الجزائر: استمرار بن صالح على رأس الدولة رغم الرفض الشعبي والحراك متواصل 

كمال زايت
حجم الخط
0

 الجزائر-“القدس العربي”: خرج الجزائريون الجمعة الماضية في مظاهرات تحمل الرقم 16 منذ بداية الحراك الشعبي، مظاهرات تأتي بعد انقضاء شهر رمضان، لتؤكد عزم الحراك مواصلة النضال السلمي حتى تحقيق المطالب المرفوعة، ورؤية قاطرة البلاد توضع على السكة الصحيحة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، فالسلطة ما زالت تراهن على حل الأزمة السياسية القائمة بالحد الأدنى من التنازلات، وما زالت مقتنعة أنها يمكن أن تبني الجديد انطلاقا من القديم، بل إنها متيقنة أنها تستطيع مع قليل من الصبر أن تفرض خريطة طريقها.

لا شيء تغير تحت سماء الجزائر، حتى وإن كانت الانتخابات الرئاسية التي يفترض أن تجرى في الرابع من تموز/يوليو الماضي قد أجلت بشكل رسمي، وهو أمر لم يكن مفاجئا لمتتبعي الشأن السياسي، لأن هذه الانتخابات التي راهنت عليها السلطة لتكون مخرجا من الأزمة السياسية القائمة والفراغ المؤسساتي الموجود منذ استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لكن الرفض الشعبي الذي قوبلت به هذه الانتخابات، وعزوف المرشحين عنها، فرض على السلطة الإقرار باستحالة تنظيمها، لكن تأجيل الانتخابات لم يحلحل الأزمة بقدر ما زاد في تعقيدها، لأنه بدا واضحا أن السلطة تفتقر إلى “خطة ب” وليست لها بدائل أخرى، بدليل أن كل ما فعلته هو  ترسيم تأجيل الانتخابات، والعثور على قراءة دستورية لتمديد مهلة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، الذي يفترض أن تنتهي ولايته الرئاسية يوم 9 تموز/يوليو المقبل، والقراءة التي عثر عليها المجلس الدستوري هي أنه ما دامت مهمة رئيس الدولة المؤقت هي تنظيم انتخابات رئاسية وتسليم السلطة إلى رئيس منتخب، وما دامت الانتخابات لم تتم، فإنه سيستمر في منصبه إلى غاية إتمام مهمته، وكما كان متوقعا لم يعلن الرئيس المؤقت عن موعد جديد للانتخابات الرئاسية، بل اكتفى بالقول إن من الضروري تنظيم انتخابات في أقرب فرصة ممكنة.

وأشار بن صالح في خطاب ألقاه إلى ضرورة الحوار للخروج من الأزمة القائمة، داعيا الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية ومن سماهم أصحاب النوايا الطيبة، إلى التحاور بكل حرية حول الطريقة الأنسب لتنظيم انتخابات رئاسية حرة وشفافة ونزيهة، وأنه يجب في مثل هذه الظروف تغليب الحكمة والمصلحة العليا للدولة، دون أن يقدم أي تفاصيل حول هذا الحوار الجديد الذي يدعو إليه، علما أنه سبق وأن حاول تنظيم جلسات حوار انتهت إلى فشل ذريع، بدليل أن معظم الأحزاب والشخصيات السياسية قاطعت جلسات الحوار هذه، وحتى بن صالح نفسه لم يحضر الحوار الذي دعا إليه، ودون أن يقدم أي ضمانات من أجل إقناع عموم الجزائريين بالانخراط في خريطة طريق السلطة.

في اليوم التالي لهذا الخطاب خرج مئات الآلاف من الجزائريين في مظاهرات عارمة للجمعة الـ16 والأولى منذ شهر رمضان، والتي جاءت كرد على خطاب عبد القادر بن صالح، والاقتراحات التي تقدم بها من أجل الخروج من الأزمة، وخلاصة ما جاء في كل مظاهرات هي إصرار الحراك على مطالبه، المتمثلة في ضرورة رحيل رموز نظام الرئيس السابق، وعلى رأسهم رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي وطاقمه الوزاري وكذا ضرورة إسناد تسيير البلاد في المرحلة التي تسبق الانتخابات الرئاسية إلى شخصيات وطنية نزيهة يرضى عنها الحراك الشعبي، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية، كما جددوا رغبتهم في بناء دولة ديمقراطية قوامها القانون تحترم فيها الحقوق والواجبات.

في المقابل تبقى المؤسسة العسكرية متمسكة بموقفها الرافض للذهاب نحو مرحلة انتقالية، والتأكيد على ضرورة اعتماد الحوار كسبيل للخروج من هذه الأزمة، وضرورة تغليب مصلحة الدولة العليا، وجاء هذا الموقف في افتتاحية مجلة “الجيش” لشهر حزيران/يونيو والتي اعتبرت أن “مصلحة الوطن تقتضي في مثل الأزمة المعقدة التي تعيشها بلادنا مثلما أكدته القيادة العليا للجيش منذ البداية انتهاج أسلوب الحوار الجاد والمثمر والبناء للإسراع في إيجاد الحلول الملائمة، التي تجنب بلادنا الدخول في متاهات من شأنها أن تزيد الوضع تعقيدا، وتقطع الطريق نهائيا أمام مرحلة انتقالية، لا يمكن إلا أن تفرز وضعا يصعب التحكم فيه”.

وأكدت على ضرورة وضع آليات دستورية مناسبة للحوار “ويتعين إحاطة الترتيبات ذات الصلة بهذه الخطوة (الحوار) بآلية دستورية مناسبة تتمثل في تشكيل وتنصيب الهيئة المستقلة لتنظيم والإشراف على الانتخابات، بوصفها أداة قانونية تضمن إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة وذات مصداقية تجنب بلادنا الدخول في متاهات يصعب الخروج منها”.

واعتبرت المجلة أنه قد “انكشفت الآن وأكثر من أي وقت مضى النوايا والمخططات الماكرة والتجاوزات الخطيرة لبعض الأطراف، التي تسعى وفق منطق العصابة لتضليل الرأي العام بانتهاجها منحى التيئيس والتشكيك في كل مبادرة وطنية خيرة وجديرة بإيجاد مخرج حقيقي للأزمة التي تمر بها بلادنا، باستغلال غير أخلاقي لأدوات الاتصال والإعلام من يوميات وقنوات، ومن خلال نسج سيناريوهات واهية وبث أكاذيب مسمومة ومعلومات مغلوطة وأخبار مزيفة هدفها الإبقاء على الوضع القائم بل وتأزيمه”.

واعتبرت افتتاحية مجلة “الجيش” لسان حال المؤسسة العسكرية أن هذا الوضع يفرض “أن يتجند الجميع كل في مجال عمله ونطاق مسؤولياته، لاسيما قطاع الإعلام بكافة تفرعاته، قلت، يتجند لخدمة الجزائر، فالإعلام يتعين عليه بأن يكون مرآة عاكسة للمطالب الفعلية والحقيقية للشعب الجزائري، ومطالب بأن يكون لسان صدق لشعبه يقول الحقيقة ويقوم بتبليغ مطالبه دون تشويه أو تزييف أو استغلال أو تسخير لأغراض أخرى غير خدمة الوطن، فالمصالح المادية لا يمكنها إطلاقا أن تكون بديلا للوطن، فهي تزول ويبقى الوطن، وتبقى الجزائر”.

في النهاية القبضة الحديدية مستمرة، فالنظام يخشى أن يضع قدما في المجهول وما زال مصرا على ضرورة العثور على حل وسط في إطار الدستور، تفاديا لأي مغامرات، والشعب الجزائري لا يثق في رموز السلطة السابقة، ولا يريد أن يوكل إليها مهام تنظيم الانتخابات وتسيير البلاد في هذه المرحلة، والطبقة السياسية وخاصة المعارضة، ترفض التحاور مع السلطة أو بالأحرى مع من تفوضهم، وهي في المقابل غير قادرة على التأثير في مسار الأحداث وفي الحراك الشعبي، الذي لم يستطع أن يقدم ممثلين عنه يتحاورون مع السلطة، لأن الحوار من حيث المبدأ هو المخرج من أي أزمة، لكن الإشكال القائم هو من يحاور من وعلى ماذا؟ وما لم يتم حسم هذه الإشكالية ستظل الأزمة السياسية قائمة إلى حين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية