الخطة العربية مقابل المقترح الأمريكي

أقرت القمة العربية ومن بعدها منظمة التعاون الإسلامي خطة عربية مفصلة لليوم التالي بعد الحرب على غزة تتضمن إعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، وذلك ردا على مقترح الرئيس الأمريكي إعادة الإعمار ولكن بعد تهجير الفلسطينيين من غزة ثم عدم العودة إليها. من المفيد النظر إلى بعض التفاصيل حول الفوارق بين الخطة والمقترح وواقعية كل منهما.
بدءا، من المهم الإدراك أن ما قدمه الرئيس الأمريكي لا يتجاوز المقترح دون إرفاقه بأية خطة لتنفيذه، مفاده تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن وعدم العودة إليها، ثم إعادة تعمير غزة وجعلها «ريفييرا» المنطقة. بالطبع، لم يقدم ترامب أية آليات لتهجير مليوني فلسطيني دون إرادتهم، أو ما يعرف قانونيا بالتطهير العرقي، ولم يشرح كيف يتم التهجير إلى مصر التي رفضت ذلك بالمطلق، كما فعل الأردن الذي لا يرتبط جغرافيا بقطاع غزة أصلا. ولم يشرح ترامب أسباب رفض عودة الفلسطينيين إلى غزة بعد «إعمارها» وتناقضه مع «تعاطفه» مع أهل غزة و«رغبته» في توفير عيش كريم لهم دون السماح لهم بالعودة إلى أرضهم ووطنهم. كما لم يشرح المقترح كيف «ستتملك» الولايات المتحدة غزة كما قال ترامب ومن سيقوم بإعمار القطاع وإلى من ستؤول «ملكيته».
بالرغم من إبهامية المقترح، وخرقه الفاضح لكل القوانين الدولية، وتجاهله لحقيقة أن لا الفلسطينيين يرغبون بالهجرة ولا مصر والأردن مستعدتان لاستقبالهم، يخرج البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية لينعت الخطة العربية بمجرد صدورها «باللاواقعية» بينما ترفضها إسرائيل جملة وتفصيلا.
من المفيد استعراض الملامح الرئيسية للخطة العربية. فعدا عن تقديمها خطة فنية مفصلة تشرح كيفية إعادة الإعمار دون تهجير الفلسطينيين عبر مراحل عدة تتضمن إسكانهم في بيوت جاهزة أو خيم بينما تتم إعادة الإعمار على مراحل تمتد لخمس سنوات، وبينما يتم تزويد السكان بكل ما يحتاجونه من مستشفيات متنقلة ومدارس ودور عبادة وبنية تحتية. تتضمن الخطة أيضا الكلفة التقديرية لذلك والبالغة ثلاثة وخمسين مليار دولار، وتدعو إلى مؤتمر تمويلي في القاهرة الشهر القادم للبدء بجمع الأموال اللازمة.
عدا عن الخطة الفنية المفصلة، تشدد الخطة على أمور أساسية كي تصبح إعادة الإعمار خطوة أولى على طريق مسار سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية. أهم هذه الأمور إعادة الالتزام بمبادرة السلام العربية التي تدعو إلى سلام شامل بعد انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تدعو إلى البدء بمسار سياسي فوري لتحقيق ذلك. بدون ذلك، من الصعب تخيل من من المجتمع الدولي سيكون راغبا في تقديم مساعدات لإعادة الإعمار ليرى إسرائيل تدمرها في المستقبل كما فعلت مرارا عديدة في الماضي.

المطلوب اليوم حشد أكبر قدر من الدعم الدولي للخطة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان، ومحاولة إقناع الإدارة بتبنيها، ثم الضغط على إسرائيل لقبولها

