حصلت خلال الأسبوع الماضي عدد كبير من التطورات التي سيكون لها أثر كبير على مستقبل منطقة الساحل جنوب الصحراء، أولا، ثم مستقبل المنطقة المغاربية، وبالتحديد ليبيا، وستكون لها كلفة سياسية وأمنية على الجزائر بوجه أخص.
التطور الأول، هو نقل الجيش السوري لعتاده العسكري المتطور (أنظمة دفاع جوي وأسلحة جد متطورة) من سوريا إلى ليبيا، بعد سقوط نظام الأسد.
التطور الثاني، هو لقاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (19 ديسمبر) بالممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ونائب وزير الدفاع الروسي إيونوس بيك إيفيكوروف.
التطور الثالث، هو اجتماع الفرقاء الليبيين برعاية مغربية بمدينة بوزنقة، واتفاقهم على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية بناء على المادة الرابعة من الاتفاق السياسي الليبي المعتمد في قرار مجلس الأمن 2259 لسنة 2015، وتشكيل لجنة عمل مشتركة بشأن إعادة تكليف سلطة تنفيذية جديدة.
التطور الرابع، وهو زيارة الرئيس الموريتاني الغزواني للمغرب، ولقاؤه بالملك، وصدور بلاغ من الديوان الملكي يتحدث عن اتفاق على انخراط موريتانيا في مشروع أنبوب الغاز النجيري المغربي والمبادرة الأطلسية التي أطلقها المغرب لتمكين دول الساحل جنوب الصحراء من الولوج إلى المحيط الأطلسي.
التطور الخامس، وهو انطلاق حراك جزائري في العالم الافتراضي بوسم «مانش راضي» (لست راضيا) يعبر عن حالة عدم الرضا على الأوضاع الاجتماعية واستياء عميق من السياسات العمومية، ورد الرئيس الجزائري عليه بعنف، حين قال بأن الجزائر لا يمكن افتراسها بـ«هاشتاغ» في إشارة منه إلى أن هذا الحراك موجه بأياد أجنبية.
قد تبدو هذه التطورات منفصلة بعضها عن بعض، لكن الأبعاد الاستراتيجية في المنطقة تحكم بأنها أكثر اتصالا، فالجزائر التي فقدت حليفا عربيا طالما اشتغلت بقوة على إعادته إلى الجامعة العربية (نظام الأسد) أصبحت رغم بعدها الجغرافي عنه، مجبرة على مواجهة تبعات هذا السقوط، ودفع ثمنه من أمنها القومي، فروسيا التي أجبرت على تخفيف وجودها العسكري في ليبيا، لم تجد مكانا لتقوية مواقعها في مواجهة الناتو سوى ليبيا باعتبارها جسرا أساسيا لنقل السلاح والعتاد العسكري المتطور إلى منطقة الساحل جنوب الصحراء، وهو الأمر الذي أزعج الجزائر، خاصة وأن حساباتها مختلفة تماما مع حسابات روسيا في ليبيا وأيضا في منطقة الساحل جنب الصحراء، فموسكو، تقدم الدعم للجنرال حفتر في ليبيا، والجزائر تنظر إلى هذا الجنرال وتحركات قواته على مشارف الحدود الجزائرية الشرقية على أساس أنها تشكل تهديدا قويا لأمنها القومي، كما أن موسكو تقدم الدعم العسكري للسلطات في مالي وتقوي مجموعة فاغنر التي تقاتل معها ضدا على قبائل الأزواد التي تدعمها الجزائر، مما يشكل تهديدا إضافيا للأمن القومي الجزائري.
حصلت خلال الأسبوع الماضي عدد كبير من التطورات التي سيكون لها أثر كبير على مستقبل منطقة الساحل جنوب الصحراء، أولا ثم مستقبل المنطقة المغاربية، وبالتحديد ليبيا، وستكون لها كلفة سياسية وأمنية على الجزائر
الرئاسة الجزائرية لم تكشف عن فحوى المباحثات التي جرت بينها وبين ممثلي الجانبين بالممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ونائب وزير الدفاع الروسي إيونوس بيك إيفيكوروف، لكن الأغلب أن المضمون لم يكن بعيدا عن محاولة احتواء الخلاف في استراتيجية كل من البلدين (إعادة الحديث عن الشراكة الاستراتيجية الاستثنائية) ومحاولة إقناع روسيا عبر الاستجابة لصفقات سلاح جديدة، بمراعاة مصالح الجزائر وأمنها القومي من جهة حدودها في الشرق والجنوب، ولعل هذا ما يفسر بدرجة كبيرة، لجوء الرئيس عبد المجيد تبون في الآونة الأخيرة إلى الإشادة بالجيش وعقيدته، وقدراته في مواجهة التحديات، بما في ذلك ما تعتبره الجزائر أجندات أجنبية تحاول تحريك الداخل ضد السلطة القائمة على خلفية معاناة اجتماعية واقتصادية.
