الدبيبة يسحب قراراً مثيراً للجدل تضمن إلغاء كافة منظمات المجتمع المدني التي تم تأسيسها بعد الثورة الليبية دون مراعاة أحكام القانون

نسرين سليمان
حجم الخط
0

طرابلس – «القدس العربي»: جدل كبير عاشته الأوساط المحلية الليبية على مدار أسبوع كامل على إثر صدور فتوى من إدارة القانون في المجلس الأعلى للقضاء تؤكد أن كل منظمة مجتمع مدني شُكلت عقب عام 2011 أي بعد الثورة الليبية التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي، تعتبر ملغاة وفي حكم العدم.
وأصدرت إدارة القانون خطاباً أوضحت فيه وبشكل صريح رأيها حول منظمات المجتمع المدني، الذي أكدت من خلاله «عدم شرعية كافة الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني التي لم يتم تأسيسها استناداً إلى أحكام القانون رقم 19 لسنة 2001 بشأن الجمعيات الأهلية».

دواع قانونية..

الإدارة قالت حسب الخطاب الصادر عنها، إنه «لا يجوز البتة تشكيل الجمعيات الأهلية وسائر منظمات المجتمع المدني الأخرى إلا إذا كان هناك قانون ينظم تكوينها تكويناً محكماً من حيث تحديد عدد أعضائها والشروط الواجب توافرها فيهم».
وتابعت الإدارة أنه «بناء على ما سبق فإن كافة المنظمات والجمعيات التي تم تشكيلها استناداً إلى لوائح تنظيمية صادرة عن السلطة دون الاستناد لأي قانون، فإنها والعدم سواء، ويجب على الجهات العليا في الدولة أن تتخذ الإجراءات اللازمة لحلها، ويستثنى من ذلك الجمعيات الأهلية التي أسست استناداً إلى القانون رقم 19 لسنة 2001 بشأن الجمعيات الأهلية الذي لا يزال سارياً ونافذاً».
اتهامات كبيرة طالت شخص رئيس حكومة الوحدة الوطنية الذي دعم هذا القرار، وشككت في نواياه، خاصة مع وجود أكثر من 6000 منظمة مجتمع مدني في ليبيا ظلت تحت طائلة الخطر مع صدور هذه المخاطبة .
ضغوط كبيرة تعرض لها الدبيبة حتى اضطر إلى التراجع عن رأيه جزئياً، حيث أمر رئيس حكومة الوحدة الوطنية باستمرار عمل المنظمات الأهلية المحلية والأجنبية غير الحكومية، شريطة أن تصحح أوضاعها القانونية وفق قرار حكومي.
وأوضح القرار أن تصحيح الأوضاع قانونياً يكون من خلال الإجراءات المعتمدة لدى لجنة دراسة شهر الجمعيات الأهلية.
وحمل القرار توجيهاً باستمرار عمل المنظمات العربية والدولية الحكومية بالتنسيق مع لجنة إعادة برامج الدعم من المنظمات الدولية.
ووصف رئيس الحكومة دور المنظمات بـ «المهم»، معتبراً أن العلاقة مع الدولة علاقة تكامل وتبادل للأدوار، وفقاً لوصفه، مؤكداً خلال القرار إيلاء الحكومة للمؤسسات والمنظمات الأهلية والمدنية قدراً كبيراً من الاهتمام، طبق قوله.
وعقب إصدار القرار الأول، أثير جدل كبير وموجة رفض واسعة؛ حيث طالب المجلس الوطني للحريات العامة بإصدار قانون ينظم عمل المجتمع المدني بهدف «تكريس حقوق المواطن في التعبير، وتكوين الجمعيات بكل حرية، ويضمن استقلاليتها، وينظم عملها»، وفق بيان له.
وبعد اجتماع عقدته منظمات ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في طرابلس لمناقشة الرأي القانوني الصادر من إدارة القانون بالمجلس الأعلى للقضاء حول عدم شرعية تلك المنظمات، أعلنت المنظمات عن رفضها للفتوى التي رأت فيها عدم شرعية مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في ليبيا.
وقالت المنظمات والجمعيات الأهلية، في بيان، إن استدلال إدارة القانون بالمجلس الأعلى للقضاء بالمادتين (15) و(34) الواردتين في الإعلان الدستوري المؤقت، في غير محله ويتعارض مع ما آلت إليه الفتوى.
وأضاف البيان أن المادتين تدعوان لضمان حماية الحقوق والحريات وصونها وتعزيزها، والتي في مقدمتها ضمانات تكوين الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وحرية عملها.
ورفضت منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية ما وصفته بـالإساءة والتشويه والتحريض عليها وتخوينها، والتي شكلت انتكاسة خطيرة في مسيرة حماية الحقوق والحريات في ليبيا.
ودعا البيان، المجلس الأعلى للقضاء بوصفه الضامن والحامي للحقوق والحريات وإدارة القانون بالمجلس بإعادة النظر في الفتوى لما لها من مخالفات وتجاوزات قانونية، وفق تعبير البيان.
وطالب مجلس النواب الليبي بسرعة العمل على إقرار قانون ينظم عمل المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في ليبيا بما يتوافق ومتطلبات المرحلة والمتغيرات السياسية والضمانات الدستورية والقانونية الحامية للحقوق والحريات.

لقاءات منسقة..

وفي السياق ذاته، قالت رئيسة مفوضية المجتمع المدني طرابلس انتصار القليب، لوكالة الأنباء الليبية، إن المجتمعين شكلوا فرق عمل للتنسيق لإجراء لقاءات مع مجلس النواب وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وإدارة القانون بالمجلس الأعلى للقضاء؛ لتوضيح عمل منظمات المجتمع المدني.
وأضافت أن إخطار إدارة القانون حول عدم شرعية مؤسسات المجتمع المدني كان رأياً اجتهادياً وليس ملزماً لأي جهة، مشيرة إلى أن البت في شرعية المنظمات هو اختصاص وحق أصيل للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.
ولفتت القليب، إلى أن هناك منظمات ومؤسسات وجمعيات أهلية غير مقيده وغير معترف بها بالمفوضية وتعمل بلا إشهار، وتلك هي التي يجب أن يتم إيقافها عن الأعمال التي تقوم بها.
وقبل سحبه للقرار، دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الوزارات إلى الالتزام برأي إدارة القانون بالمجلس الأعلى للقضاء بشأن عدم شرعية منظمات المجتمع المدني المحلية والأجنبية المشكلة بعد 2011 ما لم تُشكل وفق بنود القانون 19 لسنة 2001.
ورداً على هذه القرارات، نفى مدير مفوضية مؤسسات المجتمع المدني فرع مصراتة رمضان معيتيق، صدور حكم محكمةٍ بإلغاء منظمات المجتمع المدني، مبيناً أن ليبيا تضمّ 6 آلاف منظمة مجتمع مدني.
وأوضح في تصريحات إعلامية أن الورقة المتداولة إعلامياً هي رأي قانوني لإدارة القضايا بالمجلس الأعلى للقضاء، أي أنّها فتوى كاشفة غير ملزمة، ولا تخص صناع القرار للعمل بها، وفق قوله.
وبشأن وقت صدور هذه الفتوى، بيّن معيتيق أنها جاءت بعد طعن تقدمت به مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني إلى محكمة جنوب بنغازي ضد اللائحة التنظيمية الصادرة عن المجلس الرئاسي رقم (286) عام 2018، التي تنص على تقييد العمل المدني، وقد أوقفت المحكمة القانون بصورة مستعجلة إلى حين البت فيه في جلسات المحكمة، وحتى الآن لم يصدر أي حكم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية