الجزائر – «القدس العربي»: تعرف العلاقات الجزائرية الإيطالية تقارباً غير مسبوق منذ نحو سنتين، ميزته الزيارات المتتالية لكبار المسؤولين الإيطاليين، التي توجت أمس بقدوم رئيس الوزراء ماريو دراغي الذي يمثل أعلى سلطة تنفيذية في بلاده، للتوقيع على مشاريع مشتركة. وتخيم على هذه الزيارة بالنسبة لإيطاليا ظلال الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الغاز المنجرة عنها، أما الجزائر فتسعى لبناء تحالف قوي مع روما بعد أزماتها الدبلوماسية الأخيرة مع دول أوربية.
حظيت زيارة دراغي إلى الجزائر باحتفاء كبير في الإعلام الرسمي وتأكيد على قوة العلاقات بين الجزائر وروما، حيث باتت تمثل إيطاليا أهم شريك أوروبي للجزائر على الإطلاق، ليس فقط في المجالات الاقتصادية التقليدية بل أيضاً على صعيد التعاون الاستراتيجي في المسائل الدبلوماسية والأمنية. ولعّل ما زاد في توطيد العلاقة، الأحداث الدولية الراهنة التي جعلت البلدين أكثر حاجة لبعضهما، فالغاز الجزائري زادت أهميته للإيطاليين بعد الحرب الروسية، بينما تحولت مكانة إيطاليا كقوة أوربية إلى سند للجزائر الباحثة عن تطوير اقتصادها والدفاع عن مصالحها في علاقاتها مع الاتحاد الأوربي.
وتأتي زيارة دراغي في توقيت حساس إقليمياً بالنسبة للجزائر. فقبل أسبوع، كان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في المغرب من أجل ترسيم تحول موقف بلاده من قضية الصحراء الغربية، وهو ما فجر قبل ذلك أزمة دبلوماسية حادة بين الجزائر ومدريد. وهذا الواقع بكل تفاعلاته، أدى بالجزائر إلى إعادة صياغة علاقاتها مع شريكيها الأوروبيين الأكثر قرباً، فقررت انتهاج سياسة ضغط على مدريد في مقابل منح تفضيل واضح لروما، وهو ما استوعبه الإيطاليون بسرعة بدليل الوفود المهمة التي زارت الجزائر في الأيام الأخيرة، خاصة في مجال النفط والغاز، وصولاً إلى الإعلان عن مجيء رئيس الوزراء.
وكان مما أعلنت عنه الجزائر في هذا السياق على لسان مدير شركة سوناطراك للنفط والغاز، أن الجزائر مستعدة لرفع إمداداتها لأوروبا حيث تتوفر حالياً، حسب المسؤول، على بعض المليارات من الأمتار المكعبة الإضافية، ويمكنها أن تضاعف قدراتها في غضون أربع سنوات، مما ينبئ بآفاق واعدة مع الزبائن الأوروبيين». وهذا المشروع الجزائري لزيادة الإمدادات سيصب حتماً في مصلحة إيطاليا التي يربطها أنبوب غاز مع الجزائر وبأسعار تفضيلية، بينما لا يستبعد، وفق مدير سوناطراك، مراجعة الأسعار مع الزبون الإسباني المتضرر أصلاً من نقص الإمدادات بعد قرار الجزائر توقيف الأنبوب المار على المغرب إثر تدهور العلاقات بينهما.
وتشبه زيارة دراغي في سياقها وتوقيتها، قدوم الرئيس الإيطالي سارجيو ماتاريلا إلى الجزائر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. فقد كانت تعيش الجزائر وقتها أزمة دبلوماسية مع فرنسا بعد تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون التي أطلق فيها أوصافاً غير معهودة على النظام الجزائري والرئيس عبد المجيد تبون، وتحدث بشكل مسيء عن التاريخ الجزائري قبل الاستعمار الفرنسي، الأمر الذي دفع بالجزائر لسحب سفيرها ومنع الطائرات الفرنسية من التحليق على أجوائها وإعلان شبه قطيعة مع باريس في كل المجالات. وذهبت معظم القراءات في تلك الفترة، إلى القول بأن الجزائر تريد إعادة بناء علاقاتها مع دول الضفة الشمالية للمتوسط، من خلال تقديم إيطاليا على فرنسا في مجالات التعاون. وعكس العلاقات الجزائرية الفرنسية التي تثقلها أعباء الماضي الأليم بين البلدين، ظلت إيطاليا في عرف الدبلوماسية الجزائرية بلداً مؤتمناً يمكن الوثوق به. ولهذا الأمر أسباب، لخصها الرئيس تبون خلال استقبال نظيره الإيطالي بالقول: «أؤكد على الصداقة القوية والمتينة بين الجزائر وإيطاليا والعلاقات ليست وليدة اليوم بل قديمة واستقوت أثناء ثورة التحرير وكذلك في العشرية السوداء، وبالتقريب البلد الوحيد الذي وقف مع الجزائر هي إيطاليا». وفي الجزائر، يتم عادة تقييم عمق العلاقات مع الدول، بمدى الإيمان بالقضية الجزائرية خلال ثورة التحرير وأيضاً مدى الوقوف مع البلاد خلال الأزمة الأمنية، وهي السنوات التي امتنعت فيها دول عن بيع السلاح للجزائر وانخرط بعضها في حملة تشكيك حول حقيقة ما يحدث في البلاد.
وحالياً، تتعدد أوجه التعاون بين الجزائر وإيطاليا اللتين تقيمان حواراً استراتيجياً حول المسائل السياسية والأمنية ومكافحة الإرهاب، حيث توجد مجموعتا عمل حول هذا الموضوع بين البلدين. كما يوجد تعاون في مسائل مكافحة الهجرة غير الشرعية، التي تعد إيطاليا من أكثر الدول تعرضاً لها في المتوسط بعد الأزمة الليبية. وأهم ما يجمع البلدان، هو الاتفاق على الحل السياسي للأزمة الليبية، حيث سبق للرئيس تبون أن صرح أن الجزائر تتطابق وجهة نظرها تماماً مع إيطاليا حول ليبيا.
وفي المجال الاقتصادي، تزود الجزائر عبر أنبوب الغاز العابر للمتوسط «ترانسميد» الذي يصل إيطاليا عبر تونس، بـ 32 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. وتم تجديد عقد بيع الغاز بين البلدين في مايو/أيار 2019 لتزويد السوق الإيطالية لمدة 8 سنوات حتى سنة 2027، بالإضافة إلى سنتين اختياريتين إضافيتين.
وتعتبر شركة إيني الإيطالية من أهم مستثمري الطاقة في الجزائر، حيث وقعت في نهاية 2021 على عقد استثمار بـ 1.4 مليار دولار، لإنتاج 45 ألف برميل/يومياً، وعلى اتفاق استراتيجي في مجال الطاقات المتجددة. وتقيم إيني بالشراكة مع سوناطراك 12 مشروعاً في التنقيب وإنتاج المحروقات. لكن هذه العلاقة عرفت بعض التأثر قبل نحو 10 سنوات بعد الكشف عن فضائح فساد في عقود جمعت سوناطراك مع شركة سايبام الإيطالية وهي أحد فروع إيني، وعالج القضاء الإيطالي ملف رشاوى ضخمة تتعلق بعقود بناء أنبوب غاز في الجزائر، بينما أطلق على القضية فضيحة سوناطراك 2 في الجزائر والتي اتهم فيها وزير الطاقة السابق شكيب خليل المطلوب دولياً من القضاء الجزائري.
وعموماً، يبلغ حجم المبادلات التجارية بين الجزائر وايطاليا حوالي 6 مليار دولار (تقديرات 2020) منها 3.5 مليار دولار صادرات جزائرية نحو إيطاليا أغلبها مواد طاقوية، و2.42 مليار دولار واردات من هذا البلد خــاصة من التجهيزات.
اخ كريم ابن اخ كريم
مبروك إيطاليا الفوز بالغاز بثمن رخيص