الجزائر- “القدس العربي”:
توقع الوزير والسفير الجزائري السابق عبد العزيز رحابي، استمرار الأزمة الحالية بين الجزائر وباريس إلى غاية الانتخابات الرئاسية المقبلة سنة 2027، مشددا على أن الجزائر لن ترضخ لأية ضغوط. يأتي ذلك، في وقت أثارت معلومات نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية عن حجم الامتيازات العقارية الفرنسية في الجزائر، جدلا واسعا.
ويرى رحابي وهو أكثر الشخصيات التي تستشيرها الأحزاب والمنظمات ووسائل الإعلام حول الشأن الدبلوماسي، أن الأزمة الحالية بين الجزائر وفرنسا سببها الرئيسي استخدام اليمين المتطرف الفرنسي للجزائر كأداة سياسية لكسب الأصوات في الانتخابات المقبلة. في مقابل ذلك، يظهر الرئيس الفرنسي عدم قدرة في التأثير في الأحداث، بسبب عدم تمتعه بالأغلبية التي تسمح له بفرض تصوره وتنازله أمام تهديد قوى المعارضة بإسقاط حكوماته، ما يجعل الأزمة في رأيه تراوح نفسها إلى غاية 2027 موعد الرئاسيات الفرنسية التي قد تفك هذا الوضع.
يرى رحابي أن الأزمة الحالية بين الجزائر وفرنسا سببها الرئيسي استخدام اليمين المتطرف الفرنسي للجزائر كأداة سياسية لكسب الأصوات في الانتخابات المقبلة
ويتمثل استغلال اليمين المتطرف للوضع، وفق المتحدث الذي حضر لقاء لمنظمة أبناء الشهداء، في تسييس ملف الهجرة الجزائرية وتحويله إلى ورقة انتخابية مهمة، حيث تعتبر هذه الأوساط في فرنسا أن التركيز على الجزائر وقضاياها يمثل وسيلة فعّالة لجذب انتباه الرأي العام الفرنسي، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. ويعتبر رحابي أن المواقف التي يبديها اليمين الفرنسي تجاه الجزائر لم تتغير منذ عام 1962، إذ طالما اعتمد هذا التيار على استهداف الجزائر في سياق حملاته السياسية.
وفيما يتعلق بملف الهجرة، يؤكد الوزير السابق أن الجزائر ترفض التهديدات الفرنسية المتمثلة في إرسال قوائم بأسماء أشخاص تعتبرهم فرنسا خطيرين وتطالب بترحيلهم، مشددا على أن القناصلة الجزائريين لن يرضخوا لهذه الضغوط، وأن مهمتهم هي حماية المواطنين الجزائريين وليس تنفيذ تعليمات وزير الداخلية الفرنسي. وأبرز أن الجزائر ترفض أيضًا استقبال أي رعية مبعد لا يحمل وثيقة هوية جزائرية أصلية، ما يعكس إصرارها على حماية سيادتها وكرامة رعاياها.
وفي اعتقاد رحابي، فإن الجزائر قادرة على مواجهة الضغوط الفرنسية بفضل اكتفائها الذاتي وتجاربها السابقة في التعامل مع أزمات مماثلة. وهو يعتقد أيضا، أن فرنسا لا تمتلك أوراق ضغط حقيقية على الجزائر، وأن التلويح بملفات مثل الممتلكات أو جوازات السفر الدبلوماسية لا يغير من الواقع شيئًا. كما أشار إلى أن المخاوف من سحب أوروبا نحو موقف معادٍ للجزائر تبددت بسبب حسابات المصالح بين الدول الأوروبية.
وردا على الادعاءات الفرنسية، اعتبر رحابي أن الجزائر التزمت دائمًا بالاتفاقيات الموقعة مع فرنسا، بما في ذلك اتفاقيات إيفيان المتعلقة بالأمن والدفاع، ويشير إلى أن الجزائر استجابت بشكل محترم لطلبات الترحيل، حيث قبلت 3000 مبعد من أصل 6000 في عام 2024. في المقابل، يقول إن فرنسا ترفض التعاون مع الجزائر في استرجاع الأموال المهربة ولم تتجاوب مع 89 إنابة قضائية صادرة عن القضاء الجزائري، رغم تجاوب دول أخرى مثل إسبانيا وسويسرا وألمانيا.
ومن الأمور اللافتة، وفق السفير السابق، غياب الدبلوماسية الفرنسية في إدارة هذه الأزمة، حيث تسيطر عليها الجهات الإدارية بدلًا من الجهات الدبلوماسية، وهو ما لا يساعد على إيجاد حل حقيقي. كما أن التغطية الإعلامية الكبيرة التي تواكب هذه الأزمة من الجانب الفرنسي تهدف إلى تضخيمها لتحقيق أهداف سياسية داخلية.
استمرار التصعيد الحالي لا يخدم العلاقات بين البلدين، وقد يؤدي إلى قطيعة سياسية ودبلوماسية تامة إذا لم يتم تدارك الأمور
ورغم كل هذه المعطيات، يرى رحابي أن الأزمة الحالية ليست الأخطر في تاريخ العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ الاستقلال، بل إن هناك أزمات سابقة كانت أشد تأثيرًا، مثل أزمة تأميم المحروقات في 1971 والأزمة التي تلتها في السبعينات، بالإضافة إلى رفض الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك لقاء الرئيس اليمين زروال في نيويورك في تسعينات القرن الماضي.
ويخلص في تحليله إلى أن استمرار التصعيد الحالي لا يخدم العلاقات بين البلدين، وقد يؤدي إلى قطيعة سياسية ودبلوماسية تامة إذا لم يتم تدارك الأمور. وأكد من جانب آخر، على ضرورة ممارسة النقد الذاتي في الجزائر لبعض السياسات المعتمدة تجاه فرنسا، مع الإشارة إلى أن الجزائر بحاجة إلى إصلاح عميق في قطاع الإعلام، خصوصًا السمعي البصري، لإيصال صوتها إلى الخارج والتأثير في الجالية الجزائرية بشكل إيجابي.
ويتزامن حديث رحابي عن عدم تأثير الضغوط في الجانب الجزائري، مع مقال بصيغة التحدي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية بعنوان “كفى من النفاق الدبلوماسي”، كشف حجم الامتيازات الفرنسية غير المعلنة في الجزائر، ردا على ما يقول سياسيون في باريس حول أن الجزائر تستفيد من المساعدات والامتيازات الجزائرية.
وورد في المقال أن الجزائر استدعت السفير الفرنسي لديها، ستيفان روماتي، مرة أخرى، لمناقشة ملف العقارات التي وضعتها الجزائر تحت تصرف فرنسا، وذلك في سياق الأزمة الدبلوماسية بين الطرفين، علما أن ذات السفير استدعي في الأيام الأخيرة، لإبلاغه احتجاج الجزائر على مناورات تعتزم فرنسا تنفيذها مع المغرب قرب الحدود الجزائرية تحت مسمى “شرقي 2025”.
ولقي مقال وكالة الأنباء الجزائرية تفاعلا واسعا، إذ كشف لأول مرة دلائل تدعم التصور العام عن النفوذ الفرنسي في الجزائر. وطالب كثير من المعلقين، بعدم الاكتفاء بكشف هذه الحقائق والتحرك لمعاملة الفرنسيين بالمثل، في كل ما يتعلق بالمسائل السيادية.
التجارب النووية استمرت عشر سنوات بعد الإستقلال. والآن يظهر أن فرنسا لازالت تملك عددا مهما من العقارات الإستراتيجية وهي في ملك الدولة الفرنسية