الثورة السورية بين لحظتين

حجم الخط
4

كان من بين القرارات التي أعلنها «مؤتمر النصر» في دمشق، أواخر شهر كانون الثاني الماضي، الذي كرس قيادة أحمد الشرع بتنصيبه رئيساً للجمهورية، اعتبار الثامن من كانون الأول عيداً وطنياً ليحتفل به في كل عام باعتباره تاريخاً لسوريا الجديدة لما بعد نظام الأسد، في حين ما زال تاريخ بداية الثورة السورية موضع جدل بين أنصار الثورة بين 15 و18 آذار من العام 2011.
ويطرح السؤال عما إذا كان ما تحقق مع هروب بشار الأسد من سوريا صبيحة 8/12 تتويجاً لكفاح السوريين خلال نحو 14 عاماً أم أنه نتيجة لمسار منفصل عن «الثورة الأولى». قد يبدو هذا السؤال، للوهلة الأولى، نظرياً لا فائدة منه، غير أن التدقيق في الموضوع سيرينا أنه وثيق الصلة بمشكلات المرحلة الانتقالية التي تعيشها سوريا الآن.
فقبل كل شيء حين اندلعت الثورة في العام 2011 لم يكن لجبهة النصرة وجود، وهي التي ستتحول في السنوات اللاحقة إلى هيئة تحرير الشام التي قامت، مع فصائل مسلحة أخرى، بإسقاط النظام، وتشكل اليوم السلطة القائمة، وأصبح قائدها أبو محمد الجولاني رئيساً لسوريا. في حين اندلعت الثورة في 2011 كانتفاضة سلمية انتشرت في معظم المدن والأرياف السورية، وحافظت على سلميتها طوال أشهر على رغم قمعها بشدة من قبل أجهزة النظام.
ثم إن معظم الناشطين السلميين في الثورة الأولى قد باتوا خارج المشهد، بين من قتلوا ومن اعتقلوا ومن لجأوا إلى البلدان القريبة والبعيدة، في الوقت الذي دخل السلاح وتشكل الجيش الحر أولاً ثم فصائل عديدة يتبنى كثير منها العقيدة السلفية الجهادية، ومنها هيئة تحرير الشام. وتشكلت أطر سياسية خارج البلاد أبرزها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي اختار السير في خط «الحل السياسي» الذي فرضه المجتمع الدولي عليه باعتباره «الحل الوحيد» المسموح به دولياً، وقد فشل هذا المسار، ويتجه الائتلاف إلى حل نفسه.
من حيث الرؤية السياسية ـ الإيديولوجية لا توجد أي مشتركات بين الثورة الأولى وما تحقق الآن باستثناء شعار إسقاط النظام الذي فشلت الأولى في تحقيقه، مقابل نجاح عملية «ردع العدوان» في ذلك. في هذه النقطة بالذات نرى صلة السؤال المطروح في مطلع هذا النص بالمشكلات الراهنة. فالسلطة الجديدة تتعرض كل يوم لانتقادات من بيئة الثورة الأولى بسبب قصور استجابتها لتطلعات السوريين حين أطلقوا ثورتهم، ثورة الحرية والكرامة، وبسبب مخاوف هؤلاء من الخلفية الإيديولوجية للطبقة الحاكمة الجديدة. وهي مخاوف يشارك فيها المجتمع الدولي قسماً وازناً من السوريين، ويمارس ضغوطاً على السلطة للالتزام بمعايير التعددية والشمول.

من حيث الرؤية السياسية ـ الإيديولوجية لا توجد أي مشتركات بين الثورة الأولى وما تحقق الآن باستثناء شعار إسقاط النظام الذي فشلت الأولى في تحقيقه

