الحرب الأوكرانية نحو عامها الثالث على إيقاع انتصار موسكو وتبلور خريطة جيوسياسية جديدة

حسين مجدوبي
حجم الخط
5

لندن -«القدس العربي»: مرت سنتان على الحرب الروسية-الأوكرانية، وبدأت كل المعطيات تشير إلى رغبة الغرب في إقفال هذا الملف على حساب الوحدة الأوكرانية لإقناعها التخلي عن جزء من أراضيها لموسكو. غير أن هذه الحرب تشكل المنعطف الذي كان ينتظره الجميع نحو خريطة جيوسياسية جديدة عنوانها البارز نهاية هيمنة الغرب.
وهكذا، تحل السنة الثانية للحرب التي اندلعت يوم 24 شباط/فبراير 2022 وما زالت مستمرة، ولم تعد تحتل صدارة الأخبار في الوقت الراهن لسببين، الأول ويتجلى في تراجع حدة المواجهات الحربية بين البلدين حيث لا تقع مواجهات حربية كبرى كما حدث خلال الشهور الأولى. بينما السبب الثاني هو هيمنة أخبار حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد فلسطينيي قطاع غزة، وهي الحرب التي شكلت السقوط الأخلاقي للغرب الذي ندد بروسيا ولم يتجاوز التحفظ على جرائم إسرائيل رغم الفارق في سقوط المدنيين بشكل محدود في الحرب الأوكرانية وسقوط أكثر من 27 ألف من الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين وخاصة الأطفال في حرب غزة. ورغم الغياب الإعلامي وتراجع الاهتمام السياسي، تعتبر الحرب الأوكرانية مفصلية في العلاقات الدولية والجيوسياسية وأفرزت تطورات هامة للغاية أبرزها:

استحالة هزيمة روسيا

استحالة انتصار الغرب على روسيا رغم البروباغاندا الغربية حول الخسائر التي تعرض لها الجيش الروسي. إذ لم يعد أحد في الغرب خلال السنة الثانية للحرب يتحدث عن الهجوم العسكري الأوكراني المضاد لطرد الروس من شرق أوكرانيا. وكان قائد القوات الأمريكية السابق الجنرال مارك ميلي قد صرح بداية السنة الماضية أنه لا يمكن انتظار تطور عسكري في الحرب بتراجع الروس. ورغم أن هذه الكلمات صدرت عن المتحكم وقائد القوات الأمريكية، إلا أن السياسيين كانوا يروجون لروايات مختلفة ويبشرون بالانتصار المرتقب والمقبل، تارة بالتعهد بتقديم دبابات ليوبارد للحسم، وتارة بمنح أوكرانيا مقاتلات إف 16 لطرد الروس. وانتهى الأمر بعجز الغرب عن تزويد أوكرانيا بقذائف المدافع والدبابات التي تحتاجها بسبب تراجع المخزون الغربي من الدخيرة. ولم يعد البنتاغون يتحدث عن مخططات عسكرية أوكرانية لمواجهة الروس. ويكفي أن الذكرى تحل في وقت أعلنت فيه كييف هذا الأسبوع انسحاب القوات الأوكرانية من مدينة أفدييفكا، وهو انسحاب رمزي مثل سقوط مدينة باخموت. ووضعت إدارة الرئيس زيلنسكي في موقف صعب للغاية أمام مواطنيها بعد الانسحاب من المدينة، وهي التي غيرت القيادة العسكرية منذ أسابيع ووعدت بتحقيق النصر.
يريد الغرب إقناع أوكرانيا باستحالة استعادة منطقة دونباس عسكريا والتي أصبحت مقاطعة روسية على الأقل خلال السنوات المقبلة، واستحالة تحقيق ذلك عبر الحرب وربما قد يحدث عبر مفاوضات شاقة وصعبة. وهذا لا يعني فقط هزيمة عسكرية لأوكرانيا، وإنما فقدت ما يناهز 20 في المئة من أراضيها بشكل نهائي. وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد تحدث في المقابلة الشهيرة مع تاكر كارلسون الأسبوع الماضي عن أحقية موسكو في هذه الأراضي.

