غزة- “القدس العربي”: تزداد في هذه الأوقات أوضاع سكان قطاع غزة صعوبة، بسبب ندرة الطعام والماء، جراء الحرب الإسرائيلية التي تجبر السكان على النزوح من مكان إلى مكان، وسط عمليات قصف مكثف تفقد الفلسطينيين حياتهم، وتجبرهم على السكن في مناطق لا تتوفر فيها أدنى الخدمات.
وعلى وقع النزوح المرير، أو السكن في مناطق القطاع غير الآمنة، يعاني في هذا الوقت جميع السكان، خاصة أولئك القاطنين في مناطق شمال القطاع، من نقص حاد في المواد التموينية، بسبب سياسة الحصار المشدد التي تفرضها سلطات الاحتلال، والتي لا تسمح سوى بمرور كميات قليلة جداً من المواد التموينية والمساعدات.
ولم يعد هناك وجود لأصناف غذائية كثيرة في الأسواق، فيما يرتفع ثمن المتوفر من هذه المواد، بشكل يصعب على غالبية السكان الحصول عليه.
ولهذا السبب لم تتمكن ابتسام، أم مصطفى، وهي سيدة في منتصف العقد الخامس، من شراء أي من منتجات الدجاج المذبوح المجمد، عندما استفسرت عن ثمنها من أحد المحال وسط قطاع غزة، وعلمت بارتفاعه بشكل يفوق قدرات أسرتها كبيرة العدد.
وقد أبلغها البائع أن ثمن كيلو الفراخ المجمدة يصل إلى أكثر من ثمانية دولارات، وتقول لـ “القدس العربي” إن أسرتها تحتاج إلى أربع كيلو جرامات على الأقل، ما يعني أنها بحاجة إلى مبلغ كبير لا تستطيع تحمله، وهذه السيدة تؤكد أن الأسرة لم تتذوق طعم اللحم منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
وتشير أيضاً إلى أن باقي أسعار الخضروات مرتقع، وأنها، كغيرها من ربات المنازل، تكتفي في هذا الوقت بشراء القليل جداً من هذه الأصناف، وخلطها عند الطبخ بالمعلبات التي تحصل عليها كمساعدات من المنظمات الدولية، وتقديمها كطبخة جديدة للأسرة، وتؤكد هذه السيدة أن الأمر انعكس سلباً على صحة أطفال الأسرة، الذين قالت إنهم يمرضون بشكل مستمر، وأن علامات عدم الاستفادة من الطعام بدأت تظهر على أجسادهم، حيث فقدوا كالكبار الكثير من الوزن.
وتقول هذه السيدة إن أطفال الأسرة يطلبون بشكل دائم تناول اللحوم، وهو ما لم تقدر عليه الأسرة.
وهذا الحال يشابه أيضاً ما عبّر عنه خالد البردويل، وكان يعمل في حقل البناء قبل الحرب، قبل أن يتحول إلى عامل بالأجرة حالياً في أحد المحال التجارية، ويؤكد أن قيمة أجرته اليومية تحول دون القدرة على شراء الكثير من الأصناف الغذائية.
وسبق أن حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بأن هناك أكثر من 3,500 طفل معرّضون لخطر الموت في قطاع غزة، بسبب اتباع الاحتلال سياسات التجويع، ونقص الغذاء، وانعدام المكملات الغذائية، ومنع المساعدات، وطالب العالم بإنقاذ واقع الأطفال فوراً.
كان تقرير سابق صدر عن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، تطرق إلى النقص الحاد في المواد الغذائية وتأثيره على السكان، وأكد أن سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة، يتقدم بوتيرة قياسية نحو العتبة الثانية للمجاعة.
وأكد التقرير أيضاً بأن جميع سكان غزة يواجهون مستويات توصف بالأزمة في انعدام الأمن الغذائي أو أسوأ، كما أشار إلى أن 9 من كل 10 أطفال في قطاع غزة يعانون فقراً غذائياً حاداً.