لكن يبقى التطور الأكثر دلالة على مستقبل المنطقة، هو ما يتعلق بالعلاقات المغربية الموريتانية، وما صدر عن زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني للرباط ولقائه بالملك محمد السادس من اجل عيادته في مرضه، إذ صدر بلاغ من الديوان الملكي وبلاغ صادر من الرئاسة الموريتانية.
بلاغ الديوان الملكي، يتحدث عن تأكيد الطرفين على حرصهما على تطوير مشاريع استراتيجية للرباط بين البلدين الجارين، وكذا تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الإفريقي ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي.
الجانب الجزائري، توقف عن التعليق على هذا البلاغ، لكن وسائل إعلام جزائرية وأخرى قريبة من جبهة البوليساريو اتهمت الرباط بممارسة التضليل، وأن زيارة الرئيس الموريتاني، لم تتعد سقف المعايدة الأخوية، ولم تتضمن أي التزام بإزاء مشاريع استراتيجية يتطلع المغرب إلى تحقيقها.
الرئاسة الموريتانية، لم تنف أو ترد على مضمون بلاغ الديوان الملكي، بل أكدته بشكل مجمل، حين تحدث بلاغ المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية الموريتانية عن أن لقاء الرئيس الموريتاني بالعاهل المغربي، كان «فرصة لاستعراض سبل تعزيز العلاقات بين البلدين، من خلال مشاريع جديدة تعزز التبادل والتكامل بين البلدين».
لحد الساعة لم تعلق الجزائر رسميا على الحدث، ومن المؤكد أنها لمست فيما ترتب عنه، سواء بلغة بلاغ الديوان الملكي، أو حتى بلغة المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية الموريتانية، أن نواكشوط أصبحت تسبح مع الرباط في مياه مشتركة، وأن مشروعا «مغربيا عربيا بدون مغرب» قد فشل بالمطلق، وأنها أضحت محاصرة اليوم جيوستراتيجيا، من كل جانب، ومن كل حدودها، وأن الجهة التي بقيت لها مؤمنة مؤقتا هي تونس قيس السعيد، وذلك بعد أن توترت علاقتها مع مالي والنيجر (الجنوب) وقطعت علاقتها الدبلوماسية مع المغرب (الغرب) وأضحت متوجسة من تحركات الجنرال حفتر في شرق ليبيا (الشرق) ودخلت في تصعيد دبلوماسي مع كل من مدريد وباريس.
التحرك المغربي النشط لدعم الفرقاء الليبيين على كسر الجمود وتحريك ما تبقى من الاستحقاقات، أي العملية السياسية التي ستفرز المؤسسات السياسية التي ستقود البلاد، أزعج الجزائر، فاندفعت إلى تحريك جناح الدبيبة/ المنفي، للاحتجاج لدى وزارة الخارجية المغربية بحجة استدعاء أطراف دون أخرى، في إشارة إلى استدعاء المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب دون حكومة الوحدة الوطنية، في حين رد المجلس الرئاسي على بيان «خارجية» الدبيبة، بوصفه بالجهل المركب، وكيف يسوغ لحكومة منتهية ولايتها التدخل في اجتماع بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب معتبرا المجلس جهة تشريعية مستقلة، ينشئ السلطة التنفيذية ولا يقع تحت سلطتها.
من الواضح، حسب تحليل وتركيب هذه التطورات، أن الجزائر تقف اليوم في مفترق طرق، وتعاني بوجه خاص من ضيق الخيارات، إذ فشلت دبلوماسيتها في التفاعل مع التحولات الجيوستراتيجية التي تجري قرب حدودها، وفقدت حتى مكتسبات الوضع السابق، أي وضعية التطبيع مع حدودها في الجنوب، وعلاقتها مع موريتانيا، واستثمار موقفها الحيادي، وفقدت القدرة على المناورة في ملف الصحراء في مقابل نشاط دبلوماسي مغربي نشط في ملف الوحدة الترابية، وهي اليوم، تسعى إلى أن تضبط إيقاع الجموح الروسي في منطقة الساحل جنوب الصحراء، خوفا من الاضطرار في الأخير إلى مواجهة حليفها بسبب من تناقض مصالحهما الاستراتيجية في المنطقة.
كاتب وباحث مغربي
كريم المغربي: هل تعلم ن يرأس موريتانيا الإسلامية؟ ولد عبد العزيز راه في السجن يتهمة الفساد..ههه ههه ههه.
كنت أقصد الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني ، شكرا على التنبيه