هزيمة أوروبا

لا تعتبر أوكرانيا هي الخاسرة لوحدها في هذه الحرب بل أوروبا برمتها. وهذه الخسارة تتمثل في فقدان مصادر الطاقة وخاصة الغاز، حيث تستورده ألمانيا بأربع مرات أكثر كلفة من الغاز الروسي خاصة استيرادها للغاز الأمريكي، الأمر الذي يهدد قوتها التنافسية مستقبلا. وتبقى الخسارة هي الشعور بعدم الثقة من «الدب الروسي» وهو ما يدفع الحلف الأطلسي إلى مناورات عسكرية، وهي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية. ويزداد شعور أوروبا بالخوف العسكري بسبب احتمال عودة الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ومخططاته بالتقليص من دور الولايات المتحدة في منظمة شمال الحلف الأطلسي. ويوم الاثنين من الأسبوع الجاري، طالب ترامب بضرورة وقف صادرات السلاح لأوكرانيا، وتمنى ضغطا عسكريا روسيا على دول الاتحاد الأوروبي لكي تقوم بالرفع من تخصيص موارد مالية أكبر للإنفاق العسكري.
أعادت هذه الحرب القيمة الحقيقية للأسس الجيوسياسية التي تقوم عليها الدول. فرغم مواجهة روسيا للغرب عبر أوكرانيا، ونتحدث عن مواجهة اقتصاد محدود في مواجهة الغرب برمته، إلا أن روسيا تفرض الآن واقعا جديدا في أوروبا. يعود هذا إلى توفرها على عناصر القوة وهي: موارد طبيعية هائلة من طاقة ومواد غذائية ومعادن دون الحاجة إلى استيرادها من الخارج. ويضاف إلى هذا، اكتفاء شبه ذاتي في القطاع الصناعي والأدوية باستثناء ما تستورده من معدات إلكترونية من الصين، وأخيرا التوفر على صناعة حربية متقدمة للغاية، جعلتها تمارس ما يسمى الحرب عن بعد بتوظيف المسيرات والصواريخ ومنها فرط صوتية التي لأول مرة في تاريخ الحروب يتم استعمالها، وتحقق روسيا السبق في مجال الصواريخ الفرط صوتية على الغرب برمته.

أوكرانيا ونهاية القطب الواحد

يجمع مختلف المحللين سواء في روسيا أو الغرب وحتى العالم العربي بأن هذه الحرب تعتبر المنعطف الحقيقي نحو عالم متعدد الأقطاب ونهاية هيمنة القطب الواحد، أو على الأقل ظهور صراع جديد بين الغرب بمنظماته مثل مجموعة السبع والحلف الأطلسي وبين عالم تقوده كل من الصين وروسيا بأدواتها الجديدة ومنها مجموعة البريكس. وفتحت حرب أوكرانيا المواجهة الغربية في مواجهة الصين-روسيا بشكل يؤكد تبلور عالم جديد سيترتب عنه خريطة جيوسياسية جديدة غير معهودة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سمير مروان:

    في بداية الحرب الروسية الاوكرانية كنت أعاين بذهول سقوط قتلى أوروبيين شقر وكنت أتساءل كيف سمح الغرب وحتى روسيا بذلك، حتى استفقت على مأساة غزة وقتلاها بالآلاف.فأدركت أن الفكر الغربي لا يرتاح إلا لمشهد الضحية المسلم وروسيا ليست استثناء فهي لم تحرك ساكنا لرؤية الفاجعة الفلسطينية.

    1. يقول فصل الخطاب:

      وماذا تنتظر من الحروب الدينية غير التقتيل والتشريد مذ خلق الله آدم وقتل هابيل لأخيه قابيل والحروب مشتعلة بين البشر 🇵🇸🤕☝️

  2. يقول فصل الخطاب:

    منذ البداية كنت مقنعة بانتصار روسيا على حلف الأطلسي الابليسي 🇷🇺😊☝️🐕🐕

  3. يقول فصل الخطاب:

    انتصر الدب الروسي بوتن،. يعيش الدب الروسي بوتن قاهر الناتو وأمريكا سيمرغ أنفهم في التراب ورب السحاب 🇷🇺😊✋

  4. يقول صفي الدين لبات مبارك - موريتانيا:

    قشل الغرب في اوكرانيا فشلا ذريعا و سيفشل في غزة ان شاء الله.

اشترك في قائمتنا البريدية