في الجزائر يسمون الشهر الجاري شهر الشهداء. خلال هذا الشهر سقط خيرة قادة ثورة التحرير دفاعا عن أرض الجزائر وثورتها. أبرز هؤلاء الراحل العربي بن مهيدي (3 مارس 1957) العقيدان سي الحواس وعميروش آيت حمودة (29 مارس 1959) مصطفى بن بولعيد (22 مارس 1956) علي بومنجل (أعدمته فرنسا الاستعمارية يوم 23 مارس 1957 بعد تعذيب شديد) وآخرون.
يوم 19 من هذا الشهر سنة 1962 شهد دخول وقف إطلاق النار بين الثورة الجزائرية وفرنسا الاستعمارية حيز التنفيذ ليضع حدا لأكثر من سبع سنوات من القتال وأكثر من قرن وربع القرن من استعمار استيطاني دموي همجي غاشم.
هذه البطولات صنعها شعب صمّم على التحرر مهما كان الثمن، وقادها شباب مغامرون من طينة نادرة.
أحد هؤلاء الزعيم كريم بلقاسم (1922 ـ 1970) وهو من صنف الرجال الذين لا يتكررون بسهولة في مسيرات الشعوب. الأسبوع الماضي صدر في فرنسا كتاب للصحافي الجزائري فريد عليلات يتناول مسيرة بلقاسم النضالية منذ التحاقه بالعمل الوطني في منتصف أربعينيات القرن الماضي إلى مقتله في فرانكفورت بألمانيا في خريف 1970.
عنوان الكتاب «جريمة دولة.. تصفية حسابات في قلب نظام الحكم الجزائري».
فور نيل الجزائر استقلالها اختلف بلقاسم، مثل عدد من قادة الثورة، مع الرئيس أحمد بن بلة ونظامه، ثم لاحقا مع العقيد هواري بومدين الذي استولى على الحكم في انقلاب على بن بلة في صيف 1965. كان بلقاسم أحد أبرز الذين اختلفوا مع النظام فاتُهم بتدبير محاولة اغتيال بومدين، نفذها ضباط في الجيش بالجزائر العاصمة في ربيع 1968. كانت تلك الحادثة نقطة القطيعة بين بومدين وبلقاسم الذي وُجد بعد حوالي سنتين ونصف السنة جثة هامدة في غرفته بأحد فنادق فرانكفورت. وُجهت أصابع الاتهام للمخابرات الجزائرية وظلت الجريمة غامضة إلى اليوم. تتحدث روايات عن خنقه بربطة عنقه وتشير أخرى إلى استعمال حزامه لخنقه. كانت نهاية مؤلمة لرجل بتاريخ لا تسعه الموسوعات ويستحق أن تُنصب له التماثيل في المدن الجزائرية، لكنه مثير للجدل منذ أدواره الأولى خلال التحضير لحرب التحرير، وله نصيب وافر من الأخطاء أبرزها مشاركته في إرساء النظام الذي يُتهم بتصفيته. لنقل إنه بقدر بطولاته وشجاعته كانت أخطاؤه التي لا تنقص من قدره شيئا.
لم تتح لي فرصة قراءة الكتاب بعد، لكنني طالعت ما نُشر عنه إعلاميا. استنتجت بسهولة أن المؤلف سجنَ نفسه منذ البداية في المنطق القبائلي (الأمازيغي) لموضوع كريم بلقاسم رغم أن المعروف عن الرجل أنه حارب فرنسا دفاعا عن الجزائر وليس القبائل. أحد متاعب العمل الوطني الجزائري في أربعينيات القرن الماضي، وصولا إلى الاستقلال، كانت الإشكالية الأمازيغية. كانت القضية ستبقى ضمن الممكن من الخلافات لولا التوظيف السياسي والنزعات غير البريئة. لديّ يقين بأن الثورة الجزائرية، لو تمت من دون منطقة القبائل كانت ستفشل، ولو أُريد لها أن تكون في (أو من أجل) منطقة القبائل وحدها كانت ستفشل قبل أن تبدأ.
كانت نهاية مؤلمة لكريم بلقاسم بتاريخ لا تسعه الموسوعات ويستحق أن تُنصب له التماثيل في المدن الجزائرية، لكنه مثير للجدل منذ أدواره الأولى خلال التحضير لحرب التحرير
جاء بلقاسم نكرة من قرية آث يحيى موسى في ولاية تيزي وزو، تعلّم وتطور وترقى إلى أن أصبح رجل دولة قاد مفاوضات إيفيان التي أثمرت استقلال الجزائر، ووقّع أسفلها بأنامله. إنه أكبر من أيّ منطقة، واعتباره قبائليا فقط إجحاف كبير بحقه. هذا رمز وطني وملك لكل الجزائريين، أما السعي لـ»قبألته» (على وزن جزأرة وفرنسة) فظلم له. ومحاولة بعض الأصوات الادعاء بأن «المعرّبين» و«الديكتاتوريين الانقلابيين» قتلوه لأنه ليبرالي ديمقراطي فيه تجن عليه وعلى بومدين. وفي هذا الادعاء قفز على حقيقة لا تقبل القفز عليها وهي أن كريم بلقاسم كان أحد الثلاثي (مع الأخضر بن طوبال وعبد الحفيظ بوصوف) المؤسس لمنظومة حكم حرّمت تقديس البشر مهما كانت مكانتهم وأهميتهم، وأجازت تصفيتهم إذا لزم الأمر. فرض هذا الثلاثي سطوته بالمنطق والإقناع عندما استطاع وبالقوة والحيلة عندما لم يستطع، فكان أن قرر إعدام القائد الآخر عبان رمضان عندما قدّر، عن خطأ أو صواب لا أدري، أنه أصبح معرقلا للثورة. بعد 8 سنوات من الاستقلال جاء بومدين وعامل بلقاسم بالمنطق الذي عامل به الثلاثي عبان رمضان أثناء الثورة.
كل هذا لا يقلل في شيء من مكانة بلقاسم والآخرين وما قدّموا من عمل وتضحيات من دونها لبقينا جميعا عبيدا عند فرنسا الاستعمارية. لهذا أحرص على وضع ما يُنسب لهؤلاء الأبطال من أقوال وأفعال في سياقه الزماني والمكاني. وأجد صعوبة في انتقاد حتى أسوأ ما ارتكبوا من أخطاء. تأبى ذاكرتي أن تتجاهل أنهم صنعوا معجزة إنسانية في أحلك الظروف وأغلبهم في منتصف العشرينيات من العمر قادمون من خلفيات متناقضة بثقافة وخبرة محدودتين ويقظة أمنية لا تساوي شيئا مقارنة بمخابرات فرنسا وجيشها وشرطتها: شكّلوا جيشا من العدم أغلب تعداده من الأميين، خلقوا دولة من فراغ وانتزعوا الاستقلال من أعتى استعمار في وقته وسط خلافات بينهم تهد الجبال. ليس من السهل أن يجتمع 22 منهم عشية الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 1954 في فيلا بأعالي العاصمة لتحديد تاريخ إطلاق الثورة ثم يطلقونها في الموعد المحدد رغم الملاحقات الأمنية والمضايقات العسكرية الشديدة. وليس من السهل أن يتحدى أحدهم (المرحوم محمد بوضياف) نفسه ورفاقه ويقسم بأنه سيطلق الثورة ولو بقردة الشفة (منطقة جنوب العاصمة تشتهر بانتشار القردة). لا بد أنهم من فصيلة نادرة انقرضت. لهذا أغفر لهم وأبحث لهم عن الأعذار.. لكريم بلقاسم وبن طوبال وبوصوف على اغتيال عبان، ولبومدين على اغتيال بلقاسم ولكل الذين أخطأوا.
لكن هذه العواطف يجب أن ترافقها صرامة فكرية وقناعة بأن التاريخ لا يُكتب بالجهوية والحقيقة لا تسمو بالعقلية المناطقية.
كاتب صحافي جزائري
النوستالجيا تمثل جزءًا مهمًا من الهوية الثقافية لشعوب عديدة حول العالم، فهي تعبير عن العلاقة العاطفية والروحية مع الماضي، ووسيلة للتواصل مع جذور الثقافة والتاريخ. في الجزائر، يمكن ملاحظة أن هناك
اهتماما كبير بالقادة الذين خاضوا ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، و مازالت الكتابات والأبحاث حولهم يسال في شأنها مداد كثير. لكن من غير المعلوم إن كانت من الدول المحظوظة التي ما زالت تحتفظ بأرشيفها الخاص بالتلفزيون وباقي الوسائل الإعلامية القديمة، والذي يمكن تجديده وتطوير تلك الأشرطة والبرامج القديمة فيه ليعاد بثها، ما يسهم في تجديد الاتصال بالأجيال الجديدة ( كما يحصل في دول عديدة أخرى، كفرنسا مع المعهد الوطني للإذاعة والتلفزيون INA، او بريطانيا مع أرشيف البي بي سي، او غيرها ، والتي تروي قصصًا مثيرة تعكس التحولات الاجتماعية والثقافية في تلك البلدان).
هذا النص مكتوب بطريقة جميلة ومنطق عادل تجاه كل أبطال الثورة الجزاءرية. شكرا على هذا الإنتاج الصحفي المتميز وغير المنحاز …
رائع .
كالعادة يتحفنا الكاتب بمقال مكتوب بإحترافية عالية ومنطق لا غبار عليه…
شكرا لك على هذا المقال الشيق
صنع الازمات استراتيجية تصدرها المخابر الدولية المتخصصة في اثارة النزعات بين الشعوب و الامم .محورها الذي تدور حوله القاعدة العامة”فرق تسد”.والامم الواعية تبحث من خلال مفكريها ومصلحيها عن ما يجمع من قواسم مشتركة تسد بها ثغرات ما يفرق بينها…العدوانية المتوحشة التي يرتديها بعض من المؤرخين تنم عن جهل دفين عريق ثم عميق ببعض الحقائق التاريخية
حسب الصحافي الجزائري فريد عليلات، فإن الوثائق التي حصل عليها بفضل رخصة «استثنائية» من السلطات الألمانية، تكشف عن أن التحريات حول الاغتيال السياسي تمت في ألمانيا وفرنسا وسويسرا ولبنان والمغرب ( حيث انتقلت زوجته ومعظم افراد عائلته للعيش هناك )، وهي بلدان كان قيادي الثورة ( بلقاسم ) يتنقل بينها منذ خروجه من الجزائر غداة الاستقلال. كما كان للشرطة الدولية بصمة في هذه التحريات . وأن الكموندوس الجزائري الذي أصبح حاليا مكشوفا بالاسماء والرتب والمناصب قد استعمل جوزات سفر
جملة تبريرية خطيرة وردت في المقال حول مصلحة الثورة التي قد تستلزم إغتيال من يعارض توجهاتها في بعض المراحل. أن عمليات اغتيال الرموز جاءت في سياق إنقلاب على المشروعية التحريرية من طرف..جيش الحدود الذي لم يطلق رصاصة ضد فرنسا وبقي في قواعده بوجدة المغربية إلى أن تم إعلان الإستقلال..وكل من تم اغتبالهم كانوا في الأصل يشكلون هذفا لفرنسا نفسها.. انطلاقا من عبان رمضان..ومرورا بشعباني..واخميستي..وخيضر.وبلقاسم..واخيرا بوضياف الذي تمت تصفيته على مرأى من العالم…وهو يحاول تجنيب بلاده تبعات حرب أهلية دموية..ويضاف إلى ذلك الاغتيال المعنوي…الذي لحق بابن بيلا وايت أحمد وبوضياف نفسه والأخضر بورقعة..وغيرهم الكثير..نفيا وتهجيرا وتشريدا…واعتقد أن التحليل التاريخي يتطلب جرأة التجاوز لقيود الطرح الرسمي الذي لن يستمر إلا مع استمرار النظام..ولن يصمد بعد ذلك..
ما هو دور بومدن في اندلاع الثورة، و ما هو دوره في استمرارها و في المفاوضات التي أسفرت عن استقلال الجزاءر. و لماذا طارد، بعد انقلابه على بنبلة، قادة الثورة.
مجرد تساؤل
ما العمل !!!؟؟؟
ما وقع من فتنة بين قادة الثورة، يُشبه ما وقع للصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة الرسول ﷺ، مع الفارق في الزمان والمكان والمقام.
جميعهم من فصيلة نادرة انقرضت. لهذا نستغفر لهم جميعا ونبحث لهم عن الأعذار.
فالتاريخ لا يُكتب بالجهوية، ولا حمية الجاهلية. أولئك قوم لهم ما اكتسبوا، ولا نُسأل عن ما فعلوا، فحري بنا الانشغال بما تكسب أنفسنا.
قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه: ” تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا، فلنعصم منها ألسنتنا “.
وهل الصحابة سمحوا بالتجارب النووية للاعداء فوق ارضهم
إلى الأخ مروان الأوراسي: مارس 18, 2025 الساعة 6:23 م
مجرد تساؤل.
لماذا سمح الجزائريون بالتجارب النووية !!!؟؟؟
أولا: في عهد الصحابة رضوان الله عيهم، لم يكن هناك تجارب نووية، مما يسقط استدلالك.
ثانيا: التجارب النووية جرى بعضها خلال الاستعمار قبل سنة 1962، لم يكن للجزائريين رأي فيها. وما جرى بعد الاستقلال، كان شر لا بد منه. وافق عليه الجزائريون مكرهين لنيل الاستقلال والحفاظ على صحرائهم التي كانت تطالب بها فرنسا.
وهذا أفضل من أن يبقى الاستعمار، وتتواصل التجارب النووية إلا ما نهاية.
ثالثا: ودائما مع فارق الزمان والمكان والمقام، أذكرك بـصلح الحديبية الذي وقعه الرسول ﷺ في السنة السادسة للهجرة، وما فيه من “إهانة” ظاهرة للمسلمين بدليل معارضته من طرف بعض الصحابة وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، لكنه كان شر لا بد منه لتحقيق نصر عظيم أبدي