كما يعاني سكان القطاع من نقص حاد في إمدادات المياه، ففي مناطق وسط وجنوب القطاع، لا تصل إمدادات المياه للسكان سوى مرة واحدة في الأسبوع في أحسن الأوقات ولساعات قليلة، فيما يعاني سكان مناطق الشمال من عجز كبير في الإمدادات، بعد توقف آبار المياه عن العمل هناك، بسبب نفاد الوقود المخصص لتشغيلها.
والجدير ذكره أن سلطات الاحتلال دمرت، خلال فترة الحرب، غالبية آبار المياه، ولم يعد إلا القليل منها يعمل، كما تعمدت، وفق الجهات المختصة، تدمير شبكات البنى التحتية، ومن ضمنها الخطوط الناقلة للمياه.
وسبق أن أكدت سلطة المياه الفلسطينية أن إجمالي المياه المتوفرة حالياً في قطاع غزة يقدر بحوالي 10-20% من مجمل المياه المتاحة قبل الحرب، لافتة إلى أن هذه الكمية غير ثابتة وتخضع لتوفر الوقود.
وأثر تضرر شبكات المياه وتوقف الآبار على محطات تحلية المياه، وبات الحصول في هذا الوقت على “جالون” مياه بسعة 10 أو 20 لتر، يحتاج إلى الاصطفاف في طابور طويل تحت أشعة الشمس يدوم لساعات.
ويقول الشاب محمد صيام، من وسط قطاع غزة، لـ “القدس العربي”، إنه يهب على وجه السرعة هو وجيرانه المقيمين في خيمة نزوح قريب من خيمته، مسرعين نحو المكان الذين تتواجد فيه شاحنات تنقل خزانات المياه الصالحة للشرب لبيعها، أو تلك التي تكون مجانية بتبرع من أشخاص أو جمعيات.
ويوضح هذا الشاب أنه إن نجح في محاولة واحدة في الحصول على 20 لتر مياه لأسرته، فإن ذلك يكون بعد فشله في مرات كثيرة سابقة من الحصول على هذه الكمية، إما بسبب التزاحم الشديد، أو الطابور الطويل الذي يصطف أمام تلك الشاحنات، أو بسبب وصوله بعد نفاد الكمية، ويؤكد هذا الشاب أن هذه الكمية التي تضطر الأسرة لتقسيمها على يومين أو أكثر لا تفي احتياجاتهم، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وحاجتهم إلى شرب السوائل.
وتجمع أسرة هذا الشاب في منطقة نزوحها عدة جالونات وأوعية بلاستيكية تضع فيها ماء عادياً غير صالح للشرب، لاستخدامه في احتياجاتها اليومية، كغسيل الملابس أو الحمامات، ويجري جلب المياه من مكان يبعد أكثر من 500 متر، وهو خط مياه يتجمع حوله كم كبير من النازحين، ويجري تعبئة جالوناتهم بعد اصطفافهم في طابور طويل.
وتقول والدة هذا الشاب إنها تضطر إلى عدم غسل الملابس إلا بعد استخدامها ولبسها لأيام طويلة، لعدم توفر الماء اللازم، وتوضح أيضاً لـ “القدس العربي” أنها وجاراتها يستخدمن حالياً أقل كمية مياه في الغسيل اليدوي، بسبب شح مواد المياه، وتضيف: “ايش بدنا نساوي، هي اللي متوفر، ومجبورين على هيك معيشة، ورغم هيك القصف بيلاحقنا”.
وتضطر الأسر التي لم تنزح أيضاً لتخزين المياه في جالونات وخرانات بلاستيكية تعبّأ يدوياً، وهو ما يحتاج إلى جهد كبير، حيث يضطر محمد صالح وشقيقه إلى تعبئة جالونات وأواني المياه البلاستيكية أولاً من وصلة مياه مثبتة على باب منزلهم في مخيم النصيرات وسط القطاع، ومن ثم حملها لإفراغها في خزان بلاستيكي كبير، ويقول إنه يظل يكرر هذا الأمر، حمل الجالونات والأواني والصعود بها على سلالم البناية حتى الدور الثالث وإفراغها في الخزان، طوال فترة وصول إمدادات المياه.
ويوضح، في حديثه مع “القدس العربي”، أنه يضطر إلى تكرار العملية عشرات المرات، ويقول: “في نهاية اليوم لا أشعر بقدمي ولا بذراعي”، وهذا الشاب، الذي تخرج قبل عامين من الجامعة، كان يحلم بوظيفة تساعده وأسرته على تدبر حياتهم، غير أن ظروف الحرب أجبرته على فتح بسطة لبيع المعلبات حال توفرت، ويقول: “في يوم وصول المياه لا أقوم بفتح البسطة”، حرصاً على تعبئة المياه.
ويستذكر قبل الحرب كيف كانت أسرته ترفع كميات المياه إلى الخزانات البلاستيكية العلوية عبر ماتور كهربائي، حيث توقف عمله منذ بداية الحرب، مع انقطاع التيار عن كل سكان قطاع غزة.
ويشابه حال هذا الشاب جميع سكان القطاع الذين يعانون من نقص حاد في إمدادات المياه.
ويشتكي السكان في قطاع غزة من أن نقص المياه الصالحة للشرب أثّر على صحتهم، وجعلهم يعانون من الجفاف، فيما أثر نقص المياه الأخرى على مستوى النظافة، وقد تسبب ذلك بإصابة الكثير منهم بالأمراض.
والجدير ذكره أن سلطات الاحتلال قلّصت بشكل كبير إمدادات المساعدات والمواد الغذائية التي تدخل إلى قطاع غزة، منذ أن أغلقت معبر رفح البري الفاصل عن مصر، والذي كانت تمر منه المساعدات، وأبقت هذه الأصناف رهينة للدخول من معبر كرم أبو سالم الذي تتحكم فيه بشكل كامل، حيث تسمح بدخول القليل جداً منها، كما تفرض قيوداً على دخول الوقود الذي يستخدم في تشغيل آبار المياه والمرافق الحيوية الأخرى، كالمشافي.
وفي هذا السياق، قال نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة إن أحد الأشياء التي يجدونها “محبطة” عدم تغير الأوضاع الخاصة بسكان القطاع، وأضاف: “بعد تسعة أشهر، ما يحتاجه الناس في الشمال لا يزال كما كان عندما بدأت الحرب”، وقد أشار إلى حاجة السكان للطعام والمياه والدواء، فضلاً عن الاحتياجات العاجلة للنساء من مستلزمات النظافة الصحية.
وأشار إلى وجود عدة عوامل تعرقل تقديم المساعدات الإنسانية في غزة على نطاق واسع، بما فيها القيود على الحركة وسلامة العاملين في المجال الإنساني، وتحديات الاتصالات، وساعات العمل غير المتوقعة.
وفي هذا السياق، كان السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور قال، وهو يشير إلى الوضع القائم في قطاع غزة، إن المجاعة في قطاع غزة لم تعد تلوح في الأفق، بل أصبحت حقيقة موحشة.
وقال، في كلمته أمام المنتدى السياسي رفيع المستوى لعام 2024 بعنوان: “من قمة أهداف التنمية المستدامة إلى قمة المستقبل”، والذي عقد منذ يومين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك: “إن المجاعة في غزة تستدعي مواجهة الإخفاقات التي تسمح باستمرار هذه المظالم”.
وأضاف: “بينما نعقد مؤتمر القمة المعني بالمستقبل، فإن الحاضر في فلسطين مليء بالأوجاع والآلام بفعل الاحتلال”، وقال: “ما شيّدته العائلات والمجتمعات عبر الأجيال، تم تدميره في غضون ثوانٍ، ويقتل المدنيون، وخاصة النساء والأطفال، كل ساعة وكل يوم”. ودعا منصور العالم إلى الالتزام بالمبادئ الأساسية لتحقيق الأهداف قبل بلوغ عام 2030، والتي تضمن عدم وجود أي بلد فوق القانون.
حصار ودمار منذ 1948 تمارسه عص الشر الصهيو أمريكية النازية على شعب فلسطين منذ 1948 ✌️🇵🇸☹️☝️🚀🐒🚀