الحقد الأيديولوجي الأسود

فجأة، انتبه العالم إلى أن هناك رئيسا مُنتخَبا، قضى في سجنه معزولا، وفي ظروف غير إنسانية، وفق منطق السلطة، المتغلِّب بالقوة المادية (ومنها العسكرية)، هو من يستطيع تسويق روايته، وتطبيع حكمه، ومن ثم الإفلات من كل محاسبة.
يحصل كل هذا وأكثر منه، مادامت هناك علاقات دولية، يعنيها قضاء المصالح المادية، على حساب القيم الإنسانية والديمقراطية، وحتى لو صدر موقف مُندِّد، من هذه الدولة أو تلك، بالتعدّي على حق من حقوق الحياة، فإن العادة أن يتمّ تجاهله، وبالتالي تناسيه مع مرور الوقت. العديد من ديكتاتوريي العالم استطاعوا الإفلات، وفق منطق التغلّب ذاك، حيث السياسة العالمية قائمة على فرض الأمر الواقع، وعلى شراء المواقف بقضاء المصالح.
كان الضحية في الآونة الأخيرة، رئيس مُنتخَب، جرى سجنه انفراديا ست سنوات، إضافة إلى حرمانه من زيارة الأهل والعلاج. والسؤال المطروح الآن، يمكن صياغته على النحو الاستنكاري الآتي: السجن وقد تمّ، فلماذا يحصل حرمان السجين من حقوقه الأساسية، بصفته سجينا من جهة، وبصفته إنسانا من جهة ثانية؟ من العسير، «بلع» منطق العلاقات الدولة الحالي، حيث الغلبة للمصالح على حساب القيم والمبادئ. في حالة مصر، يبدو الاعتقاد قويا بأولوية «استقرار» الوضع على ما كان عليه، لتأمين أكثر من مصلحة: ضمان الحدّ الأدنى من العيش للمواطنين، تأمين العلاقة مع الكيان الصهيوني، التحالف مع دول الخليج، في صراع بعضها مع إيران، ومع امتداداتها في المنطقة. أما الذي يستحيل «بلعه»، بالمرة، فهو صمت أغلب مؤسسات المجتمع المدني، وضمنها أحزاب «اليسار» ومنظماته الحقوقية. وأفظع من الصمت، هناك التواطؤ غير المفهوم مع الحاكم (العسكري)، في التنكيل بالخصوم الأيديولوجيين. ما من وصف لهذه المفارقة، حيث تنحاز الضحية السابقة إلى جلاّدها، إلا كونها تعبيرا عن نوع من السكيزوفرينيا. إنه الحقد الأيديولوجي الأسود، الذي يبرر الاعتقال والتنكيل والقتل، في إعلاء للمُختلف أيديولوجيا، على حساب المشترك «الإنساني». الفرد، بهذا المعنى، يضحى لونا/ رقما (إسلاميا، ليبراليا، إلخ)، مع تجاهل تام لطبيعته، من حيث هو إنسان أولا، ومواطن ثانيا.

السياسة العالمية قائمة على فرض الأمر الواقع، وعلى شراء المواقف بقضاء المصالح

تتمثل المعادلة، التي يستند إليها التيار المدني، في دعواه الغريبة: القبول باستبداد قائم (عسكري مُقدَّرة حدوده)، في مقابل اتِّقاء استبداد مُتوقَّع (إسلامي غير مقدرة حدوده) ولذلك لا غرابة في أن نجد مختلف أنصار الدولة المدنية، في مختلف تلويناتها، تصطفّ إلى جانب أركان الدولة العميقة (المؤلفة من العسكر وأذرعها السلفية والمالية). في ظل هذا الوضع، الاستقرار يغدو أولوية، مقارنة مع المطالب الأخرى، وضمنها الديمقراطية والتنموية. وبالتّبع، يصير كل حديث عن قيام «كتلة تاريخية»، لتجاوز دولة التسلط، موضوعا غير ذي معنى في الظروف الحالية.
باستثناء «النهضة» في تونس، يبدو أن الإسلام السياسي يعرف، عموما، صعوبات استراتيجية، تحول دون استعادة توهج نموذجه (الجماعة في مصر). فبموازاة مع الأوضاع الاجتماعية المتدهورة، وفي ظل محيط إقليمي متوجس، يمكن إحالة فشل «الإخوان» إلى سببين رئيسين: عدم تقدير حجم رد فعل العسكر من جهة، وعدم احترام باقي شركاء الوطن من جهة أخرى. وعلى الرغم من السيطرة على وضع البلاد العام، إلا أن الانسداد السياسي يبقى السيّد، الأمر الذي يطرح عدة تحديات على مستقبل الدولة. الثورة تظل مؤجلة إلى حين، مادام خروجها، في صيغتيها الأولى والثانية، لم يؤد إلى النتائج المرجوة، هل من مخرج لهذا الانسداد السياسي؟
خارج إطار مبادرات الحاكِم المفترضة، لا مناصّ من الوصول إلى تحالف لقوى المعارضة، يكون الإجماع فيه على «مدنيّة» الدولة، حيث تُكفَل مختلف الحريات الفردية والجماعية.
إن بناء دولة، ذات مؤسسات ديمقراطية، يقتضي حدا مقبولا من الاعتراف/ التوافق بين مختلف الأفرقاء. الشراكة في الوطن، لا يجوز أن تستبعد أحدا، فبالأحرى أن تقصيه وتُنكِّل به. إن الدولة المدنية المأمولة، هي المخرج من دولة عسكرية قائمة، وأخرى دينية مُتربصة. في غياب هذا التوافق، سيظل العسكر هو العنوان الأكبر، في ظل رفع شعار الضرورة: «الاستقرار» قبل الديمقراطية والتنمية. غير أنه مهما نجح فرض الاستقرار، يظل عرضة للتهديد، بحكم أنه غير طبيعي. الاستقرار الحقيقي تستجلبه الديمقراطية، بما تعنيه من ضمان للحقوق، ومن فصل للسلطات، وما إلى ذلك.
لنعد إلى معنى الحقد الأيديولوجي، محاولين رده إلى الصيغة التالية: إنه الرفض المتبادل بين طرفين، غالبا ما ينتج عنه القبول بطرف ثالث، يكون على النقيض من الطرفين السابقين معاً. هذه الصيغة المُتسيِّدة، في مختلف أقطارنا العربية، تؤدي بالبعض إلى مثل هذه النتيجة المُفارِقة: الدعوة «التقدمية» على صعيد الحقوق الفردية، مثلا، لا تقابلها إلا الدعوة «المحافظة» على الصعيد السياسي. ضمن هذا الإطار، تغدو الأنظمة الاستبدادية ضامنة للاستقرار، بل للحريات الفردية أيضا. هل يمكن الانعتاق، مُجدّدا، من هذا الانسداد السياسي؟ أتصور أن صيغة الكتلة التاريخية، مع ما تقتضيه من تنازلات وتوافقات، قادرة على إنتاج حلول ممكنة لأوضاع أقطارنا المأزومة.
كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د 0 عطوة 0 ايلياء:

    وتبع سيطرتهم المالية على العالم سيطرتهم ايضا على وسائل الاعلام التقليدية في محاربة الاسلام منافسهم الوحيد واذكر نصيحة للبابا لدول اوروبا وبدأ باليونان حتى امريكا للخروج من ازمتهم المالية لاتباع النظام الاقتصادي الاسلامي الذي يحارب الربى ومن وسائلهم الحرب ضد الاسلام السينما فنذكر بالقرن الماضي كنا نشاهد فيلما عاديا يأتون بممثل يشبهنا بالخلقة وكانوا اجرأ حيث اعطوه اسمنا عبدالله ومحمود وحسين وعلي ويعطوه دور الشرير القرصان القاتل ونشاهدبالفيلم اكثر المشاهد اثارة ودموية قرب مسجد ومئذنة وشيخ جامع حتى طبع برؤس العالم صورتنا النمطية من ارهاب وجريمة فنحن متهمون باي حادث ولو كنا بفراشنا 0 يتبع

  2. يقول د 0 عطوة 0 ايلياء:

    شعر الصهاينة بالخطر في نجاح الاسلام في مصر فحاربوه بكل امكانياتهم لاعتبارهم انه المنافس الوحيد لسلطتهم على العالم وقد اجمعت وسائل الاعلام ليلة فض الميادين ان طائرات صهيونية حطت بقاعدة الماظا المصرية وافرغت حمولتها بشاحنات عسكرية تحمل وحدات قناصة وقوات خاصة واسدل على السرية والكتمان على الحمولة وشاعة فسادا بمصر من مهاجمة كنس الاقباط لاشعال فتنة مع المسلمين واصطناع كمائن بسيناء لتبرير الوحشية في محاربة السكان الامنين وكل ذلك بالتعاون مع رأس النظام الانقلابي مصر يا اولي الالباب اغنى اقطار العالم تاريخيا بنيلها وحده وكيف اذا اضيف له دخول قناة السويس وسياحة الاهرام والسواحل وسيناء مع مناجم الذهب وبترول وغاز ويموت اهلها جوعا

  3. يقول علي:

    اسمح لي أن أقول: إن معظم ما يسمى التيار المدني ، هوصناعة أمنية من قبل العسكر والممناشير والمستبدين، توافقت مع رغبة أفراده في كراهية الإسلام والاستقامة والحرية والديمقراطية. ما بالك بقوم يحكمهم رئيس يتصدق بعرضه، فيستدعون العساكر الجهلة لإزاحته، وقتل أنصاره، وحشر مائة ألف في السجون ومحاكمتهم محاكمات ظالمة؟ ومطاردة الملايين في الداخل والخارج. يقولون عن رئيس تركيا إنه ديكتاتور، ويتجاهلون أن الديكتاتور قابع في أعماقهم وأمامهم،ولا يستطيعون الآن فتح أفواههم بكلمة “لا”. نحن في زمن النفاق الأسود والحقدالأسود، والأعراب أشد كفرا ونفاقا،وأجدر ألآ يعلموا حدود ما أنزل الله.

اشترك في قائمتنا البريدية