الرباط ـ «القدس العربي» : الحالمون بالجوائز الثقافية يقابلهم عدد من الناقمين عليها، خلاصة يمكن استنتاجها من خلال كل تتويج وفي كل مناسبة يتم فيها الإعلان عن فائز بجائزة ما، إلا ونجد من ينتقدون ويغضبون ويكتبون البيانات، وربما التدوينات هنا أو هناك في هذه المنصة أو تلك، تعبيرا عن «رفضهم للمعايير» و»سوء الاختيار»، من التهم التي تلتصق دائما باللجان الموكل إليها انتقاء المتوج في صنف من صنوف العطاء الثقافي والأدبي. المغرب لا يخرج عن هذه القاعدة، فلديه جوائزه الثقافية، رغم قلتها، إلا أنها تغني المشهد وتحفز المثقف والأديب، لكن صيغة الاستطراد في كل جملة تتويج، تجعل من الصعب إرضاء الجميع، وتلك حالة عامة في كل المجلات، فقط ما يميز المشهد الثقافي أن تلك المعارك تخوضها أقلام وازنة وأسماء بارزة تجعل من المواجهات فرجة غير مستحقة لمتابع لا يعرف شيئا عن عطاء المثقفين فقط ما وصله من «حرارة» نقاش أو جدل أو خصومة على جائزة منحت لـ»غير مستحقها»، وذلك مستبعد لأن العطاء يختلف تقييمه بين وجهة نظر وأخرى. العودة بذاكرة الجدل، تستحضر صورة الخلاف الكبير الذي نشب بين وزارة الثقافة وعدد من المتوجين بجائزة المغرب للكتاب لعام 2021، حين قرر الوزير محمد المهدي بنسعيد سحبها من 9 متوجين نالوها مناصفة، بعد نشرهم رسالة طالبوا فيها بمبلغ الجائزة كاملا لكل واحد منهم، رغم أنهم فازوا بها مناصفة. وقبل واقعة التتويج مناصفة، اشتعلت نيران جدل آخر حول ما سمي «تدخلات» أشخاص بعينهم في الترشيحات، وبالتالي الضغط لتتويج أسماء دون أخرى، وتجاوز ذلك النقاش حدود المعقول واللباقة، وذكرت أسماء ووجهت اتهامات عكرت صفو نقاء الجائزة، التي تعتبر أرفع الجوائز المغربية التي يمكن ان ينالها كاتب ما.
أسئلة جوهرية
بعد سنة 2022، عادت المياه إلى مجاريها وواصلت جائزة المغرب للكتاب بمختلف صنوفها السير نحو الاعتراف بعطاء الأدباء والمثقفين والمفكرين المغاربة. من خلال قراءة للتساؤلات المطروحة حول الجوائز الثقافية في المغرب، يلاحظ غياب أسئلة جوهرية من بينها: «هل لها أي تأثير على العطاء العام للمشهد الإبداعي؟» و»هل تؤثر في المسار الإبداعي الشخصي لكل فائز بها؟» وقبل كل شيء هل هذه الجوائز «ضرورية لضخ أوكسجين جديد في رئة الأدب، أو هي مجرد ترف وبادرة غير ضرورية؟
هي أسئلة طرحتها «القدس العربي» على الشاعر أحمد لمسيح، والكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس، والشاعر والإعلامي محمد بلمو، وكانت الإجابات تختلف وفق منظور كل واحد منهم، بين «التنشيط الاحتفالي»، والحديث عن «اختلالات عديدة»، لكن الأهم هو «تفعيل إرادة التثمين والتجويد».
الشاعر أحمد لمسيح، المتوج حديثا في دورة 2023 من جائزة المغرب للكتاب صنف الشعر عن ديوانه «جزيرة ف السما»، الذي حصل على إجماع المشهد الثقافي المغربي، باستحقاقه هذا التتويج وانصافه بعد مسيرة إبداعية غنية تمتد لسبعينيات القرن الماضي، أكد في حديثه لـ»القدس العربي»، أن الجوائز «هي مجرد تنشيط احتفالي، ولا أثر لها على الانتشار والتداول غير إضافة سطر في سيرة الكاتب». وأوضح أن ذلك «لا يرجع إلى الجهة التي أصدرت الجائزة، بل إلى تقاليد غائبة عن مجتمعنا كزيادة طبع الكتاب الفائز وسعي القراء لاقتنائه، والكلام قد يطول ويشمل التداول الثقافي في شموليته وتناوله سوسيولوجيا واقتصاديا وصلته بالأطراف الفاعلة والمتفاعلة فيه».
وبخصوص سؤال المبدع والجائزة وهل من تأثير على مساره الإبداعي، قال لمسيح إنه لا يظن ذلك، لأن «المبدع بإبداعه لا بجائزته، والجائزة هي لمجازاته واعتباره والاعتراف بقيمة ما أنجز»، واستشهد بما قاله الأديب محمد برادة حين وصف الجائزة بـ»ضربة حظ (أو ضربة مقص)»، مؤكدا أن «الصدفة قد تلعب لعبتها، فيكون أعضاء اللجنة غير مناهضين للصنف المرشح ضمنه الكتاب، أو العكس، وتبقى احتمالات الخطأ والانحياز واردة». ويرى أن «الجوائز مجازاة واعتراف واعتبار، وهي محطة في المسيرة الأدبية للتقييم والاحتفال، ولكن لا يجب أن تكون روتيناً ينجز وكفى».
من جهته، اعتبر الكاتب عبد العزيز كوكاس، أن «المغرب بلد عريق من حيث قدم الجوائز الأدبية، حيث يعود عمر تأسيس أول جائزة للأدب في المغرب إلى عام 1925، وبعدها أعلن عن تأسيس جائزة المغرب في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وبعدها جائزة الأطلس الكبير التي كانت بمبادرة من السفارة الفرنسية في المغرب في بداية تسعينيات القرن العشرين، بالإضافة إلى جوائز خاصة، إما بالمخطوطات أو بالدراسات والفكر الإسلامي، أو بجمالية الخط المغربي، عدا جوائز في مجال من المجالات الأدبية أو الفكرية أو اللغوية، بمبادرة من مؤسسات عمومية أو خاصة، تهتم بالفكر والإبداع على سبيل المثال لا الحصر، جائزة الأركانة، جائزة محمد زفزاف… ومع ذلك ما زالت محدودة جدا في المغرب».
أما من حيث التأثير، يقول كوكاس متحدثا لـ»القدس العربي»، إن «الجوائز الأدبية عامة وجدت في الأصل لتُساهم في تعزيز الثقافة الأدبية ودعم الكتاب وتشجيع الإبداع الأدبي، ويفترض فيها أنها تُحفّز الكتّاب على إنتاج أعمال ذات جودة عالية، كما تساعد الجوائز على اكتشاف كتّاب شباب مغمورين». لكن، في المقابل، يستطرد الكاتب «نجد أن الجوائز في المغرب، فيها اختلالات عديدة، وإن كان صعبا أن نوجه الاتهامات بلا جرد أو إحصاء ولا حجة، أو بناء فقط على آراء الغاضبين، الذي يرشحون أعمالهم لهذه الجوائز ولا يفوزون، فإن طريقة تشكيل لجان التحكيم وطبيعة العلاقات الاجتماعية الموجودة في عمق الوسط الثقافي غير الشفافة، والترشيح الدائم للكتاب الكبار لأنفسهم وغيرها، يشوش سلبا على الوظيفة المفترضة للجائزة الأدبية على الإبداع وعلى أهمية الأدب كوسيلة لفهم الذات والمجتمع والعالم، بحيث تصبح الأعمال الفائزة جزءا من ذاكرة الأدب، ما يخلق إرثا ثقافيا يمكن العودة إليه لدراسة تطور الكتابة والأفكار».
«قناصو الجوائز»
وتحدث الكاتب المغربي عن الجوائز الأدبية العربية، واعتبر أن «هناك جوائز عربية لها صدى طيب وقيمة مادية مشجعة على التنافسية والجودة، لكنْ هناك مشكل التسابق على الجوائز عوض العمق الإبداعي، حيث أصبح لدينا قناصو الجوائز العربية الذين أصبحوا يعرفون ما تريد لجان التحكيم وما لا تريده». محليا، قال كوكاس، إنه «يوجد الإبداع أولا قبل الجائزة، يوجد الصدق والخيال الواسع والإتقان الفني المفترض في أي عمل يستحق وسم الأدب»، لذلك فإن «الجائزة هي فعل ثانوي في العمل الإبداعي، هي فقط اعتراف مؤسساتي بأعمال متميزة وتقدير جماعي أو إجماع وطني أو قومي على عمل أدبي لافت للانتباه». وعن مسألة المعايير، قال كوكاس إن «هذا باب كبير، لكن الجواب فيه شائك، ويجب أن تكون لنا فيه احترازات عديدة، بحكم الطبيعة الاجتماعية والمؤسساتية للجهات المانحة للجائزة، فإن العديد منها يفتقد للشفافية ولمسطرة واضحة ولمعايير متفق عليها بين كل مكونات المجتمع الأدبي، ما يجعل الزبونية والمحسوبية والحسابات الخاصة لأعضاء اللجان الحاسمة في أمر هذه الجوائز، أمرا قائما، لكن هذا لا يمكن أن يلغي وجود أعضاء يقظي الضمير ويمتازون بصرامة في تحكيم المعايير الإبداعية قبل الصداقات والإخوانيات». ويرى الكاتب بخصوص ضرورة الجوائز للأدب، أن «الضروري للإبداع هو الخيال والأدبية»، أما الجائزة فإنها «ليست مكونا في بنية جمالية النص الأدبي، إنه بمثابة حلية أو زمردة نضعها على تاج النص ذي الجودة الإبداعية المتميزة».
الشاعر محمد بلمو، أوضح في البداية «أن الجوائز الأدبية تقليد غربي جديد علينا، فأشهر جائزة أدبية في المغرب هي (جائزة المغرب للكتاب) وهي حديثة العهد حيث أطلقتها وزارة الثقافة سنة 1968، في تجربة انطلقت متواضعة إن على مستوى القيمة المالية، أو على مستوى الفروع ولجنة التحكيم والمعايير، لكن تراكم هذه التجربة وما كانت تثيره من نقاش وجدل وإشكاليات في كل دورة، كان يساهم في تطويرها شيئا فشيئا، وفي المحصلة الحالية يمكن ملاحظة تطور هذه الجائزة من حيث مضاعفة قيمتها المالية، ومن حيث توسيع مجالاتها وأيضا من حيث تكوين لجانها وتدقيق معاييرها، صحيح أنها لم تصل إلى ما هو مأمول، ولكن المسار التطوري الذي عرفته هذه الجائزة خلال 56 سنة من عمرها، يشي بكونها ستصبح أكثر فعالية ومردودية مع توالي الدورات، وتفعيل إرادة التثمين والتجويد».
تنشيط سوق الكتاب والقراءة
وسجل بلمو متحدثا لـ»القدس العربي»، ملاحظة تفيد بأن «الوزارة الوصية (وزارة الثقافة) بادرت خلال السنوات القليلة الأخيرة في عهد الوزير محمد المهدي بنسعيد إلى إحداث جوائز أدبية خاصة بالشباب، نذكر منها تلك الخاصة بالفنون التشكيلية التي لم تكن من قبل تحظى بأي جائزة خاصة بها». وبشكل عام، يقول الشاعر بلمو، «إذا كنا نعرف من خلال الجوائز العالمية الكبرى، أن نيل كاتب لإحداها يكون له وقع كبير على مسيرته، فبالإضافة إلى المبلغ المالي الكبير الذي يتحصل عليه، فإن إشعاع حصوله عليها يرفع من مبيعات كتبه، ويجعل جمهورا جديدا من القراء يتهافت عليها لاكتشاف عوالمه، ويصبح الفائز قبلة لوسائل الإعلام بكل أنواعها لإعادة تقديمه وتجربته الإبداعية للجمهور الواسع، ومن ثم يجد الفائز نفسه أمام ولادة جديدة تجعله يحس بثقل المسؤولية».
ويستدرك الشاعر بلمو بقوله «هذا المستوى لم تصل إليه بعد جوائزنا في المغرب، ما يتطلب الكثير من الجهد والعمل والاجتهاد ومضاعفة الإمكانيات المرصودة، لنبلغ بجوائزنا المستوى الرفيع الذي يجعل منها جوائز حقيقية فاعلة ومؤثرة فعلا». ويختتم بقوله إن «التجارب التي سبقتنا بهذا الخصوص تثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن الجوائز الأدبية ليست ترفا ولا مجرد (خضرة فوق طعام) كما يقول المغاربة، بل هي آلية حقيقية وفعالة لتنشيط سوق الكتاب والقراءة، وبالتالي تحريك الفكر والخيال وتحصين المجتمع من الجمود والركود والنمطية».