز فلسطين، كانت خلالها الولايات المتحدة طوال عقود تدير الأزمات لصالح إسرائيل، ولم تهتم يوما لحقوق الشعب الفلسطيني، وبات من الواضح أنها وافقت إسرائيل على حرب الإبادة والتهجير بضوء أخضر، وبدعم مطلق على جميع المستويات.
يمثّل الصهاينة الإمبرياليّة المستبدّة، ماذا يعني أن يقبل العالم انتهاكات إسرائيل الرهيبة لحقوق الإنسان والقتل والمجازر التي ترتكبها. قطاع غزة تعرض لهجوم لا هوادة فيه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي يبدو أنها عازمة على التدمير بقدر ما تستطيع، وعلى تهجير سكان القطاع وذلك بضرب المدارس والمستشفيات. تتصاعد معارضة جرائم إسرائيل، لكنها لم تصل بعد إلى النقطة التي تؤثر فيها بشكل كبير في سياساتها وسياسة أمريكا من ورائها، لكن المؤكد أنّ المقاومة على لسان أبو عبيدة، اعتبرت أن سبب المجازر التي ترتكبها آلة الحرب الأمريكية الصهيونية بالقول، «عدوان الاحتلال وارتكابه للمحرقة والمجازر سببه الألم العظيم الذي يتجرعه، لقد كسرناه وحطمناه أمام العالم». المقاومة تُسطّر بطولات على الميدان، وهي تكسب أيضا حرب الصورة والنفسية.
كاتب تونسي
عندما صافح عرفات رئيس وزراء إسرائيل رابين في واشنطن ، و هم بمصافحة وزير خارجيته انذاك بيريز همس رابين في اذن بيريز قائلا لقد جاء دورك في العذاب ، و هنا مررت و حيكت مؤامرة اوسلو التي حملت بين جنبيها نكسة اضيفت الى رصيدنا من النكسات ، و نحن نتعامى و نتصنع الرماد في العيون ، فاذا كانت إسرائيل تخطط و ترسم و تنفذ ، فذلك ليس مرتبطا بالصدفة العمياء ، او بالتخمين المخطوط ، انه العمل المقرون بالعلم . اما نحن فبدل ان يتمحور العالم العربي بقيادته و شعوبه حول اخراح و مقاومة الكيان الغاصب ،اصبحت قضية الحكومات العربية هي الاعتراف بالكيان ، و اصبح الشد و الجذب على حجم التنازلات التي تقدمها تلك الحكومات ، و اضحى موقف الدول العربية لا يتعدى الاستنكار و التشجيب من قبل ملك او رئيس . الارض السليبة تنادي ، و فلسطين و اهلها ينادون و القدس تستغيث ، و لكن لا حياة لمن تنادي. و لكن املنا كبير في الشعب الفلسطين الصامد الذي قدم و لايزال التضحيات من أجل الذود عن حياض المسجد الاقصى و المرابط في أرض الرباط و حراسة اولى القبلتين نيابة عن العالم الاسلامي ، و قد اثبت هذا الشعب العظيم انه دوما اهل لتلك المسؤولية الملقاة على عاتقه ، و اثبت أيضا انه شعب حي ينبض بالعزة و الكرامة . شكرا استاذ العبيدي على المقال .
فعلا . كل ما ذكرته صائب تماما . المجد والعزة للمرابطين الأحرار والنصر لفلسطين بمقاومتها الباسلة.
كل الشكر لك جميلة