الجزائر والمغرب والفخ الفرنسي

حجم الخط
35

من السهل القول إن فرنسا وقعت في فخ الصراع الجزائري المغربي المزمن بحكم تاريخها وحاضرها مع البلدين. لكن في المقابل، أليس من الخطأ القول إن فرنسا نجحت في إيقاع الجزائر والمغرب في فخِّها من خلال حرصها على إبقاء علاقاتها دائما فاترة إلى متوترة مع أحد الطرفين دون الآخر؟ واقعيا في هذه العلاقة ثلاثية الأضلاع هناك دائما طرف في الحضن وآخر مستاء ينتظر دوره.
التوتر الدبلوماسي بين الجزائر والمغرب أمر مألوف وهو القاعدة لا الاستثناء. في كل فترات التوتر، وعلى اختلاف درجاته، كانت فرنسا حاضرة بشكل أو بآخر. لكن منذ حوالي سنة ونصف السنة تعيش منطقة شمال إفريقيا على وقع مستوى أخطر من هذا التأزم ومن الخوف من تمدد تداعياته المُتعِبة إلى دول الجوار. اليوم لا تستطيع تونس أن تفكر في قرار أو تحرك إقليمي دون أن تحسب حساب ردود الفعل عليه في المغرب وفي الجزائر. الشيء نفسه مفروض على موريتانيا وليبيا ويمتد إلى مالي والنيجر. وينسحب الأمر حتى على فرنسا مع فرق أن الصراع الجزائري المغربي لا يُفقد الدبلوماسية الفرنسية استقلاليتها وحرية حركتها، ولا يؤثر سلبا على خططها الخارجية.
كان حضور فرنسا في معادلة التنافس الجزائري المغربي مقبولا من الطرفين طالما بقي في حدود المسموح به. اليوم أصبح هذا الحضور أكثر وضوحا، وأكثر إثارة لردود الفعل، وأحيانا أقرب إلى إثارة التعجب. فكلما تحسنت علاقات باريس مع أحد البلدين غضب الآخر معتقدا أنه سيكون ضحية هذا التحسن. وكلما ساءت العلاقات مع أحد البلدين ابتهج الآخر معتقدا أن ذلك سيكون لصالحه.
فرنسا من جهتها عجزت عن التوفيق بين «الدولتين» فلا يحفظ المتابعون أنها نجحت خلال السنوات العشرين الأخيرة على الأقل في إقامة علاقات ممتازة مع كلا البلدين في توقيت واحد. كانت الكفة تميل دائما لصالح المغرب لأسباب عديدة ومُركّبة يتداخل فيها الموضوعي بالشخصي والعاطفي. وكانت الجزائر تشعر دائما بالامتعاض من دفء العلاقات الفرنسية المغربية، لكنها تعلمت العيش معه.
أجد صعوبة في تصديق أن «عجز» باريس عن إقامة علاقات متوازنة مع الجزائر والمغرب في توقيت واحد، أمر يفوق إرادتها. في أحسن الأحوال أن المسؤولين الفرنسيين لا يفعلون شيئا لترقية علاقات بلادهم مع الجزائر والمغرب إلى مستوى جيّد بالتساوي والتوازي. وفي أسوأ الأحوال هو خيار محسوب ومتعمد، المبتغى من ورائه الاستفادة من بلد وإبقاء الآخر يلهث وراء نيل الرضا ثم الحفاظ على الهوة شاسعة وسحيقة بين البلدين. مثلما هي أول مستفيد من الخلافات، ستكون فرنسا أول الخاسرين وأكثرهم إذا ما نجحت دول المغرب العربي يوما في تشكيل كتلة سياسية واستراتيجية واقتصادية مستقلة.

إن لفرنسا تاريخا حافلا من سياسة «فرّق تسد» في دول المغرب العربي منذ العهد الاستعماري. ولا يوجد ما يمنعها اليوم من إحياء هذه السياسة، خصوصا مع هذا الكمّ الهائل من الخصومة في المنطقة

لا يجب أن ننسى أيضا أن لفرنسا تاريخا حافلا من سياسة «فرّق تسد» في دول المغرب العربي منذ العهد الاستعماري. ولا يوجد ما يمنعها اليوم من إحياء هذه السياسة، خصوصا مع هذا الكمّ الهائل من الخصومة في المنطقة.
في تحليل للأزمة بين الجزائر والمغرب، أوردت مجلة «الإيكونومست» (الخميس الماضي) أن فرنسا «تخلَّت عن المغرب لصالح الجزائر» مدفوعة بأزمة الغاز المترتبة عن الحرب الروسية في أوكرانيا. أكيد هناك فتور بين باريس والرباط يقابله نوع من الانتعاش بين باريس والجزائر. الفتور يعبّر عنه إصرار المغرب على إبقاء سفارته في باريس بلا سفير مدة طويلة في السنتين الأخيرتين، وكذلك قضاء الملك محمد السادس فترة زمنية معتبرة في فرنسا منتصف العام الماضي دون أن يلتقي الرئيس ماكرون. والانتعاش مع الجزائر تعبّر عنه خطابات الود والزيارات المتبادَلة بين المسؤولين الجزائريين ونظرائهم الفرنسيين (زيارة قائد أركان الجيش الجزائري لباريس نهاية الشهر الماضي غير مسبوقة) والتخطيط لزيارة دولة سيقوم بها الرئيس تبون إلى باريس.
رغم ذلك، من الخطأ الاستسلام لفرضية وجود أزمة عميقة وشائكة بين المغرب وفرنسا. ومن الخطأ أيضا الحديث عن تطبيع لا توتر بعده بين الجزائر وفرنسا. ما يميّز علاقات فرنسا مع كلٍّ من المغرب والجزائر أنها تتأثر بالأهواء والأمزجة بقدر تأثرها بالمصالح الاستراتيجية والقرارات المصيرية. إنها علاقات انفعالية حساسة وسهلة التقلب نحو الأسوأ حتى لأسباب تبدو للمحايدين تافهة، وسهلة الإصلاح بطرق أبسط مما يتخيّل العقل أحيانا. من هنا فالتوتر المزعوم مع المغرب قد يُنهيه اتصال هاتفي من بضع دقائق بين العاهل المغربي والرئيس الفرنسي. وشهر العسل المزعوم بين الجزائر وفرنسا قد يطيح به مقال في صحيفة فرنسية أو تصريح عابر لسياسي فرنسي حتى لو كان عديم الأهمية.
لقد أخطأت «الإيكونوميست»: فرنسا لم تُفضّل الجزائر ولم تتخلَ عن المغرب. فرنسا فقط تدير فصلا آخر من فصول هذا المسلسل الأزلي. ويحدث أن تفاصيل هذا الفصل تميل هذه المرة لصالح الجزائر لسببين هامين بقدر ما هما بسيطان. الأول أن أوروبا المأزومة ترى في الجزائر البديل الجيّد والعملي للغاز الروسي. وفي تطلعها للغاز الجزائري لا تستطيع أوروبا تجاوز فرنسا لأسباب بديهية. والسبب الثاني أن المغرب اختار في الآونة الأخيرة «اللعب الخشن» مع فرنسا والأوروبيين، ثم قرر التصعيد منذ منتصف الشهر الماضي عندما صوَّت البرلمان الأوروبي ضد المغرب في قضايا حقوقية تتعلق بالصحافيين والناشطين المغاربة المعتقلين. وبما أن فرنسا هي الأقرب للمغرب والأكثر استعدادا لتحمّل عتبه وغضبه، اختارت الرباط توجيه سلاحها نحو باريس أكثر من غيرها. في المقابل اكتفت فرنسا بتجاهل الموضوع وتفادي التصعيد، رسميا على الأقل.
في سياق واقع العلاقات الثلاثية وأجواء الريبة التي تغمرها، من السهل ترجيح أن الغضب المغربي مدفوع في جزء منه بالتقارب الفرنسي الجزائري وشعور الرباط بأنه يتم على حسابها.
العلاقات الفرنسية مع أكبر دولتين مغاربيتين معقّدة حتى من دون أزمة بينهما. أما مع كل هذا الصراع الذي يتسع يوميا ويزداد خطورة، فالأمر استحال إلى مستنقع حقيقي.

كاتب صحافي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Sid:

    France relation with Algeria nd Morocco reminds me of the story that I knew when I was a little kid. the story of the lion and .the 3 bulls brothers. and how the lion made made them give up each each and be able to eat them ONE by ONE.

    1. يقول ابن الوليد. المانيا. ( و على تويتر ibn_al_walid_1@ ):

      اظن ان الامر اليوم اسهل بكثير على الاسد ..

      لأنه لم يكون هناك في القصة ثور يريد جزءا من دار جاره .. ليسكن فيه بالقوة معزة ?

  2. يقول شهدان:

    السؤال المطروح أليست فرنسا هي من خلقت هذا المشكل ؟ألم تترك الجرح الحدودي قائما بين أغلبية الدول التي استعملتها خاصة التي بقيت فيها بعد ا1960 ؟ كما أن جل الأنظمة الحاكمة عبارة على موظفيها.

    1. يقول ابن الوليد. المانيا. ( و على تويتر ibn_al_walid_1@ ):

      لنفرض .. و في كلامك كثير من الحقيقة ..
      .
      لكنتا نرى نظام الجزائر يدافع عن الحدود الموروثة عن الاستعمار .. و لا يعترف حتى بمغربية سبتة وومليلية.

    2. يقول عمر-الجزائر:

      هذا خطأ إستراتيجي وقع فيه الراحل بومدين

  3. يقول قلم مُسَخر في زمن العسكر:

    الأمور واضحة و لا تحتاج إلى برهان

  4. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل.
    ما هي أخطاء المغرب في موضوع سبتة ومليلية !!!؟؟؟
    في مقال نشرته يوم:02/02/2023 “هبة بريس”، تحت عنوان:” العلاقات المغربية الإسبانية من الانكماش الى الانفتاح”، قال فيه عبد اللطيف بركة ما نصه:
    “وضعية مدينتي سبتة ومليلة هي نتيجة للأخطاء التي ارتكبتها الحكومات المغربية المتوالية، أولها أنه لما انضم المغرب إلى الأمم المتحدة بعد حصوله على الاستقلال، لم يعبر عن تحفظه على المبدأ القائل إن الحدود الاستعمارية التي رسمها المستعمر يجب أن تظل كما هي، بالشكل الذي جعلها قانونية دولياً، وهي الحدود التي رسمها الموظفون والعسكريون الأوروبيون في مكاتبهم، وألحقت أضرارا بالحدود الترابية التاريخية للمغرب…لما أنشئت اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة المكلفة بتصفية الاستعمار، لاحظنا أن إسبانيا بمجرد حصولها على العضوية في الأمم المتحدة، سجلت مباشرة قضية جبل طارق على أساس أنها جزء لا يتجزأٔ من المملكة الإاسبانية، لكن المغرب لم يعمل إبان تلك الفترة على تسجيل الأقاليم المستعمرة في الشمال والجنوب على أساس أنها محتلة، ويطالب باستقلالها، وتأخر الأمر حتى يناير 1975 حيث طرح الموضوع على الأمم المتحدة”. انتهى الاقتباس

  5. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل.
    ما هي أخطاء المغرب في موضوع الصحراء الغربية !!!؟؟؟
    نفس الخطأ ارتكبه المغرب في موضوع الصحراء الغربية. عند انضمامه للأمم المتحدة يوم:12/11/1956، فأنه لم يذكر أن الصحراء الغربية مغربية، ولم يتحفظ على مبدأ ” الالتزام بالحدود الموروثة عن طريق الإستعمار”.
    وكرر الخطأ نفسه عندما انضم إلى الإتحاد الأفريقي سنة 2017، بل اعترف صراحة بالجمهورية العربية الصحراوية وبـ “مبدأ الحدود الموروث

  6. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل.
    ما هي أخطاء المغرب في موضوع الصحراء الغربية !!!؟؟؟
    نفس الخطأ ارتكبه المغرب في موضوع الصحراء الغربية. عند انضمامه للأمم المتحدة يوم:12/11/1956، فأنه لم يذكر أن الصحراء الغربية مغربية، ولم يتحفظ على مبدأ ” الالتزام بالحدود الموروثة عن طريق الإستعمار”.
    وكرر الخطأ نفسه عندما انضم إلى الإتحاد الأفريقي سنة 2017، بل اعترف صراحة بالجمهورية العربية الصحراوية وبـ “مبدأ الحدود الموروث عن طريق الاستعمار” عندما صادق ونشر في الجريدة الرسمية المغربية رقم:6539 مكرر القانون الأساسي للإتحاد الإفريقي بموجب الظهير الملكي المغربي رقم 02.17.1، الصادر بتاريخ 31/01/2017. مع التشديد على عبارة (ظهير ملكي) ليصبح حيز التنفيذ باعتباره و”ملزما للمملكة المغربية”.
    ويتضمن القانون الأساسي للإتحاد الإفريقي قائمة الأعضاء الموقعون عليه من بينهم رئيس الجمهورية العربية الصحراوي في المرتبة 39، والفقرة “ب” من مادته الرابعة التي جاء فيها ما نصه:
    “احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال” انتهى الاقتباس.

  7. يقول عبدالرزاق ٨١١:

    لاحظنا تحولا و تطورا إقتصاديا وسياسيا للمغرب و الجزائر أصبحا من الدول الضاربة على الساحة العالمية من حيت التسلح المتطور والتروات الطبيعية المتنوعة التي ساهمت في إزدهار الصناعة والتجارة في البلدين ومن العوامل التي ساهمت في هذا التطور هي العلاقة الغير المستقرة بينهما التي كان سببها الدولة الفرنسية في شخص الرئيس إيمانويل ماكرو .هذا الأخير الذي يعتبر مبعوثا أوروبي الذي ترسله أوروبا بين الفينة والأخرى عبر البوابات المعتادة التي ما فتأت تغلق أبوابها بابا تلوى الأخر أو بالأحرى بدأت تتوضح لذيها الرؤية و تعرف حقيقة العدو الفرنسي وفي المقابل بأت عدة دول تنفيذعدة مشاريع منها في هذه السنة بحلول شهر رمضان المبارك إن شاء الله تحالف الدولة المغربية مع جارتها الجزائر ويصبحان أقوى تحالف مغاربي في شمال إفريقيا يسيطر على العالم.لعل كثير يعتقد أن هذا أمر مستحيل من البديهي أن يبذو كذلك لاسيما الأحدات التي تروج لها الصحافة لما تنقله من صيناريوهات سياسية متقنة لتضليل الرأي العام والدولي من خلق كيان وهمي في الصحراء المغربية بين المغرب والجزائر قطع العلاقات.و.و. .والأن بدأت الرؤيا تتضح ويشهد العالم على إتحاد دولتين لهما دين ولغة تاريخ واحد

  8. يقول عبدالرزاق ٨١١:

    كل الدول مستعدة للحرب تنتظر بداية شرارة بها تبدأ الإنفجارات في كل مكان وكل الأسلحة الحربية على أعلى مستوى من التطور ليس كأسلحة الحروب العالمية السابقة إذا اندلعة هذه الحرب الأخيرة ربما ستكون الأخيرة فعلا و الدمار الشامل للكرة الأرضية.

  9. يقول الحسن لشهاب:

    جاء في المقال”لا يجب أن ننسى أيضا أن لفرنسا تاريخا حافلا من سياسة «فرّق تسد» في دول المغرب العربي منذ العهد الاستعماري. ولا يوجد ما يمنعها اليوم من إحياء هذه السياسة، خصوصا مع هذا الكمّ الهائل من الخصومة في المنطقة.لكن يجب أن لا ننسى أن قابلية التفرقة من طرف الحكام و النخب العربية.أخطر من وضع سياسة فرق تسد,,و ان قابلية النخب الجزائرية و المغربية، لسياسة فرق تسد،التي جعلت سلطة المال و الجاه عند النخب الجزائرية و المغربية،اعلى شأنا من سلطة المال و الجاه عند النخبة الغربية،حيث الكائن السياسي في الجزائر و المغرب،يعمل بمأة ألف درهم شهريا و يسرق مئتين ألف درهم ،و تكون الحصيلة،ثلاثة مأة ألف درهم شهريا,بينما الكائن السياسي في الغرب يعمل بمئتين ألف درهم شهريا،و لا يسرق فلسا واحدا،و تكون الحصيلة هي مئتين ألف درهم.و الاخطر من ذلك،مفارقة نمط العيش بين هذا و ذلك،و ما ينتجه الفساد و الانحطاط،و مدى القدرات و الجرءة الفكرية و الخلقية التي يتوفر عليها هذا و ذلك,,ان الازمة العربية و الاسلامية عموما،ليست ازمة وضع سياسة فرق تسد,بل هي في قابلية الحكام و النخب العربية لسياسة فرق تسد,تقول الحكمة السياسية:أن المستفيذ من الوضع،لا يحب التغيير، بل يعمل كل ما بجهده حتى تبقى دار لقمان على حالها,,

1 2 3

اشترك في قائمتنا البريدية