الحرب على غزّة ومفارقات أزمة «الرّهائن»

حجم الخط
2

خلال هجوم المقاومة الفلسطينيّة الصاعق على المواقع الإسرائيليّة في يوم الغفران العبراني (السبت الماضي)، أُسر عشرات الأشخاص، عسكريين ومدنيين، ويبدو – مما نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ وبيانات الجيش (الإسرائيلي) وسارعت التلفزيونات الغربيّة لنقله، وتكرار عرضه، على أنّ من بينهم نساء وأطفال صغار وكبار في السنّ، تمّ نقلهم سريعاً إلى مواقع متفرقة داخل قطاع غزّة المحاصر.
وعلى الرّغم من أن الطرفين امتنعا – لأسباب مختلفة – عن تأكيد أعداد هؤلاء الأسرى، إلا أن التوقعات تشير إلى رقم قياسي في تاريخ الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، يتراوح بين 100 و150 شخصاً، من بينهم حوالي 30 عسكرياً، وفق تقديرات صحافية. وأسر عدة مئات من الإسرائيليين خلال أيام القتال في حرب 1973 على الجبهتين المصرية والسوريّة، لكن هؤلاء كانوا جميعاً تقريباً من العسكريين.

التلفزيونات العربيّة وجناية المصطلح على العبور المبهر

ولعل مزيجاً من سوء إدارة المعركة إعلامياً من قبل التلفزيونات ووسائل الإعلام العربيّة، وأيضاً سوء النيّة المبيّت من قبل وسائل الإعلام العبريّة والغربيّة، فإن الاختراق البطولي، الذي نفذه المقاومون الفلسطينيون ضد قوات الاحتلال، ومثّل للسايكولوجيا العبريّة صدمة حرب «يوم غفران» ثانية بعد خمسين عاماً تماماً من حرب يوم الغفران الأولى، تحوّل تدريجياً إلى أزمة رهائن – من جنسيات متعددة – تحتجزهم منظمة دينية اسمها (حماس) على نسق سيئة الذكر (داعش)، وتصنفها جهات غربيّة وعربيّة عدّة، كمنظمة إرهابيّة.
بالطبع فإن العبور الفلسطيني يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وإن قاده وقام بالجهد الرئيسي فيه مقاتلو القسام – الجناح العسكري لحركة حماس – فقد شارك فيه مقاتلون فلسطينيون من عدة فصائل مناضلة، خاضوا مواجهاته وقدموا الشهداء، لكن التلفزيونات العربيّة ظلّت تردد كببغاوات أن الهجوم نفذه مقاتلو حماس، إلى أن التقط الإعلام العبري الخيط ومرره إلى شقيقه الغربيّ، وهما المتخصصان في وصم كل مقاومة للهيمنة بالإرهاب نزولاً حتى حجر صغير لقيه طفل أعزل على دبابة تجتاح بيته، فانتهينا إلى هذا الخطاب الاستشراقي المقيت، الذي نفى حتى الإنسانية عن أهل غزّة ومقاتلي التحرر الفلسطيني، وصوّرهم في موقع القاتل العبثي، والخاطف المجرم، فيما المحتل وجيش الاحتلال وعدوان الاحتلال على مليوني نسمة من المدنيين المحاصرين مجردّ (دولة) و(شعب) متحضّر وديمقراطيّ آخر يدافع عن نفسه إزاء إرهاب (دينيّ) أعمى!

تاريخ الرّهائن: تحولات في المنهجية الإسرائيلية

وبالطبع، فإن للدولة العبريّة تاريخ طويل من التعامل مع أزمات الرّهائن / الأسرى لدى أعدائها، وتفاخرت على مدى عقود بعدم التفاوض مع الجماعات الفلسطينية المسلحة بشأن إطلاق سراح الرهائن، وفضّلت لوقت طويل خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين استخدام القوة – سواء داخل الأراضي المحتلة أو خارجها – كما حدث في مطار عنتيبي (أوغندا) خلال اختطاف طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية في عام 1976 – وقتل وقتها شقيق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الضابط العسكري يوناتان، خلال غارة إسرائيلية نجحت في إنقاذ أولئك الرهائن – فيما فشلت قبلها بشكل ذريع محاولة تحرير رهائن عمليّة ميونيخ 1972.
تغيّرت المنهجيّة الإسرائيليّة في هذا المجال تدريجياً بعد حرب يوم الغفران الأولى في 1973، إذ دخلت الدولة العبرية الحرب بعقيدة مثالية مستقاة من أساطير دينية تتوقع من الجندي اليهودي أن يقاتل دون استسلام، ولو أدى ذلك إلى مقتله. واعتبر اليهودي القتيل حينئذ أفضل من الأسير. وسجّلت حوادث خلال الحرب عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية مواقع كان يحتجز فيها جنود إسرائيليون أسرى.
على أن العدد الكبير الذي وقع في أيدي القوات المصرية والسوريّة وضع المجتمع الإسرائيلي تحت ضغط القبول بواقع الحاجة لإجراء تبادل للأسرى. لكن العائدين من الأسر تعرضوا لمعاملة مذلة، واحتجزوا واستجوبوا طويلاً من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية للتحقق من مدى مشاركتهم لمعلوماتهم العسكريّة مع آسريهم العرب، وظلّوا حتى بعد تركهم، موضع مراقبة وتشكك، خوفاً من أن يكون بعضهم قد جنّد جاسوساً، فيما تم الاحتفال بجندي يهودي قيل إنه أقدم على الانتحار في سجن مصري كي لا يدلي بمعلومات حساسة كبطل قومي، ومنح وساماً رفيعاً لذكراه.
تحولت سياسة إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي، حيث بدأت الحكومات بتقبل مبدأ تبادل الأسرى. وفي عام 1985، تبادلت أكثر من 1100 سجين عربي مقابل ثلاثة جنود محتجزين لدى فصيل فلسطيني يساري في لبنان. وفي عام 2004 أفرجت عن أكثر من 400 سجين مقابل عقيد إسرائيلي أسير احتجزه حزب الله اللبناني.

معضلة في الكيان: هل من قيمة حقيقيّة للرهائن؟

ومهما كان من أمر، فإن الكيان الإسرائيلي يواجه اليوم معضلة رهائن ذات حجم مختلف، وسيكون مصيرهم، تحدياً قاسياً لحكومة الحرب التي تكونت بعد الهجوم الفلسطيني بضم بنيامين نتنياهو لشخصيات من المعارضة إلى حكومته.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي عازم على انقاذ سمعته عبر شن حرب بريّة لاستئصال (حماس)، وذلك يعني – إضافة للقصف اليومي المكثّف – بأن كثيراً من الأسرى في غزّة قد ينتهون ضحايا نيران الجيش الإسرائيلي، وهو ما حصل بالفعل عدة مرات وفق تصريحات من فصائل المقاومة التي قالت إن أربعة من هؤلاء قتلوا – مع حرّاسهم – نتيجة غارات جويّة. وقال نتنياهو إنه سيحمل (حماس) «مسؤولية سلامتهم»، مؤكداً أن الدّولة العبريّة: «ستقوم بتصفية الحسابات مع أي شخص يؤذي شعرة واحدة على رأس أيّ من الرهائن». وقد عينت السلطات الإسرائيلية غال هيرش، القائد العسكري السابق خلال حرب لبنان عام 2006، «منسقا للأسرى والمفقودين» وطلب إليه من رئيس الحكومة أن يجري تقييماً كاملا للوضع، ويقدّم المساعدة لعائلات (الرهائن)، لكن الميجور نير دينار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قال بعد ذلك أن لدى جيشه خيارين فقط: «الأول: ممارسة ضغط كافي على (المنظمات الإرهابية) لإعادة (المختطفين)، والثاني، أن نعيدهم بمحض القوة». وكان تبادل الأسرى مقابل جلعاد شاليط، الجندي الإسرائيلي المحتجز في غزة قد أثار، منذ تنفيذه، إدانات حادة من السياسيين اليمينيين والجماعات الدينية المتطرفة، لا سيّما وإن العديد من الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم في تبادل عام 2011 عادوا إلى النشاط المسلح، وأحدهم، يحيى السنوار، هو الآن الزعيم السياسي القوي في حركة (حماس) في غزة.
لكن على مستوى آخر، فإن مقاطع الفيديو التي انتشرت لعمليات الخطف روعت الجمهور الإسرائيلي، وظهرت عائلات بعض المختطفين في بث تلفزيوني دامع قائلة إنها تتعرض للإهمال من قبل السّلطات، ولا تتلقى أي معلومات، وتعيش في حال من الصدمة. وتدرك العائلات تماماً المخاطر المرتفعة المحتملة على المختطفين من قصف غزة والهجوم البري المتوقع، وهي تدفع باتجاه إجراء تبادل عاجل للأسرى إن لم تكن القوات الإسرائيلية بقادرة على تحريرهم.
وذكرت الصحف أن دولاً عربيّة توسطت بالفعل لإجراء محادثات بين إسرائيل وحماس تهدف إلى التوصل إلى اتفاق تفرج فيه الحركة الفلسطينية عن النساء والأطفال الذين تحتجزهم، مقابل إطلاق للدولة اليهودية لسراح النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في سجونها. لكن شيئاً لم يحدث، ربما – وفق تلفزيونات غربيّة – لأن الفلسطينيين يرفضون الشروع في عمليات تبادل أسرى قبل وقف القصف. ومما يعقد الأمور أن بعض الأسرى اليهود يحملون جوازات سفر من دول أخرى غير إسرائيل.
ونقلت التلفزيونات تصريحات للرئيس الأمريكي جو بايدن أنه يعتقد بوجود مواطنين أمريكيين من بين (المحتجزين) وقد يرسل قوات لتحريرهم، فيما كانت فرنسا وتايلندا وإسبانيا من بين الدول التي أكدت أن مواطنين منها محتجزون في غزّة. وتضاعفت المخاوف بعد أن هددت (حماس) بإعدام أسراها واحدا تلو الآخر وتصوير عمليات القتل بالفيديو في كل مرة تضرب فيها غارة جوية إسرائيلية سكان غزة في منازلهم دون إنذار. ومع أن ذلك لم ينفّذ إلى الآن، إلا أن كل الاحتمالات الدموية تظل قائمة بالفعل وخاصة بعد تسريب مقاطع من جهات إسرائيلية تظهر معاملة حقيرة للأسرى والشهداء الفلسطينيين على يد الطرف الإسرائيلي. وبينما تواجه الدولة العبرية سلسلة مآزق استراتيجية لا تزال مفتوحة، بسبب هجوم يوم الغفران الثاني، فإن كل ما تبقى لدى العائلات الإسرائيلية الآن هو مجموعات «واتساب» الخاصة لنشر التفاصيل المتعلقة بأقاربهم المفقودين، ومحاولة إضفاء الطابع الإنساني عليهم للعالم، دون أن يخطر على بال أحد أن يسأل لماذا أسر هؤلاء في المقام الأوّل؟ فهل تبخّر «الاحتلال» أيها العالم الغربي الأعمى؟!

٭ إعلامية وكاتبة لبنانية / لندن

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    حرب صليبية قذرة تشن على شعب فلسطين الأعزل الصامد في وجه ابرتهايد الصهيونية البغيضة الحقيرة منذ 1948 🇵🇸🤕☝️🚀🐖🚀🐖🚀🐖🚀🐖

  2. يقول تاريخ حروب الغرب وأتباعهم:

    معركة الفلسطينيين وبقية العرب الشرفاء مع هذا الكيان صعبة وتتطلب مثابرة وصبر. لأن الكذب والتضليل والتحريف والتزوير والبهتان والمكر والتواطؤ والتخاذل هي أفتك أسلحة يستخدمها هذا السرطان وحماته والمنتفعين من فتاته.

اشترك في قائمتنا البريدية