الجزائر: مبادرة لم الشمل واتفاق مصالحة وقمة عربية للقضية المركزية

محمد سيدمو
حجم الخط
0

الجزائر ـ «القدس العربي»: لعلّ أبرز ما ميّز سنة 2022 في الجزائر، احتضان مؤتمر المصالحة الفلسطينية بعد مساع مضنية لجمع الفصائل ثم توجيه القمة العربية بعد ذلك لتكون داعمة لهذه القضية المركزية، خاصة في جانب افتكاك حق دولة فلسطين في العضوية الكاملة بالأمم المتحدة.
الجانب الدبلوماسي أخذ حظه الأكبر من وقائع السنة المنقضية، ففيها نشطت الجزائر على صعيد تنمية علاقاتها العربية عبر زيارات رئاسية متتالية لكل من القاهرة والدوحة والكويت بين كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير الماضيين. وكان ذلك، فضلا عن المنافع الاقتصادية، مقدمة للتحضير للقمة العربية التي ستحتضنها البلاد لاحقا في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر بعد تأجيل متكرر تارة بسبب الأزمة الصحية وتارة أخرى بسبب الخلافات العربية التي لا تنتهي، لكنه كان أيضا مناسبة لإطلاق تصريحات تعيد رسم التوجه الجزائري نحو البعد العربي، مثل حديث الرئيس عبد المجيد تبون من الكويت على أن الخليج العربي يمثل عمقا بالنسبة للجزائر «فمن يمس الكويت أو قطر أو السعودية كأنما مس الجزائر، ولن نقبل بذلك أبدا».
وقبل أن تنعقد القمة العربية، كان على الجزائر أن تقتحم أسلاك الانقسام الفلسطيني الشائكة تنفيذا للمبادرة التي أطلقتها بمناسبة زيارة الرئيس الفلسطيني إلى البلاد نهاية 2021. وبعد جولات من التفاوض برعاية من الخارجية الجزائرية، انتهت الفصائل إلى التوقيع على اتفاق للمصالحة في 13 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في نفس القاعة الرمزية التي احتضنت في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1988 خطاب الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي دوت فيه عبارته الشهيرة «أعلن قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية». وتضمن إعلان المصالحة، خريطة طريق تتيح في ظرف أقصاه سنة تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية، وهو اختبار لا يعلم إن كان سينجح فيه الفلسطينيون.
وكان من البشائر التي استبقت التوقيع على هذا الاتفاق، المصافحة التي تمت بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد قطيعة سنوات بمبادرة من الرئيس الجزائري الذي تمكن من جمعهما على هامش الاستعراض العسكري الضخم الذي نظمته الجزائر بمناسبة ذكرى الاستقلال الستين في 5 تموز/يوليو الماضي واستعرضت فيه أحدث ما تملك من أسلحة ردع كمنظومة الصواريخ أس 300 وأسراب المقاتلات والغواصات.
واستمر الحدث الفلسطيني في فرض نفسه خلال القمة العربية التي انعقدت بحضور نصف القادة العرب وممثلين رفيعي المستوى عن بقية البلدان. واتفق العرب على تكليف لجنة وزارية يكون من مهامها الدفاع عن حق فلسطين في عضوية كاملة بالأمم المتحدة. ودون ذلك، أبدى القادة المشاركون حماسة في تناول ملفات ظلت غائبة عن التفكير الجمعي العربي، مثل الأمن الغذائي ومشكلة المياه وغيرها، بدفع من الظروف الدولية التي أعقبت جائحة كورونا ثم الصراع الروسي الغربي، وما تسبب فيه كل ذلك من ندرة في المواد الأولية في العالم.
وكعادة كل الحروب، جرّ الغزو الروسي لأوكرانيا منافع أيضا، فالجزائر أصبحت بفعل تداعياته، لاعبا في مجال الطاقة خاصة في القارة الأوروبية التي قررت العديد من دولها التخلص من التبعية للغاز الروسي. وكان من أكبر المقبلين على الجزائر، إيطاليا التي وقعت اتفاقا لزيادة وارداتها من الغاز بنحو 9 مليارات متر مكعب، بينما بلغ مجموع الصادرات الموجهة لها هذه السنة 27 مليار متر مكعب، وفق مجمع سوناطراك.
وعكس الشراكة التفضيلية مع إيطاليا، تصرفت الجزائر بشكل آخر مع الحكومة الإسبانية بعد تحولها التاريخي في قضية الصحراء الغربية في آذار/مارس الماضي باتجاه دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية الذي تعارضه بشدة. ومع أن الجزائر لم تغلق صنبور الغاز عن مدريد إلا أنها أبقت الإمدادات في حدها الأدنى وفرضت شروطا سعرية جديدة تتماشى مع الأسعار الدولية المرتفعة. وعمدت الجزائر فوق ذلك، إلى وقف كل أشكال التعامل التجاري مع إسبانيا وإبقاء سفيرها خارج مدريد في انتظار رجوع الموقف الإسباني لسابق عهده.
وحتى فرنسا صاحبة العلاقة المضطربة دائما مع الجزائر، وجدت نفسها أكثر تقاربا بحكم هذه الظروف وغيرها. فشهدت سنة 2022 زيارة للرئيس إيمانويل ماكرون أنهت أشهرا من الأزمة بعد تصريحاته في أيلول/سبتمبر 2021 التي انتقد فيها بشدة النظام الجزائري ووصفه بأنه يعتاش على الذاكرة الاستعمارية. وتوج قدوم ماكرون بالتوقيع على إعلان الجزائر الذي أكد أن البلدين «قررا بدء حقبة جديدة في علاقاتهما، من خلال إرساء أسس شراكة متجددة، تتجسد من خلال نهج ملموس وبناء، موجه نحو المشاريع المستقبلية والشباب».
كذلك، بفعل تداعيات الحرب وتأثيرها على أسعار الطاقة، ستجد الجزائر نفسها لأول مرة منذ سنوات تحقق عائدات بقيمة 60 مليار دولار نهاية 2022 ما يرشح احتياطي الصرف للارتفاع من جديد. لكن البلاد وفق بيان السياسة العامة الذي عرضته الحكومة هذا العام على البرلمان بعد سنوات من إهمال هذا الإجراء الدستوري، لا تريد التركيز على مداخيل النفط والغاز وتنوي تطوير الصادرات خارج المحروقات التي ستصل إلى 7 مليار دولار نهاية السنة الجارية، للقول بأنها تفكر خارج منطق الريع الذي حكم البلا منذ الاستقلال. ويرتبط ارتفاع المداخيل عادة في الجزائر بالسياسة الاجتماعية التي تضيق وتتسع حسب ما يوجد في الخزينة. ولأن القدرة الشرائية تضررت كثيرا بفعل انخفاض الدينار وارتفاع الأسعار وموجات ندرة مست بعض المواد، قررت الحكومة رفع الأجور بداية سنة 2022 ومضت لاستحداث منحة البطالة في سابقة بالجزائر حيث استفاد نحو مليوني شخص من إعانة شهرية تقدر بـ 18 ألف دينار أي نحو 140 دولارا. لكن النقابات لم تستقبل هذه الإجراءات بكثير من الغبطة، فالزيادات المقررة في الأجور، كانت حسبها ضعيفة للحد الذي لم يستوعب موجة الغلاء مع جعل بعضها يقرر الدخول في إضراب منتصف العام. وذهبت أحزاب سياسية مثل حزب العمال والقوى الاشتراكية، حتى لاتهام السلطة بالتنصل عن خيار الدولة الاجتماعية الذي بنيت عليه الدولة الجزائرية منذ الثورة التحريرية.
ومع بقاء أصوات سياسية من حين لآخر حاضرة في الساحة، تميز هذا العام بأنه كان فقيرا من ناحية النقاش السياسي الذي عوضته موجات الدعاية للعمل الحكومي والرسمي على وسائل الإعلام، في مقابل أداء باهت للمعارضة مبرر في بعض الأحيان بحالة التضييق على النشاط السياسي وعدم تمكن قادة الأحزاب من الوصول إلى وسائل الإعلام الثقيلة فضلا عن المتابعات القضائية التي طالت عدة أحزاب معروفة بصوتها المعارض الحاد مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والحركة الديمقراطية الاجتماعية.
ومع ذلك، دار بعض النقاش حول مبادرة لم الشمل التي طرحت باسم الرئيس تبون في أيار/مايو الماضي، واستُقبل في الرئاسة رؤساء أحزاب سياسية للتشاور. وبقي الاختلاف قائما حول المقصود بهذه المبادرة طويلا، قبل أن توضح الحكومة أخيرا أنها ستشمل في القانون الذي سيصدر فقط الذين تخلفوا عن الاستفادة من قانون المصالحة السابق.
واحتل الجانب الحقوقي النصيب الأكبر من الجدل السياسي، حيث ظل ملف سجناء الرأي الذين يقدر حقوقيون عددهم بنحو مئتين، حاضرا بشكل دائم في النقاشات. وشهد خريف هذه السنة مع افتتاح الدورة القضائية الجنائية، خاتمة مفرحة للكثير من السجناء الذين توبعوا بتهم الإرهاب بعد معاناة دامت أكثر من سنة في الحبس المؤقت، حيث تم الإفراج عن العشرات مع تبرئة أغلبهم، بينهم آخر الصحفيين الذين بقوا في الحبس، محمد مولوج ومحمد بوراس.
وبدت الجزائر التي نالت عضوية مجلس حقوق الإنسان في هذه السنة وتطمح لتبوئ مقعد في مجلس الأمن، مطالبة باعتماد سياسة أكثر لينا في الجانب الحقوقي، وهو ما يفسر حسب البعض قرارات الإفراج الأخيرة. فقد كانت المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، التي على أساسها توبع الكثير من النشطاء بتهمة الإرهاب، مادة دسمة لملاحظات الدول الغربية خلال تقييمها ملف الجزائر الحقوقي خلال الاستعراض الدوري الذي أقيم بمجلس حقوق الإنسان الأممي في جنيف شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وتنوعت الحقوق التي رأى الجزائريون أنها سلبت منهم هذه السنة، لتمتد إلى طلب إعادة مباراة السد الفاصلة للتأهل لكأس العالم، بعد الإقصاء الدراماتيكي أمام المنتخب الكاميروني والجدل الذي صاحب تحكيم المباراة. وظل الأمل المزيف مسيطرا، إلى أن انقشع بعد بدء مونديال قطر الذي أنهى وهم التأهل وفتح الشهية في التعويض ليس فقط في الكرة ولكن في مجالات اخرى أكبر وأهم في السنوات المقبلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية