جفف خطاب يوم الأربعاء- 5 يونيو/حزيران لعلي خامنئي، المسؤول الأول عن تحديد عدد الأصفار، على يمين الأرقام المعقّدة للسياسات الإيرانية، المحيطات والبحار الأيديولوجية، التي حلمت بازدراد إسرائيل، بعدما وعدها العرب بذلك. المحللون السياسيون من نوع القنفذ، أولئك الذين تسير تفسيراتهم، تحت ظل المعلومات السائدة، بعيدا عن قيظ ظهيرة الأحداث الساخنة، لن يجدوا في تصريح مانح الأصفار، سوى انحناءة إيرانية، لتخليص شبّاك الصفر خامنئي، من صراخ التذمر الإيراني، المشتبك مع صوت رياح العقوبات الأمريكية. أذكى القنافذ، ربّما سيرجع إلى ما سجّلته الورقة رقم 216 في كتاب (الحرس الثوري الإيراني)، لـ كينيث كاتزمان، عقب فشل محاولة إيران خلال حربها مع العراق، في الاستيلاء على ميناء البصرة، الواقع جنوب البلاد: مجموعة من الحرس تظاهرت في أحد الشوارع الرئيسية في طهران، داعية الخميني للصفح عن الرئيس العراقي صدام حسين، وبعبارة أخرى طالبته بوقف الحرب.
القنفذ الأقلّ حجما، سيقوم باجترار، صورة الدموع والشموع التي غطّت طهران بعد احداث 11 من سبتمبر/ايلول، والتي حمّض ستيفن كينزر، أجواءها، في كتابه (العودة إلى الصفر)، كدليل على النوايا الشعبية الحسنة للإيرانيين، تجاه بلاد العم سام، وكعلامة فارقة على ردود الفعل العربية، أمّا آخر القنافذ حجما، سيهرول حتما إلى تريتا بارزي، الكاتب الأمريكي من أصل إيراني، والذي ذكر في كتابه الذي يغص بالوثائق والمقابلات مع مسؤولين: أمريكيين، إيرانيين، وإسرائيليين، إنّ مجموعة من آيات الله، سافروا إلى تل أبيب، وحاولوا إقناع الملحق العسكري الإسرائيلي الذي زامن عهد الشاه، بأنّ يقنع الكيان بتزويد طهران بما تحتاجه من أسلحة، أثناء الحرب العراقية – الإيرانية. وعند سؤاله لهم: لتضربونا بها؟ أجابه الوفد الآياتي: نحن لسنا كالعرب. تصريح خامنئي فيما يخصّ فلسطين، أوسلو إيرانية، تشبه نظيرتها الفلسطينية، سنة 1993. الاختلاف الوحيد أنّ العرب، هم من سيدفعون ثمن الأوسلويّة الجديدة!
الرئيس اليانكي، دونالد ترامب، لجأ خلال الأيام الأخيرة، إلى خنق لاري (أيقونة تويتر)، ليسقسق له، بتغريدات، وجّه في أوّلها، صفعات إعلامية متتالية، إلى خدود النظام الإيراني، ليتقهقر بعدها، بموقف رسمي: لا نطمح إلى تغيير نظام الحكم في إيران!
الرئيس ترامب، يتعامل مع لاري تويتر، لأغراض عربية، كما تعامل الرئيس ليندن جونسون، مع كلبه المدلل من سلالة البيغل. هذا الكلب نقل تهكم وسخرية جونسون للسفراء العرب، من الجيش المصري، بعد نكسة يونيو/حزيران 1967، رغم أنه كان يستطيع مخاطبتهم مباشرة. ربّما أراد الرئيس جونسون، من مسرحيته مع بيغل، أن ينقل فيما بعد، صورة مشوّقة عمّا حصل له، مع سفراء بلادنا العربية، إلى صديقته الصهيونية، ماتيلدا كريم (العهدة على محمد حسنين هيكل في التفاصيل والتخمين عليّ)!
عجينة من فضائح الانتقام السياسي
أيضا لا بدّ أن نفْتن للقارئ العربي أن المشاعر الساخنة التي عبّر عنها الرئيس ترامب تجاه النظام الإيراني، تشبه خبز البيغل هي الأخرى، المقرمشة قشرته، والمحمّصة جيّدا بتعابير التهدئة، لكن داخله عجينة طريّة من فضائح الانتقام السياسي، والتي اتهم بها، مدير تخطيط السياسات، في وزارة الخارجية، النفعي برايان هوك، حسب ما ورد من تعابير في مقالة (الديلي بييست) عنه، مع ما لا يقل عن ثمانية من المسؤولين الكبار في الوزارة، ضد الموظفين الذين كانت لهم علاقة، بصفقة الخمسة زائد ألمانيا مع إيران، سنة 2015. هوك، وبعد 16 يوما مما نشر عنه في 23 آذار/مارس، وفي 8 نيسان/ابريل تحديدا، حاول طعن تلك الاتهامات التي لم يكسوها الشحم واللحم، بسكّين مقالة له، في نيويورك تايمز، وذهب فيها إلى أن «التصالح»، هو الواقع الذي يجب تحقيقه على الأرض، بين واشنطن وطهران، مرددا نصيحة الروائي والصحافي المحترم، ورجل المخابرات القديم، ديفيد إغناتيوس، بكلمات شبه متطابقة تقريبا: إنّ على النظام الإيراني أن يقرر أولا أنه يريد أن يكون بلدا طبيعيا وليس حالة ثوريّة.
بستان إسرائيلي وحديقة أمريكية
حافظ معظم الرؤساء الأمريكيين، على تلميع المكتب البيضاوي، بنجاحات في حديقة دول العالم الثالث، خاصّة دول الشرق الأوسط العربية. إيان شابيرو في كتابه (نظرية الاحتواء/ ما وراء الحرب على الإرهاب)، يوضّح أن الرئيس الأمريكي، جون كينيدي، قام بتأجير تلك الحديقة الخلفية له، بشكل كامل، قبل أن يمتطي صهوة البيت الأبيض، بصفقة، تمّت بينه وبين 30 من أبرز الممثلين لجماعات الضغط الإسرائيلية. محتوى الصفقة: أعطنا الشرق الأسط نعطك البيضاوي. سلف الرئيس ترامب، باراك أوباما، حاول وبعد اندلاع الحرب العالمية الثالثة في سوريا، أن يقوم بإخراج الشرق الأوسط، من حظيرة الرئيس، إلى مرعى الكونغرس الأمريكي. إنّ النزاع بين السلف والخلف فيما يخصّ صفقة إيران النووية، هو صراعٌ بين الحظيرة التي قامت إسرائيل باستئجارها، والمرعى الذي أشّر أن العقد بحاجة إلى تعديلات!
الدليل الآخر، هو تعيين الرئيس الحالي لصهره، جاريد كوشنر، ككبير مستشاريْ البيت الأبيض، والذي لا يعدو كونه مديرا، لمحفظة سياسات الشرق الأوسط، من قبل المستثمر الأصلي! اللطيف، أنّ الإعلام العربي عموما، لم يتطرق إلى ملابسات دور الدين اليهودي ، ودعم كوشنر وأبيه اللا محدودين لإسرائيل، في تعيينه، أو أن زوجته وابنة الرئيس، إيفانكا ترامب، لم تستطع إدخاله إلى القفص الذهبي، إلا بعد أن أعلنت اعتناقها الديانة اليهودية.
لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للعلاقات الخارجية، وجدت (حسب الديلي بييست): إنّ السياسة الإيرانية لإدارة ترامب، تشابكت مع مقاربتها الكاملة للشرق الأوسط. الكونغرس الأمريكي، وبسبب تحديات القرن الحادي والعشرين، لا يستطيع أن يوافق على تحوّل الملف الإيراني إلى بطاقة خضراء، تضمن الإقامة الدائمة لعائلة ترامب، في المستقبل السياسي.
جردة الربح والخسارة العربية من كلّ ما تقدم، هي خسارة فلسطين، أمّا الإيرانيون، فقد تخلصت طائرة سياساتهم الخارجية من حمولتها الإعلامية، ليكسبوا إعادة رسم الإنسان العربي بريشة المذهبية، وإيمان مسلميْ العالم، أن خسارة العرب كمسلمين، يريح دماغهم ولا يضرّهم في شيء. إدارة ترامب بدورها، كسبت معرفة الممكنات الإيرانية، وباتت تستعد لتحويل برايان هوك، وباستعارة وصف لـ كينيث بولاك، مستشار الأمن القومي السابق، إلى «ضحية الطريق»، وتقليل خسائرها، بتحضير ديفيد شينكر، المطبوخ في مؤسسة واشنطن البحثية، الموالية لإسرائيل، كي يمسك الملف الإيراني، بعد أن أصبح، أوّل موظف رفيع (مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى)، في تاريخ وزارة الخارجية، بدون أصل أو فصل احترافي في الدبلوماسية (العهدة على موقع بازفييد، منشور يوم 11 كانون الثاني/يناير 2018)، ليشبه رئيسه الخامس والأربعين، الفاقد لحمولات الحسب والنسب السياسية.
كاتب وصحافي من العراق
كالعادة تتحفنا بمقال نستمتع به ونعيد قرائته مرارا وتكرار ، احسنت واجدت ،