الجيش الإسرائيلي يتوغل داخل الأراضي السورية… وقواته تحتل جبل الشيخ الاستراتيجي

حسام محمد
حجم الخط
0

سارع الجيش الإسرائيلي منذ الساعات الأولى لإسقاط ثوار سوريا نظام بشار الأسد في العاصمة- دمشق في 8 كانون الأول/ديسمبر إلى شن عشرات الغارات الجوية، إذ قامت المقاتلات الحربية الإسرائيلية بضرب عشرات وربما مئات الأهداف العسكرية في عموم البلاد، ليباشر الجيش الإسرائيلي في خطوة تالية بالتوغل داخل الأراضي السورية القريبة من الشريط الحدودي العازل، واحتلال عدة مواقع استراتيجية، والانتشار داخل القرى وتمشيطها للبحث عمن تصفهم تل أبيب بمطلوبين يعملون لصالح إيران، في حين أكدت مصادر محلية لـ”القدس العربي” طلب الجيش الإسرائيلي من الأهالي تسليم الأسلحة التي بحوزتهم، والتي حصلوا عليها بعد هروب جيش النظام المخلوع من مواقعه وترك أسلحتهم في المقار العسكرية أو على جوانب الطرقات، وأن الجيش الإسرائيلي بات يحتل ما تبقى من جبل الاستراتيجي، بالإضافة إلى تلول الحمر الاستراتيجية في ريف محافظة القنيطرة.
وأعلنت تل أبيب، 8 كانون الأول/ديسمبر، انهيار اتفاقية فصل القوات مع سوريا لعام 1974، وانتشار الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في هضبة الجولان السورية التي تحتل معظم مساحتها منذ 1967، في حين لاقى التوغل الإسرائيلي رفضا عربيا وإقليميا لاحتلال إسرائيل أيا من الأراضي السورية.
وبات معلوما للجميع، تاريخ التوغل الإسرائيلي داخل المنطقة العازلة في سوريا، إلا أن الغايات أو موعد انسحاب تلك القوات يبدو سيكون مجهولا، من جانبه، أفصح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن بعض من نوايا حكومته، إذ أعلن صراحة في بيان موجه للإسرائيليين بالعبرية أن ما حدث في سوريا احتلال للمنطقة العازلة، بينما وصف الأمر في بيان بالإنكليزية بأنه “وجود مؤقت”.

اتفاقية 1974
وقعت اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل في 31 أيار/مايو 1974 بجنيف بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، وتشير الاتفاقية إلى أن إسرائيل وسوريا ستراعيان بدقة وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو وستمتنعان عن جميع الأعمال العسكرية فور توقيع هذه الوثيقة تنفيذا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 338 المؤرخ في 22 تشرين الأول/أكتوبر 1973.
في حين أن مراقبة تنفيذ شروط الاتفاق سوف تتم من جانب أفراد الأمم المتحدة الذين يشكلون قوة مراقبة الفصل التابعة للأمم المتحدة طبقا لهذا الاتفاق.
و”ستكون قوة مراقبي فصل القوات التابعة للأمم المتحدة تحت سلطة مجلس الأمن، وستقوم بأعمال تفتيش بموجب الاتفاقية وتقدم تقارير عنها إلى الأطراف على أساس منتظم، وبتكرار لا يقل عن مرة كل خمسة عشر يوما” حسب الاتفاقية.
ولكن سرعان ما استغلت إسرائيل سقوط النظام السوري، للتوغل داخل الأراضي السورية، وقال إيتاي بلومنتال، مراسل هيئة البث العبرية في تقرير مصور من داخل الأراضي السورية: “للمرة الأولى منذ 50 عاما وبعد 4 أيام على سقوط نظام الأسد، دخلنا صباح (الأربعاء) مع قواتنا في المنطقة العازلة على حدود هضبة الجولان (السورية المحتلة)”. وفق وكالة “الأناضول”.
ووفق صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، فإن الجيش الإسرائيلي احتل منطقة جبل الشيخ (تسميها إسرائيل منطقة حرمون) من الناحية السورية، والتي كانت تحت سيطرة نظام بشار الأسد.
وأضافت أن “الكابنيت صادق في وقت متأخر من مساء السبت، على قرار غزو منطقة جبل الشيخ السورية والمنطقة العازلة هناك”.
وأوضحت الصحيفة، أن “قرار احتلال المنطقة السورية جاء باقتراح من وزير الدفاع يسرائيل كاتس، بعد أنّ تبين أن نظام الأسد قد سقط”.

