الجزائر: إعادة انتخاب الرئيس تبون وحضور من أجل فلسطين في مجلس الأمن

محمد سيدمو
حجم الخط
0

شكّل انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون لعهدة رئاسية ثانية، أبرز المحطات السنة المنقضية في الجزائر،خاصة أن رئاسيات هذا العام أحاطت بها تفاصيل وتقلبات كثيرة جعلت تداعياتها مستمرة في الزمن.

الجزائر ـ «القدس العربي»: داهم الموعد الانتخابيّ الجميع في الجزائر، بعد أن تم تسبيقه عن موعده بثلاثة أشهر، بقرار من الرئيس عبد المجيد تبون الذي أعلن في آذار/مارس الماضي عن تنظيم الرئاسيات شهر أيلول/سبتمبر، وهو ما لم يكن منتظرا تماما، ما فتح الباب للكثير من التأويلات والتكهنات حول دوافع القرار. لكن الرئيس في توضيحاته، أكد أن تسبيق الانتخابات، إجراء تقني محض، حيث كانت الانتخابات الرئاسية في العادة تجرى شهر نيسان/أبريل، لكن الظروف التي صاحبت الحراك الشعبي سنة 2019 أدت إلى تنظيمها شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، وهو تاريخ يصادف فصل الشتاء في الجزائر وليس مناسبا للبناء عليه في رئاسيات 2024.

ومن التكهنات المثيرة التي صاحبت قرار تسبيق الرئاسيات، أن الرئيس تبون يكون قد قرر عدم الترشح أصلا لها في سيناريو شبيه بما حدث سنة 1998 عندما استقال الرئيس اليامين زروال واستدعى انتخابات رئاسية مسبقة. غير أن هذا التوقع بدا بعيدا عن الواقع الذي كذّبه، حيث أعلن تبون عن ترشحه لخلافة نفسه، مدعوما بحزام واسع من الأحزاب والمنظمات. كما حظي بدعم واضح من قيادة الجيش التي أكدت في عدة مناسبات أنها مع «الاستمرارية». وبدت إعادة انتخاب الرئيس مسألة محسومة إلى حد بعيد، حتى قبل بدء المنافسة، وهو ما أكدته النتائج التي منحته 84 في المئة من الأصوات، متقدما بفارق كبير عن منافسيه الإثنين عبد العالي حساني شريف عن حركة مجتمع السلم 9.5 في المئة ويوسف أوشيش عن جبهة القوى الاشتراكية 6 في المئة.
ولفترة، لم يكن الحدث هو إعادة انتخاب تبون، بل ما رافق إعلان نتائج الرئاسيات من جدل كبير، بعد احتجاج المرشحين الثلاثة بمن فيهم ممثلو تبون على النتائج التي أعلنها محمد شرفي رئيس السلطة الوطنية للانتخابات، والتي أعطت للرئيس نسبة وصفت بـ«الستالينية» بأكثر من 90 في المئة من الأصوات فيما نال باقي المرشحين الفتات. ولم يكن الإشكال في النسب المعلنة، بقدر ما هو في تباين الأرقام المعلنة مع المحاضر المسلمة لممثلي المرشحين، ما خلق أجواء من البلبلة، دفعت المرشحين الثلاثة لتوقيع بيان يحتجون فيه على النتائج ويصفون ما حدث بالعبث. وبعد طعن المرشحين عبد العالي حساني شريف ويوسف أوشيش أمام المحكمة الدستورية، تغيرت النتائج بشكل كامل، فارتفعت عدد الأصوات التي حصل عليها تبون بينما انخفضت النسبة، في حين ارتفعت نسبة منافسيه مزيلة الحرج الذي صاحب النتائج الأولى.
وقد كان لفوضى النتائج هذه أثر بالغ في الساحة السياسية، إذ دفعت بالكثير من الأحزاب إلى طلب إعادة مراجعة كلية لعمل السلطة الوطنية للانتخابات، التي كانت تقدم إلى وقت قريب على أنها إحدى أكبر ضمانات النزاهة الانتخابية في «الجزائر الجديدة» كونها تمثل بديلا عن الإدارة التي كانت تتهم دائما بالتزوير. ولم يلبث الأمر طويلا، حتى أعلن في الجريدة الرسمية عن إنهاء مهام محمد شرفي، في انتظار ما ستتمخض عنه المطالب المتعلقة بحل السلطة ومراجعة قانون الانتخابات، تحسبا للانتخابات التشريعية التي باتت عدة أحزاب تدعو لأن تكون مسبقة، كون البرلمان الحالي تم انتخابه في فترة توتر شديد، لم تسمح بمشاركة العديد من المكونات الأساسية في الساحة السياسية الجزائرية.
ولعل من أكثر التأويلات التي راجت بعد قرار تسبيق الرئاسيات، أن الرئيس تبون الذي كان على موعد مع زيارة لفرنسا نهاية شهر ايلول/سبتمبر وبداية شهر تشرين الأول/أكتوبر، فضّل أن يحل بباريس في ثوب الرئيس المنتخب بدل الرئيس المترشح، حتى لا تكون هذه الزيارة نقمة عليه فيقال أنه ذهب لباريس في وقت الانتخابات طلبا للتزكية. لكن الواقع لم يصدق هذا ولا ذلك، فالزيارة المقررة لباريس انتكست وتحولت حالة الود التي سادت مؤقتا العلاقات في النص الأول من سنة 2024 إلى أزمة دبلوماسية ثم نفور شديد وصدام في أواخر العام. والسبب أن فرنسا التي ظلت تحتفظ بموقف نوعا ما متوازن من قضية الصحراء الغربية، انحازت فجأة لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية في تموز/يوليو الماضي، وهو ما ترفضه الجزائر التي تدافع عن حق تقرير مصير الصحراويين وفقا لمقررات الأمم المتحدة. وأدى هذا التطور، إلى إعلان الجزائر عن سحب سفيرها من باريس وتقليص تمثيلها الدبلوماسي إلى حده الأدنى. وتحولت الأزمة إلى نوع من الصدام الحاد، بعد أن اتهمت السلطات الجزائرية المخابرات الفرنسية الخارجية، بالقيام بعمليات على أراضيها تستهدف ضرب استقرار البلاد، حيث أعلن في هذا السياق، عن إحباط عملية تجنيد عنصر سابق في داعش مقيم في الجزائر للعمل لصالح المخابرات الفرنسية، كما أعلن عن وقف شحنة أسلحة في ميناء بجاية بمنطقة القبائل، مع انتزاع اعترافات من المتورط بأنها كانت موجهة لتنظيم «الماك» الانفصالي المصنف في الجزائر على أنه تنظيم إرهابي، والذي يحظى معظم قادته بالحماية الفرنسية حيث يتركز نشاطه الرئيسي.
ومع أن هذا الفصل مع المستعمر القديم ينذر بالاستمرار طويلا، إلا أن الدبلوماسية الجزائرية لم تعد أسيرة هذا الملف، خاصة في ظل جلوس البلاد كممثل عن المجموعة العربية وأفريقيا في مقعد غير دائم بمجلس الأمن منذ مطلع سنة 2024، وفي ظرف حساس فرضت فيه القضية الفلسطينية نفسها على الأجندة الدولية بعد عملية طوفان الأقصى. وخلال سنة تمثل نصف مدة ولاية الجزائر، أبلى ممثلو الجزائر بلاء حسنا في الدفاع عن غزة، بقيادة السفير عمار بن جامع، في محاولة لوقف العدوان الصهيوني، لكن هذه الجهود اصطدمت في أكثر من مرة بالفيتو الأمريكي الذي كان يرفض التصويت على مشاريع القرارات الجزائرية بوقف إطلاق النار. وحتى في الحالات التي وقع فيها التصويت بعد مفاوضات شاقة، لم تتوقف العربدة الإسرائيلية التي ضربت عرض الحائط كل القرارات الدولية، ما دفع بالجزائر للمطالبة بإلحاح بضرورة إصلاح مجلس الأمن ووقف الحماية التي تتمتع بها إسرائيل في ارتكاب جرائم الإبادة في حق الفلسطينيين. ولم يخل الحضور في مجلس الأمن، من صدامات أحيانا جمعت الجزائر بدول حليفة وصديقة ستبقى في الذاكرة طويلا، مثل واقعة ممثل روسيا الذي شكك في الأهلية الجنسية للملاكمة الجزائرية إيمان خليف بطلة أولمبياد باريس وضحية تنمر أقوياء العالم من ترمب إلى إيلون ماسك، ما دفع بالسفير الجزائري لتصحيحه بكلمات قوية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية