الجزائر: لماذا طالت مدة سجن محاد قاسمي؟

حجم الخط
4

نجح محاد قاسمي ابن قصر بودا في ولاية أدرار، بأقصى الجنوب الغربي الجزائري – تبعد أكثر من ألف كلم عن العاصمة – في منح أبعاد جديدة للحراك الشعبي لم تكن قائمة عند أهل الشمال وهم يبادرون به يوم 22 فبراير 2019. قفزة نوعية هي التي يمكن أن تفسر سر «التعامل الصارم «الذي قامت به مؤسسات النظام من عدالة وأمن، مع هذا الشاب الأسمر الذي قام بخرجة من «القصب» كما يقال بالدارجة الجزائرية، للتعبير عن الجوانب غير المألوفة ولا المتوقعة عند حدوث شيء ما. أنجزها هذا الشاب الخمسيني – من مواليد 1975- صاحب ورشة الحدادة، الذي تحول إلى أحد الوجوه المعروفة للحراك الشعبي في طول الجزائر وعرضها.
فقد تمكن محاد من طرح قضية التوزيع العادل للثروة في الجزائر، وهو يخرج في مسيرات للمطالبة بتوفير الشغل لشباب الجنوب، بعد تنظيم أنفسهم لأول مرة ضمن التنسيقية الوطنية للدفاع عن حقوق الشباب البطال 2011، مبادرة تمت مواجهتها، من قبل قوات الأمن بمناسبة تنظيم مسيراتها الكبرى في ربيع 2013 في مدينة ورقلة، عاصمة البترول في الجزائر. مسيرة احتجاجية كانت المنبه الأول لأصحاب القرار السياسي والاقتصادي في الشمال البعيد، لأهمية هذه القضايا الاجتماعية المرتبطة بالبطالة المستشرية، بين شباب الجنوب وهم يعاينون يوميا كيف تستخرج الثروة بأيديهم، دون أن يستفيدوا منها، رغم أعدادهم القليلة من الناحية الديموغرافية، التي تسهل استيعابهم في مشاريع التنمية المنجزة في هذه المنطقة التي ما زالت تعاني الحيف والتقصير، كما يعترف الخطاب السياسي الرسمي نفسه.
لتحصل النقلة النوعية بالنسبة لهذا الحراك الجنوبي، الذي انطلق عمليا في ديسمبر 2014، قبل حراك الشمال بخمس سنوات، بمناسبة تنظيم وقفات احتجاجية ضد انطلاق عمليات استخراج – قيل عنها إنها استكشافية فقط – الغاز الصخري، في عين صالح في أقصى الجنوب دائما – تبعد عن العاصمة 1300 كلم. بكل التبعات التي يمكن تصورها على المنطقة وأبنائها على المستوى البيئي، هم الذين ما زالوا يعانون صحيا، من آثار التجارب النووية الفرنسية الكارثية، التي أنجزها الجيش الفرنسي في أواخر الفترة الاستعمارية، في هذه المنطقة الصحراوية المعتمدة على زراعة الواحة، وعلى ما في باطن أرضها من مياه جوفيه غير قابلة للتجدد. وقفات احتجاجية كان محاد من منظميها الرئيسيين، هو الذي سيطور نضالاته في هذا الميدان بالتواصل الذي أنجزه مع حركات اجتماعية دولية، كما كان الحال عند مشاركته في المنتدى الاجتماعي الدولي المنعقد في تونس في مارس 2015. مشاركة من قبل هذا الشاب الأسمر عبرت عن ذلك التفاؤل الذي ساد المنطقة المغاربية بإمكانية التغيير السياسي السلمي. في وقت كانت فيه الجزائر تعيش السنوات الأخيرة لحكم بوتفليقة، الذي أدخل البلد في ركود رهيب، مهد لما سيأتي مع الحراك الشعبي في 2019. محاد الذي يكون قد وضع يده في «غار بوزنزل»

تمكن محاد من طرح قضية التوزيع العادل للثروة في الجزائر، وهو يخرج في مسيرات للمطالبة بتوفير الشغل لشباب الجنوب، ضمن التنسيقية الوطنية للدفاع عن حقوق الشباب البطال

(عش الدبابير) كم تقول اللغة الشعبية الجزائرية وهو يربط بين الاهتمامات الوطنية ذات العلاقة بالاقتصاد السياسي، بما تحيل إليه من قضايا توزيع الثروة البترولية والغازية، بطرق غير عادلة جغرافيا واجتماعيا، بين أبناء البلد الواحد. بما أفرزه ذلك الغليان الاجتماعي، الذي عبرت عنه حركة الشباب البطال في الجنوب. ربط لم يكن مقبولا من قبل الخطاب السياسي الرسمي الحساس جدا عندما يتعلق الأمر بأقصى الجنوب الجزائري وأهله، الذين ينظر لهم كمواطنين هادئين ومسالمين لا ينتظر منهم أي شكل من أشكال الاحتجاج، أو التذمر التي اقتصرت على أبناء الشمال لعقود، رغم ما عرف به أهل الجنوب من رؤية وطنية لم تغادرهم بتاتا، وهم يطرحون قضاياهم الاقتصادية والاجتماعية، التي أصروا على إطار حلها الوطني، السلمي، حتى وهم يلجؤون إلى أشكال نضال جديدة عليهم، كالمسيرة والإضراب والوقفة الاحتجاجية. في منطقة حدودية مع دول الساحل الافريقي عرفت الكثير من الاضطراب والفوضى السياسية والأمنية، بكل خلفيتها الإثنية العابرة للحدود في هذه المنطقة التي تعرف فيها الدولة الوطنية هشاشة كبيرة. كما تبينه أكثر من حالة استفحلت فيها الأوضاع كما نشاهد ذلك في السودان ليبيا، النيجر ومالي.
خطاب سياسي رسمي ينطلق من مسلمة بسيطة مفادها أن الجزائري الذي استفاد من التحولات التي عاشتها الجزائر كما هو حال أبناء الشمال بحجمهم الديموغرافي الكبير، هو الذي ينتظر منه أن يطالب ويحتج، عكس المواطن في الجنوب صاحب الحضور الديموغرافي الضعيف، الذي لا ينتظر منه أي احتجاج أو مطالبة، لأنه لم يستفد أصلا من أي تحول مهم. خطاب أعماه البُعد الجغرافي الذي تحول إلى بُعد نفسي واضح، عن أقصى الجنوب. لم تر النخب الرسمية الحاكمة من مكاتبها المكيفة في العاصمة أنها بهذا السلوك تعيد إنتاج خطاب النخب الكولونيالية نفسه، في نظرتها إلى أبناء أقصى الجنوب، فهذه النخب الرسمية لم تلاحظ أن أبناء الجنوب هم كذلك ولو بدرجات أقل، قد تعلموا وانفتحوا على العالم، بفعل سياسات الدولة الوطنية ذاتها التي يفترض أن هذه النخب تمثلها ولو بهذا الشكل المشوه! كما أكدته حالة سجن محاد نفسه، الذي تقدم من داخل محبسه لامتحان شهادة البكالوريا، ليفوز بها لمرتين، لم تسمح له رغم ذلك بالاستفادة من تخفيف عقوبته، كما يجيز ذلك القانون الجزائري بعد الحكم عليه في قضيتين مختلفتين، حسبما صرح به محاموه، الأولى بثلاث سنوات سجن ـ من ضمنها عام واحد غير نافذ ـ ليحكم عليه في القضية الثانية بعامين سجن بعد إلقاء القبض عليه في 8 يونيو 2020. ليبقى محاد في السجن بعيدا عن عائلته وأبنائه الثلاثة، رغم المجهود الجبار الذي قامت به هيئة دفاعه الوطنية، وهي تستميت في الدفاع عن ملفه القانوني خلال فترة سجنه، التي نظم خلالها هذا المناضل المسالم، مكرها، عدة إضرابات عن الطعام احتجاجا على ما يكون قد تعرض له من معاملات سيئة، يكون قد تلقاها في هذه السجون البعيدة، في مدن أقصى الجنوب الجزائري المعروفة بتطرف مناخها الطبيعي وهدوء أبنائها وسلميتهم المعهودة.
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الشيخ الجزائر:

    السجن محدد بحكم قضائي

    1. يقول سعيد السعيدي:

      هنا مربط الخيل. في كل الدول

    2. يقول مداغ:

      حكم قضائي جائر سياسي

  2. يقول طارق بن زياد الأوراسي الحقيقي:

    حي الله الأخ محاد قاسمي أسد الجنوب الذي قاد إنتفاضة الغاز الصخري سنة 2015

اشترك في قائمتنا البريدية