يواصل الكاتب محمد شوقي الزين مسار الكتابة الفلسفية بكثافة، وباللغتين العربية والفرنسية. ومحمد شوقي الزين الأستاذ حاليا في جامعة تلمسان في غرب الجزائر من الأسماء التي بدأت تظهر في تسعينيات القرن الماضي، ظهورا حاملا لإرهاصات تطور الدراسات الفلسفية في الجزائر، ويعتبر شوقي الأغزر إنتاجا، والأكثر تعمقا وإحاطة بحكم دراسته العليا في فرنسا ودراسته للتراث الفلسفي والصوفي، واحتكاكه بأعلام الفلسفة كجاك ديريدا وإتقانه لعدة لغات.
من كتبه الصادرة في السنة المنقضية، كتاب «نقد العقل الثقافي ـ فلسفة التكوين وفكرة الثقافة ـ أساسيات نظرية البيلدونغ «. صدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ودار الوسام العربي ومنشورات مدارج. نقد العقل عنوان لمشاريع فكرية وفلسفية متعددة (كانط، الجابري، أركون، طرابيشي). يبيّن المؤلف في مدخل كتابه أن نقد العقل دخل: «العادات الفكرية والاستعمالات الأكاديمية بنعوت تحدّد كيانا جغرافيا وتاريخيا وقوميا» وأن: «كل باحث له مسوغ نظري في اختيار النعت الذي يرضيه». أما همه فهو: «هم فكري قبل كل شيء، والهموم الأخرى (قومية، حضارية، ريادية) وليس العكس. أؤمن بأن الانطلاقة من المفهوم للاشتغال عليه هو الذي يتيح الوصول إلى درجة من الوعي الذاتي بالوضع الوجودي والحضاري، وليس الانطلاق من الهوية أو القومية أو المذهبية للوصول إلى المفهوم». التفلسف هو مفهمة واشتغال على المفهوم، على تمثل يخلص إلى مفهمة، إلى تمثل للمجسد، يشتغل على تصريفه إلى ما يسمح ببنينة وعي.
واشتغال شوقي محدّد بنقد العقل الثقافي، وهو اشتغال يحضر لتجاوز الفخاخ، ولقد أشار شوقي إلى أن الهموم «القومية والهوية هي فخاخ لأنها تكبل العقل ولا تحرره». والثقافي انتعش حضوره وتمحوره في اتجاهات الدراسات المتعددة في تخصصاتها، في الدراسات الثقافية وما بعد الكولونيالية والنقد الثقافي…الخ. ويحضر عربيا باجتهادات متعددة كمنجز عبد الله الغذامي، والمنجز الاستثنائي لعبد الكبير الخطيبي، وكتابات بنسالم حميش، الذي أصدر كتابا عن الإسلام الثقافي.. وتشهد الجزائر وجهة نحو هذا الطرح باجتهادات أمثال أزراج عمر ووحيد بن بوعزيز وعلي لونيس وقلولي بن ساعد. ينطلق في النظر إلى الثقافة على أن من أساسيات تشكلها عاملين، هما التفكير والحرية وفلسفة الثقافة التي يشتغل عليها، كما يوضح تقوم على ركائز ثلاثة هي: «الاشتغال على الذات بتهذيبها وتثقيفها، وتندرج لإي إطار «فلسفة التكوين»، و«الاشتغال بأداة كتلك التي تستخدم في الحقل، قصد البذر والري والحصاد، وتندرج ضمن «فلسفة الاستعمال»، و«الاشتغال برؤية تبرز مواطن العمل ونتائجه، أو المبادئ والأهداف، وتنخرط في سياق «فلسفة تصور العالم».
كتاب «نقد العقل الثقافي» استمرار لكتاب سابق له «الثقاف في الأزمنة العجاف»، يركز على الاشتغال على نظرية « البيلدونغ». ويتناول المفهوم «في إطار لوحة نظرية وتاريخية شاملة».
ويستثمر الكاتب ما تراكم من مفاهيم فلسفية ويستثمر الرصيد المعجمي اللغوي في بلورة مقاربة ونحت صيغ مؤهلة للشحن بالحمولة الفلسفية الثرية ومؤهلة لنقد ومفهمة. الثقافة كتغيير وكتحول مستمر بتحرر متعقل ومفكر، فالتراث معنى استعماله في هذا التوجه هو اقحامه في سياقات تداولية جديدة: «لا تقول: ما هو التراث؟ ولكن من نحن أمام التراث؟ ماذا نريد نحن أمام هذا التراث؟ « و«كذلك عندما نستعمل التراث أو النص، فإننا نقوم بتأويله، وتأويله ليس البحث الممل عن معنى مفارق، لكن نقوم بأدائه في سياقنا وحسب ظرفا وتبعا لألواننا». والتراث «يتمتع بالسيادة لا بالسلطة»،»التراث يسود ولا يتسلط.عندما يسود فهو يتأقلم مع الوضعيات ويصبح مرنا وسهل القولبة، ويساهم بالتالي في التكوين الذاتي والتكوين الاجتماعي والبشري. لكن عندما يتسلط، فمعنى ذلك أن التراث متجسد في حزب أو مذهب أو طائفة تحتكره لتشتغل به من أجل مصالحها ومواقعها في النفوذ والسيطرة».
كتاب «نقد العقل الثقافي» استمرار لكتاب سابق له «الثقاف في الأزمنة العجاف»، يركز على الاشتغال على نظرية « البيلدونغ». ويتناول المفهوم «في إطار لوحة نظرية وتاريخية شاملة». وظهرت الفكرة في عصر الأنوار وهي: «أكثر من كونها كلمة، إنها مصطلح ومفهوم وذاكرة وتاريخ ومؤسسة في سياق التاريخ الفكري الألماني»، ويوضح جينيالوجيا البيلدونغ و:»هو البايديا (التربية) الإغريقية التي يمكن تسميتها مجازا وبنوع من المفارقة التاريخية «البيلدوونغ الإغريقية»، وأيضا «التهذيب» في الثقافة العربية الإسلامية، الذي يدخل في النطاق نفسه والذي يمكن اعتباره «البيلدوونغ العربية الإسلامية». تكتسي البيلدونغ قيمة كونية وتكوينية، في الاسم كما في الرسم. فهي اسم على مسمى يعتني بالتربية والتثقيف وتشكيل الإنسان، وهذه القيم هي تكوينية وكونية، وعلّل اختياره لمصطلح البيلدونغ بدل البيديا والتهذيب لأن «هذا المصطلح الألماني هو أفضل مؤسسة فكرية وصلت إلى الاكتمال النظري، وكانت لها تنظيرات في الفلسفة والأدب والفن والدين».
فالبيلدونغ متصل بالثقافة والتربية والمعرفة والجمال، بالخلقة والخلق والتخلق، بالجمالي والبيداغوجي والأنطولوجي والبراغماتي.
الكتاب جزء أول من مشروع للباحث أسماه بالمربع الثقافي يتركّب من نظام في الحقيقة هو»الثقاف» كمجال متوار يتحكم في المجال المتحرك الذي تمثله الإدراكات المعرفية والحركات التكتيكية، ونظام في المعرفة هو» الثقف» كمجال متحرك يشكل العتبة المبدئية للثقافة، ونظام في الواجب هو» الثقافة» حيث تكون غاية الإنسان في ذاته تبعا لمقولة كانطية يبرر بها الفلسفة الأخلاقية وتكون الثقافة لحظة وسطى بين ثقاف يمدها بالأحكام والقواعد، ونظام الثقف تقوم بضبطه وتنظيمه لدرء تشظيه وتبعثره، وأخيرا نظام التواصل هو «المثاقفة» كمجال في التفاعل بين الثقافات على قاعدة الإمداد المتبادل والإمداد المشترك».
يستثمر المناهج الفينومينولوجية والهيرمينوطيقية، استثمارا يستنطق به المرجعيات المختلفة القديمة والمعاصرة، المنتمية للمنظومة الغربية والمنتمية للمنظومة، أو بعبارة طه عبد الرحمن للمجال التداولي العربي الإسلامي.. ويستثمر تمكنه من عدة لغات لقراءة المصادر في لغاتها الأصلية، وهو ما شحن الكتاب بكثافة معرفية وفلسفية. وتميّز الكتاب أيضا بلغة الكاتب المبدعة، وبحس الكاتب الجمالي واشتغاله على المفردات اشتقاقا ونحتا وتركيبا.
لكن المحوري هو التأسيس فلسفيا للمقاربات المتصلة بالثقافي، تأسيسا ينزاح عن القولبة المختومة باختام ما نعته أركون بالسياج الدوغمائي المغلق، تأسيسا بحوارية تفاعلية بين إرث الإغريق والتصوف الإسلامي والفلسفة الغربية المعاصرة وخصوصا الألمانية.
٭ كاتب جزائري
مقال مهم وممتاز ، تناول التعريف بفيلسوف جزائري واعد دخل الحيّز الفلسفي من باب الثقافي الباحث في عمق الالمفهوم ومجال تداوله والتجليات الممكنة لتشظي السؤال الأهم عن كينونة الكائن وتفاعله مع الذوات الوجودية القابلة للتداول في حيز العقل والاشتغال على المعنى في إطار المفهوم.
شكرا أستاذ محمد بن زيان على العرض والطرح والتحليل..
الجزائر في حاجة إلى مثل هكذا كتب التي تنور العقل
نقد محمد شوقي الزين للعقل الثقافي من خلال رباعية : الثقافة – الثقاف – الثقف – المثاقفة على طريقة الجابري في رباعيته لنقد العقل العربي وعلى التوالي : تكوين العقل العربي – بنية العقل العربي – العقل السباسي العربي – العقل الاخلاقي العربي ، ويكون بذلك محمد شوقي الزين الفيلسوف الجزائري الاول الذي يقدم مقاربة مشروع لنقد العقل الثقافي العربي
رباعية شوقي الزين الثقافية : الثقافة – الثقاف – الثقف – المثاقفة ، هي مقاربة نقدية لرباعية العقل عند الجابري على الترتيب : تكوين العقل العربي – بنية العقل العربي – العقل السياسي العربي – العقل الاخلاقي العربي ، لكن السؤال المطروح ، هل استطاع شوقي الزين ان يقف على مكامن اخفاقات الجابري في تفكيكه للعقل العربي ؟ ، قد تكون اجابتنا عن هذا التساؤل موضوعنا القادم