الحرب على غزة… سقوط الأقنعة

سقطت الإنسانية وحقوق الإنسان وكل ادعاءات القِيم وجميع الأقنعة، وبات هيّنا لدولة الكيان الإسرائيلي أن تفعل ما تريد، فحاصرت غزة، وأزهقت الأرواح، ونزف الناس دما ودمعا، لكن فلسطين الغالية تستحق كل التضحيات، فلسطين التي يهون من أجلها كل شيء.
أقنعة كثيرة أسقطتها حرب الإبادة التي تشنها آلة الدمار الصهيونية ضد أطفال فلسطين. افتراءات كثيرة وخطيرة فضحت وكشفت رغم الجهود الكبيرة والأموال الضخمة التي أنفقت لأجل تسويقها وتثبيتها في عقول وأفئدة هذا العالم.
صرح الصهاينة علنا أنهم استغلوا تضافر عوامل متنوعة لم تجتمع لهم من ذي قبل: الدعم الأمريكي والأوروبي المطلق، ثم تحريض سري وتواطؤ وتعاون علني فاضح من قبل بعض الأنظمة العربية، فضلا عن إمكانات لوجستية وميدانية غير مسبوقة، لخوض حرب اعتقدوها محسومة بسرعة وبدون خسائر ضد شعب أعزل لا يملك إلا القليل القليل مما يدافع به عن دمه وعرضه وما تبقى من أرضه. وقد حددت أهداف كبرى لهذه الهجمة المتوحشة، جوهرها قهر ما تبقى من مقاومة لدى الأمة تجاه طوفان الاستكبار المعاصر، وضمان ذوبانها في لججه، وصهر إرادتها في بوتقته، أما عنوان الحرب المعلن فهو القضاء على المقاومة.
ولضمان تحقيق الأهداف الإستراتيجية بسرعة ودقة وعدم تكرار الأخطاء السابقة تم التهيئة الجيدة لوجستيا واستخباريا وسياسيا وإعلاميا، وكذا اختيار الظرف المناسب واعتماد عنصر المفاجأة، والإفراط في استخدام العنف قصد إيقاع أكبر حجم من الخسائر في قيادة المقاومة وجمهورها وتشتيت تركيزها تمهيدا لسحقها، ومن ثم تغيير الأوضاع على الأرض سياسيا بعد إنجاز التغيير العسكري الحاسم. ويقتضي التغيير المنشود تطبيق مخطط معد سلفا بالتنسيق مع المتحالفين في هذا العدوان يبدأ بإلغاء سلطة الحكومة المنتخبة. هذه الخطوة كانت ستعبّد الطريق مباشرة لفرض المشروع الصهيوني الأمريكي الذي تولت بعض الأنظمة العربية منذ مدة التبشير به والتجهيز له من خلال تسريع إيقاع وخطوات التطبيع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي تمهيدا لتعميم التطبيع السياسي.
هكذا خطط الأعداء وبدأوا في تنفيذ مخططهم الجهنمي بانسجام كامل وتقاسم منظم للأدوار، فالصهاينة تكلفوا بحرب الإبادة، أما الأمريكان والأوربيون فقد تولوا تبرير الهمجية وتغطيتها سياسيا وإعلاميا فضلا عن دعمها لوجستيا وعسكريا في حين تقاسمت بعض الأنظمة العربية ـ خاصة من وُصِفت أمريكيا وصهيونيا بالدول المعتدلة ـ باقي الأدوار، فمنها من تكفل بالشق السياسي من خلال عقد قمة عربية باهتة، أو حتى إصدار أي موقف يدين العدوان أو يتحرك لوقفه. ومنها من تعهد بخوض حرب إعلامية ضروس ضد المقاومة ورموزها ودعما للعدوان قصد تضليل عقول جماهير الأمة ومحاولة وأد أي مبادرة للتضامن أو مجرد الاستنكار أو الاحتجاج. ومنهم من شارك في تشديد الحصار الاقتصادي ومنع المعونات الإنسانية، التي تشمل الأدوية وبعض الأغذية، من الدخول إلى غزة أو الوصول إلى المحاصرين والنازحين الذين يعيشون تحت القصف المتواصل هناك.

خطط الأعداء

هكذا خطط الأعداء، وهكذا نفذوا فخلّفوا دمارا فظيعا في الأرواح والممتلكات، ولازالوا مسترسلين في إجرامهم.
أمام كل هذا الصمت وتواطؤ العالم الرسمي من منظمات وحكومات، أمام صور القتل الشديدة والبشعة للأطفال والنساء، ومشاهد الدمار الفظيع تحطم الكثير من الأساطير، واندثر الكثير من الافتراءات والدعايات. ومن جملة تلك الأقنعة التي سقطت والافتراءات التي انفضحت:
ـ الوجه الإنساني والمدني للحضارة الغربية وقيمها:
منذ القرن 19 جهد الغرب في تفعيل ترسانة دعائية ضخمة تشتمل مؤسسات إعلامية وسياسية وحقوقية واقتصادية، وأنفقت الملايين ولا تزال لإبراز الوجه الإنساني للحضارة الغربية. وبالرغم من أن الحروب الأخيرة ضد ما سمي بالإرهاب أحدثت شروخا عميقة في ذلك الوجه فإن الحرب على غزة أسقطت قناعه بالكامل ليظهر على حقيقته وجها دمويا يموّل ويشجّع على قتل الأبرياء بل إبادتهم بدم بارد. ولعل أبرز تجل لهذه البشاعة اعتبار حرب الصهاينة على غزة حرب دفاع عن النفس.

شلال الدم

ـ نزاهة وموضوعية منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان:
كيف يمكن تفسير صمت المنظمات الحقوقية الدولية على شلال الدم الفلسطيني المنهمر في غزة وعدم إصدارها أي موقف صريح يدين همجية الصهاينة وحلفائهم، ألا يوفر الصمت الغطاء الأخلاقي للاسترسال في إبادة المدنيين والأبرياء؟
ـ حرص المؤسسات الدولية (مجلس الأمن والأمم المتحدة …) على الأمن والسلم العالمي:
انكشف زيف هذا الشعار منذ مدة، خاصة بعد الحرب على العراق وأفغانستان ولبنان وسوريا فقد اتضح للعالم أن المؤسسات الدولية تكيل بمكيالين في ما يرتبط بقضايا أمتنا وحقوقها وتنحاز على الدوام لمواقف أعدائها. وقد أسقطت الحرب على غزة هذا الشعار بشكل مطلق من ضمير العالم وساعدت الهمجية الصهيونية من خلال بشاعة جرائمها على تهاوي هذا الافتراء.
ولعل من أهم مكاسب الأمة من هذه الحرب الوحشية نزع ورقة التوت الأخيرة التي كانت تستر عورة الأنظمة المفروضة قهرا إذ كشفت حجم تواطؤها ودعمها للعدو بل وتحريضه وتغطية جرائمه وهذا ما وسع من دائرة إدانتها من قبل الشعوب الغاضبة والمنتفضة لنصرة المستضعفين في غزة. وقد لا أكون مبالغا في تفاؤلي إن استنتجت بأن الوضع الشعبي والنخبوي العربي مهيأ الآن أكثر من السابق للتغيير العميق ومستشرف لزوال عوامل الخيانة والاستبداد والفساد من بلدانه ومجتمعاته.
ـ ركود الشارع العربي والإسلامي وبعده عن قضايا أمته وعدم تمسكه بهمومها وانشغاله بأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية المزرية:
لقد أوضح التضامن الشعبي المنقطع النظير خلال العدوان، والمستمر حتى الآن، أن الشعوب العربية حية تدافع عن قضيتها، ولولا تسلط الأنظمة الجبرية على رقابها لنفرت لنصرة الأهل في غزة بالمال والسلاح والأرواح لتتخذ المعركة بعد ذلك منحىً آخر.
*
كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رضا تونس:

    أعداء الامة العربية والاسلامية
    ١/الكيان الصهيوني الفاشي والنازي
    ٢/الامبريالية الامريكية ومن ورائها الغرب الاستعماري
    ٣/الرجعية العربية
    الطريق الى فلسطين يمر عبروحدة الأدات فالكيان الصهيوني يحتل فلسطين والجولان ومزارع شبعا ويحافظ على تجزئة الامة و يحمي كراسي الرجعيةالعربية و يحافظ على مصالح الغرب الاستعماري في نهب ثروات العرب

  2. يقول Abdo:

    الغريب في الامر ان جزاروا غزة لم يتابعوا لحد الان كمجرمي حرب؟ لم تنتظر المحكمة الدولية كل هذا التقتيل في اوكرانيا لتعتبر الرئيس الروسي مجرم حرب.والاغرب ان الدول العربية لاتستطيع دعم المقاومة ولا حتى خروج امن للاطفال والنساء من المجزرة.انه السقوط المدو.ي للعرب والعروبة

  3. يقول alaa:

    الشعوب العربية ليست حيه — نري في اوروبا المظاهرات وحتي في امريكا نفسها واغلبية الشعوب العربيه مكبله وحتي التظاهر السلمي ممنوع– لان اغلبية حكامهم يوالون الصهاينه ومنهم جواسيس وعملاء وحسبنا الله ونعم الوكيل

اشترك في قائمتنا البريدية