ما هي المنطقة العازلة؟

المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل يبلغ طولها أكثر من 75 كيلومترا ويراوح عرضها بين نحو 10 كيلومترات في الوسط و200 متر في أقصى الجنوب.
وذكر موقع ” يوندوف” أن التضاريس جبلية، ويهيمن عليها في الشمال جبل الشيخ، وهو أعلى موقع مأهول بشكل دائم للأمم المتحدة على مستوى العالم على ارتفاع 2814 مترا.
على كل جانب من المنطقة الفاصلة توجد منطقة حدود بها ثلاث مناطق: منطقة من 0 إلى 10 كيلومترات من المنطقة الفاصلة، ومنطقة من 10 إلى 20 كيلومترا من المنطقة الفاصلة، ومنطقة من 20 إلى 25 كيلومترا من المنطقة الفاصلة”، وفق الموقع.
وتابع: “تقوم قوة الأمم المتحدة، بدعم من مجموعة مراقبي هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في الجولان، بتفتيش ومراقبة هذه المناطق الفاصلة بشكل مستمر، للتأكد من مراعاة القيود المتفق عليها في الأسلحة والقوات”.

تدمير أسلحة الأسد

أنهت الضربات الجوية الإسرائيلية غالبية الأسلحة الاستراتيجية والمطارات والصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى التي كان يتسلح بها جيش بشار الأسد المخلوع، عملية تحييد تلك المعدات والأسلحة جاءت عبر مئات الضربات الجوية بمشاركة مئات الطائرات الحربية الإسرائيلية في عملية وصفتها إسرائيل بالأكبر في تاريخها.
الضربات الإسرائيلية استهدفت قواعد الأسد العسكرية الجوية والبرية والبحرية، كما شملت مراكز البحوث العلمية وغيرها من المقار والمعسكرات والقواعد، حيث دمر الجيش الإسرائيلي كل المقاتلات الحربية المتهالكة التي كان يختبئ بها النظام السوري، كما طالت الضربات مدرجات الطائرات، ومروحيات عسكرية وغيرها من الأنظمة العسكرية.
وقال جيش الاحتلال: “شملت الأهداف طائرات مقاتلة، ومروحيات قتالية، وصواريخ سكود، وطائرات مسيّرة، وصواريخ كروز، وصواريخ ساحل-بحر، وصواريخ أرض-جو، وصواريخ أرض-أرض، إضافة إلى رادارات وقذائف صاروخية وغيرها من الأسلحة”.

توغل محدود أم احتلال؟

مصدر أمني سوري فضل حجب اسمه، قال في تصريحات خاصة لـ “القدس العربي”: التوغل الإسرائيلي داخل الأراضي السورية خلال الأيام القليلة الماضية، مرده لعدم وجود قوة عسكرية في الجانب السوري بمهمة ضبط الحدود مع إسرائيل.
وأضاف، التوغل الإسرائيلي داخل الجغرافيا السورية سوف يستمر ريثما تستقر الأوضاع الداخلية في البلاد، ويتم تشكيل جيش سوري جديد ويباشر مهامه، وبعد ذلك من المرجح أن يغادر الجيش الإسرائيلي المناطق والمدن والبلدات التي دخلها، ويعود لقواعده بعد التأكد من عدم وجود أي تهديد على قواته.
واستطرد قائلا: التوغل الإسرائيلي يرمي إلى تأكده من عدم وجود أي أسلحة ثقيلة بالقرب من المنطقة العازلة على الحدود السورية- الإسرائيلية، والتأكد من عدم وجود أي نيات هجومية، وسط مخاوف من تل أبيب، أن تقوم فصائل سورية ذات صبغة إسلامية بشن هجمات على أهداف إسرائيلية.
من جانبه، قال الباحث في الشأن الأمني والعسكري محمود إبراهيم لـ”القدس العربي”: القوات الإسرائيلية التي توغلت داخل الأراضي السورية ستبقى لفترة زمنية طويلة، ومن المستبعد انسحابها في المدى المتوسط.

جيش سوري بدون أنياب

يبقى الجيش السوري المنتظر، هو أحد أبرز الأسئلة والتحديات أمام الحكومة الجديدة، خاصة مع سيل التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط.
وحول مستقبل الجيش السوري الجديد، أشار المصدر الأمني، إلى وجود رغبة وتوجه إسرائيلي إلى جعل الجيش المرتقب في سوريا، يحمل الصبغة الدفاعية لا الهجومية، بحيث تبقى مهامه في حفظ الأمن داخل سوريا وحماية السوريين والبلاد، وعدم امتلاكه أي أسلحة ثقيلة أو استراتيجية قد تشكل تهديدا على أي من دول الجوار السوري.
وتوقع المتحدث، أن يتم تسليح الجيش السوري المنتظر بأسلحة حديثة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، على أن يتم تسليحه بالمستويات المتوسطة والخفيفة، بحالة مشابهة للجيش اللبناني، بحيث لن يتم تسليح الجيش السوري الجديد بصواريخ أرض- أرض، أو أرض- جو ذات مديات متوسطة أو بعيدة، كما من المتوقع عدم امتلاك الجيش الوليد لدفاعات جوية بعيدة المدى، والاكتفاء بتسليحه بدفاعات قصيرة المدى.
كما من المستبعد وفق ما قاله المصدر الأمني لـ”القدس العربي” تزويد الجيش السوري بتقنيات تشويش ومراقبة فائقة الدقة والمدى، وبالتالي في غالب الظن، سيكون التوجه لجعل الجيش السوري يمتلك قوات برية مزودة بدبابات ومدرعات وعربات نقل، مزودة بأسلحة من المتوسط وما دون.
في حين استبعد المصدر الأمني، خلال حديثه لـ”القدس العربي” أن يتم تسليح الجيش السوري بمقاتلات حربية خلال المدى المنظور على أقل تقدير، في حين توجه للاعتقاد بأن يتم تسليحه بمروحيات عامودية، بمهام للشرطة أو الدفاع المدني والإسعاف، في حين من المستبعد تزويده بمروحيات قتالية بمهام عسكرية متعددة.
أما الباحث في الشأن الأمني والعسكري السوري إبراهيم محمود فقال من جانبه لـ “القدس العربي”: الوضع الحالي في سوريا ما زال في بداياته، ولا توجد أي قرارات أو وعود أمريكية أو أوروبية بتسليح الجيش السوري القادم، مرجعا ذلك إلى السقوط المفاجئ للنظام السوري، وحتى الساعة لا توجد أي اتفاقيات لشكل الدولة السورية القادمة، والمستقبل ما زال مجهولا، وأسباب ذلك تعود إلى هشاشة المنطقة ككل.
ورأى إبراهيم، أن سوريا لن تصبح دولة منزوعة السلاح، وأن الغارات الإسرائيلية التي دمرت كافة الأسلحة التي كان يمتلكها جيش بشار الأسد المخلوع، لم تكن سوى خردة لا أكثر ولا أقل، ولم يكن لها أي قيمة عسكرية في سوق السلاح، وهي كانت مجرد أدوات تسليحية يمتلكها الأسد المخلوع لتدمير الشعب السوري طيلة السنوات الماضية.

إدانة عربية

أصدرت الجامعة العربية قرارا يدين التوغل الإسرائيلي داخل المنطقة العازلة مع سوريا، وبدأت تحركا لعقد جلسة لمجلس الأمن لبحث هذه الممارسات الإسرائيلية “التي تهدد السلم والأمن الدوليين”.
وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان، إنه بمبادرة من مصر وبالتعاون مع دول شقيقة لم تسمها، عقد مجلس جامعة الدول العربية اجتماعا في مقره بالقاهرة على مستوى المندوبين الدائمين مساء الخميس، لـ”صياغة موقف عربي موحد إزاء قيام الجيش الإسرائيلي باحتلال أراض إضافية بالجولان السوري المحتل” وفق وكالة “الأناضول”.
وأضافت أن هذا الاجتماع تمخض عنه “صدور قرار عربي يدين توغل إسرائيل داخل نطاق المنطقة العازلة مع سوريا، وسلسلة المواقع المجاورة لها بكل من جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق” واعتبر القرار “ذلك مخالفا لاتفاق فك الاشتباك المبرم بين سوريا وإسرائيل عام 1974”.
وسبق ذلك إعراب عدة دول عربية، عن رفضها لاستيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة مع سوريا، بعد إعلانها عن انهيار اتفاقية فصل القوات مع دمشق جراء سقوط النظام السوري.
جاء ذلك في بيانات رسمية صادرة عن السعودية وقطر والكويت والأردن والعراق، والجزائر، وجامعة الدول العربية، فيما قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي، الإثنين، إن قوات الجيش توغلت بريا في المنطقة العازلة مع سوريا، مع استمرار تنفيذ هجمات جوية واسعة بقنابل ثقيلة على مواقع في المنطقة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية