الجزائر: سنة المفاجآت والإقالات وأبواب مفتوحة على المجهول

كمال زايت
حجم الخط
0

الجزائر-“القدس العربي”: شهدت سنة 2018 أحداثا كثيرة يصعب الإقتناع أنها مرت في 12 شهرا فقط، بالنظر إلى حجم ما وقع من مفاجآت وما خلفته السنة من تساؤلات وألغاز، والأكيد أنها تختتم على وقع ضبابية وغموض كبيرين يفتحان أبواب المجهول على بلد يحبس أنفاسه تحسبا لما قد يحدث في أي لحظة، خاصة وأن السنة المقبلة ستكون صعبة وما بعدها ستكون أكثر قساوة بالنسبة للجزائريين.

القضية الأكبر التي شهدها العام هي فضيحة الـ701 كيلوغرام من الكوكايين التي تم ضبطها في عرض ميناء وهران، وهي قضية بدت منذ البداية غير عادية، والتطورات التي حدثت بعد ذلك تؤكد هذا الكلام.

كل شيء بدأ عندما أذاع التلفزيون الحكومي يوم 29 أيار/مايو الماضي خبرا في نشرته الرئيسية عن إفشال قوات البحرية التابعة للجيش لعملية تهريب 701 كيلوغرام من مادة الكوكايين، فالكمية الكبيرة من هذه المادة المخدرة، وتدخل الجيش في عرض البحر، خلفا تساؤلات عن مدبري العملية، خاصة وأن معلومات تم تسريبها منذ البداية تقول إن الكشف عن القضية سيطيح برؤوس في السلطة. أياما قليلة بعد ذلك تم الإعلان عن توقيف المتهم الرئيسي، وهو كمال شيخي المعروف باسم “كمال البوشي” (الجزار) وهو تاجر لحم بسيط تحول في فترة قصيرة إلى أكبر مستوردي اللحوم وصاحب مشاريع عقارية ضخمة، والأهم أنه كان يتمتع بنفوذ كبير.

التحقيقات المبدئية تسربت أجزاء منها إلى الصحافة، خاصة ما تعلق بتورط أسماء كبيرة وثقيلة مع “البوشي” وأهم شيء تم الإعلان عنه هو أن المتهم الرئيسي كان يصور كل مقابلاته وزواره صوتا وصورة، في الوقت نفسه شرعت قيادة الجيش في سلسلة إقالات شملت كبار الجنرالات، والذين قيل إنهم على علاقة مع المتهم الرئيسي، ولكن الإقالة الأكثر إثارة للتساؤلات كانت تلك التي عصفت باللواء عبد الغني هامل مدير الأمن العام السابق، الذي كان يعتبر من أركان النظام.

وكانت بداية النهاية بالنسبة للواء هامل هي توقيف سائقه الخاص في إطار التحقيقات، لتصدر المديرية العامة للأمن بيانا تقول فيه إن المشتبه به ليس سائقا خاصا باللواء بل هو سائق في الأمن العام، لكن الحقيقة هي أنه سائقه الخاص، عمل معه لما كان مسؤولا عن جهاز الدرك، ولم يتأخر رد فعل هامل إذ خرج بتصريح أمام الصحافة أكد فيه أن التحقيقات المبدئية شهدت تجاوزات، وأن ثقته في نزاهة القضاة كبيرة، وأن لديه ملفات سيسلمها إلى القضاء، قبل أن يطلق تلك الجملة القاتلة: “الذي يريد أن يحارب الفساد يجب أن يكون نظيفا” وهي رسالة مشفرة أرسلها إلى من يهمه الأمر، إما للتهديد بها كآخر ورقة، أو لإدراكه أنه انتهى وما عليه إلا إطلاق رصاصة الرحمة على نفسه، ولم تمر سوى ساعات قليلة حتى أعلنت إقالة اللواء هامل.

التغييرات داخل الجيش تواصلت وشملت ألوية وعمداء كانوا يمسكون بمناصب حساسة، لكن قيادة المؤسسة العسكرية اعتبرت التغييرات عادية وتدخل في إطار التداول على المسؤوليات، لكن بعد ذلك بأسابيع تم الإعلان عن حبس خمسة ألوية والتحقيق معهم بشبهة فساد، وبعد عدة أسابيع نشرت الصحافة خبر الإفراج عن الألوية الخمسة، وبعدها بأيام قالت إن جوازات السفر أعيدت إليهم، دون تفاصيل عن سبب حبسهم ولا الإفراج عنهم، والقضية وتداعياتها ما تزال كتابا مفتوحا.

السنة شهدت أحداثا سياسية أخرى غير مفهومة، وفي مقدمتها إقالة رئيس مجلس الشعب السعيد بوحجة، الذي ظهر له خصوم من حزبه ومن أحزاب الموالاة الأخرى، التي اتهمته بسوء التسيير، وطالبت برحيله، واللافت أن الخصوم كانوا يتحركون ويعطون الانطباع أنهم يحملون تكليفا من الرئاسة، وهذا ما قالوه لبوحجة، الذي فاجئ الجميع برفض الاستقالة، مع تأكيده أن الرئيس هو من عينه (يفترض أنه منتخب) وأنه لن يستقيل إلا إذا طلب منه ذلك. واستمر الصراع بين الطرفين إلى ثلاثة أسابيع إلى غاية أن قرر خصوم بوحجة اللجوء إلى التصعيد، وغلق أبواب البرلمان بقفل وسلاسل حديدية، ثم إعلان حالة شغور طعن فيها الكثير من رجال القانون، لكن خصوم بوحجة فرضوا منطقهم، واختاروا معاذ بوشارب رئيسا جديدا للمجلس.

بعد أيام فقط من إسدال الستار عن مسلسل بوحجة غادر جمال ولد عباس فجأة الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني، وسط تضارب في المعلومات بين من يقول إنه استقال بعد تلقي الأمر بالانسحاب، فيما قالت القيادة إنه لم يستقل، بل ركن إلى الراحة، لكن وكالة الأنباء الرسمية أكدت أنه استقال، ووقع هرج ومرج بخصوص الاستقالة من عدمها، إلى درجة أن أحد أعضاء المكتب السياسي تحدى وكالة الأنباء أن تكشف عن مصدرها الرسمي الذي قال لها إن ولد عباس استقال، وبعد أيام تم تعيين معاذ بوشارب “اللغز” على رأس الحزب مؤقتا، لكنه شرع في استقبال كل القيادات المنشقة أو المبعدة، بما في ذلك عبد العزيز بلخادم الأمين العام الأسبق الذي صدر قرار من الرئاسة بإنهاء مساره السياسي في 2014 وسط تساؤلات عن خلفية عملية لم الشمل التي يقوم بها بوشارب، وحقيقة الدور الذي كلف به هذا القادم من المجهول والذي احتل الواجهة فجأة.

وفي خضم الغموض ومنطق “كل شيء ممكن” فتح وزير العدل الطيب لوح، النار على رئيس الوزراء أحمد أويحيى، متهما إياه بأنه كان وراء سجن الآلاف من الكوادر المسيرة للشركات الحكومية، وسارع حزب رئيس الوزراء للرد على النيران الصديقة، ونشرت صحيفة خبرا مفاده أن لوح اعتذر لرئيسه المباشر، لكن الأغرب هو أن وزارة العدل أصدرت بيانا رسميا ينفي أن يكون الوزير قد اعتذر لرئيس الوزراء!

الأشهر القليلة من السنة خيم عليها غموض شديد، فالأحزاب التي نادت بترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى ولاية خامسة، ورفعت شعار الاستمرارية، بدأت تتراجع خطوات إلى الخلف، في الوقت نفسه الذي بدأت ترتفع أصوات تطالب بتأجيل الانتخابات الرئاسية، وأخرى لا تعارض الفكرة، وهو ما يفهم منه أنه تمهيد لتمديد الولاية الرئاسية الحالية، إما لأن الوضع الصحي للرئيس لا يسمح له بالبقاء في الحكم لخمس سنوات أخرى، أو لأن الجماعة الحاكمة لم تستطع التوصل إلى اتفاق بشأن خليفة بوتفليقة، ورغم أنه من الناحية القانونية لا توجد إمكانية لتأجيل الانتخابات إلا في حالة الحرب، غير أن الدستور في مثل هذه الحالات هو آخر الاهتمامات، لأن البحث عن أرضية سياسية هو الأهم بعد ذلك يأتي الإخراج القانوني!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية