القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يمر العام الذي مضى من عمر طوفان الأقصى، رغم عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من المصابين والمفقودين هباء، إذ وصلت سمعة الكيان للحضيض في الغرب، كما في الشرق، وتسبب سفاح إسرائيل، جنبا إلى جنب مع القاتل الثمانيني، الذي يوشك على الرحيل مصحوبا بلعنات الضحايا، في استعادة الزخم للقضية الفلسطينية، بل ساهم في التعريف بحقوق الشعب الفلسطيني العادلة، التي يناضل من أجل إحرازها منذ ما يزيد على سبعة عقود.
وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، عددا من الرسائل للمواطنين، وكذلك للمجتمع الخارجي بشأن حل الأزمة الفلسطينية، وإنهاء الحرب التي يشهدها قطاع غزة في الوقت الحالي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وقال الرئيس السيسي، خلال حضوره اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة في الجيش الثاني الميداني في محافظة الإسماعيلية، إنه يجب الاحتفال بمرور 51 سنة من العمل الجاد والنجاح المبهر، الذي حققته القوات المسلحة خلال الحرب، موضحا أن الفترة التي شهدت الحرب كانت فترة صراع وكراهية شديدة في المنطقة. وأجرى الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، اتصالا هاتفيا، مع عباس عراقجي وزير خارجية إيران، حيث تناول الوزيران التطورات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها التطورات التي يشهدها لبنان وقطاع غزة، وأهمية وقف التصعيد في المنطقة في ضوء ما يجري في كل من لبنان والأرض الفلسطينية المحتلة. وصرح السفير تميم خلاف، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، بأن وزير الخارجية أعرب لنظيره الإيراني عن قلق مصر البالغ من التصعيد المتزايد في المنطقة، واتساع رقعة الصراع في الإقليم، ما يُنذر بعواقب وخيمة على السلم والأمن الإقليميين والدوليين، مؤكدا ضرورة العمل على خفض التوترات وضبط النفس في هذه المرحلة الدقيقة، لتجنب الانزلاق إلى حرب إقليمية، قد تؤدي لتداعيات بالغة الخطورة على أمن واستقرار شعوب المنطقة بأسرها. كما استعرض وزير الخارجية موقف مصر من التطورات المتلاحقة جنوب لبنان، مؤكدا رفض مصر الكامل المساس بالسيادة اللبنانية، والضرورة المُلحة لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار. وشدد على أهمية تمكين المؤسسات اللبنانية وعلى رأسها الجيش اللبناني باعتباره الطرف القادر على تحقيق الاستقرار للبلاد في ظل المشهد السياسي الراهن، مشددا على أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 بعناصره كافة.. وتناول وزير الخارجية الشغور الرئاسي في لبنان، مؤكد أهمية دعم جميع الأطراف للبنان في هذه المرحلة الحرجة لانتخاب رئيس للبلاد. كما شدد على الأهمية البالغة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على كل من قطاع غزة والضفة الغربية والنفاذ الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية والطبية إلى قطاع غزة.
استقبل البابا تواضروس الثاني في المقر البابوي في القاهرة الدكتور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري، والدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، يرافقهما وفدان من وزارتيهما. تم خلال اللقاء بحث تنسيق الجهود بخصوص التوعية بأهمية ترشيد استهلاك المياه، ودور الكنيسة القبطية ووزارة الأوقاف في هذا السياق. وأعرب البابا عن استعداد الكنيسة الكامل للمشاركة في دعم الفعاليات كافة التي تهدف إلى زيادة وعي المواطنين بهذا الموضوع.
المجد للفلسطيني
أليس من العار أن يلوم البعض منا القتيل ويشيد بالقاتل؟ أليس شيئا مخجلا أن يصبح اللص صاحب حق ويصبح المظلوم هو الظالم؟ أليس من الجبن أن نترك الضحية غارقة في دمائها ولا نعاقب القاتل؟ يواصل فاروق جويدة في «الأهرام»: من يصدق أن هناك من يدين المقاومة وهم أصحاب حق، ويشمت بالضحايا وهم شرفاء هذه الأمة؟ شيء عجيب أن يدين البعض ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ويلقى اللوم على من أعاد القضية إلى ذاكرة العالم بعد أن طواها النسيان.. هل يمكن أن نلوم الشرف وندين البطولة؟ بأي حق تخرج الأصوات في هذه الذكرى وتشوه الحقيقة وتجرم الحق وتشيد بالباطل؟ أن ما حدث يوم 7 أكتوبر لم يكن مغامرة، ولكنه انتفاضة ضمائر أمام عالم أصابته غشاوة الظلم.. كنت أتصور أن تحتفل الشعوب العربية بشهداء 7 أكتوبر، وأن يكون هذا اليوم صحوة أمة استسلمت وهانت على نفسها، وكانت على الناس أهون. كنت أتصور أن يكون أول درس في مدارسنا وأول خطبة في المساجد العربية وأول قداس في كنائس العرب عن أطفال غزة وضحايا لبنان، وهؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. أن الدماء التي تدفقت في ربوع مساجد غزة وكنائسها كانت صرخة حق ونداء ضمائر وبركان غضب أمام زمان عاجز وأمة مغلوبة ومحتل غاصب. الصمت جريمة، والاستسلام هوان، وإدانة الحق عار.. وويل لكل من فرط وهادن وباع نفسه للشيطان. كان 7 أكتوبر/تشرين الأول طوفان الأقصى نقطة في تاريخ أمة ومعجزة في حياة شعب، يأبى أن يستسلم. سلام على الشهداء.
هوس السفاح
لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، هوس مَرَضي بضرب المنشآت النووية لإيران والقضاء على برنامجها النووي؛ وكثيرا ما استفزها عبْر اغتيال علماء إيرانيين في المجال النووي. قائمة الاغتيالات، في هذا المجال، كما قال الدكتور يحيى عبد الله في «الشروق» طويلة: اغتيال أستاذ مادة فيزياء الجسيمات في جامعة طهران، مسعود علي محمدي عام 2010، ومؤسس الجمعية النووية الإيرانية مجيد شهرياري في 2010، وعالم الفيزياء النووية داريوش رضائي نجادي في 2011، ومصطفى روشان العالم الذي يعمل في موقع نتنز النووي في 2012، والعالم النووي محسن فخري زادة في 2020، فضلا عن اغتيال عدد كبير من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، خلال فترة حكمه، وتجنيد عملاء لسرقة الوثائق الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني. لم يكتف نتنياهو بذلك، وإنما حرَّض الإدارات الأمريكية المتعاقبة على إلغاء الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى ألمانيا في لوزان عام 2015 (ما سُمى باتفاق 5+1، اتفاق يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني) وهو ما استجاب له الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب الذي أعلن خروج بلاده من الاتفاق في عام 2018. وحرَّضها على التعاون معه في ضرب برنامج إيران النووي. أيضا يمكن القول إن حُلم نتنياهو ومشروع حياته أن يقضي على برنامج إيران النووي، بحيث لا تكون هناك في المنطقة قوة نووية أخرى، غير إسرائيل، التي تمتلك، حسب تقديرات عالمية متطابقة أكثر من مئتي رأس نووي. كان أعنف وآخر هذه الاستفزازات، اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في قلب طهران في 31 يوليو/تموز 2024، واغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، أهم حلفاء إيران في المنطقة، في 27 سبتمبر/أيلول 2024، مع عدد من قادة الحزب، إضافة إلى قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني كان معهم.
مقاول بايدن
نادرا ما نجد استثناءات لهذا الهوس بالاستخدام المفرط للقوة، وبالغرور بالقدرة على التلاعب بمصير المنطقة، الذي يتوق له نتنياهو وكأن دولها أصفار منعدمة القيمة. من هذه الاستثناءات، التي تنأى حسب الدكتور يحيى عبد الله عن هذا الصلف، ميخائيل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان في جامعة تل أبيب، الذي يرى أن «الشرق الأوسط الجديد لا ينتظرنا عبْر الزاوية كما يُعلن كثيرون في إسرائيل (في تلميح إلى تصريحات بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وبعدها)، وأن إمكانية قلب الأمور رأسا على عقب، من الناحية الاستراتيجية، وتأسيس تحالف إقليمي إسرائيلي ـ عربي برعاية أمريكية ما يزال في طور حلم بعيد التحقق». من المؤكد أن الضربة الإسرائيلية، المتوقعة، ستتم بتنسيق وتعاون كاملين مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تشاركت مع إسرائيل، مراحل حرب الإبادة، الممنهجة، ضد غزة خطوة بخطوة، ومراحل تصفية قدرات «حزب الله» في لبنان، حاليا، لحظة بلحظة، ووجهت، بالتعاون مع بريطانيا ودول أخرى، ضربات عنيفة ضد الحوثيين في اليمن، وموَّلت حروب إسرائيل، وأمدتها بالذخيرة، ووفرت لها الحماية الدبلوماسية في الأروقة الدولية، بل إن جاكي حوجي محلل الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، يرى أن الحرب في المنطقة «حرب أمريكية، الجيش الإسرائيلي فيها مجرد مقاول»، وهو ما يفسر الخطاب الأمريكي الحاد، ضد الهجوم الإيراني على إسرائيل، حسب، يوسي يهوشواع، محلل الشؤون العسكرية في جريدة، «يديعوت أحرونوت»، الذي قال إن «جهد الرد على الهجوم الإيراني سيكون مشتركا بين الدولتين، ولن تكون إسرائيل وحدها إذا هاجمت إيران»؛ فيما دعا مامي بئير، إلى أن «تقود الولايات المتحدة الأمريكية، جنبا إلى جنب مع إسرائيل، إجراء عسكريا قويا، من أجل تدمير البرنامج النووي الإيراني، وتصفية الزعامة الإيرانية». ثمة قناعة بأن نتنياهو «نجح»، أخيرا، في جر الولايات المتحدة الأمريكية، حتى في مثل هذا الظرف الداخلي الحساس، انتخابات الرئاسة الأمريكية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إلى مستنقع حرب إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وإلى مواجهة مباشرة مع إيران وحلفائها في المنطقة وخارجها؛ وهي حرب ستكون لها تبعات وخيمة على الاقتصاد العالمي، وقد تثير فوضى في المنطقة. لكن السؤال، الذي يطرح نفسه هل تستطيع إسرائيل، بالتعاون مع أمريكا، تحقيق ما تصبو إليه الأولى؟
بخير ولكن
فى آخر الليل هاتفت عزة كامل في «المصري اليوم» صديقتها في بيروت للاطمئنان عليها، قالت لها: «أنا بخير، اطمئني، جسدي بخير، ولكن روحي عاطبة لا تجيد قراءة هذا الواقع، كل ما أعرفه أننا منفيون في وطننا، أو ضيوف عليه، الموت يحلق فوقنا، جف الكلام، وخرس اللسان، وفرت الشوارع التي كانت تحملنا، ولم يبق إلا النفق المظلم، وأصبح الخوف نديما، والوجع رفيقا، والدم يمشى فوق الغمام». ساد صمت للحظات بيننا، وسألتني وماذا عنك صديقتي؟ قلت لها: «رأسي ثقيل وثمل كأنما أقضي الليل كله في غابة مظلمة، محاطة بأصوات عواء الذئاب، وفحيح الثعابين، ونعيق الغربان، بعدما تخلى عني رفاق الرحلة، شيء ما يتحرك في صدري وينثر تلك المرارة، ثم يصعد إلى حلقى كالغثاء، أرتعش كالمحمومة، أتجمد خوفا، أسمع صوتَ مخنوقٍ، جسدي كله يرتجف، فالسماء سوداء باكية، لا أحد يجرؤ على إيقاف شلال دموعها، وأنا أنظر إليها، تجيش في صدري كل الأحاسيس الموحشة بالحنق والكراهية والمهانة والخجل والغل والسخرية والمرارة، إنه طوفان قبيح كالرذيلة، كعروس هزلت وشاخت قبل عرسها، أو امرأة حفرت الأيام على قلبها الكثير من الخيبات، وحيدة كالعصا الضعيفة في مواجهة ريح عاصف، فوضى واضطراب، خليط بائس متنافر في وسط هذا الخواء والظلام البارد الصارم، رأسي يكاد ينفجر، هذه هي مشاعري وحالتي الآن يا صديقتي».
نتنياهو يتلاعب بمصير المنطقة… ويتعامل مع دولها باعتبارها أصفارا… ويبحث عن نصر وهمي
أنظر إلى السماء المظلمة، أريد الصراخ بكل قوتي ضد ذلك الظلم، ولكن صوتى المبحوح يمنعنى، العالم حفرة سوداء صماء، ليس هناك إلا الهذيان والخداع ومن يلعبون أدوار المهرجين والمفسدين وتزوير الحقائق، كرهت الأوجه الباكية والحزن والأنين والنحيب عويل الأرامل والثكالى، وذلك الابتذال المأساوي القذر الذي يحيط به كل حقارات الحياة، ابتذال يتغلغل بقسوة في عقولنا ودمائنا، يمثل امتهانا حقيرا لكل ما هو إنساني طبيعي، ينشر فحيحه الكريه، وينفث سمومه في الدنيا كلها، كابوس شيطاني أرعن، الحرب، الحرب، الخراب والدمار، صورة بائسة باهتة للمآسي الكارثية، رغم أننا نوهم أنفسنا بأن «المقبل أحسن وأفضل، ستتحسن الأحوال وستتحقق الأحلام»، ولكن المقبل نراه يضيع، وتسرق منا أحلامنا وأصواتنا وأرضنا وتاريخنا وهويتنا، ولا تبقى إلا الأساطير والتراجيديا المكررة، ما بين البحر والصحراء الموحشة، وحروب السماء الشرسة، وأرواح مدججة بالغضب وأجساد قابلة للانفجار، ونمتهن الموت، ويصبح الأحياء محرومين تماما من أراضيهم وسمائهم، والموتى محرومين من أن يدفنوا في قبورهم، اللحم العربي يتشظى بتفاقم، والأوصياء يتكاثرون، والجبناء يوقعون على صك البيع والمبيعة والإبادة.
لمحو عاره
المؤكد من وجهة نظر عماد الدين حسين في «المصري اليوم» أن أحد أهم دوافع نتنياهو من وراء هذا الجنون غير المسبوق، أنه يسعى للحصول على أي صورة فعلية ورمزية لنصر كبير، يجعل شعبه وخصومه والعالم أجمع ينسون تماما صورة هزيمته الاستراتيجية في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. لكن هذه هي الصورة التي يسعى إليها نتنياهو بكل الطرق، لم يعثر عليها حتى الآن. المقاومة الفلسطينية نفذت واحدة من أجرأ عملياتها منذ نكبة مايو/أيار 1948، التي أدت إلى زرع إسرائيل في المنطقة. قبل عام وفي صبيحة 7 أكتوبر 1923 اقتحمت المقاومة الفلسطينية مستوطنات غلاف غزة، وقتلت نحو 1200 مستوطن وجندي إسرائيلي، وأسرت حوالى 250 آخرين، في عملية جريئة، كانت بمثابة اللطمة والصفعة والصاعقة على وجه إسرائيل، لم تتلقَ مثلها باستثناء نصر 6 أكتوبر/تشرين الأول المجيد في 1973، بعبور الجيش المصري قناة السويس، وتلقين إسرائيل وجيشها درسا لن ينسوه أبدا. فى 7 أكتوبر مرغت المقاومة كرامة إسرائيل في الوحل، خصوصا حينما بثت صور الاقتحام وعودتها بالأسرى في فيديوهات لم يتخيل أشد المتفائلين العرب حدوثها. ولأن الإهانة كانت غير مسبوقة، فقد كان التوحش الإسرائيلي شديدا، والتدمير الممنهج واضحا، سعيا إلى أن ينسى الناس خصوصا الفلسطينيين مشاهد 7 أكتوبر، لتستقر في أذهانهم جميعا صورة التدمير في غزة وبيروت. قبل هذه العملية كانت إسرائيل تطرح نفسها وكيلا وحاميا لكل من يرغب في المنطقة في مواجهة النفوذ الإيراني، لكن جاءت هذه العملية، لتنسف هذا الوهم إلى حد كبير.
سينتهي الكابوس
تجربة الـ12 شهرا الماضية التي رصدها عماد الدين حسين قدمت لنا دروسا كثيرة، منها أن إسرائيل يمكن استنزافها وهزيمتها فعليا إذا تخلت عنها الولايات المتحدة وأوروبا، وبالتالي فإن الطرف الذي كان يطرح نفسه «فتوة المنطقة» اكتشفنا أنه بحاجة إلى من يحميه، نتنياهو دمر تقريبا قطاع غزة، وفي طريقه لتدمير الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت فوق رؤوس ساكنيها، لكن هل ذلك سيعطيه صورة النصر التي يبحث عنها؟ نتنياهو وجيشه وأجهزة استخباراته تمكنوا من اغتيال العديد من قادة المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان، خصوصا حسن نصرالله وإسماعيل هنية وفؤاد شكر وإبراهيم عقيل وعلي كركي ووسام الطويل وصالح العاروري وقيادات كثيرة من كوادر المقاومة، لكن مرة أخرى هل يعطي ذلك نتنياهو صورة النصر الذي يتمناه؟ الإجابة ببساطة هي لا، لأنه لو كان نتنياهو اقتنع فعلا أنه حصل على هذه الصورة، فربما كان قد أوقف عدوانه غير المسبوق في التاريخ الحديث. نتنياهو يدرك أن منهج التدمير والاغتيالات حتى لو طال القادة، لا تجعله ينتصر أو حتى يزعم أنه انتصر. نعم نتنياهو وجيشه دمر وخرب وقتل وأصاب مئات الآلاف في غزة والضفة ولبنان، لكن هذا الجيش يمارس هذه السياسة منذ عام 1948، وما تزال المقاومة مستمرة، ولم يستسلم الفلسطينيون أو اللبنانيون، وقبلهم لم يستسلم المصريون، وحرروا أرضهم بالقوة المسلحة، ولولا انتصار أكتوبر/تشرين الأول 1973 ما تركت إسرائيل سيناء. التدمير والاغتيالات قد تضعف المقاومة لفترة، وقد تعطي العدو نشوة مؤقتة بالنصر، لكنها لن تجعله يحصل على صورة النصر التي يأملها. ستحصل إسرائيل على هذه الصورة فقط، حينما يخرج الفلسطينيون ويعلنون أنهم يئسوا من المقاومة وتركوا أرضهم، أو رضوا بالذوبان في الكيان الصهيوني، وبما أن ذلك لم يحدث حتى الآن، فإن نتنياهو لم يحصل على صورة النصر التي يريدها، وبالتالى علينا أن نتوقع المزيد من الجرائم الوحشية بحق الفلسطينيين واللبنانيين وكل من يساند المقاومة.
لا يزال طوفانا
لم يتوقف سيل الطوفان الجارف للحرب الإسرائيلية على غزة بعد عام من القتال العنيف واستبسال المقاومة في التصدي، بل توسع حسب جيهان فوزي في «الوطن» ليدخل – بفعل قوته الجارفة – لبنان وإيران، وربما تنزلق المنطقة برمتها في حرب إقليمية شاملة، وهذا يتوقف على المعطيات التي يفرضها ميدان المعركة، بالتوازي مع التحرك السياسي والدبلوماسي، ومدى تأثيره وفاعليته على أطراف الصراع، وقدرته على فرض الحل المناسب في الوقت المناسب، قبل أن تختلط أوراق اللعبة. ويصبح من غير الممكن السيطرة على نتائجها، فلا يمكن تقدير النتائج الفعلية لحرب ما إلا بعد أن تضع تلك الحرب أوزارها، لأن التسرع في الاستنتاج تقابله احتمالات عديدة لتقلبات في الموقف الميداني، تغير أحيانا مسار الحرب برمتها. في هذا السياق ليس من الحكمة الاندفاع في تقرير نتائج الحرب التي تشنها إسرائيل شمالا وجنوبا، إلا بعد الوقف الكامل لإطلاق النار، والتعرف على محتوى وتفاصيل الاتفاق الذي أفضى إلى هذا الوقف. لقد قيَّد نتنياهو نفسه بشروط وأهداف تبدو حتى الآن مستحيلة التحقق، وبينما هي كذلك فإنه يغامر بمستقبله السياسي، ومستقبل حزبه وائتلافه الحكومي، إذا أنهى الحرب دون تحقيق أهدافها المعلنة كليا أو جزئيا. لقد وصلت الحرب في غزة إلى درجة التشبع الميداني بالكامل، بمعنى أن الجيش أشهر خلافاته مع نتنياهو بإعلانه مرارا أنه لم يعد قادرا على تحقيق المزيد، وأن القتال بات غير ذي جدوى على الإطلاق، وأن من الأفضل الاتجاه إلى صفقة معتدلة مع «حماس». وقد رفض نتنياهو بإصرار قبول هذا الاتجاه لأنه يعني، الفشل الذريع للحرب، على الرغم من التدمير الهائل والإبادة الجماعية للفلسطينيين في القطاع، وبدلا من التراجع اختار نتنياهو التصعيد إلى مستوى أعلى، عندما قرر شن هجوم واسع ضد حزب الله مسلحا بحصيلة استخباراتية كثيفة سمحت له بتوجيه ضربات مفاجأة ودقيقة ضد قيادة حزب الله، ثم باشر هجومه البري في محاولة لتحقيق اجتياح ناجح لكن غير محدد الأهداف.
سرطان الصهيونية
للموت رائحة عنوانها خرائط العرب، وفي القلب منها سرطان الصهيونية يسكن، وينثر بحسب علا الشافعي في «اليوم السابع» السموم وخلايا الفساد.. وعلى مدار عام كامل، وعلى امتداد خطوط المواجهات من غزة إلى بيروت، قادت آلة القتل الصهيونية المنطقة إلى الجنون.. تعددت جبهات الصراع وامتدت السموم، تزايدت حصيلة الشهداء وتجاوزت فاتورة إعادة الإعمار ما يمكن تدبيره.. لا يزال القتل مستمرا، والتدمير حاضرا، ولا تزال أمريكا فاقدة القدرة على فرض السلام.. ولا تزال غزة صامدة، وأرض بيروت تأبى أن تكون ممهدة لغزو بري سهل على المحتل الصهيوني. عام كامل، استخدمت خلاله القاهرة أدواتها الدبلوماسية واتصالاتها مع كل الأطراف والعواصم، ونجحت في تمرير المساعدات، وأحرزت – رغم التعنت الإسرائيلي – هدنا إنسانية، سمحت بتبادل للأسرى والرهائن. وعلى الرغم من أن تلك الهدن لم تكتمل، لكن مصر لا تزال تتمسك بالتعاون مع دولة قطر، بآمال الوصول إلى وقف كامل وشامل لإطلاق النار في غزة ولبنان وغيرها من نقاط الصراع الممتد. 365 نهارا وليلا، تعجز معها عن احتمال المشاهد وأنت تتابع آلاف الأسر التي أبيدت بالكامل ومحيت من السجلات.. أطفال ونساء وشيوخ ورجال، أحالتهم قنابل الاحتلال وصواريخه إلى أشلاء.. أشلاء امتزجت بحجارة القطاع وترابه، فترى الأرض باتت تئن بما تحمله أحشاؤها.. تصرخ وتقول «يا فلان لا تمر من فوقي فالشهداء في تكويني».. هنا قدم مولود، ورأس رضيع كان في حضن أمه كان يمتص ثديها رغم أنه جف، فهى لم تأكل منذ أيام.. وهذا جنين لم ير الحياة قط.. وفي تلك النقطة يرقد شيخ كان يحاول الفرار من لهيب النار ووابل الطلقات، زاحفا على بطنه.. وذاك مراهق وجد نفسه يبحث عن شربة ماء لأهله الذين صاروا أمانة في رقبته..
طاعون أمريكي
تصرخ الأرض خوفا على ما تبقى منهم.. تردد بصوت محمود درويش: التي استعانت بكلماته علا الشافعي «قد يكسرون عظامها.. قد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونسائها وقد يرمونها في البحر أو الرمل أو الدم.. ولكنها.. لن تكرر الأكاذيب ولن تقول للغزاة: نعم.. وستستمر في الانفجار.. لا هو موت ولا هو انتحار.. ولكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة». عام كامل لم نعرف منه سوى الكفر بكل المواثيق والمؤسسات الدولية التي لا تزال تتابع وتشاهد فقط، ودول غربية تدعي التطور والدفاع عن حقوق الإنسان، تشاهد المذابح على الهواء مباشرة، دون أن يرف لهم جفن. عام كامل من الفيتو الأمريكي الذي أدى لإهدار مئات الفرص لوقف هذه المقتلة، التي تعربد في الأرض ولا تجد من يقف لها. عام كامل لقوة غاشمة تمارس نازيتها بأريحية، وتسأل: «هل من مزيد؟». عام كامل من إبادة الحياة في غزة وحاليا لبنان، ومؤسسات دولية فقدت كل أهليتها وشرعيتها أمام هذا الطاغوت والجبروت الإسرائيلي.. سقطت الأقنعة وبانت حقيقة الوجوه.. قبح العالم كله تجسد على مدار العام.. قبح السياسة والمواءمات، دون مراعاة لأبسط حقوق الحياة والبشر.. عام كامل داست فيه إسرائيل برعاية وحصانة أمريكية غربية، كل المواثيق والمعاهدات الدولية. عام كامل، تطاردنى مشاهد الدماء والأشلاء، وكلما أجهضت واشنطن فرص التهدئة بـ«الفيتو المسموم»، تلاحقني كلمات الراحل محمود درويش، وهو ينشد مديح الظل العالي: «وأمريكا على الأسوار تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية»، وحين قال: «أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا».
السلاح صاحي
51 عاما مرت على نصر أكتوبر/تشرين الأول، المعجزة التي أيقظت فينا الشعور بالزهو والفخار الوطني، والتي أعادت لوطننا أرضه، ولشعبنا عزته وكبرياءه، ولجيشنا العظيم ثقته ومكانته وقوته51 عاما، وما زال قلبنا كما أفاد محمد البهنساوي في «الأخبار» ينبض، ودموعنا تنسكب، وقلبنا يخفق، ونحن نتابع أخبار وتقارير وأغاني النصر المبين، وأسرار بطولات جيشنا وشهدائه الأبرار، وأحيائه الأطهار51 عاما ولم يجف مداد الكلمات، أو تتوقف عن وصف المعجزة، ولم تستطع المجلدات التي كتبت أن تكفينا وتغنينا عن الاستزادة.. اليوم، ونحن نشاهد محاولات كثيرة لتزييف الحقائق وسرقة النصر، واغتيال ثقتنا في أنفسنا وجيشنا العظيم، ومحاولات مستميتة، خفية وظاهرة من عدو الأمس واليوم، لعرقلة مسيرتنا، وتغيير خريطة منطقتنا، وإشعال حزام نار لا تهدأ جذوتها حولنا، نتيقن من حقيقة الترنيمة الخالدة لحليم متمتما بكلمات أحمد شفيق كامل، وألحان كمال الطويل، «خللي السلاح صاحي»، لتتحول من ترنيمة وأغنية نصر إلى ركيزة وطنية تحكمنا حتى اليوم. والسلاح المطلوب جعله صاحي طوال الوقت، لا نقصد به المعدات العسكرية فقط، لكنها السلاح الشامل المتضمن أسلحة وأدوات كثيرة، في مقدمتها سلاح الوعي بمختلف أساليبه لمواجهة المحاولات المستميتة كل عام لسرقة النصر وتزييف حقائقه، وكذلك لإيقاظ الوعي الوطني بأناشيد وأهازيج نصر تواجه مواتا أراده العدو لحس شبابنا الوطني، وارتباطه وتلاحمه بجيشه، وزعزعة ثقته في وطنه بتاريخه وحاضره ومستقبله الواعد بإذن الله. وبالطبع لا بد أن يظل سلاحنا العسكري يقظا متوقدا جاهزا، بتحديثه وتطويره، وتثبيت عقيدة القتال لدى جنودنا وضباطنا، واليقظة والفطنة لما يحدث ويحاك لمصرنا ليل نهار، وهو ما نلمسه يوميا بقواتنا المسلحة الباسلة. بالتأكيد لا نشكك أو نشك بذكاء عدونا وفطنته واستيعابه دروس أكتوبر/تشرين الأول جيدا، وأن المصريين لا تتوقع ردة فعلهم ولا قوة غضبهم ولا تسديدة رمية جيشهم، فهو يتحسب لمعجزة نصرنا التي تطارده في منامه ويقظته، ويعد لها العدة بزيادة قوته واللعب لإضعاف نقاط قوتنا، فعلينا كذلك أن نتحسب بروح أكتوبر وقوتها، بأن نجعل سلاحنا الشامل، وليس العسكري فقط، صاحيا ويقظا.
أيام السادات
من أشرس معارك ضد الراحلين المعركة التي خاضها كارم يحيى في «المشهد» ضد الرئيس الراحل محمد أنور السادات: كذب الرئيس السادات الملقب من البروباغندا الرسمية «ببطل الحرب والسلام»، وكذب كثيرا، وكذبا مفضوحا. واستمر الكذب بعده بلا حياء ولا رادع. نتذكر اليوم مع ذكرى حرب 1973 وعلى نحو خاص عبارته الكذب: «حرب أكتوبر آخر الحروب العربية الإسرائيلية». ومع سرعة افتضاح الكذبة وتكذيبها بعدوان إسرائيل على لبنان 1978 وقصفها مفاعل تموز/ أوزاريك النووي العراقي 1981، ظلت عبارته الغامضة البلهاء المتهربة «ارفعوا أيديكم عن لبنان» وكأنها الخط الأساس في السياسة الرسمية المصرية إزاء البلد الشقيق. حبل أكاذيب السادات على «الجرار»، ولم يكن آخره وعده بالرخاء الذي سيعم عاجلا كل المصريين، تبريرا لسلام أبناء «الكامب» عندنا مع الذئاب. والمأساة الهزيمة المقيمة بيننا لليوم من يصدق سلطة أدمنت الكذب، عهودا منقوشة باسم رؤساء طغاة، ومن رأس السمكة حتى ذيلها. ومع أن الكذب بلا أرجل، وسرعان ما يفتضح زرافات ووحدانا، ما زال بيننا من يتطوع ليتورط في الكذب نيابة عن سلطة هذا حالها، ولو في توافه الأمور، وحتى مجاملة لصغار الموظفين العائشين في وهم أنهم سلطة أو حولها وفي ركابها. ولو عدنا إلى مانشيتات الصحف على مدى أكثر من سبعين سنة لأدركنا هول الأكاذيب والتضليل و»استصغار» عقول الناس، ولصنعنا منها أطول وأقوى عريضة اتهام في قضايا نشر أخبار كاذبة. ولذا وبمناسبة ذكرى 6 أكتوبر/تشرين الأول، أطالب بتحرير كل متهم حبيس أو سجين بتهمة الأخبار الكاذبة، والاعتذار لهم، وتعويضهم والشعب المصري. وأيضا بمحاسبة ومحاكمة سجانيهم، لأنهم يمثلون سلطة أشد وأخطر كذبا، ولا أمل في شفائها من داء الكذب.
صنم الجيش العصي
بعد حوالي 51 عاما من العبور المجيد جاءت ثلة قليلة في أراضينا المحتلة تؤمن بالله واليوم الآخر، لتستكمل وتستنهض أرواحنا التي فقدت الأمل ونسيت أو تناست على حد رأي محمود هاني في «القاهرة 24» بفعل خارجي، هذا النصر العظيم في السادس من أكتوبر/تشرين الأول، ليأتي ذلك على درب إخوانهم في الجيش المصري بفارق يوم واحد فقط عن الذكرى وهو السابع من أكتوبر 2023، ويُكسر صنم «الجيش العصيّ على الكسر»، الذي يفتخر بصناعته لأقوى دبابة في العالم وهي «الميركافا»، التي تحطمت على صخرة وعزيمة وقوة أهل غزة بسلاح «ياسين 105»، وأقوى جهاز مخابراتي على مستوى العالم، والذي رأيناه يُهزم في السابع من أكتوبر بعد فشل جهازهم المزعوم على السيطرة والتنبؤ بدخول المقاومين لأراضينا المحتلة بكل سهولة ويسر في ساعات قليلة وأسر المئات وقتل أكثر من 1200 جندي ومغتصب لأراضينا المحتلة. تقارير إعلامية عبرية حديثة تحدثت، أن المقاومة ما زالت تمتلك صواريخ قادرة على إيلامهم، وأن حركة المقاومة حماس تلملم شملها من جديد وترمم ترسانتها في الأنفاق مرة أخرى، فكرة المقاومة لا يستطيع أي شخص على وجه الأرض أن يحاربها ولا أن ينتزعها من رأس المظلوم والمقهور، «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون». هذه رسالة لكل الخانعين والخاضعين والأذلة الذين يتهمون المقاومة، بأنها أفسدت عليهم دنياهم، ولكنهم فازوا بدينهم وهذه هي سنة الله في الأرض وهي «الابتلاء»، وهذه الأرض المباركة مذكورة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التي أخبرتنا منذ الآلاف السنين أنها ستعود لنا في يوم من الأيام. أما بخصوص الآية الكريمة «وذكرهم بأيام الله» فقد قال علماء التفسير أن معناها «ذكرهم بأياديه ونعمه على بني إسرائيل، في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه، وإنجائه إياهم من عدوهم، وفلقه لهم البحر، وتظليله إياهم بالغمام، وإنزاله عليهم المن والسلوى، إلى غير ذلك من النعم.
طقس عادي
كثُرت في الآونة الأخير وفيات الأحبة والزملاء، وكم يتعبُ الدكتور محمد أبو الفضل في «الوفد» كثيرا في تحويلهم من خانة الأحياء إلى خانة الموتى، هذه عملية معقدة ومؤلمة لا يحب أبو الفضل الوداع، فهو مبتدأ الألم، وكم يطلب رقم هاتف عزيز فلا يرد أو يأتي الصوت «الهاتف الذي طلبته خارج نطاق الخدمة» ليكتشف أنه خارج نطاق الحياة، إنه في برزخ ربما يرانا منه ولا نبصره إلا مناما، وكم تُخفف هذه المنامات (الرؤى) هذا البُعد، كم نتلمس تلك الرؤى وننتظرها بلهفة. عندما كنتُ صغيرا قالوا لنا إن أرواح الموتى تأتى في صورة طائر أخضر كنت أبحثُ عن هذه الطيور الخضراء التي لا تجيء إلا نادرا، كم كنت أفرح عندما أرى طائرا أخضر حطّ على إحدى شجراتنا أو نخلاتنا، ينظر إلينا في فرح مغردا، كنت أترك ما لدي محدقا فيه، أودّ أن أسلّم عليه، ربما كان جدي أو أختي التي ماتت في ريعان شبابها.. كانت الطيور الخضراء أرواح الأحبة التي جاءت لتزورنا وتطمئن على أحوالنا، هل صار الموت طقسا عاديا في ظل كورونا وأشباهها وما بعدها، نراه ونسمع به وكأننا نشاهد فيلما تراجيديا، كان العزاء في قريتنا يستمر أربعين يوما، وعندما اختصروه لسبعة أيام كان هذا الحدث قصة ظلت تُتداوَل بين الناس، فريق موافق وآخر معترض، وعندما اختصروا العزاء لثلاثة أيام صار الأمر عُرفا فرضه عمل الناس ووظائفهم، أما الآن فلم يعد هناك عزاء، إذْ أغلقت المنادر أبوابها وصار العزاء على القبر، صار الدفن يتم بسرعة بمن حضر من خواص الفقيد، صار الفقد أسرع مما نتخيل، وصار الرحيل سمة هذا الزمان، صار الموت مشهدا مرئيا معتادا، وأضحت منصات التواصل الاجتماعي شواهد قبور تكتب جملة ترحُّم على أول شاهد قبر إلكتروني لتنسخه للقبور التالية، لا تحذفوا أرقام الراحلين بل هاتفوهم حتى لو كانوا خارج نطاق الحياة.
الإسم المعبر والحقيقي للحرب على غزة هو ” العدوان العالمي على غزة ” الذي يقتل الفلسطيني هو الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنيسة بسلاح متعددات الجنسيات ورصد أمريكي والإغتيالات لقادة المقاومة بتكنولوجية أمريكية وغطاء سياسي أوروبي ونفاق عربي وحماية امريكية في مجلس الأمن