ولكن من وجهة أخرى لا يمكن الفصل القطعي بين 2011 واليوم لأنه لولا تلك الثورة لما وصلت سوريا إلى لحظة سقوط النظام. وقد اعترف الشرع بهذه الاستمرارية في خطابه الأول الذي وجهه إلى عموم السوريين من خلال إشارته إلى فضل شهداء تلك المرحلة خاصاً بالذكر الطفل حمزة الخطيب.
يمكن القول إذن إن الثورة السورية، بلا تمييز، قد حققت هدفها الأول، إسقاط النظام، وأمامها مسار معقد لا يمكن التنبؤ بشأنه، وإن كانت السلطة الجديدة قد عرضت، إلى الآن، مرونة سياسية لافتة فيما خص ممارستها اليومية، بالقياس إلى ما يمكن توقعه من تيار سلفي جهادي مهما جرت عليه من تحولات فكرية في السنوات السابقة. فهي منفتحة على مختلف الفئات الاجتماعية، بما في ذلك البيئات التي كانت مؤيدة للنظام المخلوع، وعلى الجوار الإقليمي والمجتمع الدولي من خلال حركة دبلوماسية نشطة وخطاب منفتح. وكان قرارها بحل الفصائل العسكرية والانتقال إلى «منطق الدولة» حسب عبارة الشرع، خطوة مهمة في طريق إعادة بناء الدولة. لكن توحيد تلك الفصائل تحت مظلة وزارة الدفاع مع إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية يرسمان معاً إشارات استفهام بشأن نوايا السلطة القائمة. ذلك لأن بناء جيش جديد على أنقاض «جيش الأسد» من أفراد فصائل بعضها مشبع بالعقيدة السلفية الجهادية، وبعضها الآخر في علاقة تبعية لدول أخرى، وتجنيد أفراد جدد من خارج الفصائل وفق معايير غير معلنة، هي معاً مما لا يبشر ببناء جيش على أسس وطنية وبعقيدة وطنية، بل قوة عسكرية قد يكون ولاؤها للطبقة الحاكمة الجديدة، في تكرار لعلاقة الجيش القديم بالنظام المخلوع. إذا حدث هذا فهو يتعارض تماماً مع أهداف ثورة السوريين في العام 2011.
والحال أنه منذ دخول عاملي السلاح والأسلمة إلى الصراع في سوريا بدأ التمايز بين «ثلاث ثورات» على الأقل داخل الإطار العام المسمى «الثورة السورية» هي على التوالي: ثورة مدنية سلمية عموماً مع بدايات تسلح (الجيش الحر) وثورة إسلامية مسلحة، وثورة «روج آفا» في المناطق ذات الغالبية الكردية مسلحة أيضاً. مع الإشارة إلى أن هذه الأخيرة لم تستهدف إسقاط النظام، بل تحقيق مكاسب على الأرض لفئة اجتماعية مخصصة (الكرد) مع ارتباطها بأجندة عابرة للحدود (حزب العمال الكردستاني).
اليوم تتعايش الثورات الثلاث معاً إذا جاز التعبير، في فترة انتقالية حرجة لا يمكن التكهن بديناميات تطورها مستقبلاً، هل تتجه نحو الاندماج بنوع من التوليف بينها، أم نحو صراعات جديدة لا يريدها أحد كما يبدو. فالاندماج يتطلب الاعتراف المتبادل بالحساسيات لدى مختلف الفئات الاجتماعية وتلطيف التناقضات فيما بينها. خطاب السلطة عموماً يشير في هذا الاتجاه، غير أن مظاهرةً تخرج هنا وخلافات تبرز هناك تنذر بتفاقم التناقضات ما لم يترجم هذا الخطاب إلى إجراءات ملموسة. وأمامنا أول امتحان لهذا الخطاب حين تعلن السلطة عن تشكيلة الحكومة الانتقالية أول الشهر القادم.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قحطان:

    السوري الذي خرج لاسقاط العصابة الاقلوياتية وقدم ملايين الشهداء والمعذبين والمهجرين والمفقودين كان همه الوحيد هو اسقاط هذه العصابة الاقلوياتية المجرمة حتى ولو كلفه ذالك نصف الشعب السوري العربي المسلم ألسني ولولا تدخل كل قوى الشر من حلف صهيوصليبي الشقيه الشرقي والغربي وحتى الاسيوي بسلاح الفيتو ومعهم الحلف الفارسي الشيعي لدعم العصابة الاقلوياتية كان النصر حليفه وفي الاشهر الاولى وبشهادة ازلام العصابة الذين اكدوا انهم حزموا الحقائب العرب قبل تدخل المجرم حسن رئيس حزب إيران ومعه المجرم سليماني الذين إستطاعوا تعطيل تقدم الثورة الى اليوم الذي تدخل فيه الروس والتحالف الدولي اليوم انتصرنا على العصابة بعد ان فقدنا الامل بالنصر ولايهمنا اذا كان الجيش الذي حررنا يرفع راية التوحيد او ان يكون من شريحة واحدة كل الذي يهمنا انه جيش يخاف الله والباقي تحصيل حاصل بعد ان جربنا ٦١ عام من حكم الاقليات التي دمرت البلاد

    1. يقول مجتهد:

      صدقت في كل كلمة، تحية لك.

    2. يقول عابر سبيل:

      شكرا أخي قحطان: كفيت ووفيت وأرحت صدورنا بكل ما تفضلت به ..

  2. يقول قحطان:

    عندما سقط النظام الاقلوياتي المجرم لم تخرج الاقليات لتعتذر من الغالبية العربية السنية التي ضحت بالملايين من اجل تطهير سورية من احقر وانذل واجرم وافسد عصابة عرفها التاريخ البشري بل ان ‏العلوية أصبحوا يطالبون بالعفو عن أولادهم الذين قاموا بجرائم يندى لها جبين الانسانية اما ‏الدروز خرجوا بالسلاح و قالوا : لن نسلم القتله الذين ذبحوا العرب السنة حتى نشارك بكتابة الدستور واذا لم يحصل ذالك فسوف نطلب الدعم من الكيان الصهيونى حليفنا وحامينا اما المسيحيه صرخوا نريد حرية وولا نقبل ان يتحكم احد بلباسنا حتى اذا خالفنا الاعراف وتقاليد البلد واذا ما نفذت مطالبنا فسوف نستنجد باخواننا الصليبين اما قسد اوجلان العلوي التركي فيطلبون حكم ذاتي والغاء كلمة عربية من سورية وان النفط والغاز محاصرة نص بنص واللغة الكردية لغة رسمية واذا اعترضتم سنرسل لكم طيران الحلف الصهيوصليبي الذي يتقاسم معنا النفط والغاز كل ذالك يحصل بدون حياء وخجل بينما السنة لازالوا يبحثون عن بقايا جثث ابناؤهم التي اعدمها واحرقتها وغيبتها الحكومة الاقلوياتية واخفتها في مقابر جماعية ولهذا نقولها وبالفم الملأن سنفرض حكم الاغلبية حتى ولو كان حكم الشريعة والذي لا يعجبه يروح يبلط البحر

اشترك في قائمتنا البريدية