الجزائر: سقوط الحيتان الكبيرة وهبوب رياح اطمئنان على الحراك

كمال زايت
حجم الخط
2

الجزائر-“القدس العربي”:أسبوع تاريخي عرفته الجزائر بأن رأت كبار المسؤولين الذين طالما تعسفوا في حق الشعب وطالما استخفوا به واحتقروه وتلاعبوا بمقدراته وثرواته ومستقبله ومصيره يدخلون سجن الحراش، وسط هتافات من تجمعوا أمام مقر السجن وحتى من نزلائه الذين وإن كانوا وراء القضبان.

دخلت حملة تقليم رؤوس الفساد والإفساد مرحلة مهمة هذا الأسبوع، بعد أن كان الملل قد بدأ يضرب متابعي العملية القضائية التي تحركت عجلتها قبل أشهر، والتي لم تسلم من التشكيك ومن السخرية أيضا، ففي وقت أول قيل إن توقيف بعض رجال المال والأعمال مثل علي حداد الرئيس السابق لمنتدى رؤساء المؤسسات، مجرد ذر للرماد في العيون، ما لم يتم توقيف “رأس العصابة” السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، والرجل القوي في نظام بوتفليقة بداية من العام 2013 أي منذ إصابة شقيقه الرئيس بجلطة دماغية ألزمته الفراش، وجعلت منه رئيسا صوريا يحكم ولا يملك، يقرر باسمه، ولا يظهر في الواجهة لتأكيد أنه الحاكم بأمره، وبعد أن تم توقيف السعيد بوتفليقة، والفريق محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق الذي كان يوصف بـ”رب الجزائر” والآمر الناهي، صانع الرؤساء والوزراء وكبار المسؤولين، ومعهما اللواء عثمان طرطاق وهما القائدان السابقان لجهاز الاستخبارات، ورغم ذلك شكك الكثيرون في صدقية المسعى واعتبروا أن توقيف هؤلاء جاء على خلفية اتهامهم بالتآمر على الدولة والتآمر ضد قائد تشكيلة عسكرية، وليس في إطار قضية فساد، وحتى لما تم توقيف رجال أعمال آخرين ظل البعض يؤكد أنه ما لم يتم توقيف أولئك الذين وفروا الدعم والحماية لهؤلاء الذين تغولوا ونهبوا المال العام بلا رقيب ولا حسيب.

نقطة التحول كانت استدعاء رجل الأعمال محي الدين طحكوت ونجله وشقيقيه للتحقيق، ومعهم عدد كبير من الموظفين والكوادر في إدارات مختلفة كانت تتعامل مع مجموعة شركات طحكوت، وقد استغرق التحقيق في فضائح فساد هذا “الإمبراطور” ومن معه نصف يوم وليلة كاملة، قبل أن يصدر قاضي التحقيق قراره بحبس رجل الأعمال طحكوت ونجله وشقيقيه، وتحويل ملف رئيس وزراء سابق ووزير سابق إلى المحكمة العليا، وفهم من ذلك أن الأمور ستتسارع، ولم يتأخر الجواب كثيرا، إذ وجهت المحكمة العليا استدعاءات لمسؤولين كبار بداية بأحمد أويحيى رئيس الحكومة والوزراء السابق، ورجل كل المهمات، وأكثر السياسيين الذين يمقتهم الشارع الجزائري، استدعاء على خلفية قضايا فساد.

لقاء مع القدر!

قبل سنوات كان أويحيى ضيفا في برنامج يبثه التلفزيون الحكومي، علما أن “سي أحمد” (كما كان يلقب) كان يتفادى إجراء المقابلات الصحافية لأنه لا يجيد الجدال بقدر ما يتحكم في المونولوغ وفي سرد الأرقام التي يعطيها المعنى الذي يريد، خلال البرنامج سئل أويحيى عما إذا كان يحلم بأن يكون رئيسا أجاب وهو يبتسم أن الرئاسة هي لقاء رجل مع قدره، وهو سؤال عادة يأخذه أويحيى بالكثير من الريبة، ويعتبر صاحبه ذا نية مبيتة وأنه مرسل من أشخاص ليسوا “ظرفاء”. فالرجل كان مقتنعا أن دوره آت، وأن الذين كانوا يصفونه برجل دولة، والذين كانوا ينظرون إليه كخادم وفي سيفتحون أمامه قصر الرئاسة، لأن الرئيس بوتفليقة كان يزحف نحو نهاية ولايته الثالثة، بعد أن اغتصب الدستور للبقاء لفترة رئاسية إضافية، ووضعه الصحي لم يكن جيدا، وظن أويحيى (والظن أثم كبير في هذه الحالات) أن ساعته قد دقت، لكن الذي وقع هو أن بوتفليقة زاد مرضا، بعد أن أصيب بجلطة دماغية، ولكنه قرر الترشح بتشجيع من محيطه (العائلة والمنتفعون) لولاية رابعة، وقبل ذلك كانوا قد أبعدوا أويحيى من الحكومة التي كان يقودها، ومن الحزب الذي كان يرأسه، غير أنهم اضطروا إلى طلب خدماته مجددا للمشاركة في الحملة الانتخابية لانتخابات 2014 ومنح مقابل ذلك منصب أمين عام الرئاسة، ولقب وزير دولة، وأعيد إلى رئاسة حزب التجمع الديمقراطي، وبعدها بسنوات قليلة عاد ليرأس الحكومة بعد أن تمت إقالة عبد المجيد تبون في إطار صراع غامض لم تتكشف كل أسراره.

أويحيى في المخيال الجماعي للجزائريين هو أسوأ مثال للمسؤول والسياسي، وهو المسؤول عن كل مآسي الجزائريين منذ 1995 وكل القرارات السيئة التي اتخذت في حق المواطنين كان وراءها أويحيى، لذا فإن شعور ملايين الجزائريين بإيداعه الحبس المؤقت من طرف المستشار المحقق لدى المحكمة العليا كان مزيجا من الفرح والتشفي، وحتى نزلاء سجن الحراش لم يتمالكوا أنفسهم من الفرح وهم يسمعون خبر تحول أويحيى إلى “زميل زنزانة” هذا الذي طالما تعامل مع الجزائريين بعجرفة وبتعال، صاحب جملة “جوع كلبك يتبعك” كان قدره زنزانة دخلها تحت وابل من الشتائم واللعنات، بعد جلسة استجواب مع المستشار المحقق لدى المحكمة العليا دامت قرابة ثلاث ساعات.

في اليوم التالي لحبس طحكوت ومن معه، قررت المحكمة العليا استدعاء عبد المالك سلال رئيس الوزراء الأسبق ومقت الجزائريين له لا يقل عن مقتهم لأويحيى، وهو وإن كان ابن نكتة، إلا أن ذلك لا ينفي أنه كان خادم “العصابة” الوفي لسنوات طويلة، وأنه تحدث عن قمع المتظاهرين في المظاهرات الرافضة للولاية الخامسة، وحتى عن إطلاق حرسه الخاص النار عليهم إن حاولوا الاقتراب من موكبه، كل هذا وأكثر في محادثة مسربة جرت بينه وبين علي حداد رجل الأعمال وصديق السعيد بوتفليقة، الموجود في السجن هو كذلك، وفي اليوم ذاته التحق بهما في السجن عمارة بن يونس، الوزير السابق الذي شتم آباء الجزائريين إذا لم يكونوا من مؤيدي الرئيس بوتفليقة في الولاية الرابعة.

صحيح أن الحراك مستمر، وأن الجزائريين نزلوا إلى الشارع في الجمعة الـ17 من أجل التظاهر والإبقاء على الحراك مستمرا، والمطالب المرفوعة ما زالت قائمة، خاصة ما تعلق بضرورة رحيل الباءات الثلاث، وفي مقدمتهم رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، لكن الزج بالحيتان الكبيرة في السجن أرسل ريحا من الاطمئنان على الشارع الجزائري، حتى وإن كان البعض ما زال متحفظا والبعض الآخر مشككا، لكن رؤية أويحيى في السجن كان حلما بالنسبة لملايين الجزائريين، وها هو اليوم يتحقق.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ياسين:

    ما دام العسكر ممسكون بزمام السلطة فلا شيء تغير

  2. يقول سامي السويد:

    السيد الكاتب الصحفي…اراك الوحيد متفائلا…رغم انك تعي جيدا ان النظام و الدولة العميقة مستعدة لقطع بعض الاذرع مثل الأخطبوط..لكنها ان لم تسلم السلطة الى الشعب و المدنيين..ستنبت من جديد..و تعود ريمة الى عادتها القديمة!! مادتمت الراس المدبرة لم تحيد كليا!! اي جنرالات العسكر…
    و لنا في التظام المصري…القامع للحربات اكبر مثل..حوكم مبارك و ازلامه..في البداية خصوصا إعلاميا..ثم اطلق صراحم…بعد سقوط خرارة الشارع…..لكي رب يحميكي يا جزائر..

اشترك في قائمتنا البريدية