تؤكد الخطة أيضا على وحدة غزة مع الضفة الغربية، خاصة في ضوء محاولات إسرائيل المتكررة لفصل القطاع عن غزة تمهيدا لضم الضفة الغربية.
تقترح الخطة إدارة انتقالية للقطاع تتكون من أشخاص تكنوقراط مستقلين تحت إشراف السلطة الفلسطينية وذلك بعد الاتفاق الذي تم مع حماس لعدم الاشتراك في إدارة القطاع للرد على الحجة الإسرائيلية والأمريكية التي ترفض بالمطلق مثل هذا الإشراك.
كما تدرك الخطة، ولو بشكل غير مباشر، أن السلطة الفلسطينية لا تتمتع بتأييد كبير لدى الفلسطينيين، وتبعا لذلك، وفي خطوة غير مسبوقة، سلطت القمة الضوء على حاجة السلطة لإصلاحات داخلية تتضمن انتخابات رئاسية وتشريعية في غضون سنة. وقد أوضحت الخطة، وذلك أيضا ردا على المطلب الأمريكي والإسرائيلي بنزع أسلحة حماس بأن ذلك يمكن أن يتحقق فقط إن تم الاتفاق على مسار واقعي لإنهاء الاحتلال.
إن أية مقارنة موضوعية لكل من المقترح الأمريكي والخطة العربية تظهر أن الأخيرة أكثر واقعية بمراحل من مقترح ترامب. وبالرغم من ذلك، فإن فرص تنفيذها تصطدم بعقبات عدة، أولها أن إسرائيل ليست معنية بإعادة إعمار غزة بغض النظر عن أية خطط تقدم لا تتضمن تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهو الهدف الأساسي لإسرائيل. إضافة لذلك، فإن إسرائيل ليست معنية أيضا بالحديث عن أفق سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لأن عينها على ضم الضفة الغربية لإسرائيل. ومن الملفت للنظر أن كلتا إسرائيل والولايات المتحدة لم تعلقا على الشق المتعلق بالأفق السياسي في الخطة على الإطلاق ما يشير إلى عدم اهتمامهما به بتاتا.
وبينما أبدى الجانب الأمريكي بعض المرونة بالنسبة للخطة في تصريحات متناقضة، ليس من الواضح إن كان الجانب العربي سينجح في إقناع الولايات المتحدة بتبني الخطة وإن ببعض التعديلات. إن فرص تحقيق ذلك وخاصة مع التعنت الإسرائيلي تبدو ضعيفة.
من المهم الإدراك أن البديل عن الخطة العربية في حال رفضها ليس المقترح الأمريكي اللاواقعي والمفتقر إلى أية آليات جادة لتحقيقه. بديل الخطة العربية هو استمرار الحرب والدمار وقتل الأبرياء المدنيين. لذا، فالمطلوب اليوم حشد أكبر قدر من الدعم الدولي للخطة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان، ومحاولة إقناع الإدارة بتبنيها، ثم الضغط على إسرائيل لقبولها. أدرك مدى صعوبة ذلك، لكن يبدو أنه الخيار الوحيد على الساحة اليوم. أما خيار التهجير فالأغلب أنه لن يمر في ضوء الصمود الفلسطيني والرفض العربي.
المرحلة القادمة صعبة للغاية، وستتطلب تنسيقا عربيا عالي المستوى، بل موقفا عربيا موحدا يستطيع الصمود أمام نوايا إسرائيل التوسعية وأفكار الإدارة الأمريكية المغالية في تشددها وعدم واقعيتها والتي تعطي إسرائيل الضوء الأخضر للتوسع في عدوانها والاستمرار في فرض حقائق جديدة على الأرض.

وزير خارجية الأردن الأسبق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عمر علي:

    يجب اتخاذ الخطوات التالية:
    توسيع الدعم العالمي للخطة العربية لانهاء آثار الحرب الاسرائيلية على غزة بما في ذلك تقديم قرار جديد إلى مجلس الأمن للأمم المتحدة وفي حالة استعمال حق النقض في مجلس الأمن فيجب عقد اجتماع طارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة لإقرار الخطة كما يجب القيام بحملة دبلوماسية شاملة لكل الدول المساندة للسلام العادل في الشرق الأوسط
    الـ

  2. يقول فصل الخطاب:

    للأسف الشديد حقيقة مرة وهي أن العرب رغم كل ما يمتلكون فهم ضعاف الإرادة ويمتنعون عن مواجهة الغطرسة الصهيو أمريكية الغربية الحاقدة على الفلسطينيين منذ 1948 ✌️🇵🇸☝️🔥🐒🚀

  3. يقول تيسير خرما:

    خطة إسرائيل بعد 7 أكتوبر قتل عساكر حماس وعناصر حكمهم بأقل أثر على مدنيين بإخلاءهم جيئة وذهابا لكن حماس تنقلت معهم كحاضنة لها فطرحت أمريكا تأهيلهم بالخارج بتخصيص أراضي من دول عربية دعمت أنظمة حكمها لعقود بهدف بناء مدن سكنية فيها للغزاويين من قبل مستثمرين عقاريين بكلفة 50 مليار مقابل منح كل مستثمر حصة بأرض وشاطيء القطاع ليتولى بعد إخلاء سكانها وعلى نفقته جرف ركام الحرب والأنفاق وإقامة ما يعيد استثماراته مع منع عودة غزاويين لكن أتاحت أمريكا للعرب تقديم بديل مقنع لنزع سلاح القطاع وإبعاد حماس عن حكمه

    1. يقول على:

      حماس هى غزة وغزة هى حماس. لا يمكن فصلهما عن بعضهما ألبعض. غزه لرجالها مش للمطبعين اللي تعاونوا مع الصهاينه

  4. يقول جاسر ابو حمد:

    الخطة العربية قدمت لترامب ما لم يحلم به وهو عين ما يريده الصهاينة ……..يريدون سلطة تنسيق امني وقتل كل ذرة خير في الشعب الفلسطيني وانشاء الكزنوهات والمراقص….. وضرب التعليم…….واغتيال اي معرض بالكلمة مثل نزار بنات…….واليوم قدمت السلطة قربنا في جنين……..كل هذا والسلطة مرفوضة عند الاحتلال…………..لماذا لم يفكر العرب مثلا خارج صندوق سمتوريش؟؟ ام ان الثمن معروف؟؟؟؟ من فوض العرب بالتنازل عن فلسطين؟؟؟؟ الذي يتنازل عن المقدس سهل التنازل عما دونه؟؟؟ خطتهم فاشلة ولن يقبل بها الصهاينة ؟؟؟ الامريكان عام 1904م جهزوا جيشا من مصر لمحاربة طرابلس الغرب في المعركة المشهورة التي ايضا هزم بها الامريكان وحاكم مصر يومئذ……….؟؟؟ والغرب اليوم يعيد التاريخ؟؟ وعلى العرب والمسلمين ان يعيدوا التاريخ؟؟؟؟ هذه المبادرات في التنازل اقرها العرب 2002م ورفضها الاحتلال؟؟؟؟؟

  5. يقول د. رامي:

    – الحديث عن التهجير أو نقل السكان بالنسبة للرئيس ترامب قد يكون حديث يقع في حدود المقترح ووجهة النظر، ولكنه بالنسبة للطرف الآخر فيبدو أنه بمثابة تكليف. اليمين مسكون بأفكار التهجير.
    – هل جميع التفاصيل المهمة التي لها علاقة بمدى وضوح وقابلية تنفيذ الخطة المصرية/العربية على أرض الواقع مذكورة وحاضرة في الخطة؟!. الأطراف الدولية والأطراف المرشحة للمساهمة في تمويل الإعمار يهمها قياس مدى قابلية الخطة أن تتحول لبرنامج عمل مستقر وناجح على الأرض، وهذا القياس مرتبط بوضوح وواقعية تلك التفاصيل في الخطة ؟!…
    هذه الأطراف سوف تبحث عن وجود تلك التفاصيل في سطور وصفحات الخطة…
    – هل هناك تشبيك سياسي ودبلوماسي عربي حقيقي وفاعل وظاهر نحو تحقيق دعم وإعتماد دولي وأممي “شرعنة سياسية ودافعة مالية” للخطة المصرية/العربية؟… إلى هل هناك حالة تشبيك سياسي ودبلوماسي نشطة وفاعلة أم يتمايز ويتباين مستوى ومحتوى جهد الدول العربية في هذا الصدد؟!.

    1. يقول د. رامي:

      في المشهد صار هناك شعب منهك جدا، مكلوم جدا، بائس جدا، وحيد جدا جدا، ومتلهف للإلتفاف حول من يحنو عليه…

      يكاد لا يمكن عقد قراءة صحيحة للصورة الأصغر بدون الفحص والتمعن للصورة الأكبر…

  6. يقول عماد غانم:

    ورث هذا الجيل عن الآباء والأجداد عقلية سلبية هدامة وبليدة، هل كانت “حرب 1948” نكبة؟ أو حتى حرب؟ قالوا لنا “أن الزعماء العرب وجهوا نداءات بهجرة مؤقتة وحاربوا بأسلحة معطوبة” وكان العالم العربي خاضع للاستعمار والانتداب والمستقل الوحيد عبدالعزيز آل سعود رفض قطعياً في لقاءه مع روزفلت كيان لليهود على أرض عربية وأرسل إبنه فيصل”14 سنة” ليؤكد على ذلك في الأمم المتحدة

اشترك في قائمتنا البريدية