صنعاء ـ «القدس العربي»: اختلفت ردود الفعل اليمنية حول الهجمات الإيرانية، فجر الأحد، على إسرائيل ردًا على استهداف الأخيرة القنصلية الإيرانية في دمشق، ففي كثير منها بدت مبتهجة، في ظل ما أحدثته الصورة الذهنية التي صنعها الإعلام في العقود الماضية. وهناك من انطلق من رفضه للرد الإيراني من نقمته لما يعتبره دعم إيران لحركة «أنصار الله» (الحوثيون) في اليمن، محملاً إيران مسؤولية ما ذهب إليه اليمن وبعض دول المنطقة في أتون حروب، وفي السياق ذاته هناك من قلل من شأن الرد وسخر منه. وبين كل ذلك هناك مَن حرص أن يصدر موقفًا أكثر واقعية موجها نقدا قاسيا للذات العربية في انكشافها اللامحدود على الخذلان.
«عمل مشروع»
من المواقف اليمنية المؤيدة للرد الإيراني أصدرت وزارة الخارجية في حكومة حركة «أنصار اللهّ» (الحوثيون) بياناً اعتبرت فيه الهجمات الإيرانية شرعية وتتفق مع القانون الدولي وتندرج في سياق الحق في الدفاع عن النفس.
فيما كتب الناطق الرسمي باسم الحركة، محمد عبد السلام، على منصة إكس معتبراً «ما قامت به إيران ضد كيان العدو الصهيوني عملاً مشروعاً ردًا على ارتكابه جريمة القنصلية في دمشق، وأن كيان العدو لن يستطيع أن يفلت من جرائمه دون عقاب».
وهناك مواقف يمنية من خارج الحركة التزمت المربع ذاته مع بعض الخصوصية، فهذا الناشط في منظمات المجتمع المدني، عبد الحكيم العفيري يقول: «الجسارة كانت بترك مدة فوق كافية للاستعداد أيضًا بتعاون عشر دول عظمى ومع ذلك وصل الإيرانيون إلى سمع وبصر وعقل وقلب كل صهيوني داخل وخارج فلسطين المحتلة. والأهم هو كسر ناموس الكيان واعتباره».
قرأ السياسي، عبدالله سلام الحكيمي، الرد الإيراني من زاوية أن إيران أثبتت (بذلك) أنها قوة إقليمية، وحققت مكاسب سياسية، وعززت صورتها المحترمة، حد تعبيره.
وقال: «في إطار حسابات دقيقة، داخلية وإقليمية ودولية، سياسية وعسكرية واستراتيجية، نفذت إيران عملية عسكرية ضد الكيان الإسرائيلي، رغم مساندة قوى إقليمية وعالمية حليفة له في مواجهة الرد الإيراني، ردًا على استهداف قنصليتها في دمشق، وكان الرد الإيراني دقيقًا وهادفًا بما حقق له إثبات حقه في الرد من ناحية، وتحاشي إعطاء الذريعة لدفع المنطقة والعالم إلى مواجهة شاملة يسعى الكيان الإسرائيلي بكل جهده إلى إشعالها مخرجًا لأزمة كيانه الداخلية، وعجزه عن تحقيق أهدافه المعلنة لحرب الإبادة الجماعية الوحشية التي يشنها ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة».
«مجرد مسرحيات»
وأضاف: «قد اثبتت إيران مجددًا أنها قوة إقليمية رئيسية مسؤولة وحريصة على استتباب السلام والأمن الدوليين، وإطفاء نيران الحروب التي يشعلها الكيان الإسرائيلي والقوى الإمبريالية الداعمة له في إقليمنا الملتهب، ولا شك أنها حققت بذلك مكاسب سياسية، وعززت صورتها المحترمة والموثوق بها عالميًا، ومع احترامنا لكل وجهات النظر المخالفة لوجهة نظرنا هذه، فإنه لا شأن لنا هنا في التهاتر مع الذين لهم موقف عدائي مسبق من إيران أو الذين يتعاملون مع الحروب والسياسة بعقلية مشجعي فرق كرة القدم!».
ردود فعل يمنية بين تأييد الاستهداف… ومواقف تُقلل من قيمة «المسرحية»
في جهة المنتقدين للرد الإيراني، رأى أصحابها أن «ما حصل ويحصل مجرد مسرحيات» « ولم تحدث تأثيرا يذكر على أرض الواقع».
وقالت الكاتبة هدى العطاس: «انتهت المسرحية الإيرانية بضحك الجمهور. لكن الأسوأ من تمثيلية النظام الإيراني: خذلان وجبن وصمت وتقهقر الأنظمة العربية الذليلة عن نصرة غزة. أنظمة فاشلة حتى في التمثيل».
«إسرائيل المستفيدة»
إلى ذلك، هناك من قدّم قراءات لضعف التأثير العسكري للرد. وقال رئيس مركز أبعاد للدراسات، عبد السلام محمد، إن إسرائيل هي المستفيدة من الهجوم الإيراني الذي قلل من قيمته ووصفه بالمسرحية.
وقال في قراءته للحدث: «بضعة صواريخ بالستية وصلت صحراء النقب، لا تأثير عسكري كبير، لكن إيران حققت هدفها برد الاعتبار، بينما إسرائيل ستستفيد من هذه الضربة في إعادة اللحمة الداخلية، وإسكات المعارضة، وتسويق مظلوميتها مجددًا للغرب لإعادة تصدير السلاح وإبقاء الدعم».
«تهشيم الصورة»
فيما كتب المحلل السياسي، ياسين التميمي، قراءة أخرى قللت من شأن الحدث، قال: «الأثر العسكري شبه معدوم، لكنه من الناحية المعنوية ساهم في تهشيم صورة الكيان الصهيوني باعتباره كياناً يفقد شيئًا فشيئا قدرته الخارقة وحصانته الدعائية ضد الأسلحة المعادية، علمًا بأن الصواريخ الإيرانية لم تحدث الأثر التدميري نفسه لصواريخ المقاومة الفلسطينية في معركة الطوفان والمعارك التي سبقتها».
بين المؤيدين والناقمين والمنتقدين والساخرين من الرد الإيراني هناك مَن حاول تقديم قراءة قد يعتبرها البعض واقعية كثيرًا، وبخاصة في علاقة ذلك بالواقع العربي الذي يحتاج إلى نقد ذاتي قاسي أكثر من توجيه اللوم على إيران.
واعتبر سامي غالب، رئيس تحرير صحيفة النداء، الرد الإيراني قد اجتاز خطوطًا حُمر في المنطقة، ويرى أن الهجوم الإيراني يدلل على ما سماها «فداحة الانكشاف العربي» منتقدًا ما يقوم به بعض الكتاب والإعلاميين العرب بين نقد سياسة إيران، وهي تستحق النقد الشديد، وبين خدمة إسرائيل، حد قوله.
وقال غالب: «إيران أظهرت ردها على قصف قنصليتها في دمشق، وهو أمر متوقع. وسأل: كيف ستتصرف إسرائيل؟ «
وأضاف: «في انتظار ذلك فإن المؤكد مما وقع حتى الآن أن التصعيد الإيراني يعني أن خطوطا حمراء في المنطقة تم اجتيازها! واشنطن تتحدث عن النجاح في صد الهجوم الإيراني بالتعاون مع الحلفاء! لم تعين هؤلاء «الحلفاء» لكن الأكيد أن القصد يتجه إلى حلفاء غربيين وجيران إسرائيل. وهو تلخيص لما جرى في المنطقة عقب حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وبخاصة في مطلع التسعينات عبر تدمير العراق قبل احتلاله في 2003.
وتابع: «في العالم العربي هناك استياء من طهران بسبب تدخلاتها في دول عربية عديدة بينها اليمن. لكن ما يجري في غزة منذ أكتوبر الماضي خفف من هذا الاستياء معيدًا إلى الواجهة «بديهيات» قضية فلسطين، وأولها أن إسرائيل هي القاعدة الأساس للقوى الاستعمارية الغربية من «العدوان الثلاثي» في حرب السويس (1956) إلى العدوان الثلاثيني في حرب الخليج (1991).
وبقراءة موازية لما قدّمه غالب، قال وكيل وزارة الخارجية الأسبق، مصطفى نعمان: «لن أجادل الذين يرون أن إيران هي أم المصائب في كثير من العواصم العربية. ولن أدخل في نقاش مع المقتنعين بأن طهران تقف وراء كل سوء يحدث في العالم العربي. ولن أقف عند مَن يقولون إن رد طهران على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق ليس على مستوى توقعاتهم، مع أنها هي وحدها مَن يقدر ويحسب ويعلم ما الذي يريده نظام الحكم فيها.
وتابع:»وعلى الذين يسخرون من الرد الإيراني أن يسألوا أنفسهم: كيف ملأت طهران الفراغات في العالم العربي بتلك السرعة والرشاقة؟ ولابد أن نسأل كيف ومَن وراء الذي حدث في العراق وسوريا وتونس ومصر وليبيا واليمن والصومال، ثم مؤخرا السودان؟ أين هم الذين يبكون ويصرخون ليل نهار من التدخلات الإيرانية؟ لابد من نقد ذاتي قاسٍ وجلد للذات حتى ندرك حجم خيبتنا وكارثتنا».
صحيح جدا جدا ✌️🇵🇸😎☝️🔥🚀🚀